المحتوى الرئيسى

فزاعة الياس عطالله بقلم: د. أحمد هيبي

05/16 22:23

فزاعة الياس عطالله بقلم: د. أحمد هيبي الإغراق في التلويح لا في التصليح لماذا كلما زرعت وردة بأرضي حملت غُصنًا يافعًا فوق الاكتاف داسه الأغبياء؟ يبدو أن الدكتور الياس عطالله، قد وجد له فزاعة تشغله وتجلب له الخير الوفير. وقضية الفزاعات هذه موضة دارجة في العالم العربي في هذه الأيام (....) . أما فزاعة الياس فهي الأخطاء اللغوية في كتب تدريس العرب اليافعين في دولة اليهود. فلتفزع «جمعية التعاون» في جنيف، و«جمعية الجليل» في بريطانيا، لتمول مهرجانات أخطاء اللغة في الفنادق وعلى المنصات. تحت هذا الباب جاء ما يُسمّى «مهرجان المناهج والهوية» في الناصرة، وبعنوان فرعي لا يقل صخبا، «الإغراق في الخطأ». والذي كان الهدف منه «كشف تفاصيل جريمة تدمير اللغة العربية». كما جاء على لسان منظميه. (والحديث عن جنحة لا عن جريمة ...). وقد نبهني لهذا المهرجان العظيم - وما كنت لإنتبه - صديق. والذي كشف فيه الياس حامل لقب «حارس اللغة العربية» بنجاح منقطع النظير، عن 16000 (ستة عشر ألف) خطأ في كتب التدريس. منها أكثر من ألفي خطأ في كتب البواكير. وعلى الرغم من أني أحسد الذين يقيمون المهرجانات، وأحسد أكثر من يقدر على تمويلها، وحشد هذا العدد من المثقفين المتعلمين لها، لكن ليس هذا هو دافعي الى كتابة هذه الملاحظات: 1 - 16 ألف خطأ هو عدد كبير، ولا أظن أن في اللغة العربية 16 ألف موضوع مرشح للخطأ في هذه اللغة أو في غيرها. وقد شرح لي أحد «المتعلمين»، أن عدم كتابة همزة الوصل في مكانها الصحيح، (وفي كل ال - التعريف واحدة همزة وصل واحدة)، فان عدد الأخطاء في الصفحة الواحدة سيكون بعدد همزات الوصل، أي بالعشرات وبالمئات. قل مثل ذلك عن شَدَّةِ ياء النسبة في كتاب رياضيات، أو عن باب نصر ينصر أو فرح يفرح. 2 - كان الياس عطا الله قد التقاني قبل سنتين، في الكلية العربية للتربية، وأشهر أمامي فزّاعة الأخطاء في كتب التدريس، وقال لي أنهم طلبوا منه في وزارة المعارف أن يعمل في قسم المناهج في الوزارة - بأجر - وذلك لدرء هذه الأخطاء والتصدي لها في المهد وقبل أن ترى النور. ولكنه كعادته رفض تَرَفُّعا. والسؤال هو: لماذا رفض عطالله هذا الطلب المعقول، والذي يجعله فاعلا ومؤثرا في التخلص من أخطاء اللغة العربية في كتب التدريس، ويكفي الناس شر المهرجانات و «الجرائم بحق اللغة العربية»؟ 3 - في مرة ثانية التقاني فيها عطالله عرض لي قضيته - فزاعته عن أخطاء اللغة. فسألته ان كان قد وجد في كتبي أخطاء، فقال نعم، ولكنها أقل بكثير من باقي الكتب. وذكر لي أسماء كتب لم ترد في تقريره الأخير - مثل «المسارات» و «الأعداد الطبيعية»، و «سياقات». الله أدرى لماذا. ثم أني طلبت منه أن يرسل لي الأخطاء لأقوم بتصليحها، فلم يرسل. واتصلت به مرة ثانية ليرسلها فلم يستجب. وقبل طباعة الكتب مرة ثانية طلبتها فلم يرسلها. حتى تأكد لي أن هدف الباكي المتباكي ليس التصليح بل التلويح. 4 - إن من أصول البحث العلمي، والنزاهة العلمية، أن البحث يُنشر، وتنشر تفاصيله ومراجعه والأسس العلمية التي اعتمد عليها الباحث، ناهيك عن اسم الباحث، ونسخة الكتاب التي جرى فحصها .. لربما وجدنا فيها أخطاء لغوية هي الأخرى. أما أن يُضرب بالناقوس كل سنة أو سنتين، ويُسرّب لوسائل الاعلام اسم او اسمان، ويُحجب عنها اسم أو اسمان، فليس من شيم البحث العلمي، ولا من شيم الباحثين . 5 - في السنة الماضية، وبعد صدور كتاب «العربية لغتنا»، عن شركة مطاح - شركة عبرية، للصف الأول الابتدائي، لعب الياس عطالله دور «مدّاح القمر» للكتاب. وأنا سمعته بأذني في «اذاعة الشمس» يقول أن كتاب «العربية لغتنا»، هو الكتاب الدراسي الوحيد الذي لم يجد فيه خطأ واحدا. وهذه شهادة لا يُستهان منها اذا جاءت من حارس متمرس للغة العربية وغيور عليها. ولكن عندما عدت للكتاب اياه، محبا للاستطلاع، لم يستغرقني تصفح الكتاب بضع دقائق حتى اكتشفت فيه 3 أخطاء من الوزن الثقيل. أما معلمات الصف الأول اللواتي فرض عليهن هذا الكتاب، فقد وجدن فيه الكثير من الأخطاء بعدي. والغريب العجيب أن الدكتور - الباحث، رَوَّجَ لكتاب كان قد قال عنه في مقال سابق له بعنوان «المنهج المدبلج» أنه «باطل الأباطيل». اسمعوا: «ولأن كتاب الصف الأول الموجود في الأسواق الآن مبني على هذا المنهج واستمرار وتطبيق له، إضافة الى عوامل أخرى، فهو باطل أيضا ... ما يبنى على منهج باطل من كتب وأساليب تدريس ونظريات باطل هو أيضا» 6 - ان الياس عطا الله وهو كما يقول واضع بعضا من مناهج هذه اللغة بدعوة وانتداب من وزارة المعارف، هو جزء من المشكلة وليس الحل. ولا يشفع له هذه الفوقية المسرحية التي يتحدث بها، والترحيب الساذج الذي يلتقيه من بعض الجمهور. أين كان الياس عطالله مدرس اللغة العربية في المدارس الثانوية، ومؤخرا في الكلية العربية للتربية وجامعة حيفا؟ ولماذا أفاق الناطور متأخرا؟ اسمعوه يقول في مقالته التي اقتبسنا منها آنفا: «وحيث أنني أدعي أني أفك الحرف، وأخربش شيئا من المناهج، قررت أن أكون عربيا أصلح من العرب الصالحين... »! ثم خذوا على سبيل المثال كتاب «الجديد في قواعد اللغة العربية» للمدارس الثانوية، والذي اشترك العربي الصالح الياس عطالله في وضعه، سنة 2000 . بطلب رسمي من «تال» قسم المناهج في وزارة المعارف وجامعة حيفا، وبأجر مدفوع، ما الجديد الذي قدمه هذا الكتاب، وماذا كانت النتيجة على أرض الواقع؟ جاء في مقدمة الكتاب: «وهذا الكتاب بأجزائه يقدم منهجا جديدا لتدريس القواعد، فيه اجتهاد في ترتيب المواد ودقة في تعريفها». ما هو المنهج الجديد؟ وما هو الاجتهاد الجديد؟ أليس لكل شيء قديم أو حديث اسم يدل عليه؟ فما هو الجديد في «الجديد»؟ وما الخير العميم الذي قدمه، وهو الكتاب الرسمي الوحيد لتعليم قواعد اللغة العربية؟ لم يكن «الجديد» الا صيغة مهلهلة ومرقعة من كتاب علي الجارم ومصطفى أمين. أما النتيجة فترونها على أرض الواقع. كل هذا ونحن نرى طلابنا وطالباتنا الذين تعلموا قواعد اللغة في هذا الكتاب، قد فقدوا الصلة بقواعد اللغة العربية، حيث الغي الأعراب، والإعراب هو الإبانة والإفصاح كما يقول ابن قتيبة. كل ذلك بموافقة ومصادقة الناطور الأمين. اقرأوا ما كتب مؤيدا حذف الإعراب: «ذلك لأننا أيقنا صعوبة الاعراب لدى الناشئة، بل نزعم أن معظم الكبار لا يبقون منه الا ذكريات مريرة، وجهلا مطبقا بالقراءة المثلى» (ما علاقة القراءة المثلى؟). والصحيح أن عطالله وإخوانه كان ينبغي لهم تسهيل الإعراب وليس إلغاؤه. واذا كان عطالله يبكي شَدّةَ ياء النّسبه في مقاله، «المنهج المدبلج»، فليقرأ ما يكتبه شبابنا وشاباتنا في المواقع الالكترونية اليومية، ويرى ما صار اليه حال اللغة العربية على يديه. خليط من كلمات عبرية، وجمل عربية بأحرف انجليزية، تعابير عربية بلهجات محلية. 7 - المطلوب هو تيسير اللغة، والى الجحيم بهمزة الوصل، وشدة ياء النسبة، اذا استطعنا أن نحافظ على هيكل اللغة وجماليتها، وقربنا المتحدثين بها، لا أبعدناهم ونفّرناهم منها. ان عطالله وكثيرين غيره ممن يعتبرون أنفسهم القيمين على اللغة العربية في هذا البلاد، يصرون على التمسك بقشور اللغة، والبحث جاهدين عن الفرق بين همزة الوصل وهمزة القطع. ان اللغة العربية بحاجة الى تحديث ولم يعد ينفعنا سيبويه جديد، فقد سبقتنا الشعوب، ونحن لا نزال نضع حاجزا غليظا بين المفعول المطلق ونائب المفعول المطلق. بين الفاعل ونائب الفاعل، ونضع عشرين شرطا للمستثنى والمستثنى منه، ومثلها للمنادى وأنواع المفاعيل: المفعول فيه، ولأجله، وبه، ومعه، وعليه وفوقه وتحته. و «التشبيه» البسيط الذي جعله الله أداة للتعبير، وملأ به كتبه السماوية، جعله أهل البلاغة تشبيها بليغا، وتشبيه تمثيل، وكناية، واستعارة، والفرق بين الواحد والآخر مسير يوم. حتى صار النحويون ومن قديم مادة للسخرية ومصدرا للتندر. ولو كان قدماء اللغويين لديهم الوقت للإنشغال بهذه الخزعبلات، حين كانت اللغة العربية هي لغة العالم، فما عاد لأحد اليوم الوقت للانشغال بها، الا اذا أراد الترويج والتلويح والإفزاع وقانا الله منها جميعا. انشغال بالقشور دون اللباب. انظروا ما حدث للأمة التي انشغل علماؤها بـ «الحدث الأكبر» و «الحدث الأصغر» وتركوا الأمور الجوهرية. هجروا ابن رشد وانشغلوا بسنن وضوء الغزالي. ولكن مهمة اصلاح اللغة العربية، ونزع القشور عنها، هي مهمة أكبر من عطالله وتفكيره المحدود، المنشغل بالتفاصيل. -8 والذي يريد للغة اصلاحا ولكتب التدريس مثلها، لماذا لا يدعو مؤلفي الكتب الى مهرجانه؟ أم أن الهدف ليس التصليح بل التلويح؟ الذي يكتب عن آلاف الأخطاء لماذا يتحرج من كشفها؟ لكي نرى سخافة وسذاجة ما اكتشف؟ حقا إنه «الاغراق في الخطأ» بعينه ذلك الذي يدعو اليه الياس عطالله.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل