المحتوى الرئيسى

غادة نبيل تكتب: لن تحيا الجثة

05/16 14:51

عندما يتواصل إطلاق النار من " مجهولين " على الأقباط الرافضين لفض اعتصامهم  أمام ماسبيرو , حتى بعد طلب البابا منهم ذلك , فنحن أمام حالة مركبة من إعمال الفوضى والترويع الهيستيرى الذى لا يمكن أن ترضى عنه سوى بعض الممالك والأسر العربية الحاكمة الخائفة من عدوى الثورة وبالأخص نجاح نموذجها وبدء البناء فى الزعيمة العربية سابقاً – مصر – وأيضاً لا يمكن أن تكون مصدر رضا إلا لإسرائيل التى كانت بعض شعارات ولافتات الثورة بالميدان وقبل عزل الرئيس السابق تقولها صراحة : " كلموه عبرى ما بيفهمش عربى " , وأخرى تسخر من أنه لن يجد ملاذاً يمنحه اللجوء السياسى إلا إسرائيل حليفته الاستراتيجية وحليفة كل الأسر الرجعية العربية الحاكمة . تكتب الصحف " مجهولون " ويصدمنا أن يظل الأمر كذلك بالنسبة لأجهزة الداخلية والجيش بمخابراته وكلنا نعرف أن العناصر المجهولة  أياً من كانت , تنفذ مخططات لا تريد لهذه الثورة أن تنجح ليس فقط كنموذج للتحضر ولكن أيضاً لزعامة مصركدولة رائدة وزعيمة ( سابقاً ) تقلق صحوتها تقريباً كل الأنظمة العربية إن جمهوريات أو ملكيات أو إمارات . كيف يُفترض لجمع من المواطنين أن ينصرف لمجرد أن البعض ( بلطجية الحزب الوطنى , أو عناصر متشددة أو غيرهم ) سعى إلى تفريقهم بالغصب والترهيب ؟ . أليست هذه نفس وسائل الوطنى وأمنه العقيمين فيما قبل الثورة وأثنائها ؟ . كيف نفصل بين سيناريوهات التداعى المصنوع كل يوم باختلاف أسبابها وبين مانشيت جريدة سعودية رائدة منذ أيام يتحدث عن وجوب ( أى ضغوط ) معاملة الرئيس المصرى المخلوع كرئيس قبيلة ؟ . المصريون ما زالوا يُعاملون كمواطنين بلا حقوق داخل بلادهم بضغوط منظمة من الأسر والأنظمة التى تحارب ثورتنا كمعركة وجود أى بقاء أو موت بالنسبة لها. فمصر قوية تحمل ذكريات سلبية لأكثر الأنظمة البترولية وحتى الملكيات غير البترولية فى المنطقة  , تبدو فيها صورة عبد الناصر كعنصر تثويري يؤجج الشعوب , وهو ذات ما يحرك الرعب والحقد الخليجى العربى تجاه إيران ( مع فارق نوع الثورة ) لكى لا ننخدع بدعاوى الغيرة الطائفية المفتعلة .ربما لا تستطيع تلك الأنظمة التحرر من عقدتها أمام النموذج الملتصق فى أذهان جماهيرها عن الزعيم الملهم الكاريزمى الذى سيأتى كـ " صلاح الدين " ليرمى إسرائيل فى البحر ويحرر القدس , وربما تنذر فكرة عدم القدرة على منافسة زعيم كهذا – حال ظهوره – بتآكل ما تبقى من أشباح وخيالات مآته الملوك والأمراء , وإن كنا نشهد إجماعاً لا يقل عنفاً على حتم التخلص من طواغيت الرؤساء فى المشرق والمغرب بعالمنا العربى .تبقى مع هذا فكرة مصر الزعيمة , الصاعدة فى عصر نووى " إسلامى " محتمل , والساعية إلى علاقات ندية أمام الغرب , وربما الناظرة إلى قوس تلاحم  استراتيجى أوسع مع قوىكتركيا مثلاً ( أو حتى إيران بالمناسبة ) فكرة شديدة الإثارة , تصدق إمكانيتها إسرائيل قبل غيرها من الأنظمة الرجعية فى محيطنا الإقليمى . لكن المؤلم أن تناثر شائعات بأن المملكة السعودية عرضت أموالاً طائلة لمنع محاكمة رئيس مصرى أضر بشعبه وليس بالشعب السعودى , تعنى أن عقلية  " بعض " المواطنين الخليجيين التى أدت بواحد أو إثنين منهم إلى عرض شراء عربة الشهيد البوعزيزى وهو ما رفضه شقيقه بتوكيد كرامة وعزة الشهيد وفعلته : " العربة ليست للبيع " , مثل تلك العقلية التى تظن أن الفقر يخلق معادلة تؤدى إلى بيع أى وكل شئ , هى عقلية لا تحترم قيمة الشهادة ولا تفهم فكرة الثورة أو معنى فعلها . وأعلم أن هذا ليس أبداً موقف الكثير من إخوة الخليج لكنها العقلية التى تمت رعايتها بكل قوة فى مصر عبر العولمة المتوحشة وسحق إنسانية الفرد وإشاعة ثقافة تسيد المال بغض النظر عن مصدره فى العهد غير المبارك لبلادنا. وقد ثرنا على كل هذا الإتلاف . تطالبنا المملكة السعودية بمعاملة مبارك كرئيس قبيلة . لا يبدو أن أحداً يخجل من هذا التدخل الذى لا نفهم جرأته عدا كونه دفاعاً مستميتاً عن النفس . لكن فى غمار هذه الوصاية لصالح حامى حمى المصالح السعودية الأمريكية الإسرائيلية فى مصر تنسى بعض الأسر الحاكمة العربية أن مصر ليست ولم تكن يوماً قبيلة . الأمر الثانى أن رئيس القبيلة لا يُفترض أن يكون سارقاً . ولو كان رئيس العشيرة قاتلاً فالأمر يعود لأصحاب الثأر أو القصاص  , إما أن يتنازلوا ويقبلوا الدية مثلاً مقابل الدم , أو يتمسكوا بحق الدم . هذا هو القانون القبلى .لكننا طبعاً نشهد رداءة إنسانية مطلقة فى بعض الجمهوريات مثل نظام على عبد الله صالح والقذافى , حيث يتصرف كلاهما كمالك للأرض بما عليها من شعوب كما لو كانت تلك الشعوب عبيداً يحق للمالك قتلهم والأمر باغتصابهم . إن مصر كلها – عدا الحزب الوطنى المنحل –  لها ثأر مع الرئيس المخلوع , فماذا يقول أهالى شهداء الثورة ؟ . هل يحق لمصرى أن يقرر بدلاً عنهم عفواً عاماً عن القاتل ؟ , وإن كان ذلك فساداً واجتراءً فى غير موضعه , فما بالنا بأن يكون الأمر تنفيذاً لمشيئة أصدقاء القاتل وبطلب و "وساطة " منه ؟! .لقد سمعت من بعض الأصدقاء حكايات من نوع : ولم لا نقبل المال الذى يعوضنا خسارة اقتصادنا ونلتفت لما هو أهم فى الشأن الداخلى مثل الملف الطائفى وغيره . والحقيقة أنا لا أفهم  أن تقبل الثورة الإحسان . لا أفهم  أن نقبل أموالاً طائلة على سبيل التعويض , من بلد متورط فى غسيل أموالنا المنهوبة من قبل رئيس ما زال ينكر وأسرته كل فساد , بل يتبرأ حتى من دم الشهداء ببجاحة لا مزيد عليها , حين طالعتنا إحدى الصحف منذ فترة بجملة له يقول فيها :" أنا غير مسئول عن إطلاق النار على المتظاهرين"! ربما المتظاهرون إذن مسئولون عن إطلاق النار على أنفسهم ! . الأمر الآخر هو أن حبس سارق تصادف أنه حكم دولة وظل يسرقها فوق الثلاثين عاماً , يمنعه من التصرف فى مال الشعب المنهوب , فإن لم يكن الشعب سيقدر على استرداد حقه فالعدل يقضى ألاّ يتمتع المذنب بالحرية والغنيمة معاً . والنقطة الثانية التى سنكون قد أضعنا بها معنى ثورتنا هى فى تسييد قيم ما قبل الثورة على فعل الثورة النبيل ذاته . ليست هذه رومانسية فى غير موضعها لأن " انحناء " الثورة أمام المال بزعم أو دعوى احتياج الاقتصاد إليه وإفلات المجرم من العقاب يضعف القيم الجديدة التى ضحى الشعب بحياته فى سبيلها : أن نؤثر المعنى على المصلحة , والمبدأ على الفائدة , أو جعل المبدأ هو ذاته الفائدة . حين يتواصل الاستفزاز بحملات تأجيج الداخل عبر عناصر توصف بكونها مجهولة يحق لنا أن نتجاوز الشك إلى الإدانة الصريحة لخليط محتمل من تلك العناصر هدفه ترسيب " حالة الفتنة " لنفخ الروح , كما يتوهمون , فى جثة الصنم  الذى يستشرف المحاكمة مع عائلته ووزرائه . والمؤسف أن انكشاف الدور أو المخطط الرجعى لبعض الأنظمة الحاكمة " الشقيقة " لم يوقف من غلواء تدخلها المستمر والسافر إلى الآن . ولأن كانت إسرائيل والولايات المتحدة مستميتة سابقاً فى دعم نظام الصنم المصرى الذى أسقطناه , فلا أتوقع أنهما , أى إسرائيل والولايات المتحدة تهتمان بمصيرمحاكمته من عدمه , ففى كل من إسرائيل وحليفتها الأمريكية أنظمة " ديمقراطية داخلية " لا تؤله الحاكم وتسمح بمحاكمته  . المشكلة كلها إذن تبقى مع المملكة السعودية والأنظمة العربية المرتعدة من الثورات المجاورة , خاصة ثورة مصر .لقد فات النظام القبلى فى المملكة , أن الشعب المصرى لا يحكمه ملك أو شيخ عشيرة وأنه رفض الملكية منذ ما يقرب من ستين عاماً , ولهذا تبدو القراءة السعودية للواقع المصرى الجديد المبتدئ مع ثورة 25 يناير قراءة عجوز متأخرة , ترفض الاعتراف بالزمن أو بالدين الجديد .. الدين الذى اختاره المصريون الثوار , الذين لن يرتدوا إلى الجاهلية .

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل