المحتوى الرئيسى

خياران لا ثالثَ لهما

05/16 13:23

محمد أبوعبيد بحساب المقارنات الموضوعية بين مجتمعاتنا الشرقية - عرباً ومسلمين - من جهة, والمجتمعات التي صارت بجدارة من دول العالم الأول, يدرك المرء البون الشاسع بين الفسطاطين نظراً للتغيرات التي حدثت لدى من سبقونا بسبب ثورة اجتماعية تمخضت عنها ثورة صناعية ما كانت لتحدث لولا الأولى, كما أن الأولى لم تكن لتحصل لولا حركة المثقفين آنذاك والتي أدت إلى حراك شعبي انتصر في النهاية على عصور الظلام وحكم الديكتاتوريات وإنْ كلف الأمر المثقفين والعوام هدر دمائهم وموجة إعدامات. ما ظفر به الثائرون آنذاك, ومن بعدهم ثائرو أوروبا الشرقية, ولو بعد ردح طويل من الزمن, والذين سبق ربيعهم نظيره العربي سنة 1989, هو منظومة قوانين وضعت حقوق الإنسان وقيمته وكرامته فوق أي اعتبار من خلال سيادة القانون وتطبيقه حتى على من تبوأ أعلى مناصب السلطة دون استثناء. الأمر الذي يعني أن دولة القانون هي الدولة التي يصبح بمقدور شعبها أن يؤسس لمجتمع مدني وحضاري. ما ينقص الشرقيين, إذنْ, التأسيس لدول القانون خصوصاً في لجة الثورات والتغيرات التي تشهدها أصقاع العرب والتي بددت صقيع الخوف من ديكتاتورية الحاكم و"عربدة" زبانيته. ثمة قوانين تعفنت بتقادم الزمن ومازال معمولاً بها, وأخرى لا تراعي البتة حق الانسان العربي في حرياته, لذلك أضحى من الفرض سن قوانين جديدة أو تعديل قديمة توائم العصر المُعاش, وتنسجم مع كون مجتمعات الشرق فتية. بيد أن أمواج هذه الثورة القانونية تصطدم في الشرق بكاسرها وهي صخور العشائرية ومثلها الطائفية وما شابههما ولو بمسميات مختلفة. هذه الصخور أطاحت قوانين موجودة من ذي قبل, أو منعت خلق قوانين عصرية لمجرد أنها لا تتماشى مع عادات وتقاليد هذه العشيرة أو تلك القبيلة, وما جعل الأمر أنكى هو أن مجتمعات الشرق قاطبة قبلية عشائرية مذهبية طائفية وإن ارتدى الكثير من أفرادها البدلة وربطة العنق وبنطال الجينز, أو تخرجوا في جامعات هارفارد أو كامبردج او السوربون, إلا فئة منهم, أو الذين كان قدَرُهم أن لا يكونوا من سلالات قبائل وعشائر كبيرة. في ضوء هذا المشهد الواقعي السائد في الشرق, تصبح من غير الكافي عبارة "الشعب يريد إسقاط النظام" ولا حتى إصلاحه, من دون التقليل من أهمية ما حدث ويحدث وسيحدث. لكن الشرقيين في حاجة إلى ما هو أكثر من تغيير رئيس ووزير, إنهم في حاجة إلى ثورة جذرية تسقط أيضاً "ثقافة" أن العشيرة فوق القانون, وأن ابنها يستمد سلطة أو قوة لمجرد أنه من نسلها فلا يجوز للقانون أن يمسه, فالمجتمع المتمدن هو الذي لا فرق فيه بين فقير وغني وابن عشيرة خلف قضبان السجن إذا أذنبوا جميعاً, ولا تكون مادة من قانون العقوبات مثل الملتينة يشكلها القاضي حسب قياس أهمية الجاني. القانون والعشائرية في شرقنا على طرفي صراع, وانتصار أحدهما على الآخر يقود المجتمع إما إلى مزيد من الجاهلية والتخلف وهذا بانتصار العشائرية, أو إلى مجتمع مدني حضاري وهذا بانتصار القانون وسيادته على الجميع بلا استثناء.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل