المحتوى الرئيسى

> حرب غير مقدسة

05/15 21:15

في فيديو تم تداوله بكثافة علي مواقع الانترنت رأينا سلفياً غاضباً يتوعد بإحراق الكنائس، ويؤكد "ببراءة" يحسد عليها أنه ورفاقه ممن تجمهروا أمام كنيسة مارمينا في إمبابة لم يحملوا سوي الطوب، بينما حمل من في الكنيسة أسلحة نارية. لم ينتبه هذا الشخص الذي كان كلامه يقطر عنصرية وحقداً إلي أن ذهابه إلي الكنيسة ومحاصرتها مع رفاقه لاخراج "أختهم" عبير، وتعديهم علي دور الدولة والقانون، يدينهم قبل أن يدين أي طرف آخر. كلام هذا الرجل، وهو بالمناسبة يعبر عن كثيرين مثله، مع كل عنفه ينطلق وللمفارقة من موقع الضحية. ففي طيات كلامه نتبين بسهولة رؤيته لنفسه ولرفاقه كضحايا "مسالمين" فوجئوا بأسلحة نارية تهاجمهم من الكنيسة، ومن المستحيل اقناعه، بالنظر لمنطقه هذا، بأن محاصرتهم للكنيسة وتعديهم عليها جريمة تستحق عقاباً رادعاً وفورياً. المسكوت عنه في هذا الكلام، أن أصحابه يعتبرون أنفسهم في ساحة حرب. الرجل هنا، لا يتكلم كفرد مستقل، إنما كترس صغير في آلة أكبر.. في فريق يواجه فريقاً معادياً. كلامه يضعنا بلا مواربة أمام الاستقطاب المخيف: رعايا الدولة الإسلامية المحلوم بها في معركتهم ضد شعب الكنيسة. وهو استقطاب لم تنج الكنيسة بدورها من الوقوع في فخه. والنتيجة أن الأفراد (وفاء، كاميليا، عبير، ....واللائحة قد تطول) يتحولون رغماً عنهم إلي ورقة ضغط في لعبة خطرة وحرب تكسير عظام لن يستفيد منها إلا أعداء الثورة الراغبين في القضاء علي مكاسبها. هذا الاستقطاب يمكننا تلمسه أيضاً في بيان الدعوة السلفية حول "أحداث امبابة" ولكن هذه المرة عبر لغة أكثر اعتدالاً وحياداً. يطالب البيان الدولة ببسط سلطتها "علي جميع الأماكن، والأفراد وألا يكون أحد فوق المساءلة القضائية علي ما يرتكب مِن مخالفات، وضرورة التخلص مِن ممارسات "النظام السابق"؛ الذي أشعل نار الفتنة بـ"تسليم مواطنين مصريين" لجهات ليس لها حق احتجازهم". وهذا شيء نوافقهم عليه مع التشديد علي أن يسري ذلك علي السلفيين أيضاً بحيث لا تعطي جماعة منهم لنفسها الحق في اقتحام أو محاصرة كنيسة أياً كانت الحجة، فبسط سلطة الدولة يجب أن يشمل الجميع مسيحيين ومسلمين، كما يجب أن يتضمن بالأساس حماية حرية الأفراد كمواطنين متساوين أمام القانون. لكن ما نشهده أننا كل يوم نستيقظ علي من يجروننا في فتنة جديدة في سبيل المطالبة بـ"أخت" أسلمت، كأنها تحولت إلي غنيمة حرب يجب أخذها بالقوة، وحين تخرج هذه "الأخت" كي تنفي اسلامها وتؤكد تمسكها بدينها الأصلي تظهر فجأة أخت أخري تسيل الدماء من أجل "تحريرها". وبالعودة للبيان المشار إليه نجده يؤكد خطورة "الاستقواء بالخارج"، و"جريمة المطالبة بالتدخل الأجنبي في شئون مصر"، وهو أمر لن نختلف معهم فيه، لكننا سنضيف إليه التأكيد علي رفض جريمة أخري تناساها البيان وهي جريمة رفع مصريين أعلام دولة أخري، هي السعودية، كما فعل سلفيون في أحداث قنا. فسلطة الدولة لا يصح أن تُبسط علي طرف دون الآخر، كما لا يصح التباطؤ في تنفيذ القانون والاكتفاء بطريقة المجالس العرفية و"الصلح خير" لأنها مسكنات تفاقم المرض بدلاً من أن تقضي عليه. وبما أننا نتكلم عن مرض، فالخطوة الأولي لعلاجه هي الاعتراف به، بدلاً من الاستمرار في انكاره. الاحتقان الطائفي موجود وتمت تغذيته علي مدي عقود. نعم هناك ثورة مضادة ومتربصون يعملون بلا كلل علي توريطنا في العنف الطائفي والفوضي الشاملة، لكن علينا أيضاً أن نعترف بوجود متعصبين بيننا يعميهم تعصبهم عن رؤية قيم التسامح ناهيك عن التحلي بها، وهنا لا أقصد السلفيين وحدهم. تبقي الإشارة إلي جملة كتبها صديق في صفحته علي موقع الفيس بوك هي: "من السهل أن تشتم السلفيين... لكن التحدي الحقيقي هو كيف تستوعبهم تحت شمس الدولة المدنية". وقد يكون معه حق في أن الدولة المدنية التي نحلم بها عليها قبول الاختلاف والاتساع للتيارات المتنوعة والمتباينة انطلاقاً من مبدأ حرية الرأي، لكن ثمة فارقاً كبيراً بين سلفيين مسالمين لا يحاولون فرض أفكارهم ويحترمون القانون والدولة حتي لو اختلفنا جملة وتفصيلاً مع أفكارهم، وبين متعصبين يعتبرون أنفسهم في "حرب مقدسة" تقتضي القتل والعنف وترويع الآمنيين. كما أن، وهذه هي النقطة الأهم، حرية الرأي لا تعني أبداً العنصرية والتحريض علي العنف الطائفي بل الانخراط فيه. ما حدث جريمة بشعة سالت فيها دماء أبرياء ولا يجب التغاضي عن هذا أو تمريره دونما عقاب قانوني يستند إلي نتائج تحقيقات جادة. سيادة القانون وعدم التهاون مع من يتقاعسون عن أداء دورهم من رجال الشرطة هو ما نحتاجه الآن وما يجب أن نطالب به، بدلاً من المطالبة بتطبيق الأحكام العرفية كما رأينا البعض يفعل في تجاهل صارخ للأهداف التي قامت الثورة من أجلها. فالشهداء سقطوا من أجل الحرية والكرامة، لا من أجل التخلص من ديكتاتور والإتيان بديكتاتور جديد، والثوار الذين استبسلوا وهم يطالبون بإلغاء قانون الطوارئ، لم يفعلوا هذا كي ينادي من أفزعتهم الأحداث الأخيرة بفرض الأحكام العرفية. روائية وصحفية مصرية

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل