المحتوى الرئيسى

استحقاق أيلول سقط في أيار بقلم: غسان يوسف

05/15 19:01

  استحقاق أيلول سقط في أيار  بقلم: غسان يوسف منذ أكثر من عامين وحكومة السيد فياض تبشر الشعب الفلسطيني بإنهاء الاحتلال وبناء المؤسسات. وصاغت خطط ومشاريع تنموية وخطط لبناء مؤسسات دولة لتكون جاهزة ومكتملة في شهر أيلول 2011 لإدارة الدولة الموعودة لحظة إعلانها، أو حين حلول ما بات يعرف باستحقاق أيلول. هذا الاستحقاق مبني على ما قاله الرئيس الأمريكي بإمكانية انضمام عضو جديد للأمم المتحدة ( دولة فلسطينية) نتيجة اتفاق من المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين والتي تعطلت وتوقفت كما هو معروف. وقد انهالت علينا تقارير تقييم أداء تلك الحكومة وانجازاتها المتميزة في مجالات اقتصادية واجتماعية وسياسية وخدماتية، بل وكانت نتائج النمو السنوي على الصعيد الاقتصادي حسب تلك التقارير تضاهي معدلات نمو جمهورية الصين. تلك الخطة حول إنهاء الاحتلال أو استحقاق أيلول أشاعت أجواء من التفاؤل وصلت حد الوهم بأننا على موعد مع الاستقلال والتحرر من الاحتلال في أيلول بمجرد أن نكون قادرين على بناء مؤسسات سلطوية فعالة وذات كفاءة إدارية عالية. حيث تحسنت قدرة السلطة الفلسطينية على الصعيد التنظيمي والإداري والقدرة على استخراج وزيادة الموارد الذاتية ( الضرائب والرسوم) وتحسنت قدرتها التوزيعية (الرواتب والخدمات) نوعا ما. وتغنت الحكومة الفلسطينية بأنها أصبحت تعتمد بصورة كبيرة في نفقاتها وموازنتها على الموارد الذاتية وقللت الاعتماد على المساعدات الخارجية والدعم الدولي. وخلقت هذه الحكومة جوا دعائيا واحتفاليا بالانجازات اليومية التي تحققها في بناء المشاريع التنموية والخدمية، بالتزامن مع تصفيق ومديح كتاب ومسئولين ومثقفين لتلك الانجازات حتى وصل الأمر بأحد المهللين إلى القول أننا في فلسطين ندشن مشروعا كل ساعتين !! وهناك أصوات أخرى رأت في خطة الحكومة بأنها خطة قاصرة وغير واقعية لأنها تتجاهل وجود الاحتلال والقيود التي يفرضها، وانعدام السيادة والسيطرة على الموارد، إضافة إلى ما تفرضه علينا الاتفاقيات السياسية والاقتصادية والأمنية من التزامات مجحفة، والتي تؤكد حكومتنا صبح مساء على الالتزام بها. فكيف سنقوم بالإعلان عن الدولة من طرف واحد، وكيف سنتصرف عندما يقوم الاحتلال باتخاذ إجراءات عقابية مثل إغلاق المعابر وقطع الطرق بين المدن وتقييد حركة المسئولين والمواطنين واحتجاز أموال الضرائب، وغيرها من الإجراءات. وما الفائدة من إعلان الدولة إذا كنا نعرف سلفا بأن الإعلان لن يغير من واقع الاحتلال شيئا؟ فهل مهمتنا وبرنامجنا الوطني يقتضي الإعلان عن الدولة أولا أم التخلص من الاحتلال والتحرر منه قبل ذلك؟ واعتبر الكثير من القوى والأحزاب والمثقفين والخبراء أن خطة الحكومة تلك بإنهاء الاحتلال من خلال بناء المؤسسات وإعلان الدولة بأنها تضع العربة أمام الحصان، إذ لا يمكن التحدث عن دولة ومؤسسات دولة تمتلك السيطرة والسيادة والقدرة الوظيفية بوجود الاحتلال وسيطرته وتحكمه بكل مجريات الأمور على الأرض الفلسطينية. كما أن الحديث عن النمو الاقتصادي وتزايد الاعتماد على الموارد الذاتية مبالغ فيه ولا نرى له انعكاس في وجود تنمية مستقرة وأساس اقتصادي متين، حيث أن كل ذلك خاضع لسياسة الاحتلال. وفي مقابل زيادة القدرة على جباية الرسوم والضرائب وزيادة العبء على المواطنين، لا نجد تطور ملحوظ في الخدمات وتحسن في نوعية الحياة التي على الحكومة توفيرها للمواطنين، بل إن معدلات البطالة والفقر لم تنخفض كنتيجة لما يشاع عن النمو والانتعاش الاقتصادي. وقد واجهت تلك الحكومة أزمة مالية أفقدتها القدرة على الوفاء بالتزاماتها تجاه الموظفين نتيجة احتجاز إسرائيل لمستحقات السلطة من أموال الضرائب وعدم تحويلها كعقاب على اتفاق المصالحة بين فتح وحماس. هذه الأزمة التي نتجت عن احتجاز إيرادات الضرائب لشهر واحد فقط تعطي صورة واضحة عن إمكانية وواقعية تطبيق ما تعمل وتروج له هذه الحكومة بما يسمى استحقاق أيلول. فإذا كان احتجاز عائدات الضرائب هو رد الفعل الأبسط المتوقع من الاحتلال في أيلول، بل يضاف إلى ذلك إجراءات وقيود اشد وأكثر ضد كل مناحي الحياة الفلسطينية، فما هي الخطط والاستعدادات البديلة عند حكومتنا للرد على الاحتلال ولضمان نجاح خطتها في أيلول؟ الحكومة تقول أنها في أزمة مالية نتيجة خطوة عقابية صغيرة من الاحتلال، فكيف ستعمل مؤسساتها وتقوم بالتزاماتها المختلفة تجاه المواطن عندما تجد نفسها محاصرة من الاحتلال في كافة المجالات وليس فقط على صعيد أموال تشكل جزء من موارد السلطة الفلسطينية؟ وهل تبقى في الواقع الفعلي أية حظوظ أو إمكانية للوفاء بما يسمى استحقاق أيلول ما دامت الحكومة لا تمتلك أية خطط بديلة للرد على إجراءات الاحتلال المتوقعة والمحسوبة سلفا؟ إننا نعتقد بأن ذلك الاستحقاق لا يمتلك مقومات النجاح ولا التطبيق الفعلي، لأنه يعيد العمل بنفس الآلية التي سار عليها اتفاق اوسلو، وهي بناء مؤسسات دولة تحت جناحي وسيطرة ورقابة ورضا الاحتلال، الذي لا يمكن له أن يتنازل ويقر بحقوقنا بدون أن يشعر بأنه مشروع خاسر. والواقع عكس ذلك، فالاحتلال أصبح مشروعا مربحا لإسرائيل في ظل قيام سلطتنا بتوفير الأمن والاستقرار له، وفي ظل قيامها بتحمل كافة تكاليف وتبعات الخدمات للمواطنين تحت الاحتلال، وإعفاءه من تحمل أية التزامات ومسؤوليات في الوقت الذي يقوم هو فعلا بالتحكم والسيطرة على منافذ وموارد الشعب الفلسطيني في كل مجالات حياته. إننا نرى سقوط استحقاق أيلول منذ اليوم في أول اختبار حقيقي في المواجهة مع الاحتلال، حيث أن أزمة السلطة المالية وعدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها يثبت أن التحرر من الاحتلال ومن قيود الاحتلال ومن قيود الاتفاقيات التي يلتزم بها الطرف الفلسطيني وحده، هو السبيل إلى بناء الدولة وليس العكس. إن بناء الدولة ومؤسساتها تحت سيطرة الاحتلال وفي ظل قوانينه وأوامره التعسفية هو ضرب من ضروب إشاعة الوهم بأن هناك إمكانية لنيل الحرية والاستقلال بدون نضال عنيد ومستمر يستند إلى برنامج سياسي وطني.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل