المحتوى الرئيسى

مؤرخ إسرائيلي يكتب‏:‏ اختراع الشعب اليهودي

05/15 12:43

صدر حديثا عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية‏'‏ مدار‏'‏ وفي الوقت نفسه عن منشورات المكتبة الأهلية في عمان كتاب‏'‏ اختراع الشعب اليهودي‏',‏ من تأليف البروفسور شلومو ساند‏,‏ أستاذ التاريخ في جامعة تل أبيب‏,‏ وذلك في ترجمة عربية راقية أنجزها سعيد عياش ودققها أسعد زعبي وراجعها وقدم لها أنطوان شلحت‏.‏ ويعتبر هذا الكتاب واحدا من أكثر الدراسات المثيرة إن لم يكن الأكثر إثارة في تاريخ اليهود التي رأت النور خلال السنوات الأخيرة‏.‏ ويقوم ساند فيه برحلة نبش تمتد علي مدار آلاف السنوات إلي الوراء‏.‏ وكانت حصيلتها النهائية طرحا مسهبا يثبت أن اليهود الذين يعيشون اليوم في إسرائيل وفي أماكن أخري من العالم ليسوا علي الإطلاق أحفاد‏'‏ الشعب العتيق‏'‏ الذي عاش في‏'‏ مملكة يهودا‏'‏ إبان فترة‏'‏ الهيكل الثاني‏'.‏ وبحسب ما يقوله فإن أصولهم تعود إلي شعوب متعددة اعتنقت اليهودية علي مر التاريخ في أماكن شتي من حوض البحر الأبيض المتوسط والمناطق المجاورة‏,‏ وأن هذا يشمل أيضا يهود اليمن‏(‏ بقايا مملكة حمير في شبه الجزيرة العربية التي اعتنقت اليهودية في القرن الرابع الميلادي‏)‏ ويهود أوروبا الشرقية الإشكنازيين‏(‏ وهم من بقايا مملكة الخزر البربرية التي اعتنقت اليهودية في القرن الثامن الميلادي‏).‏ وخلافا للـ‏'‏ مؤرخين الإسرائيليين الجدد‏'‏ الآخرين‏,‏ الذين سعوا إلي تقويض مسلمات الهستوريوغرافيا الصهيونية وحسب‏,‏ فإن ساند لا يكتفي في هذا الكتاب بالعودة إلي سنة‏1948‏ أو إلي بداية الحركة الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر‏,‏ بل يبحر آلاف السنين إلي الوراء‏,‏ ساعيا إلي إثبات أن الشعب اليهودي لم يكن أبدا‏'‏ شعبا عرقيا‏'‏ ذا أصل مشترك‏,‏ وإنما هو خليط كبير ومتنوع لمجموعات بشرية تبنت خلال مراحل مختلفة من التاريخ الديانة اليهودية‏.‏ وبحسب قوله فإن النظرة الميثولوجية إلي اليهود كشعب عريق أدت بعدد من المفكرين الصهيونيين إلي تبني فكر عنصري تماما‏.‏ ويقول ساند‏'‏ كانت هناك فترات في أوروبا إذا ما قال فيها أحد بأن جميع اليهود ينتمون إلي شعب ذي أصل غير يهودي فإن مثل هذا الشخص كان ينعت فورا باللاسامية‏.‏ أما اليوم فإذا ما تجرأ أحد ما علي القول إن الذين يعتبرون يهودا في العالم‏(...)‏ لم يشكلوا أبدا شعبا أو قومية‏,‏ وإنهم ليسوا كذلك حتي الآن‏,‏ فإننا نجده يوصم في الحال بكراهية إسرائيل‏'.‏ وهو يري أن وصف اليهود كشعب مشرد ومعزول من المنفيين الذين‏'‏ عاشوا في تنقل وترحال علي امتداد الأيام والقارات ووصلوا إلي أقاصي الدنيا وفي نهاية المطاف استداروا مع ظهور الحركة الصهيونية كي يعودوا جماعيا إلي وطنهم الذي شردوا منه‏'‏ ما هو إلا‏'‏ خرافة قومية‏'‏ فاقعة‏.‏ ويضيف أنه‏'‏ في مرحلة معينة من القرن التاسع عشر أخذ مثقفون من أصل يهودي في ألمانيا علي عاتقهم مهمة اختراع شعب بأثر رجعي‏,‏ وذلك من منطلق رغبتهم الجامحة في اختلاق قومية يهودية عصرية‏.‏ ومنذ المؤرخ هاينريخ غيرتس شرع كتاب ومثقفون يهود بإعادة كتابة تاريخ اليهود كتاريخ شعب تحول إلي شعب مشرد وانعطف في نهاية المطاف ليعود إلي وطنه‏'.‏ وتتصدر كتاب‏'‏ اختراع الشعب اليهودي‏'‏ مقدمة كتبها المؤلف إلي قراء الطبعة العربية وأشار فيها ـ ضمن أمور أخري ـ إلي أنه أنجز هذا الكتاب بعد التقدم المفاجئ للهستوريوغرافيات المسماة في إسرائيل‏'‏ ما بعد صهيونية‏'.‏ وأضاف‏:‏ لقد تلقفت إنجازات علوم الآثار الإسرائيلية الجديدة‏,‏ وأضفت لذلك تحليلا لأبحاث تاريخية قديمة منسية ودمجتها سوية مع نظريات عصرية في بحث الأمة والقومية‏.‏ وربما لم أكتشف أي جديد في هذا الكتاب‏,‏ ومع ذلك فقد أزلت الغبار عن مواد جري تهميشها ونظمت المعلومات بشكل نقدي لم يسبق ـ وفقا لمعرفتي ـ أن تم طرحه قبل ذلك‏.‏ وقد اتهمني المؤرخون الصهاينة بأني منكر الشعب اليهودي‏.‏ ورغم أن نيتهم غير الشريفة من استعمال هذا المصطلح هي التذكير بالجرم القبيح المسمي‏'‏ إنكار المحرقة‏'‏ فلا بد لي من الاعتراف بأنهم كانوا علي حق‏.‏ فعلي الرغم من أن مصطلح‏'‏ شعب‏'‏ فضفاض‏,‏ وغير واضح جدا‏,‏ إلا أنني لا أعتقد بأنه كان في أي زمن مضي شعب يهودي واحد‏.‏ لقد كان هناك ولا يزال يهود ومسلمون في التاريخ‏,‏ وتاريخهم غني‏,‏ متنوع ومثير‏.‏ واليهودية‏,‏ شأنها شأن المسيحية والإسلام‏,‏ كانت علي الدوام حضارة دينية مهمة وليست ثقافة‏-‏ شعبية قومية‏.‏ إن الذي وحد اليهود علي مر التاريخ هو مكونات عقائدية قوية وممارسة طقوس غارقة في القدم‏.‏ ولكن‏,‏ مثلما نعلم جميعا فإنه لا موطن للإيمان‏,‏ وخلافا لذلك فإن الشعوب ينبغي أن يكون لها وطن‏.‏ لذلك اضطرت الصهيونية إلي تأميم الديانة اليهودية وتحويل تاريخ الجماعات اليهودية إلي سيرة شعب‏'‏ أثني‏'.‏ وأكد مركز مدار‏,‏ في كلمات التقديم‏,‏ أن المساهمة الأساسية لهذا الكتاب المهم كامنة في نبش الماضي وإيضاح صيرورة الحاضر‏,‏ بواسطة فتح النار علي الاعتقاد الملفق بالأصل الواحد للشعب اليهودي العرقي‏.‏ وهو يعد الإيضاح المحدث‏,‏ من حيث تناوله الطروحات المتداولة في هذا الشأن حتي الفترة الراهنة‏,‏ بما في ذلك ضمن مجال الدراسات البيولوجية والوراثية‏.‏ وفضلا عن ذلك فإن ساند يصوغ رؤية تتعلق بالمستقبل تبدو مسنودة بفهم الماضي فهما واقعيا‏.‏ وما يتبين علي نحو جلي من رؤيته هذه هو أنه مناهض للكينونة التي تحكم إسرائيل علي نفسها البقاء في خضمها والتي يري أنها تنذر بأوخم العواقب‏.‏ وكان كتاب‏'‏ اختراع الشعب اليهودي‏'‏ قد أثار منذ صدوره لأول مرة باللغة العبرية في العام‏2008‏ ولا يزال يثير مناقشات عاصفة في إسرائيل وخارجها‏,‏ نظرا لكونه‏'‏ أحد أكثر الكتب إثارة وتحديا‏,‏ مما لم تألفه الأبحاث الإسرائيلية‏.‏ كما أنه ترجم إلي لغات عديدة في العالم‏.‏ وقال عنه المفكر العالمي المعروف إريك هوبسباوم إنه بمثابة‏'‏ تمرين ضروري في حالة إسرائيل من أجل تفكيك الخرافة القومية التاريخية والدعوة إلي إسرائيل التي يتشارك فيها علي قدم المساواة سكانها كافة‏'.‏ أما المؤرخ توني جادت فأشار إلي أن ساند‏'‏ أعاد بناء تاريخ اليهود وقام بإدماجه في القصة العامة للبشرية‏,‏ بدلا من أسطورة الأمة الفريدة والمصير الخصوصي‏-‏ الشعب المطرود‏,‏ المعزول‏,‏ التائه‏,‏ والعائد أخيرا إلي وطنه الحق‏'.‏ وأشار الكاتب اللبناني إلياس خوري إلي أن‏'‏ مقولات ساند تذهب إلي المحرم وتفككه‏,‏ وهو بهذا ينقل النقاش التاريخي الإسرائيلي من إطار المؤرخين الجدد الذين كشفوا وقائع النكبة والطرد المنظم عام‏1948,‏ إلي أفق جديد قوامه إعادة نظر جذرية في المسلمات الصهيونية وإخضاعها لمحاكمة تاريخية جذرية‏'.‏               

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل