المحتوى الرئيسى

لماذا نحتفى بالقتل؟

05/15 10:03

بقلم: جوناثان هيدت 15 مايو 2011 09:54:14 ص بتوقيت القاهرة تعليقات: 0 var addthis_pub = "mohamedtanna"; لماذا نحتفى بالقتل؟  قتل رجل برصاصة فى الرأس، فاندلعت الاحتفالات الصاخبة على بعد سبعة آلاف كيلومتر. وعلى الرغم من الاتفاق الكامل بين الأمريكيين على أن زوال أسامة بن لادن أمر جيد، يشعر كثيرون بالانزعاج من الاحتفالات. ويرون أن علينا السعى لتحقيق العدالة وليس الانتقام. ألا يهبط هذا بنا إلى «مستواهم»؟ ألم يقل القس الدكتور مارتن لوثر كنج الابن : «سوف أحزن لفقدان الآلاف من الأرواح الغالية، لكننى لن أفرح لوفاة نفس واحدة، حتى لو كانت لعدو» (لا، لم يفرح، ولكن مستخدمى تويتر الذين نشروا هذه العبارة التى أخطأوا فى نسبها لقائلها الأسبوع الماضى وجدوها مع ذلك ملهمة).فلماذا يتردد الكثير من الأمريكيين فى الانضمام إلى فريق المحتفلين؟ باعتبارى متخصصا فى علم النفس الاجتماعى، أعتقد أن من بين الأسباب الرئيسية لذلك أن بعض الناس يفكرون فى هذا الحدث القومى بنفس الأحاسيس الأخلاقية التى يطبقونها على قضية جنائية عادية. فيطلبون منا، على سبيل المثال تخيل ما إذا كان لائقا أن يحتفل أبوان باستخدام الحقنة المميتة لإعدام الرجل الذى قتل ابنتهما.بطبيعة الحال، قد يستحق الأبوان الشعور بالارتياح، بل ربما الفرح سرا. ولكن إذا نظما حفلا عند بوابة السجن، تسمع فيه فرقعة زجاجات الشمبانبا أثناء غرس إبرة الحقنة، فسيكون ذلك احتفالا بالموت وانتقاما، وليس عدلا. فهل يختلف ذلك عما رأيناه ليلة الأحد الماضى، عندما تجمع الشباب المحتفلون فى ميدان التايمز والبيت الأبيض؟لا، ليس الأمر كذلك، فلا يصح أن تعمم أفكارك الأخلاقية على المستوى الفردى، وتطبقها على الجماعات والأمم. وإذا فعلت ذلك، فستنزع كل ما هو جيد وصحى، بل ومحب للغير من احتفالات الأسبوع الماضى.●●●وها هو السبب: طوال الخمسين عاما الماضية أخبرنا العديد من خبراء التطور الأحيائى أننا لا نكاد نختلف عن القرود الأخرى فنحن مخلوقات أنانية، لا تستطيع العمل مع الغير إلا إذا كنا سنحقق استفادة لأهلنا أو لأنفسنا فى المستقبل. ولكن فى السنوات القليلة الماضية، كان هناك إدراك متزايد بأن البشر على نحو أكثر بكثير من الثدييات الأخرى تشكلوا وفق الانتقاء الطبيعى الذى يعمل على مستويين. وهناك المستوى الأدنى حيث يتنافس الأفراد بلا هوادة مع غيرهم ضمن نفس الجماعة. وتولد هذه المنافسة الأنانية. ولكن هناك أيضا المستوى الأعلى، حيث تتنافس الجماعات مع جماعات أخرى. وهذه المنافسة تمنح أفضلية للجماعات القادرة على الاتحاد والعمل كفريق واحد. ولم يحقق ذلك سوى عدد قليل من الكائنات. ويعتبر أفضل أمثلتها النحل والنمل والنمل الأبيض. فقد تخصصت عقولها وأجسامها فى العمل كفريق واحد لإنجاز مآثر خارقة فى التعاون كبنية الخلية والدفاع الجماعى.●●●وقد أوجد البشر الأوائل سبل العمل معا، ولكن الوحدة بالنسبة لنا هشة وحالة مؤقتة. فلدينا البرمجة الأنانية القديمة بأكملها التى لدى غيرنا من الثدييات. ولكن لدينا أيضا التركيبة الأخيرة التى تجعلنا قادرين على أن نصبح لفترة وجيزة مخلوقات تعيش فى خلية مثل النحل. ولنتأمل فقط الطوابير الطويلة للتبرع بالدم بعد 9/11. فقد كان معظمنا يريد أن يقدم شيئا أى شىء للمساعدة. وتعتبر هذه السيكولوجية ذات المستويين مفتاح فهم الدين، والحروب، والرياضات الجماعية، واحتفالات الأسبوع الماضى. بل إن عالم الاجتماع العظيم إميل دوركايم، ذهب إلى حد وصف النوع البشرى بأنه «الإنسان ذو المستويين». وكان دوركايم يكتب منذ قرن من الزمان، بينما الدين المنظم يشهد ضعفا فى أنحاء أوروبا. وأراد أن يعرف كيف تلزم الأمم والمؤسسات المدنية الناس بجماعات أخلاقية من دون مساعدة الدين. ورأى أن العواطف تمثل أقوى لاصق.وقارن بين مجموعتين من «المشاعر الاجتماعية» واحدة لكل مستوى. فعلى المستوى الأدنى، تساعد مشاعر مثل الاحترام والمودة الأفراد على صياغة علاقات مع أفراد آخرين. لكن اهتمام دوركايم الأكبر انصب على المشاعر التى تربط الناس فى جماعات العواطف الجمعية. فهذه المشاعر تفكك النفس التافهة ذات الأفق الضيق، وتجعل الناس يشعرون أنهم جزء من شىء أكبر وأكثر أهمية من أنفسهم.●●●ومن بين مثل هذه العواطف، ما أطلق عليه «الانفعال الجمعى»: الانفعال والنشوة الموجودة فى الطقوس الدينية عند المجتمعات القبلية، عندما تحتشد الجماعات معا للغناء والرقص حول النار، وتجاوز الحدود التى تفصلهم عن بعضهم البعض. وكانت الاحتفالات التلقائية فى الأسبوع الماضى تأكيدا لأفكار دوركايم، فهل الانفعال الجمعى أمر جيد أم أنه من البقايا النفسية القبيحة للأزمنة القبلية؟ ويتخوف بعض أولئك الذين أزعجتهم الاحتفالات من أن هذا النوع من الوحدة الوطنية خطير لأنه يجعل الأمريكيين كما لو كانوا معادين للغرباء ومتحاملين عليهم. وعندما هتف المحتفلون «يو اس إيه! يو إس إيه!» وأنشدوا «بارك الرب أمريكا» ألم يكونوا يستعرضون عقلية «نحن» ضد «هم»، الكارهة؟ ومرة أخرى؛ لا! حيث يميز العديد من خبراء علم النفس الاجتماعى بين الوطنية وحب المرء لبلده وبين التعصب القومى، الذى يرى بلد المرء أرفع مكانة من بقية البلدان ومن ثم يجب أن تهيمن عليها. وقد اتضح بشكل عام أن النزعة القومية ترتبط بالتمييز العنصرى والعداء تجاه البلدان الأخرى، لكن الوطنية ليست كذلك فى حد ذاتها. وقد درست عالمة النفس ليندا سكيتا الصفات النفسية التى تنبأت بنوعية من رفعوا الأعلام الأمريكية فى الأسابيع التالية لـ9/11. ووجدت أن الدافع إلى رفع العلم «يعكس شعورا وطنيا ورغبة فى إظهار التضامن مع مواطنيهم، وليس الإعراب عن العداء لمن هم خارج الجماعة».●●●ولذا، فأنا أرى أن احتفالات الأسبوع الماضى كانت جيدة وصحية. لقد حققت أمريكا هدفها على نحو شجاع وحاسم بعد عشر سنوات مؤلمة. فقد سعى من يحبون بلدهم إلى بعضهم البعض ليتشاركوا الانفعال الجمعى. وتجاوزوا ذواتهم البسيطة والحزبية، وأصبحوا لفترة وجيزة مجرد أمريكيين يبتهجون معا. ولن تدوم لحظة التجمع هذه طويلا. لكن كثيرين منا شعروا للحظة خلال الفرحة الجماعية الأسبوع الماضى، أن على الأمريكيين أن يواصلوا القدرة على العمل معا لمواجهة تهديدات وتحديات أكبر بكثير من أسامة بن لادن.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل