المحتوى الرئيسى

ما هو مستقبل الدولار؟

05/15 05:56

د . لويس حبيقة مستقبل الدولار الأمريكي يهمنا جداً في لبنان وفي كل الدول التي تربط نقدها الوطني به . ارتفاع الدولار تجاه العملات الأخرى يرفع سعر صرف الليرة تجاه هذه العملات والعكس بالعكس . أسس الدولار سنة 1785 باقتراح من “توماس جيفرسون” وتصويت الكونغرس عليه معتبراً أنه النقد الوطني للولايات المتحدة ومعتمداً النظام العشري . نقل رمز الدولار “$” عن البيزو المكسيكي كما رأى فيه “ألكسندر هاميلتون” النقد الذي سيسهم في توحيد الولايات الأمريكية الناشئة المختلفة . في سنة ،1793 أعطى الكونغرس الغطاء الشرعي للدولار بحيث أصبح النقد الوحيد القانوني الرسمي للولايات المتحدة . لم يصبح الدولار نقداً عالمياً إلا بدءاً من سنة 1870 حيث تعدى الناتج المحلي الاجمالي الأمريكي المؤشر البريطاني . لكن وهج الدولار لم يشرق إلا بدءاً من سنة 1912 حيث تعدت صادرات السلع الأمريكية المؤشر البريطاني للمرة الأولى سامحا للدولار بلعب الدور العالمي المنتظر . عرف الاقتصاد الأمريكي 14 أزمة مالية بين سنتي 1814 و،1914 علماً أن الأقوى حدثت سنة 1907 وما زال يذكرها المجتمع المالي . لذا أسس المصرف المركزي سنة 1913 لتأمين الاستقرار النقدي بعد التجارب القاسية التي مر بها الاقتصاد على مدى قرن من الزمن . يقول “باري أيكنغرين” في كتابه إن الدولار استمر في صعود نجمه بين الحربين العالميتين، إلا أنه لم يسيطر دولياً إلا بدءاً من انتهاء الحرب العالمية الثانية أي مع اتفاقية “بريتون وودز” . يقول “مارك شاندلر” في كتابه عن الدولار أنه كسح الأسواق النقدية العالمية لربع قرن بدءاً من سنة 1945 حيث تمت التبادلات والتسعيرات والتقييم عبره بشكل أساسي . سيطر الدولار بسبب قوة الاقتصاد الأمريكي كما بسبب غياب البدائل الواقعية المنافسة . ما هو حال الدولار اليوم وبالتالي ما هي التوقعات المستقبلية له؟ أولاً: ثلاثة أرباع أوراق المئة دولار يتم تبادلها اليوم خارج أراضي الولايات المتحدة بسبب الجاذبية الكبرى المستمرة للنقد الأخضر . هنالك نحو 500 مليار دولار من النقد الأمريكي يتم التبادل به خارج دولة المنشأ . الاقتصادات المدولرة موجودة في كل القارات، ولم تنجح بعد محاولات التغيير . ثانياً: هل تبقى الولايات المتحدة المصدرة الأولى في العالم؟ تتفوق الصادرات الصينية والألمانية اليوم على الأمريكية بسبب تركيز هاتين الدولتين على الصناعة الجيدة وعلى توسيع الأسواق الخارجية . تبلغ حصة الولايات المتحدة اليوم من الصادرات العالمية نحو 13%، ومن الاستثمارات الأجنبية المباشرة نحو 20% بعد ان وصلت إلى 85% في فترة 1945 - 1980 . إن السيطرة الاقتصادية الأمريكية على العالم هي أقل بكثير اليوم مما كانت عليه في الماضي، لكنها تبقى الأهم وأساسية . ثالثاً: بسبب السياسات الاقتصادية المعتمدة منذ عقد من الزمن، تخف قوة الولايات المتحدة الاقتصادية ويخف تدريجياً وهج الدولار . فالسياسات المالية أنتجت عجزاً كبيراً في الموازنات وتراكماً خطيراً في الدين العام ما استدعى المعالجة السريعة من قبل مجلس النواب والادارة الأمريكية . يبلغ الإنفاق العام من الناتج نحو 25 % مقارنة ب 15 % للإيرادات أي يتحقق عجز قدره 1،1 ألف مليار دولار، وهذا لا يمكن الاستمرار به . يجب تخفيض الإنفاق الصحي الذي يصل إلى 16% من الناتج وهو الأعلى عالمياً مقارنة ب 11% في فرنسا و10% في ألمانيا . هنالك أيضاً إنفاق ضخم في حقول الضمان الاجتماعي والدفاع بغياب إمكانية زيادة الضرائب في هذه الفترة . في كل حال، تشكل صحة الاقتصاد الأمريكي دعماً أساسياً لقوة نقده وجاذبيته . فبسبب الأزمة التي يمر بها منذ سنة ،2007 تخف حكما هذه الجاذبية . نعلم أن هنالك 76 مليون منزل في الولايات المتحدة، بينها 51 مليون غير مسدد ثمنها ما يصل بقيمة الديون الاسكانية إلى نحو 11 ألف مليار دولار أي نحو 75% من الناتج المحلي . وتشكل هذه العوامل السابقة سبباً كبيراً للقضاء على الدور الدولي لأي نقد، إلا أن الدولار يبقى نقداً أساسياً للأسباب التالية مجتمعة: أولاً: يبقى الاقتصاد الأمريكي الأكبر عالمياً ويشكل نحو ربع الاقتصاد الدولي . تبقى الأسواق المالية الأمريكية الأكثر شفافية وفعالية وعمقا والأكبر حجما، ولم تستطع المناطق الأخرى التفوق عليها . كما يساعد الدولار عامل الأقدمية الذي يميز سلعاً وخدمات عن أخرى، وذلك عبر تاريخ الانشاء ومدة التسويق . ثانياً: المنافس الوحيد الحقيقي للدولار اليوم هو اليورو الذي يبقى نقداً من دون دولة، إضافة إلى مرور الوحدة النقدية الأوروبية بأزمات كبيرة أخطرها في اليونان . تبلغ صادرات منطقة اليورو ضعفي الصادرات الأمريكية مما يؤهله للعب الدور الدولي المطلوب منه أوروبياً . هنالك نحو 37% من تبادلات النقد تحصل عبر اليورو و31% من إصدارات السندات الدولية، إضافة إلى أن 28% من مجموع احتياطي المصارف المركزية موجودة باليورو . تدنت حصة الدولار من الاحتياطي النقدي من 80% في السبعينات إلى نحو 65% اليوم . كي يصبح اليورو نقداً أقوى، يجب أن يقتنع المواطنون والمستثمرون بأن لا دور للدولة المركزية في قوة النقد وهذا مستبعد جداً . يمكن أن يصبح قويا على أنقاض الدولار، إذا قامت أمريكا بأخطاء كبيرة سببت ضرب الثقة بنقدها وهذا مستبعد أيضاً . ثالثا: أما “الرينمنبي” فمشكلته معاكسة أي يصدر عن دولة يقوى فيها القطاع العام كثيراً . هنالك أيضاً النقد الصادر عن صندوق النقد الدولي والمعروف بال SDR ، لكنه لا يمكن أن يصبح نقداً متداولاً بين الناس إضافة إلى أن الصندوق لا هوية له ويعبر عن مجموعة مصالح وطنية يمكن أن تكون متناقضة . لذا رغم مشكلاته، يبقى الدولار في المقارنة النقد الأفضل علماً أنه ليس من الضروري أن يكون هنالك نقد دولي واحد . في الاقتصاد الدولي المعولم حيث تتحرك الأموال بسرعة فائقة، من الصعب على أي دولة واحدة أن تسيطر بمفردها على الأسواق الدولية . للولايات المتحدة قوة سياسية وعسكرية واقتصادية كبيرة، إلا أنها ليست كما كانت منذ نصف قرن بسبب الأخطاء الممارسة داخلياً كما بسبب ازدهار الدول الأخرى في أوروبا وآسيا إضافة إلى التحديات التي تواجهها مباشرة كاعتداء 11/9 وغيرها . لم تعد الولايات المتحدة قادرة على قيادة العالم كما كانت سابقاً كما أنها عمليا أقفلت نفسها مؤخرا تجاه الخارج خاصة بعد حادثة 2001 . لم تعد تستقطب أمريكا الكفاءات العلمية كما في الماضي وهي تضع نفسها بموقع متأخر مقارنة بأستراليا وكندا ونيوزيلاندا . هنالك أدمغة في أمريكا تعود إلى دول المصدر كالهند والصين للمساهمة في نهضة الصقور الآسيوية . تحار أمريكا اليوم بين ما ترغب في ممارسته وقدرتها على ذلك . هذا نزاع داخلي كبير يعتمد على السياسة والاقتصاد كما على النفسية والتصرفات المطلوبة من قوة كبيرة كالولايات المتحدة . أما سياسة العقوبات، فتستمر أمريكا في ممارستها علماً أنها لم تعط يوماً النتائج المرغوبة وتضر بأمريكا نفسها عبر الصادرات والبطالة . يقول الاقتصاديان “بريمير” و”روبيني” إننا نعيش في مجتمع “G0” وليس “G20” بسبب عدم قدرة أي دولة أو مجموعة من الدول على قيادة العالم . هنالك خلافات دولية كبيرة في موضوعات المال والنقد والاقتصاد والبيئة والتجارة والأمن والسياسة والإرهاب تمنع عملياً تثبيت قيادة واحدة تأخذ قراراتها لمصلحة المجتمع الدولي . هذا يبقي الولايات المتحدة كما نقدها في موقع مميز حتى إشعار آخر . *عن صحيفة" الخليج" الإماراتية

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل