بيت بيوت ...... !! بقلم محمد عطاالله التميمي

اذهلتني بالامس تلك التغطية الاعلامية المميزة من تلفزيون فلسطين الحكومي لما يجري في الاراضي الفلسطينية من تحركات جماهيرية حقيقية ومواجهات عنيفة جرت بين قوات الاحتلال والفلسطينيين المنتفضين على واقعهم المأساوي بفعل استمرار الاحتلال وذلك كاولى خطوات طريق التحرير ، فتسائلت في داخلي وقلت في نفسي ، هل تحسنت امكانيات هذا التلفزيون ! الحقيقة ان ما جرى امس الجمعة من انتفاضة حقيقية في شوارع القدس وازقة قلنديا وعلى تراب بلعين والنبي صالح ونعلين وغيرها من المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية ناهيك عما جرى في ميدان التحرير وفي الاردن ولبنان وفي عدد من الدول العربية ودول العالم دعما للشعب الفلسطيني ولقضيته العادلة وللمطالبة صراحة بزوال الاحتلال والى الابد واعطاء الحرية لهذا الشعب الذي لا زال يعاني من ويلات الاحتلال منذ اكثر من ثلاثة وستون عاما بعد نكبة العام 1948م التي اعلنت قيام دولة الاحتلال والظلم والارهاب ( اسرائيل ) على انقاض الشعب الفلسطيني وعلى ارضه التي سلبت عنوة وشرد اهلها منها . امام كل هذا ! تلفزيون فلسطين الذي من المفترض انه يمثل السلطة الوطنية ومن المفترض ايضا انه يعمل على فضح الاحتلال وممارساته وتعبئة الجماهير الفلسطينية ضد هذا الاحتلال لتنتفض رفضا للاحتلال بكافة اشكال وجوده وتعبيراته على الارض من استيطان وجدار وحواجز وغيرها ، الحقيقة يا اخوتي ان ما حدث معي بالامس هو امر مثير للاشمئزاز ! انا من قرية النبي صالح ... تلك القرية الفلسطينية الصامدة التي تقع في شمال غرب محافظة رام الله وتعاني شأنها شأن باقي المناطق الفلسطينية من ويلات الاحتلال وظلمه ، فخيرة شبابها معتقلون في السجون ونسائها لم يسلمن من الاعتقال والاستهداف ، كان اخر هذه الاعتدائات اعتقال سيدة وفتاة في هذه القرية ظهر امس بعد الاعتداء عليهن بالضرب المبرح والاهانة التي تقشعر لها الابدان ، هن ومعهن عدد من النساء والمتضامنين والشبان في مشهد يعيد الى الاذهان مشاهد الانتفاضة الفلسطينية الاولى حين كان الاحتلال لا يفوت فرصة لا يهين فيها امرأة او طفلا او شيخا بطريقة وحشية ، وامام كل هذا وغيره سارعت بالاتصال بتلفزيون فلسطين معتقدا انه يعمل على مدار الساعة لرصد وتوثيق ونشر ما يجري من اخبار ، وكالمعتاد سردت عبر الهاتف لاحد العاملين في القناة ما جرى ويجري في القرية من احداث شاملا كل شيء لاتفاجأ بانه كالمعتاد ايضا في نشرات الاخبار والشريط الاخباري ، كان شيئا لم يحدث ! المهم اني سارعت الى شاشة تلفزيون فلسطين بعد الهروب من احدى موجات الغاز على وقع اطلاق كثيف للرصاص المطاطي والحي وقنابل الغاز المسيل للدموع لارى ما يجري عبر هذا الوطن وخارجه من ثورة حقيقية شعبية صادقة ضد الاحتلال الاسرائيلي ، فماذا رأيت ؟! شاهدت ايها الاخوة والاخوات برنامج بيت بيوت الخاص بالاطفال فصعقني هول المشهد ، الناس يموتون وهنا بث حي ومباشر لبرنامج اطفال ! وعلى اي قناة ؟ على شاشات التلفزيون الفلسطيني الرائع ، والله خجلت سبيس تون ان تفعل ذلك . جلست لبضع دقائق قبل العودة لمتابعة حركتنا النضالية ضد الاحتلال وفكرت بحثا عن اي مبرر يمكن ان يجعل تلفزيون فلسطين يستثني الحدث الدائر على بعد بضع كيلومترات من المحطة ويهتم اكثر ببرنامج بيت بيوت ويستضيف عددا من الاطفال والمضحك انه يناقش مع هؤلاء الاطفال قضية النكبة ، وكان النكبة انتهت ! وكان الشعب تحرر ، وكان الوقت يسمح لمثل هذه البرامج ! . حقيقة لا اعرف لماذا هذا التعامل الاعلامي الفلسطيني الرسمي مع ما يجري في الارض المحتلة ومحاولة هذا الاعلام الابتعاد عن تغطية مثل هذه الاحداث العنيفة والهروب من استحقاق توثيق ورصد ونشر ما يجري على الارض ، طبعا كل هذه الامور تثير في داخلي واعتقد في عقول الكثيرين تساؤلات ينبغي على ادارة تلفزيون فلسطين ووزارة الاعلام وياسر عبد ربه وكل القائمين على هذا الملف الاجابة عنها وبسرعة ووضوح شديدين ، لان المرحلة المقبلة ستكون حرجة وصعبة ، وهي مرحلة صراع اعلامي فان هرب الاعلام الفلسطيني الرسمي من واجباته اعلمونا بذلك ، لكي نبحث عن وسائل اعلام اخرى تسير مجرى المعركة مع الاحتلال ، على الاقل لكي تستطيعوا بعد ذلك بث برنامج بيت بيوت مستقبلا في اجواء اكثر هدوءا وامنا واطمئنانا .