المحتوى الرئيسى

إجابة شخصية على سؤال عام.. يعنى إيه ثورة؟

05/14 11:31

يعنى  أن تصبح (إيد على إيد) ذكرى .. وأن اعود إلى الصحافة والسياسة  فى البدايه احب ان اقدم نفسى لمن يلتقى بكلماتى للمره الاولى .انا اكتب بانتظام منذ اكثر من عشر سنوات اسبوعيا  فى صباح الخير صفحتين تحولتا الى عمودين تحت اسم ايد على ايد ، والطريق الى  الجنه . ومضمون الكتابه واحد (عن المرضى والمرض ) . توقفت فى اكتوبر الماضى ثم عدت الآن .مابين اكتوبر والان حدث ما يستحق ان اتوقف  امامه واتأمل واكتب .حدث ان عشت 18 يوم ثوره ..فانقلب تفكيرى مرات ..وليس مره واحده .  يوم الاحد 30 يناير هو اليوم الذى شهد بداية اول انقلاب فى تفكيرى .فى ذلك  اليوم ذهبت الى القصر العينى كعادتى ودخلت قسم الحالات الحرجه وحدة د. شريف مختار كعادتى ايضا .وسألت عن مصابى  المظاهرات .وعرفت انهم جميعا فى قاعة 9 فى الدور الثانى فتوجهت الى هناك ، سألتنى صديقه من التمريض ( عايزه تروحى لهم ليه ؟ كلهم فى غيبوبه ما حدش هيحس بيكى )فأجبتها ( هاروح  عشانى مش عشانهم ) .اعتقد انها فهمت لانها اصرت على ان تصحبنى اليهم .فى القاعه عشرة سراير ، ثمانيه منهم فى المواجهه واثنان فى الخلفيه بالنسبة للقادم من الخارج ، رأت الثمانيه دفعه واحده  قبل ان اخطو الى داخل القاعه .المفترض ان الاسره المتجاوره فى الرعايه المركزه يفصل بينها ستائر سميكه تحجب الرؤيه وتحافظ على خصوصية كل مريض .وترك  هذه  الستائر مفتوحه يسهل عمل التمريض . كانت كل الستائر مفتوحه فمريض الغيبوبه لا خصوصيه لهنصف المرضى على الاقل على اجهزة تنفس صناعى . وجميعهم مغطى بضمادات بيضاء.اقتربت فى صمت ، تأملت الوجوه والاجساد الشابه ، القيت نظره على الملفات المعلقه على الاسره .جميعهم مصابون بطلق نارى .. رصاص حى ، وكلهم ماعدا واحدا لم يتجاوز عمرهم الثلاثين عاما .لم اتمكن  من البقاء طويلا.. اصابتنى رعشه والم فى صدرى ، رغم اننى رأيت مشاهدا لمرضى  فى الغيبوبه مئات المرات واعتدت عليها- لم اتحمل هذا المشهد .احتضنت سيده لا اعرفها تبكى بجوار الباب وتردد (ابنى ابنى يارب نجيه )بعد ان ابتعدنا قالت صديقتى الممرضه انه مات بالفعل لكنهم لم يبلغوا امه .كدت اسقط على وجهى اثناء نزولى السلم .توجهت من القصر العينى الى ميدان التحرير . وجدت الجميع يعبرون عن مشاعرى كما لو انهم رأوا ما رأيت ، كلماتهم كانت تزيد انفعالى  فازداد صمتا .فى ذلك  اليوم تأكدت اننى اضعت عمرى السابق كله بلا جدوى .****** فى يوم  تالى رأيت فى الميدان شابا يحمل لافته مكتوب عليها انا اسف يامصر اتأخرت عليكى ، كان يقف طوال اليوم على الجانب المواجه للرصيف الذى اجلس عليه بحيث اراه كلما التفت ، فى اليوم التالى بحثت عنه وجلست امامه ، كانت  هذه الجمله التى يحملها هى انا نفسى ، وكلما اعدت قراءتها استعيد فى رأسى شريط حياتى ( فلاش باك ) .فاجدنى لم اتقبل فى شبابى  فكرة ان اكون بلا فائده او مجرد رقم ، ولم اتمكن من الوصول الى اسلوب مناسب استطيع ان استمر فيه لاكون فاعله فى نشاط سياسى او اجتماعى منظم ، فاندفعت بكل طاقتى ووقتى لمساعدة مرضى لا اعرفهم .واجدنى استسهلت هذه الطريقه فى الحياه رغم صعوبتها على كل من اعرفهم ، وتماديت حتى اصبحت استمد مبرر وجودى من مساعدة المرضى ، وكنت مكتفيه تماما وفخوره بهذا المبرر .واجدنى استمعت مئات بل الاف المرات الى عبارات التقدير  على ما اقوم به من جهد مهما كانت النتائج  ، (على الاقل انتى بتعملى عمل له فايده ). سمعت هذه الجمله كثيرا حتى  صدقت اننى بالفعل اقوم بعمل له فائده  عظيمه . هذه اللافته (انا اسف يا بلدى اتاخرت عليكى) جعلتنى اتساءل هل كل ما كنت افخر به من اعمال سببا فى (تأخرى )؟ هل كنت اسعى طوال السنوات الى ارضاء نفسى بأى طريقه بدلا من القيام بواجبى الحقيقى ؟ هل انا واحده ممن قال عنهم الله الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا؟فى الايام الاولى للثوره وحتى بعد تنحى مبارك كانت الاجابه واضحه تماما فى ذهنى (نعم انا اضعت وقتى وجهدى).فى الايام الاولى فقط توقفت نهائيا عن تقديم  اى مساعده ، توقفت عن استقبال طلبات  المرضى وتوقفت عن الاتصال بالاطباء وتوقفت ايضا عن الكتابه .هكذا دون  ان اتكلم مع احد ، ودون ان اعلن عن نيتى فى تغيير حياتى تغييرا ثوريا .*****تشكلت لجنه فى نقابة الصحفيين بقيادة كارم محمود لمساعدة مصابى الثوره ، دعانى للتعرف على اعضاء اللجنه وتقديم نصائح من خبرتى فى مجال علاج المرضى .صفيه حمدى صحفيه متميزه وواحده من اهم المتطوعين لعضوية اللجنه ،غرقت فى الام المصابين ، وتأثرت الى درجة ان اصبحت تعبيرات وجهها توحى بانها تشعر بنفس الالم الذى يشعر به المصاب نفسه  .كانت صفيه تطلب مساعدتى بكثير من الخجل والحرج كأنها تطلب مساعده لنفسها ، وكنت اكرر تحذيرها من السقوط فى بحر المرض والالم والشكوى واذكرها بأنها صحفيه اولا ، وكانت تستمع الى مجاملة وبمجرد ما ان انتهى تحكى لى نجاحا مع جهة ما واخفاقا مع اخرى فى مساعدة احد المرضى فيزداد شعورى بالقلق عليها .فى مواجهه حقيقيه مع صفيه وجدتنى دون تخطيط  اعبر عن كل ما اسررته فى صدرى منذ قرأت لافته انا اسف يابلدى اتأخرت عليكى .قلت لها ان لهؤلاء المرضى حق عند الدوله ،  وان علينا ان نساعدهم فى الحصول على حقهم لا ان نبحث لهم على حلول بديله .نطالب وزرة الصحه اولا ، ثم نطالب المستشفيات العسكريه ، واذا فشلنا بعد ذلك  يمكن ان نطلب مساعدة طبيب كبير مجانا او نقبل تبرع من احد الذين يرغبون فى دفع تبرعات .حتى الان لم اعرف هل قامت صفيه بجولات مكوكيه بين  الوزاره والجيش والمستشفيات الجامعيه لانها اقتنعت بالفعل ام لانها كانت ترغب فى سد الذرائع . المهم انها نجحت كثيرا بمساعدة كارم محمود وزملاءها فى مساعدة البعض للحصول على حقوقهم ، وفشلت احيانا فطلبت مساعدات منى ومن اصدقاء اخرين .فى كل مره  كانت صفيه تحكى لى- ذهبت الى فلان واتصلت بفلان والتقت بفلان ، وانتقلت من المعادى الى كوبرى القبه ومنها الى مدينة نصر ثم عادت الى المعادى – كنت اتذكر المعاناه التى اوصلتنى الى اليأس الكامل من المطالبه بالحقوق والبحث عن طرق للتحايل .وفى كل مره  ينتهى بى الموقف الى ان اوجه المصاب الى احد الاطباء المتبرعين  ثم الى احد المتبرعين بالاموال ثم الى مستشفى خاص ويتحقق ما يحتاجه المصاب خلال ساعات بعد بضع مكالمات  تليفونيه وفى كل مره اعود  لاتساءل هل ستصمد صفيه . وهل سأظل على قناعتى بالالتزام بالحلول الثوريه ؟!!*****الالتزام  بالثوره صعب ، الثوره ليست ثمانية عشر يوما فى الميدان ، وليست  مظاهرات مليونيه ، وليست مصابين وشهداء ، هذا كله هو ثمن الثوره والوسيله المؤديه اليها .ويمكن ببساطه لو لم نلتزم بالثوره -افرادا وهيئات وجهات ومجتمعات - ان يضيع الثمن الذى تم دفعه بالفعل ومقدما .ما زلت  مؤمنه ان التزامى بالثوره يفرض على الا اتحايل لمساعدة مريض فى الحصول على حقه ، ويفرض على  الا اهتم بنجاة مريض فرد فقط وان يكون هدفى اصلاح احوال العلاج الذى هو حق للجميع ، حتى الان لا اعرف كيف !، ومازلت  امشى مع المريض الواحد !وان كنت افكر فى المرضى جميعا !.. افكر فقط .!!

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل