المحتوى الرئيسى

شُرْعَةْ بقلم: حسين أحمد سليم

05/13 21:35

شُرْعَةْ بقلم: حسين أحمد سليم أرْتاحُ كَثيراً, لارتِداء المَلابِسِ, البيْضاءَ الفَضْفاضَةَ, كَزيّْ خاصّْ بي, يُميِّزُني عَنِ البَقيَّةِ, لِقَناعَتي اللوْنِيَّةَ, أنَّ البَياضَ, هُوَ عِنْوانُ الطّهارَةِ, وَمِنْهُ تَنْبَثِقُ كُلُّ الألْوانِ, وَيَجِبُ عليَّ كَعاقِلٍ, أنْ أكُونَ طاهِراً, في فِكري, وَفي قَوْلي, وَفي عَمَلي, وَإلاّ لَسْتُ مُؤهّلاً, كَيْ أحْمِلَ سِماتَ الإنْسانِيَّةِ في كَيْنونَتي, التي أبْدَعَ صُنْعَها الله, في قَبْضَةً مِنَ التُّرابِ وَوَمْضَةً مِنَ الرّوحِ, وَكُنْتُ بَشَراً سَوِيّاً, عاقِلاً أتَفَكَّرُ وَأتَدَبَّرُ أوموري... وَأرتاحُ أكثَرَ لِحياةِ الزُّهْدِ وَالتَّقشُّفِ وَالبّساطةَ, حَتّى أبْقى أتَحَسَّسُ إنْسانِيَّتي, وَأنَّني كَما باقي النّاسَ, وَعَلَيَّ الواجِبِ التَّكْليفي, اتِّجاهَ الله خُضوعاً وَعِبادَةً, وَاتِّجاهَ الخَلْقِ في المُساواةِ, وَالتَّراحُمِ وَالتَّواصُلِ, وَألاّ يَأخُذُني عِنْوَةً, الإستِكْبارُ وَالغُرورُ وَالتَّعالي, وَهُوَ المَدْخَلُ لِلْكُفْرِ وَالجُحودِ وَالظُّلْمِ, وَبالتّالي, السُّقوطُ في الدَّرَكاتِ السُّفْلى مِنَ الظَّلامِ وَالعَذاباتِ... وَكثيراً ما أمْشي, حافِيَ القَدَمَيْنِ قَناعَةً, لِتَبْقى باطِنِ قَدَمايَ, تُلامِسُ تُرابَ الأرضِ, الّتي مِنْها أتَيْتُ, وَإلَيْها ذاتَ يَوْمٍ, مَهْما طالَ بِيَ العُمْرُ, سَأعودُ, وَلَمْ وَلَنْ وَلا أنْسى, أنَّ الله مِنْ قّبْضَةٍ مِنَ التُّرابِ, مِنَ الحَمَأ المَسْنونِ, جَبَلَني وَ الصُّنْعَ أبْدَعَني, وَمِنْ روحِهِ, نَفَخَ بي, فَكُنْتُ إنْساناً سَوِيّاً, مِنَ الخَلْقِ... وَأنا لا أحْلِفُ بالله, وَلا أقْسِمُ بِرَبِّ السّماءِ, وَلا أرْجُوَ رَحْمَةِ الله مِنْ خِلالِ وَساطَةٍ, لأنَّ مِنْ واجِبي اليَقيني وَالأدَبي, أنْ أكونَ صادِقاً بِغَيْرِ قَسَمِ, لأنَّ, عَلى الإنْسانَ السَّويِّ, أنْ يَكونَ صادِقَ القَوْلِ, يُوثَقُ بِشرََفِهِ, وَيُعْتَمَدُ عَلَيْهِ... كَما أنَّني, تَعَوَّدْتُ أنْ أحاسِبَ نَفْسي, وَأحاكِمَها في نِهايَةِ كُلِّ يَوْمٍ, عَلى ما أفْعَلَهُ, طِوالَ النَّهارِ, وَأسْألُ نَفْسي, دائِماً عَنِ الشَّرِّ, الّذي ارْتَكَبْتُهُ, فَأسْتَغْفِرَ رَبّي, وَأتوبُ, وَأسْألُ ذاتي عَنِ الخَيْرِ الّذي قَدَّمْتُهُ, وَأشَجِّعُ ذاتي عَلى الإتْيانِ بالخَيْرِ لِلنّاسِ, وَأعاتِبُ حالي عَلى الواجِبِ, الّذي أهُمَلْتُ في أدائِهِ, وَأدينُ قُصوري وَإهْمالي... أمارِسُ القِراءةَ كَثيراً, وَبشَكْلٍ نَهِمِ, وَأعْتَبِرُ الكِتابَ, صَديقيَ الوَفيِّ المُخْلَصِ, وَأعْتَزُّ وَأفْخَرُ وَأتَماهى, أنَّ جَميعَ أصْدِقائي, اخْتَرْتَهُمْ مِنَ الكُتُبِ, وَلَيْسَ لي مِنْ صَديقٍ, أرْكُنُ إلَيْهِ مِنْ بَني الإنْسانَ, إلاّ القَليلُ, مِمَّنْ رَحِمَ رَبّي... وَأقرأ وَأقْرأ, وَلا أمَلُّ القِراءَةَ, لا لَيْلاً وَلا نَهاراً, وَأكْتُبُ كَثيراً وَكَثيراً, وَلَيْسَ كُلُّ ما أكْتُبُ يُعْرَفُ, أوْ يُنْشَرُ عَلى المَلأ, أحْتَفِظُ بالكَثيرِ, بَعيداً عَنِ الأضْواءِ... الصَّمْتُ سِمَتي وَمَدْرَسَتي, وَهُوَ مِنْ آدابي وَأخْلاقي, وَبالصَّمْتِ اسْتَطَعْتُ القُدْرَةَ عَلى التَّحَكُّمِ بنَفْسي, وَضَبَطْتُ سُلوكي, وَسَيْطَرْتُ عَلى تَصَرُّفاتي, مُقْتَنِعاً أنَّ ضَبْطَ لِساني, أشَدُّ صُعوبَةً مِنْ جَميعِ الأنْواعِ الأخْرى لِضَبْطِ النَّفْسِ... وَغالِباً ما كُنْتُ أبْقى صامِتاً, أسْتَمِعُ لِجَليسي, وَأتَلَقَّنُ مِنْ مُحَدِّثي, ما يَتَشافَهُ بهِ مِنَ الكَلامِ, وَأتَقَبَّلُ ما يَتَناهى لِمَسْمَعي, بلا نِقاشٍ, أوْ جِدالٍ, أوْ سُؤالٍ, حَتّى تَكْتَمِلُ لي التَّفاصيلُ, أطْلِقُ لِساني مِنْ عِقالِهِ, يَبوحَ جَرْأةً بِما يَعْتَلِجُ في تَفَكُّري, وَلا أخافُ في الله لَوْمَةَ لائِمِ, وَطالَما أنا عَلى حَقٍّ, لا هَمَّ عِنْدي, وَقَعْتُ عَلى المَوْتِ, أوْ عَلَيَّ وَقَعَ المَوْتُ... السَّيْرُ صَعْبٌ في مَساراتي, بِحَيْثُ اعْتَمَدْتُ قَواعِدَ صارِمَةً في حَياتي, فَكانَتِ السِّرِّيَّةُ مِنْهَجي في حَرَكَتي, وَالكِتْمانُ كانَ مُعْتَمَدي في الحِفاظِ عَلى الكَثيرِ مِنَ الأشْياءِ, وَالخَفاءُ كانَ مَسْلَكي في تَنْظيمِ الأمورِ, والصَّمْتُ كانَ مَعيني عَلى فَهْمِ ما يَجْري حَوْلي, وَكُنْتُ أمَارِسَ العُبوسَ, وَلا أضْحَكُ أبَداً, ونادِراً ما كانَ يَبينُ سِنّي, وَلا أحِبُّ الصَّخَبَ وَلا الضَّجيجَ, وَغالِباً ما كُنْتُ أمارِسُ ضَبْطَ النَّفْسِ, وَكُنْتُ أتَخَفّى, وَأنا أقومُ بِوَظائِفي الطَّبيعِيَّةِ, أوْ حينَ ألَبّي نِداءاتَ الطَّبيعَةِ, وَكانَ الجِنْسُ في قَناعَتي, لَيْسَ لِلْمُتْعَةِ, إنَّما لِلإنْجابِ وَاسْتِمْرارِ الحَياةِ... كَثيراُ ما كُنْتُ أخْتَبِرُ, اتِّزاني وَاسْتِقْراري, وَرَصانَتي, وَمَدى حُبّي لِلْعِلْمِ, وَكَثيراً ما كُنْتُ أسْبُرُ دَواخِلي, لأتَلَمَّسَ مَدى اسْتِعْدادي, لِلإنْصِرافِ عَنِ الدُّنْيا, وَمُمارَسَةِ الزُّهْدِ في الأمورِ الحِسِّيِّةِ, وَما كانَ يُغْويني, المَجْدُ الدُّنْيَويِّ, أوْ يُغْريني, أوْ يَصْرِفُني قَهْراً أوْ طَوْعاً, عَنْ الإبْحارِ في امْتِداداتِ العِلْمِ, أوْ صَرْفِ الوَقْتِ في سَبيلِ نَيْلِ المَعْرِفَةِ... أفْهَمُ السَِيَاسَةَ شَفيفَةً في حَقيقَتِها, عَلى أنَّها الإهْتِمامُ بشُؤونِ النّاسِ, وَالمَساعَدَةُ لَهُمْ في تَسييرِ قَضاياهُمْ, وَمَدِّ يَدِ العَوْنِ لَهُمْ عِنْدَ الحاجَةِ, وَعَلى قَدَرِ المُسْتَطاعِ وَالمُتَوافِرِ, وَهُوَ تَكافُلٌ اجْتِماعِيٌّ لازِمٌ, تَحُضُّ عَلَيْهِ الأخْلاقُ الكَريمَةُ, وَتَدْعو لَهُ جَميعُ الأدْيانِ, وَشَرائِعِ السّماءِ, وَهُوَ ما يَرْقى بالمُجْتَمَعِ إلى دَرَجاتٍ عُلْيا, بتَحْقيقِ المُتَطَلِّباتِ الأفْضَلِ لِحُسْنِ سَيْرِ الحَياةِ... مِنْ هَذا المُنْطَلَقِ المَفْهومي, تَوْصيفاً وَتَقْييماً, أمارِسُ السِّياسَةَ الفُضْلى, قَناعَةً إيمانِيَّةً, بضَرورَةِ الإهْتِمامِ بشُؤونِ النّاسِ, أفراداً وجماعات, وَالوُقوفِ إلى جانِبِهمْ, حَيْثُما يَتَطَلَّبُ الوُقوفُ, دونَ مِنَّةٍ أوْ جَمايِلِ, فَذَالِكَ تَكْليفٌ وَمَسْؤولِيَّةٌ, تَقَعُ عَلى عاتِقِ كُلِّ عاقِلِ... خُضْتُ كَثيراً في التَّنْظيماتِ المُخْتَلِفةِ, وَمارَسْتُ أنْشِطَةَ النِّحَلِ, وَالأحْزابَ المُتّعَدِّدَةِ, وَانْتَسَبْتُ لِلمَذاهِبِ, وَالطّوائِفِ وَالتَّجَمُّعاتِ المُنَوَّعَةِ, كَفِعْلِ تَجْريبٍ, لاخْتِيارِ الأفْضَلِ وَالأرْقى, وَخَلَصْتُ إلى حَرَكَةِ فِعْلِ الإنْعِتاقِ, وَالتَّحَرُّرِ مِنَ قُيودِ الجَميعِ, فِراراً لا رُجوعَ عَنْهُ, إلى عِبادَةِ الله, الواحِدِ الأحَدِ, بِلا مَذاهِبَ, وَبلا طَوائِفَ, وَبلا عَمَلِيّاتِ تَجْميلٍ, أوْ تَشْويقٍ, أوْ تَرْغيبٍ... وَمِنْ مُنْطَلَقِ إيماني بالله, إيماناً خالِصاً, وَنِهائيّاً, آمَنْتُ برُسُلَ الله وَأنْبيَائِهِ, وَآمَنْتُ بكُتُبِ الله المُنَزَّلَةِ, وَآمَنْتُ بما أنْزِلَ إلى مُحَمَّدٍ, وَما أنْزِلَ إلى إبْراهيمَ وَإسْماعيلَ وَإسْحاقَ وَيَعْقوبَ وَالأسْباطَ, وَما أوتِيَ موسى وَعِيسى, وَما أوتِيَ النَّبِيّونَ مِنْ رَبِّهِمْ, وَلَمْ وَلَنْ وَلا أفَّرِقُ بَيْنَ أحَدٍ مِنْهُمْ, وَأنا لَهُ مُسْلِمٌ وَمُوَحِّدٌ وَمُؤمِنٌ... تَعَلَّمْتُ مِنْ تَجارُبي, ما لَمْ وَلَنْ وَ لا عَلَّمَتْني إيّاهُ, المَدارِسُ وَالجامِعاتُ, وَتَعَمَّقَتْ خُبُراتي تَقَنِيَّةً, مُمارَسَةً دائِبَةً, أكْثَرَ مِنْ الشُّروحاتِ وَالتَّفاصيلِ النّظَرِيَّةٍ, وَتَعَرَّفْتُ إلى صُنوفِ النّاسِ, احْتِكاكاً بالنّاسِ, أكْثَرَ مِنْ اجْتِهاداتِ عِلْمِ النَّفْسِ وَالفَلْسَفَةِ, وَازْدادَتْ ثَقافَتي إدْراكاً, عَمَلاً بالحِكْمةِ, أكْثَرَ مِنَ النَّظَرِيَّاتِ في أقْوالِ الحِكْمَةِ, وَأثْرِيَتْ مَدارِكي اتِّساعاً, بما أخّذْتُ مِنْ بُطونِ الكُتُبِ, فَامتلأتُ وَعْياً باطِنِيّاً, وَاكْتَنَزْتُ عَرَفاناً ذاتِيّاً, وَاسْتَنارَتْ بَصيرَتي عِلْماً, وَتَرَقَّتْ روحي شَفافِيَّةً, فاطْمَأنَّتْ نَفْسي إيماناً... تَفَكَّرْتُ كَثيراً وَطَويلاً, فَحَزَمْتُ أمْري فِعْلاً, وَعَقْلَنْتُ قَلْبي في أحاسيسِهِ, ثُمَّ قَلْبَنْتُ عَقْلي في تَفَكُّرِهِ, وَوَضَعْتُ الأمورَ في نِصابِها الصَّحيحِ, فَوَوَعَيْتُ نَفْسي بَعْدَ غَيْبوبَتي, التي طالَتْ, وَألْفَيْتُ حالي, بَعْدَ أنْ عَقَلْتُ رُؤى آمالي, أنَّني اخْتَرْتُ طَوْعاً وَقَناعَةً, رُكوبَ صَهَواتِ الفِكْرِ الحُرِّ, المُنْعَتِقِ مِنْ كُلِّ القُيودِ, فَامْتَشَقْتُ يَراعي سَيّالاً, لا يَنْضُبُ مِنَ المُدادِ وَالحِبْرِ, وَمَدَدْتُ يَراعي بكَمِّياتٍ مِنَ الوَرَقِ, وَأطْلَقْتُ العِنانَ, لأحْصِنَةِ فِكْري, المُطَهَّمَةِ بالأصالَةِ وَالوَعْيِ... وَبَعْدَ نُضوجٍ في الرّؤى, كَلَّلَني الشَّيْبُ بِوِشاحِهِ, وَغَدَتْ كُلُّ شَعْرَةٍ, مِنْ شَعْرِ رَأسي وَذَقْني, تَحْكي ذِكْرَياتَها, وَتَضِجُّ في ذِرْوَةِ الإسْتِرْجاعِ بالتّفَكُّرِ... فَاعْتَكَفْتُ في صَوْمَعَةِ التَّجَلِّياتِ أتَفَكَّرُ, أتَخاطَرُ جَلاءً, برُؤى الأفْكارِ وَالخَواطِرِ وَالمَشْهَدِيّاتِ, نَثراً وَشِعْراً, وَفُنوناً تَشْكِيلِيَّةً, أغَنّي ما يَتَناهى لِوِجْداني, عَلى وَتَري الأوْحَدِ, وَأتَمَوْسَقُ بِدَنْدَناتِ كَلِماتي العاشِقاتِ, أعْلِنُ لِلْمَلأ في مَشارِقِ الأرْضِ وَمَغارِبِها, فَلْسَفَتي, مَدْرَسَةً صوفِيَّةً, مُتَجَرِّدَةً في سورْيالِيَّتِها, أقيمُ دَوْلَةَ الحُبِّ وَالعِشقِ, تَتَماهى في وَجْدانِ الإنْسانِيَّةِ...

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل