المحتوى الرئيسى

إنهاءً للبطالة والفقر في المنطقة العربية

05/13 09:26

رغيد الصلح يميل محللون وكتاب وخبراء من الذين يتناولون مسألة مستقبل النمو في المنطقة العربية إلى القراءة المتفائلة للمتغيرات الكبرى الأخيرة التي ألمت بالمنطقة . بين هؤلاء من ركز على القيمة الإجمالية لنواتج الاقتصادات العربية، لكي يكتشف أن الناتج الإجمالي للمنطقة خلال هذا العام سوف يفوق الناتج العالمي . فالقيمة الإجمالية لنواتج المنطقة سوف ترتفع بمعدل سنوي يتراوح بين 7.6% و8.8%، بينما يتراوح معدل نمو الناتج العالمي بمعدل سنوي يتراوح 6.4% و7% . أي أن معدل نمو الناتج الإجمالي للاقتصادات العربية سوف يفوق الناتج الإجمالي للاقتصادات العالمية. مقابل هؤلاء هناك من يتبع القراءة المتحفظة لمستقبل الأوضاع الاقتصادية في المنطقة العربية . الذين يمارسون مثل هذه القراءة يركزون على معدل النمو الإجمالي لدول المنطقة خلال هذا العام . ويقدر خبراء صندوق النقد الدولي هذا المعدل بحوالي 3.9% مقارنة بالمعدل الدولي المتوقع أن يصل إلى 4.4%. بحسب هذه الصورة فإن الأوضاع الاقتصادية العربية سوف تكون متخلفة عن الأوضاع الاقتصادية العالمية. فضلاً عما سبق، فإن التوقعات المتأنية لصندوق النقد تلفت النظر إلى أهمية التمييز بين نوعين من الدول العربية: الأولى هي الدول المصدرة للمواد الخام (النفط، الفوسفات والحديد إلخ . .)، ومن ثم فإنها ستحقق فوائد كبيرة جراء ارتفاع أسعار النفط والفوسفات في السوق العالمية . والثانية، هي الدول التي تعتمد على تصدير المنتجات الزراعية والمنتجات الصناعية الخفيفة هذا فضلاً عن اليد العاملة المهاجرة . وهذه الدول الأخيرة قد تملك النفط ولكن ليس بمقادير كبيرة منه . في هذا الإطار، يلاحظ أصحاب التوقعات المتحفظة أنه في الوقت الذي ترتفع فيه مداخيل الصنف الأول من الدول فإن معدل نمو الصنف الثاني من الدول العربية سوف ينحدر إلى 2.3%. تبدو القراءة الثانية أقرب إلى التعبير عن واقع الأحوال في المنطقة العربية إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ثلاثة أمور تؤثر في مستقبل التنمية في الدول العربية: * أولاً، أن النوع الثاني من الدول العربية (مصر، الجزائر، اليمن، سوريا إلخ . .) أي الذي لا يصدر النفط أو الذي لا يصدره بكميات كبيرة هو الأكبر حجماً (باستثناء العراق والسعودية) من حيث عدد السكان . ولا ريب أن هذه المعطيات لعبت دوراً مهماً في تحديد خريطة الانتفاضات العربية حيث إن المواطن في الدول العربية ذات الكثافة السكانية العالية هو أكثر تعرضاً لمعضلات البطالة والفقر والتخلف من المواطن في الدول العربية المحدودة السكان التي تصدر النفط بكميات كبيرة. بهذا المعنى فإن المشكلات الاجتماعية سوف تكون أكبر حجماً وأبعد تأثيراً في المنطقة برمتها. * ثانياً، أن التحديات الديمغرافية التي تواجهها الدول العربية ذات الكثافة السكانية العالية سوف تبقى معنا لسنوات كثيرة . إن الانفجار السكاني يصل إلى ذروته في المنطقة العربية حيث تبلغ نسبة تكاثر السكان السنوية حوالي 2.6% بينما لا تزيد في آسيا على 2.4% وفي أمريكا الجنوبية عن 2.2%. هذه الصورة لن تتغير خلال المرحلة القريبة، وتعني أن الدول العربية سوف تتعرض إلى مزيد من الضغوط التي تعرقل مسيرتها التنموية في المستقبل. * ثالثاً، من الطبيعي أن تكون هناك آثار مباشرة للثورات والانتفاضات العربية في الأوضاع العامة وعلى الأحوال الاقتصادية في مصر وسوريا واليمن وتونس . فحتى في مصر وتونس حيث أنجزت تغييرات كبرى شملت القيادات السياسية في البلدين، فإن الأوضاع لم تستقر فيهما، ناهيك عن الأوضاع في ليبيا وسوريا واليمن وبعض البلدان العربية الأخرى. إن هذه العوامل سوف تؤثر، بالطبع، في مستقبل التنمية في المنطقة . إلا أنه من المستطاع التمييز بين نوعين من الآثار . فعلى المدى القريب سوف تؤدي هذه العوامل إلى إبطاء رحلة التنمية العربية . ولكن من المعتقد أنه على المدى البعيد، فسوف تحقق، كما يقول خبراء في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي المنطقة العربية فوائد مهمة. إلا أن التقديرات المتفائلة مشروطة ب “إذا” كبيرة . إن رحلة التنمية سوف تسرع الخطى إذا جرت مراجعة شاملة للسياسات العامة التي طبقت في المنطقة العربية حتى أيامنا هذه، وإذا تمكنت النخب الحاكمة الجديدة من تقديم إجابات شافية عن معضلات البطالة والفقر وانعدام الضمانات الاجتماعية والصحية لأكثرية المواطنين العرب . ولئن كان من البديهي أن تتطرق هذه الإجابات إلى السياسات والأوضاع الداخلية في كل بلد عربي، فإن عدداً كبيراً من الباحثين والمحللين والخبراء يعتقد بأنه لا بد أن تتطرق عملية المراجعة أيضاً إلى السياسات التي تنتهجها الحكومات العربية على الصعيد الإقليمي وفي علاقتها مع بعضها بعضاً. تأكيداً لأهمية البعد الإقليمي العربي في حل المشكلات الملحة التي تعاني منها المجتمعات العربية مثل البطالة والفقر والغلاء، دعا د .جان-بيير شوفور، وهو من موظفي البنك الدولي المختصين بالقضايا الإقليمية، في ورقة أعدها بعنوان “التجارة وسيلة لتوطيد الثورات العربية”، إلى الإسراع في تطبيق اتفاقيات التعاون الإقليمي بين الدول العربية . هذا المنحى سوف يسهم، في تقدير شوفور، في حل مشكلات البطالة والفقر والتخلف في المنطقة. وتأكيد لهذا البعد الإقليمي العربي أيضاً، ساوى د . ناصر السعيدي، رئيس الشؤون الاقتصادية في مركز دبي المالي العالمي، ووزير المال اللبناني السابق، النهضة العربية الحديثة بتحقيق التكامل الاقتصادي العربي . جاء ذلك في ورقة أعدها بعنوان “التعاون الاقتصادي الإقليمي: نهضة لإزالة العوائق أمام طريق الرخاء” . تميز هذه الورقة بين الاندماج السطحي shallow integration والاندماج العميق integration deep . إن الاندماج السطحي يتوقف عند التدابير الحدودية التي تيسر تدفق البضائع من دولة إلى أخرى . إنه اندماج مفيد، ولكنه لا يحقق ما يصل إليه الاندماج العميق بين الدول الذي يسهم إسهاماً كبيراً في حل مشكلاتها الاجتماعية والاقتصادية. ما حققته الحكومات العربية في ما بينها من تعاون لم يتجاوز التعاون السطحي، أما تحقيق التنمية السريعة والمستدامة وتوفير فرص العمل للملايين من الشبان العاطلين من العمل، يتطلب تعميق التعاون بين الدول العربية بتحويل “منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى” إلى سوق عربية مشتركة ليس فقط عن طريق إنهاء الضرائب الجمركية على التجارة البينية العربية وإنما أيضاً عبر وضع حد للعقبات غير الجمركية التي تعترض انسياب التجارة عبر الحدود العربية. * نقلا عن "الخليج" الاماراتية

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل