المحتوى الرئيسى

زوجي بخيل فهل أسرقه؟!

05/13 03:29

غزة - دنيا الوطن أثارت مأساة زوجة ثري بخيل جدلاً بين الفقهاء حول مشروعية قيامها بسرقته بدون علمه، فرأى فريق أن هذا حلال، في حين رأى آخرون حرمة ذلك، ولكل فريق أدلته الشرعية. فماذا قالوا ؟ تقدم الزوجة إلى لجنة الفتوى من الأزهر بدأت القضية عندما تقدمت زوجة إلى لجنة الفتوى من الأزهر الشريف تطلب رأياً في مشكلتها قائلة: «زوجي ثري جداً ويحتل منصباً مرموقاً في أحد البنوك الكبرى، بالإضافة إلى ما ورثه عن أسرته من أموال طائلة. إلا أنه بخيل جداً، ولا ينفق على أسرته حتى في الاحتياجات اليومية من مأكل ومشرب، ورفض إدخال أولاده مدارس خاصة، وصمم على الحكومية المتدنية التعليم، وأسكنهم في منطقة شعبية، مما جعل أولاده يكرهونه لأنه يعيش من خوف الفقر في فقر».  وكشفت الزوجة جانباً آخر من شخصية زوجها الذي يحرص على تناول غالبية وجباته الغذائية مع أسرته الثرية، في حين يترك زوجته وأولادها على أقل القليل الذي تركه لهم ولا يكفيهم مهما حاولوا التدبير، لأن المبلغ المتروك لهم لا يسمن ولا يغني من جوع. ولهذا فهي تفكر في سرقته، إلا أنها تخشى ربها أو أن تكون في سرقته حرمة، فماذا تفعل خاصة أنها نبهته كثيراً ولم يستمع إليها وتدخل أهلها كثيراً لحل المشكلات بينهما دون جدوى. العلاج  وحذر أستاذ الطب النفسي في جامعة القاهرة الدكتور يحيى الرخاوي الزوجات من الخلط بين بخل الرجل ومحدودية إمكاناته، اذ تعتبر بعض الزوجات عدم قدرة زوجها على تلبية الحاجات نوعًا من البخل، بل وقد تدفعه المرأة إلى السرقة والرشوة لتلبية طلباتها، حتى لا يتهم بأنه بخيل. وهذه النظرة السلبية قد تؤدي الى انهيار الزواج، وخاصة أن الحياة المعاصرة مليئة بالأعباء والضغوط والطلبات التي لا تنتهي، وقد تحولت كثير من الكماليات إلى ضروريات، وتنظر الزوجات إلى غيرهن ويحملن أزواجهن ما لا يطيقون. وعن كيفية علاج النفس من البخل يقول الرخاوي: «العلاج صعب، ويبدأ بإقرار الزوج أنه بخيل، لأن التشخيص هو البداية الصحيحة للعلاج والاقتناع بضرورته. ويبدأ ذلك بالتدريب على الإقلاع عنه بالإنفاق على أسرته، طمعاً بثواب الله، وأن المال لا ينقص في حقيقته من الإنفاق في سبيل الله. ثم على البخيل أن يستشعر السعادة في نفوس من ينفق عليهم، وخاصة زوجته وأولاده، ولهم دور في تشجيعه عن طريق امتداح كرمه والتحول الإيجابي في شخصيته. وشيئاً فشيئاً يترك الزوج بخله وينفق على أسرته ويشعر بسعادة لإسعاده الآخرين. الصبر وتقول أستاذة الشريعة في جامعة القاهرة الدكتورة ملكة يوسف: «زوجة البخيل عليها أن تنصحه وتصبر عليه ولها أجرها العظيم عند الله، وأن تحاول التماس العذر له، فيمكن أن يكون عليه التزامات وديون لا يريد أن تعلمها كي لا يحملها من الهمّ ما لا تطيق، وإن لم يكن مديناً فيجب عليها أن تذكره بلطف بقوله صلى الله عليه وسلم: «اليد العليا خير من السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غنى، ومن يستعفف يعفُّه الله، ومن يستغنِ يُغنه الله»، فإن استجاب فهذا خير، وإن لم يستجب فلتفعل مثلما فعلت هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان التي شكت للنبي، صلى الله عليه وسلم، بخل زوجها الشديد معها رغم ثرائه، فقال لها: «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف». وأنصح زوجة البخيل أن تكون على حذر من أن تؤدي هذه الطريقة إلى عواقب أشد ضررًا وأعظم خطرًا مما كان عليه الحال لو صبرت دون أن تأخذ من ماله بدون علمه». تهديد للاستقرار وعن التفسير الاجتماعي لظاهرة بخل الزوج، تقول الدكتورة عزة كريم، أستاذة علم الاجتماع في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية: «البخل يقصد به امتلاك شيء ما والامتناع عن بذله والجود به، سواء كان مالاً أو غيره، وهو صفة ذميمة ليس لها علاقة بالنوع، وإنما ترتبط إلى حد كبير بالبيئة التي تربى فيها الفرد، وكذلك تركيبته النفسية. والرجال هم الأكثر اتهاماً بها، لأنهم من يتولون عادة مسؤولية الإنفاق، بينما لا تظهر صفة البخل في المرأة إلا في حالة توليها لهذه المسؤولية. وقد تؤدي هذه الصفة الى فشل الكثير من الزيجات، خاصة أن البخل إحدى السلبيات المنتشرة في مجتمعاتنا العربية، مما جعله كابوساً يهدد استقرار الأسرة لكثرة المواجهات الزوجية بسببه، اذ يتهم الزوج البخيل زوجته بالإسراف، وتتهمه هي بالشح والبخل، ونسي الطرفان أن الحل في الوسطية والاعتدال بلا بخل أو إسراف. والغريب أن الزوج قد يكون كريماً مع غير أسرته حتى يبدو في مظهر الغني، في حين يكون بخيلاً ومقتراً على أهل بيته بسبب ما يعانيه من ازدواجية. وفي الوقت نفسه أحذر من الزوجة الطماعة التي ترى زوجها بخيلاً إذا لم يحقق لها كل آمالها، حتى ولو كانت فوق طاقته». الضوابط الشرعية ويتعجب رئيس جامعة الأزهر الدكتور أسامة العبد من تجاهل الزوج البخيل الإنفاق على زوجته وأولاده رغم أنه مكلف شرعاً بالإنفاق عليهم وإسعادهم، «مع العلم أن إنفاق الزوج يجب أن يكون في حدود مقدرته ودخله، فقال الله تعالى: "لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا» آية 7 سورة الطلاق. ونحاول أن نستبدل صفة البخل الذميمة بصفة الكرم الحميدة، مع اليقين أن المال لن ينقص، ولقوله عز وجل فى الحديث القدسي: "يا ابن آدم أَنفِقْ أُنفِقْ عليك". وأضاف العبد: «قرر الفقهاء أن الإنفاق يشمل المسكن الصالح الذي تصان فيه حرمة الزوجة وصحتها وكرامتها. وكذلك الملبس المناسب، الذي يصونها ويدفع عنها أذى الحر والبرد، ويعتاده أمثالها ومن في مستواها الاجتماعي، وتوفير الطعام الذي يغذي جسمها ويدفع عنها المرض، مثل ما يأكله أمثالها من الناس ومن هم في مستواها، من غير إسراف ولا تقتير، وذلك في حدود الاستطاعة. أما أن تطلب الزوجة من النفقة أكثر مما تحتاجه، أو فوق ما يطيق الزوج، فهذا حرام شرعاً، ولا تلجأ إليه زوجة عاقلة، أما إذا قصَّر الزوج في الإنفاق، وهو قادر على ذلك، فهذا بخل يمقته الله، ومن حقها رفع أمرها للقضاء لطلب الطلاق للضرر إذا نصحته هي وأهلها ولم يستمع للنصيحة، لأننا إذا سمحنا لها بسرقته واكتشف ذلك فسوف يطلقها بفضيحة السرقة وعدم الأمانة». بشرط في البداية أكد عميد كلية أصول الدين في جامعة الأزهر الدكتور بكر زكي عوض، أن «بخل الزوج من الأسباب الرئيسية لكراهية الزوجة لزوجها، ويعتبر هذا من سوء المعاشرة، مخالفاً بذلك الأمر الإلهي: "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً» آية 19 سورة النساء. ويعد إنفاق الزوج على زوجته وأولاده واجباً شرعياً، وليس هذا تفضلاً منه، ولهذا فإن البخل يتسبب بكثير من الآثار الضارة على البيت والأسرة والمجتمع. وعلى النقيض من ذلك نجد الزوج الكريم محبوباً من أسرته ومجتمعه، لأن الكرم يؤلف القلوب مع الناس جميعاً، فما بالنا بالزوجة والأولاد، ولهذا قال تعالى: «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ» آية 34 سورة فصلت. ومن حق زوجة البخيل أخذ ما يكفيها من أمواله دون علمه، بشرط عدم الإسراف، وإلا كانت سارقة ومسرفة ومبذرة، فقال تعالى: «وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين» آية 31 سورة الأعراف. النصح أفضل ويقول أستاذ الشريعة الإسلامية في كلية دار العلوم جامعة القاهرة الدكتور حسن الشافعي: «البخل من الأمراض التي لم يتركها الإسلام تستشري في المجتمع، بل وضع له العلاج الذي يضمن استقامة البيت وصلاح الأسرة والمجتمع. ومن المعلوم أن زوجة البخيل عادة ما تشعر بافتقاد الشعور بالأمن أو الطمأنينة، بسبب انعدام التوافق النفسي وكثرة المشاكل والشقاق مما يهدد كيان الأسرة، ولهذا على الزوجة توجيه النصح إليه بالرفق والحسنى، وتُفهمه أن الله رزقه من أجل زوجته وأولاده، وأنه مثاب على الإنفاق عليهم شرعاً لقول الرسول، صلى الله عليه وسلم: «خير درهم، درهم تنفقه على أهلك"، وقال أيضاً: «اللقمة في فم امرأتك لك بها صدقة". لذلك فكرم الزوج مع زوجته وأولاده أمر واجب شرعاً، ودليل على وجود الحب، لأن البخل من منغصات الحياة الزوجية، وأنا لست من المؤيدين لسرقة زوجة البخيل من ماله بدون علمه، لأن هذا قد يفجر المشكلات الزوجية أكثر إذا اكتشف الزوج السرقة، وقد يطلقها ويتشرد أبناؤها، ولهذا أوصي باستمرارها في نصحه واللجوء إلى المقربين، مثل أهله وأصدقائه. ولا شك أن الزوج أولى الناس الذين يجب تقديم النصح إليهم، لقوله، صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم». طلاق للضرر وأكد  الأستاذ في كلية الدعوة الإسلامية جامعة الأزهر الدكتور عمر عبد العزيز، أن «الكرم صفة محمودة في كل العصور، ولهذا عندما جاء الإسلام وجد العرب كرماء فأقرهم على هذه الصفة، حتى أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أكرم ابنة حاتم الطائي عندما وقعت في الأسر إكراماً لكرم أبيها. أما البخل والشح فهما ينزعان البركة من المال، ويشعلان نار الخلافات الزوجية. ولهذا يجب ألا يبخل الزوج في الإنفاق على أهله، لأن هذا أعلى مراتب الإنفاق، ولهذا رغَّبَت النصوص الشرعية في الإنفاق على النفس وعلى الأهل، وأعد الله الثواب العظيم لمن أنفق على نفسه وأهله. وإذا امتنع الزوج البخيل وضيق على زوجته وأولاده، بحسب المتعارف عليه في حكم من هو مثلهم في المستوى الاقتصادي والاجتماعي، فلا حرج على أن تأخذ من ماله دون أن يشعر بما يغطي حاجتها وحاجة أولادها بالمعروف، وإلا فلها حق طلب الطلاق للضرر، وقد يوافق الزوج البخيل على ذلك بشرط أن يكون بدون أي خسارة من نفقة أو مؤخر. خلط مرفوض  ويحذر الأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الدكتور محمد الشحات الجندي، من الوقوع فريسة لهذه الصفة الذميمة التي تخرب البيوت، ويضيف: «الغريب ان بعض الأزواج الذين يدَّعون أنهم ملتزمون بدين الله، يخلطون بين البخل والتدبير. ولهذا نذكر الأزواج بقوله، صلى الله عليه وسلم: «البخيل بعيد عن الله، بعيد عن الناس، بعيد عن الجنة، والكريم قريب من الله، قريب من الناس، قريب من الجنة». وننصح الزوجات بأن يتصفن بالقناعة، ولا يخلطن بين طموحاتهن التي بلا حدود وبين تدبير الزوج لأمور بيته حتى لا يستدين، وأن يتأملن قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «انظروا إلى من هو دونكم ولا تنظروا إلى من فوقكم، فإنه أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم». ويجب أن يعلم الزوجان أن البخل والإسراف لا يجتمع مع الإيمان، بل إنهما أكثر ما يهدد الأسرة، لهذا نهى الإسلام عنهما فقال تعالى: «وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» آية 9 سورةالحشر. والزوج البخيل قد يدفع زوجته للكذب وسرقته، وهذه ليست من صفات الزوجة الصالحة، لهذا ننصحها بالصبر على زوجها البخيل وأجرها الجنة».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل