المحتوى الرئيسى

السياسية الألمانية تجاه القضية الفلسطينية بقلم:أ:سمرأبوركبة

05/12 22:59

بسم الله الرحمن الرحيم دراسة بعنوان ....., السياسية الألمانية تجاه القضية الفلسطينية أ:سمرأبوركبة المبحث الأول منهجية الدراسة • المقدمة • مشكلة الدراسة • أهداف الدراسة • أهمية البحث • منهجية الدراسة المقدمة: تمر حركات التضامن الدولي مع فلسطين بمنعطف مهم يتمثل بانتقالها من وضعية المساندة والدعم، إلي وضعية تتطلب الفاعلية الذاتية الخاصة، والسعي إلي تأصيل نضالها في بلدانها ذاتها(1)، فالسياسة الخارجية الألمانية حيال القضية الفلسطينية يمكن إدارجها تحت مستويين: الأول، المستوى الوطني المتأثر بالعامل الإسرائيلي والمرتبط بالمحرقة، وترتبط ملامحه الأساسية بدعم ألمانيا لإسرائيل وتقديم المساعدات العسكرية والثقافية والمادية إليها، فألمانيا هي الشريك الثاني الأكبر لإسرائيل بعد الولايات المتحدة ولا تترك محفلاً دولياً إلا تعلن فيه دعمها لإسرائيل. أما المستوى الثاني للسياسة الخارجية الألمانية فيتقاطع مع سياسة الاتحاد الأوروبي، وقد بدأت هذا التوجه منذ وثيقة شومان العام 1971 والتي بلورت موقفاً اوروبياً مشتركاً حيال القضية الفلسطينية. صحيح أن هذه الوثيقة لم تلبِ الطموح الفلسطيني، لكنها عبرت عن أول موقف أوروبي موحد تجاه القضية الفلسطينية لجهة حق تقرير المصير ومطالبة إسرائيل بالانسحاب إلى حدود 1967.(1) وتشهد الساسية الخارجية الألمانية تغيرات هامة منذ الوحدة عام 1990، فقد وسعت التحولات الأساسية في العلاقات الدولية التي أعقبت الحرب الباردة الإطار الأساسي للسياسة الخارجية الألمانية، فلم تعد هذه السياسية تتمحور حول خدمة وتعزيز المصالح السياسية والاقتصادية الوطني على المستوى القومي، وتوسيع الاتحاد الأوروبي على المستوى الإقليمي، وتطوير التحالف عبر الأطلسي على المستوى الدولي، وإنما أيضا تعداه ليشمل المشاركة المباشرة فيما تسمى " الحرب على الإرهاب" والانخراط في الأنشطة الدبلوماسية للمساهمة في حل بعض النزاعات الدولية والإقليمية، بالإضافة إلى توسيع دائرة المساهمة في الترويج للقيم الغربية كتشجيع للحرية ودعم للديمقراطية والدعوة لاحترام حقوق الإنسان على أساس أن انتشارها مثل هذه القيم أو عولمتها يخدم المصالح القومية لألمانيا ويعزز مكانة أوروبا عالميا، إلا أن التغيرات الملحوظة المتنامية في السياسة الخارجية الألمانية على المستوى الأوروبي والدولي، لم تكن بنفس المستوى تجاه المنطقة العربية خاصة فيما يتعلق بالصراع العربي – الإسرائيلي والقضية الفلسطينية على الرغم من أهمية هذه القضية وانعكاساتها على الأمن الأوروبي والعالمي، فربما لا يوجد منطقة ولا قضية في العالم تواجه فيها السياسة الخارجية الألمانية تعقيدات وإشكاليات متشعبة كمنطقة الشرق الأوسط وكالقضية الفلسطينية، فيما بين العلاقة الخاصة بإسرائيل والتي ترتبط تاريخيا بما اصطلح على تسميته بالهولوكوست، والمصالح الاقتصادية والسياسية المتنامية مع الدول العربية أصبح البحث على نقطة التقاء أو حتى موقف وسط بين الفلسطينيين وإسرائيل وأمريكا يسيطر على تفكير النخب وصناع السياسة الألمانية الدولية لحلحلة عقد الصراع خاصة في عهد الائتلاف الاشتراكي – الخضر- والذي واكب اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000- فقد بقيت السياسة الألمانية تجاه القضية الفلسطينية خاصة في إطارها الوطني الثنائي دون المستوى المطلوب داخليا، وحتى المأمول خارجيا لدولة كبرى تتمع بعلاقات قوية مع إسرائيل من جهة، وتعتبر أكبر مانح أوروبي وثالث عالمي للسلطة الفلسطينية من جهة أخرى، ولعل هذا يعود بالدرجة الأولى، كما نفترض هنا وكما يرى الكثير من المحللين والمراقبين، إلى العلاقة الخاصة بإسرائيل، ومن ثم بالدرجة الثانية إلى زيادة انخراط السياسة الألمانية الخاصة بهذه القضية في إطار الاتحاد الأوروبي. مشكلة الدراسة : ما هي محددات السياسة الخارجية الألمانية تجاه القضية الفلسطينية؟ وكيف تلعب العلاقة الخاصة بإسرائيل دورا حاسما في صناعتها وتوجيهها؟ وما هو دور المصالح والبرجماتية في هذا الشأن؟ وما هي أطر هذه السياسة، ومن خلال كل هذا كيف يمكن لألمانيا أن تلعب دورا أكثر فاعلية يتوافق وحجمها كأكبر قوة اقتصادية وأوروبية وكمانح رئيسي للمساعدات للأطراف المنخرطة بما يسمى العملية السلمية في المنطقة؟ تهدف هذه الدراسة إلى الإجابة على هذه الأسئلة من خلال استكشاف السياق التاريخي لتطور هذه السياسة، وتحليل محدداتها الأساسية، وبالتالي معرفة المدى الذي تلعبه العلاقة الخاصة بإسرائيل في صياغة هذه السياسة وتوجيهها في الإطارين الثنائي الوطني والمتعدد الأوروبي. تساؤلات الدراسة : • لم تتخذ ألمانيا مواقف شديدة التباين من الموقف الأوروبي بالنسبة إلى الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي. إلى أي مدى تأثرت تاريخياً بالرؤية الأوروبية الكولونيالية حيال علاقتها بالقضية الفلسطينية؟ • أين موقع السياسة الخارجية الألمانية من القضية الفلسطينية، وهل تختلف عن الاتجاه الأوروبي؟ • لماذا يتجه الرأي العام الدولي إلى إعطاء الأولوية للمحرقة ولا يعير أي اهتمام بما يرتكب من مجازر إسرائيلية بحق الفلسطينيين؟ • هل يمكن رصد أي تحول رسمي في علاقة ألمانيا مع قضايا العرب؟ أهداف الدراسة: 1- الهدف من هذه الدراسة التعرف على العلاقات الألمانية اتجاه القضية الفلسطينية بشكل أساسي. 2- التعرف على الدور سياسي الألماني في العملية السلمية 3- التعرف على موقف ألمانيا من الممارسات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية 4- التعرف على الاتفاقيات الموقعة والتعاون الألماني الفلسطيني باتجاه التنمية . أهمية البحث 1- أهمية هذه الدراسة تظهر في توفر المعلومات التي تربط ألمانيا وسياساتها بالقضية الفلسطينية. 2- تقييم موضوعي ما أمكن لصانع القرار الفلسطيني، ولتلقي الضوء على العلاقات الألمانية الفلسطينية في جميع الجوانب 3- كما تسلط هذه الدراسة الأضواء على الانعكاسات الايجابية لموقف ألمانيا اتجاه القضية الفلسطينية 4- ستناقش هذه الدراسة سياسات العلاقات الألمانية بالقضية الفلسطينية. منهجية الدراسة: استخدم الباحث في بحثه المنهج الوصفي التحليلي، نظرا لأهميته في وصف البيانات من خلال التعرف على طبيعة العلاقات الألمانية – الفلسطينية ونقدها وتحليلها، كما وتم تحليل السياسات الألمانية في الأراضي الفلسطينية . المبحث الثاني الإطار النظري تمهيد المبحث الاول:- الجزء الأول: الخلفية والسياق التاريخي السياسة الألمانية في فلسطين من الوحدة وحتى نهاية الحرب الثانية السياسة الألمانية في فلسطين منذ النشأة 1949 وحتى الوحدة 1990 المصالحة مع التاريخ والخيار الإسرائيلي التقارب مع العرب وسياسية " التوازن" المبحث الثاني:- السياسة الألمانية تجاه القضية الفلسطينينة منذ الوحدة وحتى الآن السياسة الخارجية الألمانية منذ 2005 وحتى الآن: فترة ميركل رئاسة الاتحاد الأوروبي، وحاجة أمريكا لحلفاء دوليين: محددات واطر السياسة الألمانية تجاه فلسطين أولا : أبعاد المصالح الألمانية في المنطقة ثانيا : محددات السياسة الخارجية الألمانية تجاه المنطقة العربية العلاقة الخاصة بإسرائيل والعامل الأخلاقي البراجماتية والمصالح الوطنية ثالثا : أطر السياسة الخارجية الألمانية في المنطقة : الإطار الوطني وملامح الدور المتنامي في التسوية السياسية الإطار الأوروبي للسياسة الألمانية في المنطقة المبحث الثالث:- ألمانيا والأراضي الفلسطينية وعملية السلام التطورات بعد استشهاد ياسر عرفات الدعم الألماني لبناء دولة فلسطينية ديمقراطية ألمانيا تدعم بناء الدولة الفلسطينية الحكومة الألمانية ترحب بالمحادثات غير المباشرة الخاتمة الخلفية والسياق التاريخي: إن فهم السياسة الخارجية الألمانية ومحدداتها تجاه القضية الفلسطينية والصراع العربي- الإسرائيلي يتطلب أولا معرفة التطور التاريخي لهذه السياسية، ويمكن تقسيم هذا السياق التاريخي إلى مرحلتين واجهت خلالهما السياسة الألمانية عقد وإشكاليات من نوع خاص: في الأول كان عليها التوفيق بين التخلص من اليهود بالهجرة (قب بلورة الحل النهائي) " لتنظيف ألمانيا وتطهيرها" وبين إرضاء العرب لضمان دعمهم في الحرب ضد بريطانيا، وفي الثانية كان عليها الموازنة بين دعم إسرائيل شبه المطلق من جهة، وبين مصالحها المتنامية مع العالم العربي من جهة أخرى، فكيف تطورت هذه السياسة في مراحلها المختلفة وكيف نشأة هذه العقد والإشكاليات. السياسة الألمانية في فلسطين من الوحدة وحتى نهاية الحرب الثانية: ارتبطت السياسة الألمانية تجاه فلسطين منذ البداية بالمسألة اليهودية، وكان لها وجهين مترابطين: الأول يتمثل في سياسة تهجير اليهود الألمان إلى الخارج، وقد تم التعبير عنه بدعم جهود الحركة الصهيونية الرامية إلى تشجيع هذه الهجرة إلى فلسطين وإقامة وطن قومي لهم هناك، ولم تتغير هذه السياسة طوال الفترة الممتدة من عهد الإمبراطورية التي نشأة مع الوحدة الألمانية الأولى مرورا بالحرب العالمية الأولى، وحتى جمهورية فايمر التي انتهت على يد الحزب الوطني الاشتراكي المعروف اختصارا بالحزب النازي عام 1933، ومع هذا العهد الجديد بدأت تتبلور تدريجيا سياسة أكثر وضوحا وإصرارا على " تنظيف ألمانيا" من اليهود. وبالرغم من محافظة الحكومة النازية خلال الثلاثينات على هذه السياسية من خلال السعي إلى استغلال الحركة الصهيونية وإرضاء البريطانيين لتحيديهم في الحرب، فقد تميزت هذه الفترة على وجه الخصوص بظهور المسألة اليهودية ليس فقط كمشكلة داخلية، وإنما أيضا كمسألة أولوية في السياسة الخارجية الألمانية، وقد سعت الحكومة الألمانية في بداية عهدها إلى تحقيق هذه هذا بوسائل الإقناع والتحفيز، فتعاونت مع الحركة الصهيونية في قضية تنظيم وتشجيع الهجرة إلى الخارج وما تجدر الإشارة إليه هنا النظر ولم يتم الحديث عنه بشكل واضح من قبل الكثير من المؤرخين والباحثين هو استغلال هذه المسألة أيضا لتحقيق أهداف اقتصادية داخلية وخارجية، ففي عام 1933 وقعت الحكومة النازية اتفاقا مع الوكالة اليهودية لفلسطين والمعروب بـ هافارا أو اتفاق التسفير، والذي يربط السماح بهجرة اليهود إلى فلسطين بشراء البضائع الألمانية من قبل اليهود. وتبرز أهمية هذا الاتفاق ليس فقط في فوائده الاقتصادية حيث أصبحت ألمانيا بحلول عام 1937 المصدر الأول للسلع إلى فلسطين، ولا أيضا دوره " المأمول" في تقويض المقاطعة الاقتصادية لألمانيا، وإنما أيضا في حقيقة أنه أوجد لأول مرة إجماعا في الحكومة الألمانية على أن تكون فلسطين هي الوجهة الأساسية لليهود الألمان ، واستمر هذه الأمر كذلك حتى ثورة 1936 حيث بدأ يتغير الإجماع، ولكن سياسة تشجيع الهجرة بقيت كما هي. الوجه الآخر للسياسة الألمانية تجاه فلسطين خلال هذه الفترة تمثل في علاقة ألمانيا بالشعب العربي الفلسطيني، فمنذ 1933 سعى العرب للحصول على مساعدة ألمانيا ضد تدفق اليهود إلى فلسطين من منطلق الشعور بأن سياسة هتلر المعلنة ضد اليهود يمكن أن توظف في نضال العرب من أجل الاستقلال عن بريطانيا، ويشير القنصل الألماني العام في فلسطين هاينريش فولف Heinrich wolff إلى أن الشيخ المفتي أمين الحسيني ورجال دين آخرين التقوه وأعربوا عن رغبتهم بالتعاون مع النظام الجديد وطالبوه بعدم إرسال أي مهاجرين جدد إلى فلسطين، وهي المطالب التي لم يتعامل معها الحكم في برلين خوفا على العلاقات البريطانية الألمانية ويبدو من السياق أن هناك سوء فهم فيما يتعلق بربط العرب بين سياسية ألمانية لتهجير اليهود وبين قضيتهم في فلسطين. فسياسة ألمانيا في الثلاثينات كانت تقوم بالأساس على قبول أمرين: الصهيونية والإمبريالية البريطانية، وأي تشجيع أو دعم رسمي أو علني للحركة العربية سيؤدي إلى تغيير حالة الأمر الواقع في المنطقة، وهي الحالة التي لم تكن ألمانيا لتغيرها ما دامت تضمن تحييد بريطانيا في أي حرب قادمة في أوروبا. وكنتيجة، وبعيدا عن شحنات الأسلحة التي قدمتها ألمانيا للثوار العرب في أواخر الثلاثينات لم يتم عمل اي شيئ جوهري لتغيير هذه السياسة. ولا يقلل هذا من أهمية الثورة الفلسطينية عام 1936 في تغير الموقف الألماني فقد دفعت القادة الألمان إلى إعادة التفكير بسياستهم تجاه فلسطين، وهو ما ساعد على ظهور حوار حقيقي حول إعادة التفكير في اعتبار فلسطين أولوية لهجرة اليهود الألمان. ثم جاءت توصيات لجنة بيل 1937 لتحدث نقاش حقيقي في برلين حول سياستها في فلسطين، وكادت تؤدي إلى إعادة النظر كليا في اتفاق هافارا وسياسة ألمانيا تجاه العرب، ومع ذلك فإن هناك أدلة على أن هتلر وافق على استمرار الهجرة اليهودية إلى فلسطين بالرغم من خطة التقسيم ومن احتمالية أن تقود هذه الخطة إلى قيام دولة يهودية مستقلة هناك وهنا تجدر الإشارة إلى أن معارضة الحزب النازي لإقامة الدولة اليهودية التي دعت إليها الخطة لم تكن ببساطة لأسباب أيدولوجية، وإنما بسبب الخوف من أن تجعل سياسات هتلر " المعادية للسامية" من أية دولة يهودية عدوا طبيعيا للرايخ وحليفا لأعداء ألمانيا ومع ذلك، ومع تضائل فرص قيام مثل هذه الدولة، فقد أعاد هتلر التأكيد على دعمه لفكرة فلسطين كوطن لليهود الألمان. ومع البحث بجدية عن بدائل مثل مدغشقر وذلك بسبب زيادة الشعور بأن فلسطين ليست كافية لامتصاص العدد المتنامي من المهاجرين اليهود، وخاصة مع زيادة المقاومة العربية التي أجبرت السلطات البريطانية على تقييد هذه الهجرة إلى حدها الأدنى . ومن الواضح هنا أن موقف هتلر من الإمبراطورية البريطانية كان عاملا حاسما في سياسته تجاه المسألة اليهودية، فسياسة ألمانيا البريطانية خلال الثلاثينايت تكاد تكون العامل الأكثر تأثيرا في سياسة الحكم النازي تجاه العرب بشكل عام والحركة القومية العربية في فلسطين بشكل خاص فما دام هتلر يأمل بتجنب الحرب مع بريطانيا وتحييدها لم يكن ليقدم شيئا مهما لدعم وتشجيع المقاومة العربية للاحتلال في فلسطين، وقد استمر الموقف الداعم للهجرة اليهودية حتى عام 1941 عندما ظهرت فكرة " الحل النهائي" ورتبتها حكومة هتلر كسياسة منظمة لإنهاء الوجود اليهودي ليس فقط في ألمانيا، وإنما أيضا في أوروبا كاملة ، وقد تزامن هذا مع بداية تحول واضح في سياسة ألمانيا تجاه فلسطين حيث بدأت حكومة هتلر – وربما لأول مرة- تنظر إلى العرب فقط "كوسيلة" لتحييد بريطانيا في الحرب وإنما كحركة يمكن أن تساعد على إضعاف القوة البريطانية وهزيمتها. وقد كانت زيارة المفتي إلأى برلين عام 1941 إشارة مهمة على هذا التغير وإعلانا واضحا لسياسة ألمانية جديدة تمثلت في دعمها للحقوق العربية الفلسطينية في الاستقلال، وهي السياسة التي استمرت كذلك حتى نهاية الحرب عام 1945، ولكن مع هزيمة ألمانيا واحتلالها عام 1945 انتهت تماما السياسة الألمانية في فلسطين. السياسة الألمانية في فلسطين منذ النشأة 1949 وحتى الوحدة 1990 المصالحة مع التاريخ والخيار الإسرائيلي: منذ إنشاءها بعد الحرب الثانية عام 1949 وحتى الوحدة 1990 مرت السياسة الألمانية بعدة مراحل ، ولكن ما ميزها بشكل عام هو أنها كانت دائما تحاول الوقوف في موقف وسط بين إسرائيل والفلسطينيين من جانب الدول العربية والولايات المتحدة وروسيا أو الاتحاد السوفيتي من جانب آخر، ففي السنوات الأولى بعد نهاية الحرب وخلال الخميسنات كانت ألمانيا تعمل جاهدة على دعم الدولة العربية الجديدة بهدف المصالحة معها. وقد كان هذا الموقف متأثرا إلى حد ما بالنظرة الواقعية؛ فدعم إسرائيل يتوافق مع سياسة الولايات المتحدة، الحليف الرئيس للألمان والغرب، خلال الحرب الباردة، ثم حافظ المستشار الأول كونراد اديناوار Konrad Adenaure والذي لم يكن نازيا ولا بطل مقاومة، وكما يشير كاتب سيرته الشخصية Henning Kohler على علاقات ودية مع رئيس وزراء إسرائيل آنذاك بن غوريون، وبتوقيعها اتفاقية لوكسمبورغ سبتمبر1952 التزمت حكومة بون بدفع تعويضات قيمتمها 3 بليون مارك ألماني للناجيين من المحارق. وعلى الرغم من أن ألمانيا الغربية لم تقم علاقات مع إسرائيل حتى 12 مايو 1965 فقد كان هناك جميع أنواع الاتصالات القوية على المستوى غير الرسمي. إلا أن النزعة العامة للحكومات الفدرالية المتعاقبة حتى 1969 كانت تتمثل في تجنب – ما أمكن – الإشارة في كل بيان تصدره إلى النزاع العربي الإسرائيلي ، بينما تؤكد الالتزام بما يمكن تسميته الخيار الإسرائيلي بشكل واضح فقد كانت السياسية الألمانية خلال هذه الفترة- ولا زالت بالطبع ولكن بصورة مختلفة- محكومة أو ربما موجهة بالعامل الأخلاقي المرتبط أساسا بما تعرض له اليهود من اضطهاد وربما " إبادة" في أوروبا ومن ثم تبعات ذلك من مستحقات كتقديم التعويضات لإسرائيل، حتى عندما احتلت إسرائيل الأراضي العربية المتبقية من فلسطين عام 1967- وبعيدا عن الرأي العام الألماني- فقد كان موقف الحكومة الألمانية يتميز إلى حد ما بما يمكن تسمية " بالحياد الناعم" . فالتغير المحلي في السياسة الداخلية الألمانية أدى بدوره إلى تغيير واضح في سياسة ألمانيا الشرق أوسطية، فالتحالف الليبرالي الاشتراكي بين فيلي براندت وهيلموت شميت Willy Brandt and late Helmut Shmidt كان بداية التحول التدريجي في الموقف الألماني من النزاع العربي – الإسرائيلي، حيث بدا يتزايد الاهتمام وحتى الالتزام بالبحث عن حل للصراع بشكل أوضح ، وقد ساعد على هذا الالتزام إلى حد كبير انخراط ألمانيا ودول السوق الأوروبية المشتركةEEC في بداية 1970بجهود حقيقة لتنسيق سياساتها الخارجية ضمن إطار التعاون السياسي الأوروبي ، فمع الإعلان عن الورقة السرية ( schumann document) لدول المجموعة الأوروبية في أيار 1971 والتي طالبت بانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية التي احتلت عام 1967 وحل مشكلة اللاجئين، فقد حدث تغيير ملموس في سياسة ألمانيا الشرق أوسطية، وبدأت حكومة براندت إعادة النظر في مبدأ شتاين Hallstein Doctrine وواكب ذلك أيضا إعادة التفكير في المنهج المتبع في التعامل مع العالم العربي حيث بدأت ألمانيا تتبنى وإن كان علنا سياسة أكثر توازنا وحيادية في الصراع ، وقد عملت سياسة " التوازن الجديدة" إلى تقسيم تدريجي لمحددات السياسة الألمانية بين العامل الأخلاقي والسياسة البرجماتية العلمية : بمعنى آخر بين حماية بمعنى آخر بين حماية أمن إسرائيل و" حقها في الوجود من جهة، والاعتراف بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني من جهة أخرى، ولعل هذا التغير لم يأتي من فراغ، ولا من صحوة ضميرة، وإما جاء في سياق تأثيرات قرار أوبك بحظر النفط عن الدول الغربية الداعمة للدولة المتعدية في أعقاب حرب أكتوبر عام 1973 ، وعليه فقد أصدرت ألمانيا الفدرالية بيانا في نوفمبر 1973 لتوضيح موقفها من الصراع في الشرق الأوسط في سياق السياسة الأوروبية EPZ والذي تم فيه ليس فقط تأكيد مبدأ وثيقة شومان، ولكن أيضا الإقرار بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. وكان هناك مؤشرا آخر على التغير في السياسية الألمانية تجاه المنطقة ككل تمثل في الحوار العربي الأوروبي والذي كان يهدف إلى بناء شراكة عربية أوروبية على المدى الطويل فبعد سنة واحدة فقط تحدث سفير ألمانيا في الأمم المتحدة أمام الجمعية العامة عن " حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير" وأضاف أن ألمانيا تعتبر بحق الشعب الفلسطيني في تقرير ما إذا كان يريد إقامة حكمه الخاص- اي الحكم الذاتي عن الأراضي التي احتلتها إسرائيل- أم أنه يرد حلا آخر . هذا الحديث العلني والذي يتوافق والموقف الأوروبي العام لـ EPZ والذي تبنى حق تقرير المصير أدى مع ذلك إلى توتر في العلاقة مع إسرائيل . وقد بقي الموقف الرسمي لألمانيا من النزاع العربي – الإسرائيلي بهذا الوضوح كحالة مفردة، بينما أدى التغير في السياسية الألمانية الشرق أوسطية من ثنائي مع إسرائيل إلى متعدد في الإطار الليبرالي- الاشتراكي في جعل ألمانيا أكثر قربا من الموقف الأوروبي للدول الثمانية الأخرى في EEC الذي شكلته وقادته فرنسا. التقارب مع العرب وسياسية " التوازن": كانت استجابت الدول الأوروبية التسعة بما فيها ألمانيا في إطار EPZ على اتفاق كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1978 متحفظا نسبيا وحذرا إلى حد ما لأنه لم يأخذ بعين الاعتبار تطبيق القرارين 242و 338 بشكل كامل وعلى الرغم من أن ألمانيا لم تتخذ موقفا واضحا وصريحا على المستوى الوطني من هذا الموضوع فقد اعتبر هذا من جانب إسرائيل موقفا أوروبيا غير متوازن. صحيح أن هذا الموقف جاء بسب الخوف من قيام الدول العربية بحظر النفط، إلا أنه بالمقابل عكس تعاطفا أوروبيا، أقل من المعتقاد في سياق EPX مع السياسة الإسرائيلية في المنطقة فهذه النزعة التي تقوم على تقارب أكبر مع العالم العربي ظهرت بشكل أوضح في الإعلان فينيس حزيران 1980. فقد قام المجموعة الأوروبية بيما فيها ألمانيا وفي إطار EPZ بتقديم مشروعها الخاص للسلام والذي جاء معارضا لاتفاقيات كامب ديفيد وكانت النقطة الرئيسية في البيان هي اعتراف أوروبي صريح لأول مرة بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، والدعوة إلى حل شامل، ومطالبة إسرائيل بالانسحاب من الأراضي المحتلة بما فيها القدس الشرقيةومع ذلك فقد كان موقف ألمانيا متردد إلى حد ما، حيث كانت تريد معارضة ما اعتبرته سياسة أوروبية داعمة للفلسطينيين بقيادة فرنسا. وأعلنت عن دعمها لسياسة حماية أمريكا وإسرائيل بشكل علني وصريح، ولهذا بقيت سياسة ألأمانيا بشكل عام تحت عنوان التوازن هذا داعمة لإسرائيل إلا أن هذا لا ينفي أن دعم ألمانيا لإعلان فينيس ودورها في الحوار العربي- الأوروبي أظهر تقاربا أكبر للسياسة الألمانية الشرق أوسطية مع المستوى الأوروبي EPZ وكنتيجة فقد تأثر الموقف التاريخي الألماني من الصراع بشكل تدريجي كما تأثرت العلاقة الألمانية الإسرائلية على الرغم من تقوية العلاقات الاقتصادية والثقافية والعلمية بشكل كبير، وعلى الرغم من الحملة الإسرائيلية على لبنان وغزوها في صيف العام التالي 1982 فقد تحسنت العلاقات الألمانية الإسرائيلي، خاصة بعد تولي التحالف المسيحي الليبرالي بقيادة هيلموت كول السلطة، بل وقويت علاقة ألمانيا مع إسرائيلي من جديد وأصبحت المصالح الإسرائيلية مرتبطة بسياسة ألمانيا الشرق أوسطية . هنا تجدر الإشارة إلى أن العلاقات الثنائية الألمانية مع إسرائيل لم تعد من جديد مرتبطة كثيرا بسياسة ألمانيا في الشرق الأوسط في إطارها الأوروبي المتعددة الأطراف في EPZ فعقدة ألمانيا في محاولة تحقيق توازن بين إسرائيل والعرب ومصالحها الخاصة شهدت نوعا ما " حلحلة" محلوظة من قبل EPZ كما ازادت أيضا من المساحة المتاحة للسياسة الخارجية الألمانية للتحرك على الساحة الدولية ، ومع كل هذا فلم تتمكن لا الساسية المشتركة ولا EPZ ولا سياسة ألمانيا الشرق أوسطية الثنائية التي وصفت " بالمتوازنة" من كسب الانتباه الدولي في السنوات اللاحقة لإعلان فينيس. وتميزت السياسة الأوروبية ومن ضمنمها السياسة الألمانية الخاصة بالقضية الفلسطينية حتى اندلاع الانتفاضة الأولى 1987 بعدم الفعالية: فالتعاون الأوروبي السياسيي لم يحقق شيئا وانحصر دوره تقريبا في جهود متفرقة للتوفيق بين المبادرات المختلفة التي تعاقبت بشكل متسارع من خطة ريغان سبتمبر 1982 إلى مقترحات فيز في 9 سبتمبر إلى اتفاق الحسين عرفات 11 فبراير 1985 وفي النتيجة فإن العلاقة بين السياسة الألمانية والسياسية الأوروبية الشرق أوسطية في الثمانينات يمكن وصفها بالكلمات التي عبر عنها Junnemann: أن نجاح الاندماج المؤسساتي الأوروبي في إطار EEC لم يمنع أو يحد من التوجهات الفردية أو السياسات الوطنية الخارجية لأعضاءه" . وفي فبراير 1987 قام وزراء خارجية المجموعة الأوروبية بالدعوة إلى مؤتمر سلام تحت رعاية الأمم المتحدة، وقد كان هذا ردة فعل لاحتدام الصراع خاصة بعد اندلاع الانتفاضة الأولى، ثم انعقد في صيف 1988 الحوار الأوروبي – العربي والذي ساهم فيما بعد بالتزام المجموعة الأوروبية في حزيران 1989 بيان مدريد وفي نفس العام جاء انهيار جدار برلين ليمثل بداية حقبة جديدة لألمانيا. والقضية الفلسطينية وللمنطقة.. وللعالم أيضا. السياسة الألمانية تجاه القضية الفلسطينينة منذ الوحدة وحتى الآن ائتلاف الاشتراكي- الخضر وملامح التغيير: شرودر – فيشر: بينما انهمكت ألمانيا في العمل على تحقيق متطلبات الوحدة وعلى الرغم من التحولات الهامة التي شهدها العالم خلال النصف الأول من التسعينات لم تشهد السياسة الألمانية الخاصة بالمنطقة العربية والصراع العربي الإسرائيلي بدأت بعد قدوم ائتلاف شرودر- فيشر إلى السلطة عام 1998. حيث تبنى خطا مختلفا عن النهمج الذي ميز السياسة الخارجية الألمانية منذ الحرب العالمية الثانية. فقد عمل المستشار شرودر على تحرير ألمانيا من التزاماتها التقليدية الناتجة عن تحالفها التاريخي مع الولايات المتحدة الأمريكية، بينما أعطى للمصالح الأوروبية الأولوية في أهداف السياسة الخارجية الألمانية وبرزت ملامح النهج الجديد بشكل واضح بعد أحداث سبتمبر 2001 ومحاولة الولايات المتحدة ربط العراق بهذه الأحداث كمقدمة لغزوه، فكان الرفض الألماني وتبني سياسة معارضة بقوة للسياسات الأمريكية الإمبريالية تعبيرا واضحا عن التوجه الألماني الجديد، ومن ساهم هذا التوجه في إعادة انتخاب شرودر لفترة ثانية، وأصبحت ألمانيا وكأنها تتده إلى موقع وسط بين الغرب والشرق، وفي هذا السياق قام شرودر ووزير خارجيته فيشر بتقوية علاقات ألمانيا مع العديد من الدول العالم الإسلامي، ورفضوا فكرة صراع الحضارات بين الغرب والإسلام التي روج لها بعض المفكرين والسياسيين الغربيين، واستمروا في تقديم المساعدات للسلطة الفلسطينية، وقد كان لهذه السياسة دورا هاما في تشكيل صورة إيجابية لألمانيا في العالم العربي. وقد استخدم شرود هذا الرصيد الإيجابي في الترويج للمصالح الألمانية في المنطقة فقام في الفترة الممتدة من عام 2003-2005 بجولة خليجية ساهمت في عقد العديد من الاتفاقيات التجارية وإيجاد فرص استثمارية لرجال الأعمال الألمان. وفي الوقت نفسه لم يكن هذا التوجه على حساب العلاقة مع إسرائيل بل عملت حكومة شرودر دائما على المحافظة على علاقات قوية معها، وهي المهمة التي كان يتولها بشكل مباشر وزير الخارجية فيشير من خلال زياراته المتكررة وانخراطه المباشر في المفاوضات المتعثرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ففي كتابه " عودة التاريخ" شجع فيشر أعضاء الاتحاد الأوروبي على الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود دون شروط واصفا إياها بأنها " البلد الديمقراطي والمعاصر الوحيد في الشرق الأسط" وهنا تظهر تجليات الائتلاف بين الأحزاب الرئيسية في ألمانيا وفي صورتها الخاصة لتقسيم العمل: فبينما كان شرود يمشي على خطى المستشار براندت وشميت في تقوية العلاقات مع العالم العربي، كان فيشر يعمل وفقا لمبادئ اديناور وكول في تمتين العلاقة الخاصة بإسرائيل. السياسة الخارجية الألمانية منذ 2005 وحتى الآن: فترة ميركل. لقد كان واضحا منذ البداية وحتى قبل أن تصبح مستشارة لألمانيا أن ميركل سوف تتبنى سياسة خارجية مختلفة في الأسلوب عن سابقها شرودر، فالأخير تبنى نهجا مختلفا عن التقاليد التي ميزت السياسة الخارجية الألمانية منذ الحرب العالمية الثانية، فقد كان يعطي الأولوية للمصالح الألمانية الأوروبية، بينما يحاول أن يحرر ألمانيا من التزاماتها التقليدية عن تحالفها مع الولايات المتحدة، بل وتبنى سياسة معارضة بقوة للسياسات الأمريكية الإمبريالية خاصة غزو العراق، ما حدث بعد شرودر هو أن ميركل عادة بالسياسة الخارجية الألمانية التقليدية لما كانت عليه قبل شرودر، والتي من أهم ملامحها دور ألمانيا فعال في أوروبا، وعلاقات متينة مع الولايات المتحدة، وتوازن نسبي بين السياسات التي تقوم على المصالح وتلك التي تقوم على القيم، وأخيرا منهج في التعامل أكثر هدوءا. فميركل ووزير خارجيتها فرانك شتاين ماير لم يبتعدوا كثيرا عن المسار المستقل الذي بدأه شرودو، وما حصل هو أن نموذج التحدي والمواجهة الذي ميز فترة شرودر استبدل بنموذج استقلالي آخر يقوم على التقارب مع الولايات المتحدة ولكن بصورة متكافئة نسبيا، ويتبنى مواقف أكثر صراحة في دعم إسرائيل، وقد ظهر هذا بشكل خاصة في الحروب الهمجية التي شنتها إسرائيل على لبنان صيف 2006، وعلى غزة شتاء 2008، فميركل – التي تعتبر هنا وريثة سياسية للمستشار ايناوار أصبحت أكبر مرجع لإسرائيل ليس فقط في ألمانيا وإنما أيضا في أوروبا، بينما كان شتايمر المستشار لشرودر يعطي اهتماما أكبر للعلاقات مع الدول العربية، فهذه هي طبيعة تقسيم العمل خلال فترة الائتلاف المسحيي- الاشتراكي والتي ظهرت بشكل جلي في موقف ألمانيا من الحروف الإسرائيلية على لبنان وغزة، بينما عبرت ميركل عن التضامن التام مع إسرائيل، وأعادت التأكيد مرارا على الالتزام التاريخي للساسة الألمان بالدفاع عن " حق إسرائيل في الوجود" وبدون شروط، كان ينظر إلى شتايمر على أنه واحد من أكثر الساسة الأوروبيين تحمسا لفكرة تطبيع العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والدول العربية التي توصف بالممانعة مثل سوريا وقد قام في هذا السياق بزيارة لسوريا في 4 ديسمبر 2006 قبل أيام من تولي ألمانيا رئاسة الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك فقد كان كل من ميركل وشتايمر يدركون حقيقة أن الموقف الأوروبي الموحد هو فقط الذي سيمكن الاتحاد الأوروبي من ممارسة النفوذ في المنطقة، وحتى الآن فإن الاختلاف داخل الاتحاد الذي ظهر إلى السطح خلال أزمة لبنان وحرب غزة والسمة الهشة للسياسة الخارجية والدفاعية الأوروبية ( كما كان الأمر في حالة العراق 2003) لا تعطي مؤشرات حقيقية، عداك عن انشغال ألمانيا والدول الأوروبية بقضايا ومسائل أخرى اقتصادية كنزاع الطاقة بين روسيا وأوكرانيا، وكذلك أزمة الركود العالمية وغيرها من القضايا ذات الأهمية للأمن و الاقتصاد الأوروبي. رئاسة الاتحاد الأوروبي، وحاجة أمريكا لحلفاء دوليين: في ضوء الأوضاع المتدهورة خاصة بعد الحرب على لبنان وما نتج عنها من ضعف واضح للحكومة الإسرائيلية لم يحسن العرب استغلاله، علمت ألمانيا تحت قيادة ميركل ومن خلال رئاستها الاتحاد الأوروبي على اتباع استراتيجية تتناغم إلى حد واضح مع الرغبة الأمريكية في تشجيع ما يسمى الدول العربية المعتدلة للعب دور أكبر في تسوية الصراع العربي الإسرائيلي فبسبب فشل المحاولات المتكررة لإحياء المفاوضات المباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين نتيجة للسلوك الإسرائيلي العدواني المتكرر على الشعب الفلسطيني وكذلك الاستيطان، فإن الأوروبيين يحاولون من خلال التركيز على مفهوم الدول المعتدلة للتأكيد على منهجهم ودورهم الرامي إلى تحقيق السلام في المنطقة وفي هذا السياق عملت ألمانيا خاصة خلال رئاستها الاتحاد على تحقيق توافق بين مصالح الدول الأعضاء في الاتحاد والتي لا زالت حتى اليوم تتخذ مواقف متباينة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والأوضاع في الأراضي الفلسطينية، ولم يكن من السهل تحقيق مثل هذا الهدف خاصة في ضوء التجارب السابقة، وعلى الرغم من الجهود الدبلوماسية التي بذلتها ألمانيا لم تتمكن – وكما كان متوقعا من تحققي شيء جديد أو اختراق حقيقي يساعد على تخفيف معاناة الشعب الفلسطيني أو استعادة حقوقه المشروعة، وذلك لأسباب من أهمها: أولا، استمرار تأثير العلاقة الخاصة بإسرائيل والتي تحد من هامش المناورات الجانب الألماني للحصول على تنازلات إسرائيلية؛ وثانيا: عدم الرغبة الأمريكية لقيام ألمانيا أو الاتحاد الأوروبي بمثل هذا الدور؛ وثالثا بسبب مشاركة ألمانيا والاتحاد الأوروبي في سياسة عزل دول أساسية كسوريا، وأطراف فلسطينية محورية كحماس. محددات واطر السياسة الألمانية تجاه فلسطين أولا : أبعاد المصالح الألمانية في المنطقة قبل الحديث عن محددات السياسة الخارجية الألمانية الحالية وأطرها تجاه القضية الفلسطينية ، ولا بد من التعرف أولا على طبيعة المصالح الألمانية وأولوياتها في المنطقة ، خاصة وأن السياسة الخارجية للدول ترتبط عادة بالمصالح الوطنية . ولعله من الملفت للنظر أن مفهوم المصالح وحتى مفهوم السياسة الخارجية الألمانية في المنطقة بالمعنى الاصطلاحي السياسي المعروف حديثين نسبيا . فقبل الوحدة وخلال الحرب الباردة لم يكن هناك تدول لمفهوم المصالح الألمانية في المنطقة كما لم يكن هناك ما يمكن تسميته السياسة الألمانية الخاصة بالشرق الأوسط ، والسبب يعود ربما إلى طبيعة ارتباط السياسة الألمانية بشكل واضح مع السياسة الأمريكية ليس فقط من أجل الحماية من التهديد السوفيتي آنذاك وإنما أيضا لخدمة المصالح الاقتصادية والتجارية . فطبيعة التحالف الذي حكمته نظرية " استقرار السيطرة " لعقود كان يضمن تدفق الموارد الأولية وكذلك فتح الأسواق . ولكن الأمر بدا يغير تدريجيا بعد الوحدة ويأخذ أبعاد أكثر وضوحا منذ منتصف التسعينات من القرن الماضي . وعلى الرغم من تشعب هذه المصالح وتداخلها بشكل ربما يختلف إلى حد ما عن وضع الدول الأوروبية الكبرى الأخرى فيمكننا القول أن المصالح الألمانية في المنطقة تتمحور بشكل عام حول الأبعاد الثلاث التالية : الأول ، المصالح الاقتصادية ، والتي من أهمها الوصول الآمن إلى مصادر الطاقة وزيادة الصادرات إلى أسواق المنطقة . ومن الملاحظ هنا أن هناك تزايد في حجم التجارة والصادرات بين الطرفين . فقد ارتفعت على سبيل المثال الصادرات الألمانية إلى الأسواق العربية من حوالي 15 مليار دولار عام 2001 إلى حوالي 22 مليار دولار عام 2006 ، وهناك مؤشرات على زيادة الاستمارات المباشر في العديد من الدول العربية من ضمنها الخليج وليبيا . والبعد الثاني وهو الأمن ، والذي يتمثل في تجنب أية مخاطر قد تنجم عن النزاع العربي الإسرائيلي الممتد على مدى ستين عاما ، أو تلك المحتملة من إمكانية الانتشار النووي ، وخاصة مع تزايد الاهتمام بالمسالة النووية الإيرانية . وهذا لا يعني تخوف ألمانيا من الدخول في نزاع مسلح مع دول المنطقة ، بل إن ألمانيا كانت دائما وأبدا ترفض وتنأ بنفسها عن أي تدخل عسكري أيا كان شكله في المنطقة إلى أن قررت الحكومة اليمينية بقيادة ميركل المشاركة في قوات " اليونفيل " في لبنان ، في خطوة هي الأولى من نوعها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية ، وإنما القلق ناجم عن أن يكون للنزاعات القائمة هنا تأثيرا على الداخل الألماني ، أو على الأمن الأوروبي ، بحكم المتاخمة الجغرافية من جهة ، والخوف المتزايد مما يسمونه هنا الإسلام المتشدد أو " الإرهاب " من جهة أخرى . أما البعد الثالث للمصالح الألمانية في المنطقة فهو سياسي بحت ، ويتعلق بشكل خاص بما يسمى بعملية السلام بين العرب وإسرائيل . فمن الواضح أن هناك مصلحة لألمانيا في هذه العملية ، ولهذا فقد أعطت السياسة الألمانية اهتمام خاص لحل النزاع العربي الإسرائيلي . ومصلحة ألمانيا في تسوية هذا النزاع لا يرتبط فقط بالاعتبارات الإنسانية ، أو بالمصلحة الأوروبية العامة في استقرار المنطقة ، وإنما تعكس أيضا العلاقة الخاصة بإسرائيل سياسيا وتاريخيا من جهة ، والعلاقات المتنامية بين المجتمعين الإسرائيلي والألماني علميا وثقافيا من جهة أخرى . وبالتالي فإن تسوية الصراع بين العرب والإسرائيلي سوف يعمل أولا على " حلحلة " عقدة الذنب التاريخية ، ثم ثانيا سيضع حد لمخاوف ألمانيا المستمرة من التنازع بين علاقتها الخاصة بإسرائيل من جهة ، ومصلحتها في تقوية علاقاتها التجارية والاقتصادية مع الدول العربية ودول المنطقة الأخرى من جهة أخرى . هذه هي الأبعاد الرئيسية للمصالح الألمانية في المنطقة ، فكيف تتحدد السياسة الخارجية الألمانية تجاه القضية الفلسطينية في ضوء هذه المصالح ؟ ثانيا : محددات السياسة الخارجية الألمانية تجاه المنطقة العربية على الرغم من تنامي مفهوم المصالح الألمانية الوطنية في المنطقة العربية ، وبروز ملامح سياسة ألمانية جديدة في المنطقة خاصة بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان ، لا يمكننا القول بوجود سياسة خارجية ألمانية مستقلة تجاه المنطقة أو القضية الفلسطينية ، وذلك بسبب علاقة ألمانيا الخاصة بإسرائيل من جهة ، وانخراطها المتزايد في سياسة الاتحاد الأتحاد الأوروبي في هذا السياق ، من جهة أخرى . إلا أن هذا الواقع لا يعني عدم وجود محددات خاصة للسياسة الخارجية الألمانية تجاه المنطقة ، تميزها عن السياسة العامة للاتحاد . فصحيح أن ألمانيا لم يكن لها في السابق سياسة معلنة تجاه الشرق الأوسط ، وصحيح أيضا أن المدى المتاح لألمانيا وحتى لدول الاتحاد الأوروبي الأخرى لتبني سياسة مستقلة فيما يتعلق بالمنطقة محدودا إلى حد ما ، إلا أن لألمانيا ، كما سبق وأشرنا ، علاقات اقتصادية وأمنية وسياسة في المنطقة ربما لا يتعارض مع ، وإنما تختلف إلى حد ما عن مصالح دول الاتحاد الأخرى ، على الأقل عندما يتعلق الأمر بالأولويات . وهنا نكون أمام محددين اثنين للسياسة الخارجية الألمانية تجاه المنطقة : الأول هو المحدد المستقل ، والذي يتمثل في العلاقة الخاصة بإسرائيل ( العامل التاريخي الأخلاقي ) ، والثاني هو العامل التابع والمتمثل في المصالح الاقتصادية مع الدول العربية خاصة النفطية منها ( المنهج البرجماتي ) . فكيف تتحدد السياسة الألمانية في المنطقة في ظل هذين العاملين ؟ العلاقة الخاصة بإسرائيل والعامل الأخلاقي : إن ما يحدد السياسة الخارجية للدول – الأقل نظريا – هو مصطلحات القومية من جهة وقدراتها من جهة أخرى . ومن الطبيعي أن يكون هناك أحيانا محددات أخرى تتعلق بالبعد العقائدي أو التاريخي – وإن ارتبطت مثل هذه المحددات أصلا بالمصالح ، كما هو الشائع في صناعة السياسة الخارجية لمعظم دول العالم . أما أن تتحدد السياسة الخارجية لدولة كبرى تجاه منطقة أو إقليم رئيسي في العالم " بعامل أخلاقي " يرتبط تاريخيا بسلوك قمعي لإحدى حكوماتها تجاه فئة أو أقلية من الشعب لهو أمر جدير بالدراسة والاهتمام . فألمانيا التي تبنت خلال الحرب العالمية الثانية وقبل هزيمتها – وبغض النظر عن دوافع هذا التبني – موقفا داعما للمطالب العربية وتحديدا للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في الاستقلال وتقرير المصير ، شكلت سياستها الخارجية تجاه المشرق العربي بعد الحرب على أساس مسؤولياتها التاريخية تجاه اليهود ، بينما لم تعترف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير إلا في عام 1980 ضمن بيان خاص بالمجموعة الأوروبية آنذاك ، كما لم تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية – والتي كانت تعتبرها منظمة إرهابية – كممثل للشعب الفلسطيني إلا في بداية التسعينات من القرن الماضي . إن المسؤولية التاريخية الناجمة عن الماضي النازي والتي أقرت به كل الحكومات الألمانية المتعاقبة وبغض النظر عن توجهاتها الاشتراكية أو المحافظة مثل ما يسمى هنا " المعيار الأخلاقي " الذي قامت على أساسه السياسة الخارجية الألمانية تجاه المنطقة. بل إن هذا البعد كان دائما العامل الضابط أو الدليل الذي يسترشد به في صناعة السياسة الألمانية في الشرق الأوسط ، وهو ما يفسر الالتزام الألماني القوي بنظام إقليمي مستقر لا تضمن فيه إسرائيل حقها في الوجود وحسب ، وإنما تصبح فيه دولة معترف بها إقليميا من الدول العربية وتتمتع معها بعلاقات طبيعية . فالعلاقة الخاصة مع إسرائيل والتي لا زالت تشكل عاملا حاسما في صناعة السياسة الألمانية تجاه الصراع العربي – الإسرائيلي حتى بعد مرور أكثر من ستين عاما على القمع النازي لليهود انعكست بشكل واضح في علاقات ثنائية ثقافية واقتصادية وسياسة متميزة ربما لم تتمتع بها ألمانيا مع أي من دول العالم بما فيها دول الاتحاد الأوروبي نفسه . فعلى المستوى الثقافي وصلت العلاقات بين الطرفين إلى مستوى عال جدا . إلى درجة الاتفاق على التعاون المشترك للتثقيف والتوعية " بالهوليكوست " في المحافل المختلفة . أما في مجال التعاون الأمني والدفاعي فإن ألمانيا مصدر رئيسي للسلاح إلى إسرائيل ، على الرغم من الحديث أحيانا عن ضرورة حصر السلاح عليها بينما تقدم ألمانيا كل جهد ممكن لدعم إسرائيل سياسيا وفي المحافل الدولية المختلفة ، فإن العلاقات الاقتصادية لم تكن أقل قوة . فألمانيا هي الشريك التجاري الثاني لإسرائيل على مستوى العالم بعد أمريكا . كل هذا لا يدل على العلاقة الفريدة والمتميزة بين ألمانيا وإسرائيل فحسب ، بل يجعل من هذه العلاقة المحدد الأساس للسياسة الخارجية الألمانية تجاه المنطقة وتجاه القضية الفلسطينية كذلك . وكنتيجة لهذا المحدد أصبحت الالتزامات التاريخية ثوابت في السياسة الخارجية الألمانية في الشرق الأوسط ، و لهذا تمحورت هذه السياسة على مدى نصف قرن حول أولا ، أن ألمانيا تتحمل مسؤولية خاصة تجاه إسرائيل ، وبالتالي ثانيا ، دعمها الكامل في المجالات المختلفة ، ومن ثم ثالثا : العمل على ضمان أمنها وحقها في الوجود في حدود دائمة ومعترف بها . ومع ذلك فإن هذه الثوابت والعلاقة الخاصة بإسرائيل لا تعني أن ألمانيا لا تنتقد بعض السياسات الإسرائيلية وعلى وجه التحديد سياسة الاستيطان ، وسياسات التوغل في الأراضي الفلسطينية ، كما أن ألمانيا كانت غير راضية عن محاصرة الرئيس الفلسطيني الراحل عرفات . ومع ذلك فلا زال هناك القليل من الانتقاد مقارنة بدول أوروبية أخرى كفرنسا حتى في الأزمة الحالية وفي الحرب التي شنتها على لبنان . بل على العكس من ذلك فدائما ما أكدت الحكومة على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ، بل وحملت الأطراف العربية المسؤولية حتى أن بعض المسؤولين الألمان الذين قد يوجهون أحيانا انتقاد لإسرائيل وقمعها للشعب الفلسطيني خاصة من الحزب الديمقراطية الحر وبعض الوزراء والشخصيات الأكثر اعتدالا في هذا السياق سرعان ما يواجهون بالانتقاد . كما أن العقدة التاريخية لم تقتصر على السياسيين والمسؤولين ، وإنما أصبحت جزء من السلوك العام في ألمانيا ، حيث لا يكاد يوجد هنا أي انتقاد علني أو إعلامي لإسرائيل ، فهناك تشريعا قانونيا يجرم الانتقاد لليهود أو التشكيك في المحرقة بأية صورة كانت . البراجماتية والمصالح الوطنية : بينما تعتبر العلاقة الخاصة بإسرائيل المحدد الأساس في صياغة السياسة الخارجية الألمانية تجاه القضية الفلسطينية ، فإن التوجه البرجماتي والمتمثل في المصالح الوطنية وخاصة الاقتصادية منها لا يمكن تجاهله في صياغة السياسة الخارجية الألمانية في المنطقة . ومع ذلك فإن هذا العامل لا يعتبر القوة المحركة للسياسة الألمانية في المنطقة ، ولعل هذا ما يفسر سيطرة المحدد الأول . فالاقتصاد الألماني في الأساس اقتصاد يقوم على الصادرات ، وحجم التجارة الألمانية مع دول المنطقة حتى بما فيها دول شمال أفريقيا لا تتجاوز حتى الآن 4 % من التجارة الخارجية الألمانية الكلية . ومع ذلك فإن هذا العامل يمثل من وجهة النظر الألمانية وسيلة توازن للمحدد الأول . فالعلاقة الخاصة بإسرائيل تجعل السياسة الألمانية تجاه القضية الفلسطينية منحازة إلى الجانب الإسرائيلي بشكل أكبر مما هو عليه الأمر بالنسبة لسياسة الاتحاد عامة أو لسياسة الدول الأوروبية الكبرى الأخرى كفرنسا مثلا ، ولهذا فإن الساسة الألمان عادة ما يحاولون تحقيق نوع من التوازن في هذا السياق من خلال تعزيز المصالح الاقتصادية مع الدول العربية من جهة ، ومن خلال الدعم المالي والاقتصادي للسلطة الفلسطينية ، حيث تساهم ألمانيا بالنصيب الأكبر من المساعدات الخارجية للفلسطينيين من جهة أخرى . فلألمانيا مصالح تجارية واقتصادية مع الدول العربية ، ولهذا فهي تسعى لضمان استمرار الوصول إلى مصادر الطاقة ، وزيادة حجم صادراتها من السلع والخدمات إلى أسواق المنطقة . وهنا تبرز ملامح أخرى في هذه السياسة تتمثل في اهتمام ألمانيا المتزايد في الدخول الحر إلى أسواق المنطقة وضمان الدخول إلى مصادر الطاقة في منطقة الخليج . أما بالنسبة للمصالح الأمنية فهي تكاد تنحصر بالحد من زيادة اللاجئين القادمين من المنطقة وعدم توسيع دائرة الصراع العربي الإسرائيلي والفلسطيني الإسرائيلي . ولعل الموقف الألماني في هذا الاتجاه والمتقاطع مع الموقف الأوروبي العام يهدف إلى تحقيق نوع من الاستقرار الذي يضمن ويعزز مصالحها القومية . فلدى الألمان مخاوف حقيقية من أن فقدان السيطرة على الأوضاع في المنطقة وهو ما يبدو كذلك في السنوات الأخيرة سيكون له تأثير مباشر على الأمن

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل