المحتوى الرئيسى

دوائر الشر تستعد للانقضاض على دول الخليج

05/12 15:41

خلف الحبتور لا يجب الاكتراث كثيرا بالخطب النارية، فالقواسم المشتركة بين واشنطن وتل أبيب وطهران أكبر مما قد يخطر على البال. وهي تتشاطر كلها الهدف نفسه: السيطرة على الدول العربية التى تملك الاحتياطيات الاكبر من النفط والغاز في العالم، ومنعها من التوحَد في كتلة قويَة. وهذه العواصم من قبل متآمرة ومتواطئة في ما بينها لتحقيق هذه الغاية. والسؤال المطروح هو، هل إيران هي حقاً عدوَة لأمريكا / إسرائيل وحليفة طبيعية للعالم العربي بحسب الإيحاء الذي تحاول القيادة الإيرانية جاهدةً الترويج له؟ يعود التنافس بين الفرس والعرب إلى 1400 عام، وتحديداً إلى الغزوات الإسلامية عندما اعتنق الفرس الإسلام. واليوم، يدَّعي الإيرانيون حمل راية الإسلام في محاولة منهم لقيادة العالم الإسلامي، بيد أن عيد النيروز، أي السنة الجديدة الزرادشتية التي تعود إلى ما قبل الإسلام، لا يزال الاحتفال الأهم في إيران. ولعل محاولات الأئمة الإيرانيين وضع العراقيل أمام مدينة النجف الشيعية المقدَسة في العراق كونها مركز الثقل الديني التاريخي للشيعة ومقر المرجعيات لمصلحة مدينة قم الشيعية الإيرانية، هي خير دليل على الغرائز القومية التى تُحرَك طهران. لو كان الإيرانيون أصدقاء حقيقيين للعرب، لما منعوا تداول اللغة العربية في إيران أو بناء مساجد سنَية في الوقت الذي تتكاثر فيه المساجد الشيعية والكُنس. وتمنع الحكومة الإيرانية أيضاً الناس من إطلاق أسماء عربية تقليدية على مواليدهم الجدد. ولابد من الإشارة أيضاً إلى أن طهران لا تزال تحتلَ جزر الإمارات العربية المتحدة، وترفض مطالبة السكَان العرب في منطقة الاحواز (خوزستان) بالاستقلال الذاتي، وتطالب بضم أراضٍ في البحرين، وتهدَد شركات الخطوط الجوية التى تستخدم تسمية "الخليج العربي" بدلاً من "الخليج الفارسي" بمنعها من عبور الأجواء الإيرانية. بوجود أصدقاء من هذا النوع، ما حاجتنا إلى الأعداء! يقول الدكتور عبد الله النفيسي، وهو أستاذ جامعي متخصصَ في الشؤون الإيرانية، إن الإيرانيين هم في شكل أساسي قوميون فرس يستعملون هذا النمط من الإيمان مطيَةً للوصول إلى العرب عن طريق الأقَليات الشيعية العربية. ويضيف أن المسؤولين الإيرانيين من المرشد الأعلى إلى الضبَاط العسكريين الكبار والحرس الثوري وعناصر الاستخبارات كانو يتبعون تعاليم رجل الدين والسياسة عبد الله نوري. يعتبر نوري الذي شغل منصب وزير الداخلية أن كل دول الخليج تابعة لبلاد فارس، ويروج لانتقام الإيرانيين من العرب لأنهم ساهموا في تدمير الامبراطورية الفارسية، وهذا هو السبب وراء معاملة العرب الإيرانيين كمواطنين من الدرجة الثانية. في المقابل، لا يضمر الإيرانيون العاديون، بحسب النفيسي، أي ضغينة حيال اليهود البالغ عددهم 25 ألفاً في البلاد، فهم ممثَلون في البرلمان ويحظون باحترام شديد إلى درجة أن معظمهم رفضوا الحوافز المالية للهجرة إلى إسرائيل. تعود الصفقات السرَية بين إسرائيل والولايات المتحدة وبلاد فارس إلى حكم الشاه محمد رضا بهلوي حيثما كان النفط الإيراني يتدفق إلى إسرائيل، وكانت إسرائيل بدورها تمد إيران بالخبرات التكنولوجية ومصانع تجميع الصواريخ والتدريب العسكري. حتى إن إيران زوَدت إسرائيل بتفاصيل عن المخطَطات العسكرية لجمال عبد الناصر كما يرد في كتاب منوَر لتريتا بارسي بعنوان "تحالف غادر". يذكر بارسي أنه عقب الثورة الإسلامية عام 1979، شدَد آية الله الخميني على مسامع ياسر عرفات أنه يتعيَن على الفلسطينيين أن يرفضوا القومية العربية ويعودوا إلى جذورهم الإسلامية. كان واضحاً أن الخميني ليس جاداً في دعمه للقضيَة الفلسطينية. فقد كان هدفه الأساسي السيطرة على العالم الإسلامي، وغرس عقيدته لدى العرب، وتعزيز مكانة الشيعة العرب. تخلُص ورقة بحثية وضعها شيويه مايور إلى أن إيران تنشر مبادئ الثورة الإيرانية تحت غطاء شعارات مناهضة لإسرائيل. لم تأخذ إسرائيل قط وصف إيران لها بـ"الشيطان الأصغر" على محمل الجد، ومارست ضغوطاً لدى واشنطن كي تجدَد علاقاتها مع طهران. عام 1981، ساهمت إيران في تسهيل الهجوم الإسرائيلي على المفاعل النووي العراقي من خلال تزويد إسرائيل بصور وخرائط عن مفاعل أوسيراك، وخلال الحرب الإيرانية – العراقية التي استمرَت ثمانية اعوام، اشترى الإيرانييون أسلحة من إسرائيل بمباركة البيت الأبيض، كما يرد في كتاب بارسي. في مطلع عام 1986، وقَع الرئيس الأمريكي رونالد ريغان مذكَرة سرية تجيز بيع أسلحة أمريكية لإيران، فكانت فضيحة إيران – كونترا. مع توقيع اتَفاقات أوسلو عام 1993، رأت إيران أن خطَتها للسيطرة على العالم العربي تتهاوى، فبدأت بتمويل مجموعات رفضية إسلامية وتقويتها لعرقلة عمليَة السلام. وعلى الرغم من إدراج إيران على لائحة "محور الشر" في عهد الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، عرضت طهران المساعدة على تعزيز قدرات الجيش الأفغاني القليل الخبرة تحت إشراف الولايات المتحدة، وفي عام 2002، باشرت وزارة الخارجية الأمريكية محادثات مع شخصيات سياسية إيرانية بارزة. لاحقاً حضَت طهران شيعة العراق على عدم مقاومة الاحتلال الذي تقوده الولايات المتحدة لأنَ في ذلك مصلحة لها. فالعراق – الذي كان يشكَل العقبة الأساسية امام ولوج إيران إلى دول الخليج – أُضعِف بما يتناسب مع الأهداف الإيرانية وبات يخضع لحكم شخصيات سياسية إما عاشت في إيران لفترة طويلة وإما تعتبرها موطنها الروحي. وقد أنفق بوش مليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين وضحَى بعشرات آلاف الأرواح ليضع العراق، عن غير قصد أو ربما عن قصد، في دائرة النفوذ الإيرانية. ومنذ ذلك الوقت تبذل طهران جهوداّ لكسب ودَ واشنطن من أجل الإفادة من تقدمات صندوق النقد الدولي واكتساب نفوذ في الأمم المتحدة والحصول على رفع العقوبات عنها. تجدر الإشارة إلى أن العقوبات الاقتصادية على إيران لم تؤثر بشكل فعال على الاقتصاد الإيراني، لا سيما بالمقارنة مع العقوبات التى شلَت العراق وأدت إلى موت نصف مليون طفل عراقي، في ما يشير على الأرجح إلى أن الغرب ليس جاداً في سعيه إلى تأديب إيران. وما يثير الإستغراب أيضاً هو ان واشنطن تستعرض عضلاتها بشان البرنامج الإيراني لتخصيب اليورانيوم منذ صدور قرار عن مجلس الأمن الدولي ينصَ على تعليقه، لكن على الرغم من التعنَت الإيراني، امتنع الغرب عن اتَخاذ خطوات حازمة في هذا الإطار، وذلك في تناقض شديد مع عزمه على معاقبة صدام حسين على أسلحة الدمار الشامل التي تبيَن أنه لا يملكها. فلماذا هذه الازدواجية في المعايير؟ في العقود الاخيرة، أحكمت إيران قبضتها على لبنان ووسعت نفوذها نحو سوريا والعراق واليمن وكذلك الأقَليات الشيعية في الخليج. قبل "الربيع العربي" الذي يُحكى أن منظَمات أمريكية حكومية خطَطت له مع حركات شبابية عربية – كما ذكرت صحيفتا "واشنطن بوست" و "نيويورك تايمز" – كان القادة المخضرمون هم يكبحون اطماع طهران. تفتح إطاحة قيادات عربية قويَة الأبواب على مصاريعها أمام اندلاع نزاعات مذهبية وصعود تنظيمات متطرَفة ومجموعات انفصالية، ووقوع حروب أهليَة. أنا أعتقد أن الانقسام والفوضى تحت شعار "الحرية" يصبَان في مصلحة إيران. وهذا ما يحصل أصلاً. لقد سمحت مصر الجديدة للسفن الحربية الإيرانية بعبور قناة السويس، وتستعدَ لتطبيع العلاقات الديبلوماسية مع طهران على الرغم من التحفَظات الشديدة داخل مجلس التعاون الخليجي. ويلفت في هذا السياق أنه في الوقت الذي تدعم فيه الولايات المتحدة بقوَة الثوار في تونس ومصر واليمن وسوريا وتستخدم سلاحها الجوَي للهجوم على النظام الليبي، كانت إدانتها لقمع الناشطين ضد النظام في إيران فاترة. لطالما ساورتني شكوك بان "العداء" بين إيران من جهة والولايات المتحدة / إسرائيل من جهة أخرى هو مجرد تمثيلية. إذا كانت إيران قد تعاونت سراً مع أعدائها المزعومين في الماضي، لا شيء يمنع من أن تعيد الكرَة الآن أيضاً. في مختلف الأحوال، فإنَ الاستمرار في التظاهر بالعداء يصبَ في مصلحة كل الأطراف المعنية. فبهذه الطريقة تحصل إسرائيل على ذريعة لتوسيع ترسانتها النووية وترويج حاجتها إلى وضع الامن أولاً في وجه تهديد وجودي إيراني. وترفع إيران شعارات مناهضة لإسرائيل لتعزيز مكانتها في أوساط المسلمين. وتحصل الولايات المتحدة على عذر للإبقاء على قواعدها العسكرية في الخليج. ماذا لو شكَلت واشنطن وتل أبيب وطهران في المستقبل حلفاً مشابهاً لذاك الذي كان قائماً في زمن الشاه؟ ما سيكون تأثيره على دول الخليج؟ ربما يجري التحضير لمثل هذا السيناريو، الأمر الذي يفسَر المقاربة الناعمة جداً التي يعتمدها الغرب حيال البرنامج النووي الإيراني وقمع المعارضين والدعم الإيراني لمتشددَين دينيين مسلَحين في الأراضي العربية. كلمة أخيرة، أنني أدعو دول مجلس التعاون الخليجي على زيادة قدراتها العسكرية وإطلاق استراتيجية موحَدة لدرء التهديدات عن أرضنا وكرامتنا وحرَيتنا. ففي مناخ جيوسياسي يتجرَد أكثر فأكثر من المبادئ حيث تبدي القوى الكبري استعداداً للتخلَي حتى عن حلفائها المقرَبين تلبيةً لمصالحها، فإنه لا يمكننا الاعتماد على الحماية من الآخرين. نحن متروكون لأنفسنا، وكلما أسرعنا في إدراك هذا الواقع وأوليناه الإهتمام اللازم، كان هذا في مصلحتنا.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل