المحتوى الرئيسى

حضرة الضابط

05/12 11:32

ظل جهاز الشرطة بمصر علي زمن حسني مبارك يمارس في حق المصريين كل أنواع الجرائم، و خرج أفراده خروجاً سافراً علي مقتضيات الوظيفة المعنية بحفظ الأمن و صيانة الأعراض و الأموال إلي الترويع و انتهاك الأعراض و سرقة المال بوسائل البلطجة و السرقة بالإكراه و فرض الإتاوات.و بعد أن قامت ثورة 25 يناير و خرج فريق من المقهورين يشعلون النار في أقسام البوليس التي مثلت بالنسبة لهم سلخانات و مجازر، حاولنا أن نعيد جهاز الشرطة إلي جادة الطريق و أن نشجع أفراده علي الإندماج في حياة المصريين و العيش بشرف، لكن هذه المحاولات ما زالت متعثرة و يبدو أن المسألة أخطر و أعقد مما نظن بكثير.لا أعتقد أن الأمر يقتصر علي جهاز شرطة فقد الثقة في نفسه و أصبح أفراده يخافون من أداء واجبهم خشية الإصطدام بالجماهير المستنفرة ضدهم و الكارهة لهم.و لا أعتقد أن الأمر يقتصر علي رجال شرطة ناقمون يريدون أن يردوا الصفعة للمجتمع و ذلك عن طريق الوقوف متفرجين علي الوطن و هو يحترق مع النظر إلي الحريق بسعادة حتي يعرف الناس قيمة الشرطة و يأتون إليها صاغرين يبوسون القدم و يبدون الندم علي غلطتهم في حق الوحوش الآدمية.أظن أن الموضوع يتجاوز هذا إلي شيء آخر هو موضوع جرحي الثورة..إذ أن لكل ثورة جرحي و ضحايا ممن تدوسهم الأقدام دون قصد. فبعد قيام ثورة يوليو 52 و ما تلاها من إقصاء السياسيين عن المشهد و محاكمتهم ثم تأميم المصانع و الشركات و فرض الحراسة..كل هذا أسعد شعب مصر و أنصف الغالبية العظمي من أفراده لكنه في الوقت نفسه خلّف جروحاً لدي من أضيروا خاصة و أن من بينهم من تعرضوا للظلم و لم يكونوا من الفسدة الذين يستحقون تطهير المجتمع منهم.شيء مماثل أراه الآن بين أفراد الشرطة..الفاسدون منهم و هم الأغلبية يشعرون بالنقمة علي المُلك الذي زال و العز الذي ضاع و الجاه الذي راح في الوبا.. و الشرفاء منهم يشعرون بالعار و يحسون بأن هذه الوظيفة التي كانت كفيلة بأن تضع أسماءهم في قائمة الشرف قد لطختهم بالعار و جعلت الناس إزاءهم ينقسمون إلي قسمين: قسم يعتدي عليهم و قسم آخر يشاهد ما يحدث بسعادة و تشف.و يكفي للتدليل علي حجم الصدمة أن نتذكر أن ثورة 52 عندما قامت بإلغاء الألقاب فإنها قد حرمت الآلاف ممن كانوا يحوزون لقب بك و باشا من أجمل مظاهر العز و الجاه.الأمر نفسه حدث بعد ثورة 25 يناير إذ أن روح الثورة المشبعة بالحرية و الكرامة لم تعد تسمح لضابط الشرطة أن يستمتع بالناس تناديه تحت وطأة الذلة و الإنكسار ب يا بك و يا باشا..و هذا في ظني أهم لدي رجال الشرطة بكثير من الأموال الحرام و الإتاوات التي اعتادوا جمعها من الناس في عهد مبارك.شيء آخر أعتقد أنه يمثل هاجساً لدي رجال الشرطة و هو الحياة المجانية التي اعتاد معظم أفرادها أن يعيشوها.. إذ أنه ليس سراً أن السادة الباشوات لم يعرف عن معظمهم القيام بدفع الحساب لميكانيكي بعد إصلاح السيارة عنده أو دفع الأجرة لسباك أو نقاش أو نجار أو منجد أو مبلط..كما أنهم اعتادوا الحصول علي أسعار خاصة عند تعاملهم مع الجزار و الخضري و الفاكهي.كل هذا سقط فجأة..أسقطته ثورة 25 يناير المجيدة التي استولدت للمصريين الحرية و الكرامة من أضلع المستحيل.لهذا لا أظنني أقول جديداً عندما أطالب بمنح رجال الشرطة رواتب إنسانية تليق بالبشر و تحفظ عليهم كبرياءهم فتشجع الشريف منهم علي المضي في طريق الشرف و لا تدع للمنحرف منهم حجة للإنحراف. هذا هو الإجراء العاجل الذي يجب أن يسبق أي إجراء آخر و لو أدي الأمر إلي الإقتراض و الاستدانة.و أكثر من هذا ليس لهم عندنا..إذ أننا لن نعتذر لهم عن رفضنا الذل و الهوان علي أيديهم.  و علي وزارة الداخلية أن تتخلص سريعاً من أولئك الذين يحنون لأيام العيش بالمجان علي قفا الناس و يريدون أن يكونوا باشوات و بكوات، و يتملكهم رفض نفسي عنيف لفكرة أن يكونوا موظفين محترمين يعملون في خدمة شعب مصر، ذلك أننا لا نعدهم بأن نعيد إليهم ألقابهم الفالصو التي سحبناها منهم لنحل محلها لقباً شريفاً محبباً إلينا كريهاً علي مسامع البعض منهم هو: حضرة الضابط!.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل