المحتوى الرئيسى

وليد عثمان : الرجالة اللي واقفين ورا الفتنة

05/12 07:53

قلت وقال كثيرون بعد كارثة إمبابة، وقبلها أيضا، إن الدولة بمعناها الحقيقي غائبة وما يتبدى منها هو هذا الشكل الملتبس من الحكم الذي قال الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل إن قوامه مجلس عسكري يحكم ولا يظهر ومجلس وزراء يظهر ولا يدير. وكان يجب أن ننتبه إلى ذلك منذ البداية ، فقانون الثورة يفرض توقع المقاومة وأن نبادر إلى الفعل ولا نكتفي بالرد عليه. صحيح أن الثورة بتداعياتها كانت مفاجئة حتى للذين اشتركوا فيها ووجدوا أن النظام يتهاوى بأسرع مما يظنون، وهكذا وجد المجلس العسكري نفسه أمام تركة ثقيلة وقادت الأحداث الدكتور عصام شرف إلى تولي رئاسة مجلس الوزراء ولو بتركيبة فيها الكثير من بقايا عهد مبارك، لكن أمورا لاحت في الأفق كانت تستوجب التعامل مع المجريات بشكل ثوري وألا نركن إلى الشعور بأن الثورة حققت أهدافها بإسقاط رئيس وسجن بعض أغواته في طرة. لو انتبهنا حين تبجح أحدهم وقال إن النصر كان حليفهم فيما أٍسماه “غزوة الصناديق “، قاصدا الاستفتاء على الدستور، بل ويطالب الذين لا يعجبهم بأن يبحثوا لهم عن وطن آخر “لأن البلد بلدنا”، لما رأينا وجها آخر تحدى الدولة على الشاشات وقال إنهم لن يسمحوا بأن تستمر الكنيسة فيما زعمه عن احتجاز “الأخوات”، بل ويقدم نفسه على أنه “المنسق العام لائتلاف دعم المسلمين الجدد” وكأنه ورفاقه مبعوثو السماء لهداية الأرض في القرن الحادي والعشرين. لو وجد هذا من يردعه ويعيده إلى حجمه لما رأينا كاتدرائية تحاصر ومسجدا يختطف تحت سمع وبصر “الدولة”، ولما رأينا غيره أمام كاميرات يقول وخلفه وجوه عابسة “مش هنبقى رجالة لو محرقناش كنايس إمبابة”. والغريب أن الثلاثة تراجعوا سريعا عن هذه “الرجولة” أمام تيار الرفض، وعمد أولهم إلى الاستهبال مبررا جريمته بأنه كان “بيهزر”، ونفي الثاني صلته بصفحة الائتلاف على “الفيسبوك”، ربما لأنه موقع شيطاني، والثالث المفترض أنه معتقل ادعى العبط وأنه لم يقصد التحريض على حرق كنائس. ولست هنا في موضع اتهامه بالوقوف خلف ما جرى في إمبابة، فذلك عمل القضاء، لكن عبطه لن ينطلي علي إلى حد تبرئته من التحريض تحت تأثير”حبوب الرجولة” التي هيأت له قدرته على حرق وطن، بل والتباهي بالدعوة إلى ذلك. ذكر هذه الحالات الثلاث أرجو ألا يكون دافعا لأحد إلى اتهامي بأني ضد تيار بعينه ، لأننا جميعا شركاء في الجريمة بدءا بالصمت على مقدماتها وتعامي “الدولة” عنها بحجة أن الشعب جريح وأنه عانى من عقود من القهر، وانتهاء بتصريحات البعض فور الكارثة. من المقدمات، ولا أقول المبررات، ترك ملف من قيل إنهن محتجزات في كنائس وأديرة عقابا لهن على إسلامهن ، فذلك دفع البعض لوصف قطاع في الوطن بأنه دولة داخل الدولة . ومن المقدمات الإصرار على تغييب الدولة حين تقع أحداث توصف بالطائفية وترك مفاتيح الحل في أيدي البعض ، مع التسليم بحسن النوايا، وكأننا نعيش في قبيلة. من المقدمات أيضا هذه الفوضى التي انتشرت بزعم إتاحة الحرية لكل التيارات من دون التحديد الحاسم للنقاط الحمراء التي يلتزم بها الجميع ثمنا لحريته. وجزء من هذه الفوضى متحدثون باسم ائتلافات تتوالد كل ساعة وتحاول أن تجد لها مساحة على القنوات، إذ لايرضيها أن يستأثر كل شباب الثورة ورموزها من غير الشباب بكل النجومية، فأتباع هذه التيارات أيضا حريصون على الظهور وخطف الكاميرات، ولأنهم لايجيدون الحديث بلغة شباب التحرير ويستصعبون مفردات الليبرالية والتقدمية والنظام الرئاسي أو البرلماني ، فليس لهم إلا التمترس خلف مصطلحات الدين حتى يخشى الجميع مناقشتهم ، وإن أحلوا بعد الثورة ما حرموه قبلها. وجريا أيضا على تقاليد شباب الثورة، يحرص كل “نجم” جديد منهم على التأكيد أنه لا يتحدث باسم غيره من أتباع هذا التيار. ولأن الائتلافات والاتحادات موضة، ظهر منها ما لا يمكن إحصاؤه ، حتى أصبح لكل شارع أو مجموعة متظاهرة اتحاد أو ائتلاف. وهكذا ولد اتحاد شباب ماسبيرو من الأقباط المتظاهرين وبعضهم يحمل كلمات بالإنجليزية تقول ترجمتها” أوقفوا قتل المسيحيين”، ولا نعرف لمن يوج الأمر أو الرجاء أو الاستغاثة. وماهي الجهة الدولية التي يمكن أن تحمي المصريين المسيحيين، ولذلك هدد نجيب جبرائيل باللجوء إليها؟. وهل بلغ “استهداف المسيحيين” حدا يدفع كاهنا إلى التعبير عن خشيته من أن يضطر المسيحيون إلى حمل السلاح؟. إلى هذه الدرجة يمكن أن تبتلعنا الفتنة ونسلم وطنا لم تجف دماء من استشهدوا أو أصيبوا قربانا لحريته إلى أصوات جاهلة تذكرت الرجولة الآن بعد أن استسلمت للإخصاء عقودا ، أو أصوات لا تدرك أن الكلمة في غمرة الغضب قنبلة. بين هؤلاء وأولئك سيصنع أذناب النظام السابق الذين تهاونا معهم جسرا من الكراهية ويحول ما تحقق منذ 25 يناير إلى كابوس لا يتصوره أبعد المتشائمين منا. على هذا الأصوات أن تصمت وتختفي من خلفية صورة الفتنة ليطل من جديد وجه يحيي الشهداء، وآخر يجمل ميدانهم، وصلوات تزرع على الأرض السلام وفي الناس المحبة. مواضيع ذات صلة

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل