المحتوى الرئيسى

العقل...المحتل!

05/12 03:43

أحمد أميري رغم أن مفردة "الضرورة" سيئة الصيت لارتباطها بالقائد الضرورة، فإن المرء لا يجد وصفاً آخر يليق إطلاقه بالمفكّر الضرورة إبراهيم البليهي الذي شخّص في كتبه أسباب تقهقر المجتمعات العربية وحدّد عوامل ازدهارها وفق رؤية شاملة قلما توجد لدى من يُطلق عليهم وصف المفكّرين. وفي كتابه الذي صدر مؤخراً بعنوان "حصون التخلّف"، والذي هو في الأساس حوارات طويلة أجريت معه وفيه ملامح من الكتب التي أنجزها، يضع البليهي بين يدي القارئ إجابات مفصّلة ومقنعة بشأن مجموعة من التساؤلات التي لم تكن لها إجابات شافية. ومن بين تلك التساؤلات السبب الذي أبقى المجتمعات العربية في مستنقعات التخلّف، رغم توفر كل عوامل النهوض، من إلزامية التعليم ونشر المدارس وازدياد الجامعات واستيراد أفضل التقنيات؟ والتساؤل الآخر الذي يتفرّع من التساؤل الأول هو سرّ بقاء حتى المتعلمين في أرقى الجامعات في العالم على حالهم في أنماط السلوك والتشبّث بالخرافات والتفكير السحري، رغم تفوّقهم في تخصّصاتهم العلمية، بدليل أننا نجد بعض قادة الجماعات الأصولية والمنظمات الإرهابية هم خريجو جامعات عالمية مرموقة، ونجد أن أساتذة الجامعات يزاحمون الأميين على أبواب السحرة والمشعوذين. يؤكد البليهي أن "العقل يحتله الأسبق إليه" والذي يكون في الغالب "الثقافة التلقائية التي يمتصّها الإنسان في طفولته امتصاصاً تلقائياً من غير أي تمحيص، فيتشكّل بها عقله ووجدانه وتتحدد طريقة تفكيره ومنظومة قيمه وسلسلة اهتماماته"، ومن ثم فإنه يلتحق بالتعليم "بعد أن تشكّل عقله وتشبّع وجدانه، فلا يتأثر بحقائق العلم لأنها حقائق طارئة وغير قابلة للامتزاج مع محتويات عقله ووجدانه". ويرى البليهي أن "القيم والآراء والأفكار والتصوّرات والعادات والتقاليد المتوارثة" التي لم توضع على طاولة التشريح والفحص والمراجعة هي من "الجهل المركّب الذي يغتبط به أهله ويحسبونه حقاً وعلماً"، وهو "متأصّل في النفوس وعميق الغور وشديد المقاومة"، وهو ما يؤدي إلى إضعاف تأثير العلوم التي يقتصر تأثيرها على جزئيات النشاط المهني، "فيتمكّن المتعلّم من دراسة الطب أو الهندسة أو القانون... ويستطيع أن يكتسب عملياً مهارة الأداء"، أما "طريقة التفكير والحكم على الأشياء خارج النطاق الضيّق للتخصّص فتبقى محكومة بالخريطة الذهنية والوجدانية السابقة للتعليم". ويشبّه البليهي التعليم الطارئ بنهر عذب، والثقافة الموروثة بمحيط واسع مالح "يبتلع الماء العذب دون أن يتأثر به". ويضرب مثالاً على هيمنة الثقافة الموروثة على الثقافة العلمية الطارئة بـ"استمرار الوثنية حتى الآن في أفريقيا وآسيا وغيرهما"، إذ "لم تُفلح كل تطورات العلوم ووسائل التواصل أن تخفّف من هذه الهيمنة"، لذلك تجد أن الغارقين بمعتقدات خرافية "يبقون مغتبطين بها ومعتزّين بانتمائهم إليها مهما واصلوا التعليم النظامي حتى النهاية". ويقول البليهي إنه رغم امتلاء الأوطان بالمتعلمين فإنها "لم تزدد إلا تخلّفاً لأن التعليم لم يُسبق بنهضة فكرية تفتح الأقفال الثقافية التي تتوارثها الأجيال"، وأنه من دون تلك النهضة التي "تُهيئ الأذهان والعواطف لاستقبال الأفكار والمعارف والمهارات"، فإن السنوات ستمضي من دون أية نتائج إيجابية، ذلك أن "العلم إصلاح التفكير وليس إعطاء معلومات"، وهو "إحلال تصوّرات صحيحة ومعارف ممحّصة محل تصوّرات ومعارف خاطئة". *نقلا عن "الاتحاد" الإماراتية

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل