المحتوى الرئيسى

مقتل بن لادن يعجل بانسحاب أميركا من أفغانستان

05/12 03:37

هدى الحسيني بسبب العمليات العسكرية التي خاضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها ضد تنظيم القاعدة بعد تفجيرات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، تحول جهاد التنظيم إلى الساحة الآيديولوجية لدفع الشباب المسلم، المستعد، إلى التطرف، وبالتالي القيام بعمليات إرهابية ضد الغرب. كان أسامة بن لادن الشخص «الأهم» لـ«القاعدة»، لهذا من الصعب أن يحل أحد مكانه. أيضا، لأن العرب لم يعد مرغوبا فيهم في باكستان، وعند «طالبان» صاروا عبئا، فهم السبب في خسارة «طالبان» الحكم، وهم السبب الذي جعل باكستان تتحول إلى وكر للإرهاب الدولي، ثم إن أيمن الظواهري، الذي يقال إنه يقيم في كراتشي، سيكون مراقبا وملاحقا من قبل الباكستانيين كي تنفي إسلام آباد تهمة إيوائها وحمايتها للإرهابيين. من المؤكد أن جهاديين كثر، بعد مقتل بن لادن، يستطيعون وسيستمرون في عملياتهم كلما توفرت لهم الفرصة. الخطر مستمر ومنتشر، إنما تجمع الأجهزة الأمنية الدولية على التخمين بأنه أقل حدة من العمليات التي جرت بأمر من بن لادن. بمعنى أن هجمات قد تقع كرد فعل على مقتل بن لادن، لكن هذه الهجمات، لو توفرت للمخططين الفرصة، كانت ستقع لو أنه لا يزال حيا. لهذا، ستستمر ملاحقة الأساسيين في «القاعدة» بحيث لن تتاح لهم فرصة استرجاع أو لم صفوفهم، غير أن التغيير الكبير سيقع على المستوى السياسي، والأنظار تتجه إلى باكستان. ففي حين أن الباكستاني العادي لا يهمه كثيرا بن لادن، إلا أن الشعور العام يغلي ضد العمليات العسكرية الأميركية في باكستان. النقاش الحامي الآن يدور حول العلاقة ما بين الولايات المتحدة وباكستان، الدولتين اللتين تحتاجان إلى بعضهما البعض. دافعت باكستان بشدة ضد الانتقادات الأميركية بأنها كانت تعرف مكان بن لادن في أبوت آباد. قالت، وهذا صحيح إلى حد ما، إنها تعاونت مع الاستخبارات الأميركية، وإنها اعتقلت منفذ تفجيرات بالي عمر باتيل، في المنطقة نفسها في يناير (كانون الثاني) الماضي، وإنها هي من أعطت عام 2009 رقم هاتف تعتقد بأن رسول بن لادن استعمله، كي تلاحقه الاستخبارات الأميركية لما لديها من تكنولوجيا متقدمة. ما يقلق إسلام آباد الآن السابقة الخطيرة التي أقدمت عليها الولايات المتحدة في باكستان (قتل بن لادن). لهذا يتصرف المسؤولون الباكستانيون بنوع من الدفاع عن النفس. الارتباك الذي غرق فيه المسؤولون الباكستانيون عندما استيقظوا على خبر مقتل بن لادن بالقرب من إسلام آباد دفع بعمران خان السياسي الباكستاني المعارض إلى التنكيت قائلا: «حتى بن لادن لم يعد يشعر بأمان في باكستان». ما بعد مقتل بن لادن، سيؤدي إلى تغيير الصورة السياسية في منطقة وسط آسيا والمحيط الهندي. وزير خارجية باكستان سلمان بشير حذر الولايات المتحدة ودولا أخرى من أي عملية مشابهة لما حدث في أبوت آباد. إن باكستان، في كل تحركاتها وعلاقاتها، يبقى هاجسها الوحيد الهند. الذي أثار إسلام آباد أن الهند لمحت إلى احتمال أن تقوم بعمليات مشابهة لعملية أبوت آباد، ضد أهداف فوق الأرض الباكستانية، تهدد مصالحها. تلميحات نيودلهي أثارت الباكستانيين الذين أكدوا دفاعهم عن سيادتهم الوطنية وأنهم لن يتقبلوا أي تهديد هندي وقالوا إنهم سينقلون هذه الشكوى إلى الولايات المتحدة، لمعرفتهم بحاجة واشنطن إلى إسلام آباد لترتيب انسحابها الاستراتيجي من أفغانستان. في المقابل تدرك واشنطن حاجة إسلام آباد إلى بلايين الدولارات الأميركية. الرئيس الأميركي باراك أوباما حانق على باكستان، ويصر على أنها تتحمل مسؤولية خرق «القاعدة» لجهاز استخباراتها، هذا أمر مؤكد. وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، تحاول بتصريحاتها أن تهدئ الأمور، لكن العلاقات بين الدولتين ليست جيدة، وهذا ليس بجديد. فإذا عدنا إلى زمن التقسيم، نرى كيف أن باكستان كانت تبحث عن قوة خارجية كبرى مثل الولايات المتحدة لمساعدتها ضد جارتها القوية الهند، وكان الباكستانيون دائما وأبدا يشعرون بالخيانة لأن الولايات المتحدة كانت تقيم علاقات مع الدولتين، بحيث لا تشعر أي منهما بأنها مكتفية أو مرتاحة. في ظل الأحداث الأخيرة، ومع الأصوات التي انطلقت تطالب بالانسحاب من أفغانستان بعدما انتفى أو قتل السبب الذي دفع إلى ذلك، يعرف الباكستانيون أن لا مجال أمام الولايات المتحدة إلا الاعتماد على إسلام آباد بسبب روابطها الاستخباراتية الحيوية مع «طالبان»، وعلى وجه الخصوص لإقامة تفاهم سياسي يسمح لأميركا بسحب قواتها من أفغانستان. من جهة أخرى، يدرك الباكستانيون أن الحرب في أفغانستان تسببت لهم في الكثير من المشكلات، فهي تسببت في تمرد مجموعات في الداخل، تقاتلهم الدولة منذ سنوات. لكن في نهاية المطاف تريد باكستان التمسك بالعلاقة الاستراتيجية بينها وبين أميركا، لهذا سنرى الكثير من العرض والطلب والمساومة حيث سيضع الباكستانيون ثمنا لتعاونهم في أفغانستان. ولا يهم الإحباط الذي ستشعر به واشنطن بسبب الموقف الباكستاني، إلا أنها ستواجه الحقيقة، ولهذا سمعنا تصريحات كلينتون وتصريحات رئيس الأركان الأميركي الأدميرال مايكل مولن التي تظهر ضبط النفس، وتؤكد الدعم للحكومة الباكستانية رغم عدم الثقة التي برزت في الأيام الأخيرة. أول ما ستحققه باكستان، بعد خسارتها ماء الوجه بسبب عملية أبوت آباد، أن واشنطن ستأخذ مخاوفها من الهند بعين الاعتبار، ولن تقدم على مغازلة نيودلهي كي لا تتأثر علاقتها بإسلام آباد الآن. الانسحاب الأميركي من أفغانستان تنتظره دول أخرى أهمها روسيا والصين. وأمس الأربعاء، بدأ الرئيس الباكستاني علي آصف زرداري زيارة تستمر ثلاثة أيام إلى موسكو بدعوة من الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف. توقيت الزيارة يؤكد تقييم موسكو لدور باكستان في أفغانستان، وفي حال توترت العلاقة الباكستانية - الأميركية فإن روسيا مستعدة أن تقدم لباكستان عضوية الانضمام إلى «منظمة تعاون شنغهاي» في القمة المقبلة في يونيو (حزيران). ثم إن روسيا مهتمة بالتداعيات الأمنية المتوقعة لمنطقة وسط آسيا وهي تفاوضت أخيرا مع طاجيكستان لإرسال 3 آلاف من حرس الحدود الروس للانتشار على طول الحدود الطاجيكية - الأفغانية. فالخوف أن يؤدي الانسحاب الأميركي بالمقاتلين الإسلاميين للانتقال إلى آسيا الوسطى التي تعتبرها ضمن نفوذ مصالحها، ولا تريد للمنطقة التي تنتج الغاز والنفط أن تتعرض لأي عمليات، لذلك خففت موسكو من عدائها تجاه «طالبان»، فهي تستطيع أن تعيش مع تسوية أفغانية تعيد استيعاب «طالبان»، شرط «تنقيتها» من عناصر «القاعدة». ثم هناك الصين التي أثنت على سجل باكستان في مكافحة الإرهاب الدولي، وعبرت عن تضامنها مع إسلام آباد بعد عملية أبوت آباد. الحرب الأفغانية استحوذت على كل الانتباه الأميركي، الأمر الذي سمح للصين وروسيا بتقليص هيمنة الولايات المتحدة على وسط آسيا والمحيط الهادي. ونجحت روسيا في إعادة تثبيت نفوذها في المنطقة السوفياتية السابقة. مقتل بن لادن واقتراب الانسحاب الأميركي من أفغانستان سيدفع الكثير من الدول لإعادة حساباتها، ولا ننسى أن إيران نفسها تعيد تموضعها كي تكون لاعبا أساسيا في العراق بعد الانسحاب الأميركي من هناك. ويعود «الفضل» في هذا التطور لأسامة بن لادن الذي تسببت عملياته الإرهابية في الغزو الأميركي لتلك الدولة العربية. *نقلا عن "الشرق الأوسط" اللندنية

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل