المحتوى الرئيسى

الفتنة الطائفية.. الأسرة حصن المجتمع

05/11 22:00

- الشيخ محمد الخطيب: الإسلام أمرنا بأعلى درجات الصلة تجاه المسيحيين - وفاء مشهور: تربية الأبناء على تقبل الآخر والحفاظ على ثوابت الإسلام - د. عبد المعطي بيومي: تربية حسن البنا أفرزت عقولاً واعية تحترم الآخر - د. محمد المهدي: النظام البائد وراء أحداث الفتنة الطائفية   تحقيق: إيمان إسماعيل أخطر ما يهدد الأوطان أن تفترق قلوب أبنائها وتفرقهم انتماءات لا تخدم الحفاظ على ثوابتها، ويزداد الأمر سوءًا عندما تمتد أيادي سوداء تعبث في عقول أبناء الوطن الواحد الذين يعيشون أخوة منذ مئات السنين، يحكمهم خلالها ثقافة التعايش والتقدير للآخر.. وما شهدته مصر مؤخرًا من أحداث فتنة جعلنا نسأل: ما الدور المنوط بالأسرة المصرية في ذلك الوقت؟، وما الدور المكلف به كل أب وأم تجاه أبنائهما؟ سواء في الردِّ على استفساراتهم أو في أحاديثهم العادية طوال اليوم؟، وهل هناك سلوكيات لا بد على الأسرة أن تتبعها تجاه أبنائها وجيرانها ومعارفها في ظلِّ تلك الأجواء؟؛ حتى تعمق مفهوم الانفتاح وتقبل الآخر والحفاظ على الثوابت.   طرحنا الأسئلة على العلماء والمتخصصين في هذا التحقيق:    الشيخ محمد عبد الله الخطيببدايةً يستبعد فضيلة الشيخ عبد الله الخطيب من علماء الأزهر الشريف وعضو مكتب الإرشاد السابق بجماعة الإخوان المسلمين وجود ما يُسمَّى بالفتنة بين المسلمين والمسيحيين، مشيرًا إلى أن ما حدث في إمبابة منذ أيام قليلة ما هو إلا بفعل أيادٍ خارجية، ومتمردين من العهد السابق من أصحاب المصلحة في إحداث بلبلة في البلاد.   ويضيف: أن لفظ فتنة طائفية يُطلق عند وجود فئتين تقتتلان ضد بعضهما البعض، وكل فئة متمسكة برأيها.   ويؤكد ضرورة أن تربي الأسر أبنائها على قول الله عزَّ وجلَّ في كتابه: ﴿لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)﴾ (الممتحنة)، موضحًا أن كلمة "البر" تعني أعظم وأرقى درجات الصلة.   ويشير إلى أن الرجل في السلف الصالح الذي كان يتزوج من غير المسلمة، كان العلماء يجبرونه أن يأخذها إلى الكنيسة كل يوم أحد، وينتظرها بالخارج إلى أن تؤدي صلاتها، ويعود بها إلى المنزل؛ مؤكدًا أن ما يحدث الآن من مهازل هو ليس من الإسلام في شيء فهو بريء منهم، والإسلام لا يرضى به ولا يقبله، فهو عمره ما حرَّض على أي فتنة من الفتن.   ويضيف أن جماعة الإخوان المسلمين لم يحدث منها أي خطأ تجاه المسيحيين منذ أكثر من 80 عامًا؛ لأنهم ربوا أنفسهم وأولادهم على أن يقفوا عند حدود الله، ويتبعوا ما أوصى به الله في كتابه الكريم، ويتبعوا سنة رسوله قدر المستطاع.   ويأسف على الحالة المتردية التي وصلت إليها الكثير من الأسر المصرية التي ضاعت فيها واجبات وحقوق الأب والأم، فضاع الأبناء ولم يعد هناك تربية ومنهج ينشئون أبناءهم عليه، داعيًا أصحاب العقل والفقه والتوجيه الصحيح والسليم إلى أن يستغلوا أجهزة الإعلام بشكل صحيح في توعية وتثقيف الأب والأم في كيفية تربية أبنائهم؟ وعلى ماذا يربونهم؟.   مفتعلة!   وفاء مشهور وتقول الداعية وفاء مشهور (مرشحة الإخوان في انتخابات مجلس الشعب السابقة، والخبيرة التربوية): لا بد أن يضع كل أب وكل أم أن لديهم ثلاثة دوائر لا بد أن يتفننوا في التعامل معهم في ظلِّ تلك الأحداث، وهي متمثلة في (الجيران، المعارف وزملاء العمل، الأبناء).   وتوضح أن في كلِّ تلك الدوائر لا بد أن لا نقرَّ ولا نعترف بروح الفتنة الطائفية؛ لأنها مفتعلة بكلِّ المقاييس؛ حيث أثبتت ثورة 25 يناير المباركة أن الشعب المصري لا يتبنى فكرة الطوائف، ولا يعطي فرصةً للمحرضين عليها أن يلهبوا نيرانها.   وتشدد على ضرورة أن تُأَصَّل الصورة لدى أبنائنا، أنَّ لنا أصولاً ولنا ثوابت، وفي المقابل أننا لسنا ضد المسيحيين، فكلنا على أرض واحدة، فلهم ما لنا وعليهم ما علينا، مشيرةً إلى أن المسيحيين لهم أن نبرَّهم ونحسن معاملتهم لأقصى درجة، بالإضافة إلى السؤال عنهم في حالة مرضهم، ومشاركتهم في أفراحهم وأحزانهم.   وتؤكد أن وضوح الرؤية وتأصل تلك المفاهيم لدى الفرد تبدأ من الأسرة، وما تزرعه في أطفالها من قيم ومبادئ؛ وتعميق لأصول وثوابت الأسرة المسلمة؛ ليتعاملوا بها مع الآخر.وتضيف: أن خطورة الموقف تتركز بصورة أكبر لدى الأطفال والمراهقين، نظرًا للدرجة الأعلى من القابلية لديهم لتعميم المواقف، ونظرًا لعدم قدرتهم على عزل المشاعر عن الأفكار، وهو ما يؤثر بشدة على نظرتهم المستقبلية للأشياء والعلاقات، والتي تبقى لفترات طويلة توجه سلوكهم وإدراكهم، فالكثير منَّا تعرض لفكرة عامة وهو صغير ونسيها أو استطاع أن يغيرها بسهولة؟   تربية حسن البنا   د. عبد المعطي بيومي ويتفق معهم في الرأي الدكتور عبد المعطي بيومي الأستاذ بجامعة الأزهر وعميد أصول الدين سابقاً قائلاً: إن الأسرة عليها أن تعطي التوجيه الكامل لأبنائها منذ الصغر، والحرية المنضبطة بالمسئولية، وألا تفرض على أبنائها بعض القناعات، إنما تناقشهم وتحاورهم طالما في حدود الشرع والأخلاق.   ويوضح أن على أولياء الأمور عدم إجبار أولادهم على شيء، أو مصادرة حقهم في التعبير والاقتناع؛ حتى لا يقعوا في أي ضرر، على أن تكون الحرية المسئولة في حدود الأخلاق.   ويشدد على ضرورة تربية الأبناء على التوازن والالتزام بثوابت الإسلام في التعامل مع غير المسلمين، بمقدار حفاظهم على ديننا، وعدم الاستهزاء به، وعدم مقاتلتهم لنا، وعدم إخراجهم لنا من ديننا، مشيرًا إلى أن ذلك هو ميثاق الإسلام في التعامل مع غير المسلمين.   ويستشهد بتربية حسن البنا للإخوان المسلمين في ذلك الشأن، بالإضافة إلى مقولته التي قال فيها (الواجبات أكثر من الأوقات)، مشددًا على ضرورة تربية أبنائنا انطلاقًا من ذلك المفهوم، ليعوا ضرورة الالتزام بواجباتهم الأساسية، دون أن يخترعوا واجبات أخرى نحن في غنًى عنها، وعدم تضيع الوقت في خلافات جانبية، لا داعي لها سوى تدمير المجتمع، وقتل إنجازات الثورة.   ويرى أن دور الأسرة حاليًّا في تلك الأزمة، أن تقوم بإقناع أولادها وبناتها بالتسامح، وترتيب الواجبات، فيما لا يتعارض مع الأصول والثوابت الخاصة بديننا، تمامًا كالطالب الذي لديه الكثير من المواد، بعضها سهل والآخر صعب، فيذاكر السهل لأنه خفيف، ويهرب من الصعب لأنه ثقيل على قلبه، فيؤجله.   سلوكيات تربوية   د. محمد المهدي ومن جانبه، يرى الدكتور محمد المهدي (أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر) أن هناك نوعًا من الاستقطاب يحدث بين الجانبين المسلم والمسيحي، مع محاولات لتشويه صورة الآخر؛ فحين يحدث احتكاك ولو بسيط، يحدث حشد نفسي واستقطاب، ومن ثم اشتعال الأجواء.   ويرى أن اشتعال تلك الأحداث بذلك الشكل جزء منه راجع إلى التربية والتنشئة التي يتربى عليها كل فرد داخل أسرته، والتعليمات التي يتلقاها، والتي فيها الكثير من السلوكيات الخاطئة كمحاولات تكوين صورة سلبية في ذهن الابن عن الطرف الآخر على مدى سنوات طويلة، مضيفًا أن تلك الصور المتبادلة تتأصل في ذهن الفرد حتى يكبر، فتكون مشاحنات سلبية نفسية، تظل تحت السطح في المواجهات العادية، إلا أنها قد تنفجر في أية لحظة؛ بسبب براكين الغضب والكراهية المحتقنة في النفوس.   ويشير إلى أن في هذه الظروف تخرج دوافع العنف ولا تجد لها ضوابط؛ بسبب سنوات القهر والكبت، مشيرًا إلى أن ذلك الاندفاع متأثر بالشائعات.   ويبين أن ذلك الحشد النفسي يحدث على نطاق الجانبين؛ فجزء قليل من المسيحيين يسعون إلى تعميق مفاهيم معينة عن الجانب المسلم، خلال المواعظ التي يتلقاها الأطفال في الكنائس؛ ما يسبب شحنًا عاطفيًّا ضد المسلمين، وهو ما بدى واضحًا على الشباب المسيحي الحالي؛ حيث إنه منفعل ومتعصب، مؤكدًا أن ذلك هو نفس الوضع على نطاق جانب قليل من المسلمين أيضًا، والذي يتضح في تربيتهم لأطفالهم.   ويرسم السلم المتصاعد للشحن النفسي لدى الأطفال على الجانبين- والذي يحدده علماء النفس- حيث يبدأ بالشحن العاطفي، فنوع من أنواع التوجس، ثم حالة من حالات الاستقطاب، فصراع طائفي، فجذب بين القوى المستقطبة، وتختم بمواجهة طائفية محدودة تتصاعد لتكون مواجهة طائفية شاملة.   ويؤكد أن الفتنة الطائفية الموجودة الآن سببها النظام البائد، الذي طالما ما تعمَّد إشعال الفتنة، وشكَّل قاعدة من الحساسيات الطائفية.   ويرى أن الحلَّ في تربية أولادنا على احترام الآخر، وهذا لا يعني أبدًا الموافقة على آرائه، أو اعتناق عقيدته وتوجهاته، بل تربيتهم على التعايش وقبول الآخر في ظلِّ التمسك بمعتقداتنا، مستنكرًا مَن يربون أبناءهم من الجانبين- المسلم والمسيحي- على التحكم والسيطرة، وإقصاء واستبعاد الآخر.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل