المحتوى الرئيسى

دويلات دينية ومذهبية!

05/11 09:58

يوسف الكويليت ما يجري في الوطن العربي لا يحيّر العقل فحسب، وإنما يعطله، لأن المشهد يضعنا أمام مسرح دموي لا يليق بأي إنسان، فالإسلام انتشر عالمياً لأن رعاية الإنسان وحفظ حقوقه والمحافظة على تراث وأديان وحقوق أصحاب الملل عندما حمى اليهود من التصفيات، وتعايش مع الحضارات بدون عقدة الدونية أو الكبرياء العرقية والعنصرية، كانت من صلب ثوابته التي بقيت قائمة حتى اليوم.. ففي العراق حكَم السنّة سنوات طويلة لأن الشيعة كانوا ينأون بمعتقد مذهبهم عنه، وكانوا في خط المعارضة، وظل القانون سائداً قبل الانقلابات، وتعايش الجميع في ظله لكن السلطات العسكرية والحزبية نشرت بذرة الطائفة والعشيرة والحزب، وحالياً يحكم الشيعة، لكن فريقاً في الدولة وأجهزة الأمن يريدها دولة خالصة له، وتحجيم أو تهجير أصحاب المذاهب والديانات الأخرى ليتم التلاحم بحلف مقدس مع إيران، وحزب الله يريد فرض نفس الأهداف في حكم لبنان، لولا أن الظروف الراهنة أخلت، أو أجلت التطبيق الفعلي لخلق ما أطلق عليه بالمثلث الشيعي.. سلفيو مصر، ومتطرفو الأقباط يريدون إدخال مصر في دورة جديدة من العبث الأمني في حادثة إمبابة، وقد قتلوا المظاهر الرائعة التي رأينا كيف أن أبناء الديانتين كانوا متلاحمين، وإخوة في ميدان التحرير، وهي الصورة الحقيقية لتاريخ مصر الفعلي عندما لم تسيّس الأديان، وتدخل لعبة جز الرقاب، ومع ذلك فإن المطالبة بقبضة أمنية حقيقية هو ما اتخذته الدولة والمجلس العسكري في إحالة المتسببين بالحادثة لمحاكمة عسكرية، لأن الأمن لا يجوز انتهاكه تحت أي عذر أو سبب.. عملية أن تنشأ دويلات دينية أو قومية وقبلية لتقطيع الوطن والإخلال بوحدته التاريخية، أو الرغبة بإقامتها تظل خطوطاً حمراء وخاصة في الدول التي تعايش ثورات جديدة، لأن استبدال حكم دكتاتوري بآخر: حكومات مدن أو قرى تحكمها حدود وحرس وجيوش ودخول وخروج بجواز سفر، فتلك مهزلة تاريخية، وقد ظلت فكرة أن إسرائيل تريد تفتيت الوطن العربي هدفاً استراتيجياً لها، لكن ما وفرته جماعات عربية وإسلامية بإيجاد هذه الكيانات صناعة مواطنين يعيشون على هذه الأرض، ونشأوا وترعرعوا بيننا.. العواصم العربية التاريخية لم تعش أزمة تواصل وتعايش بين المواطنين زمن الاستعمار وما بعده، وحداثة التقسيمات العرقية وغيرها نشأت في واقع عربي فقد السيطرة على عواطفه وسلوكه، وأزمة الوجود تعيدنا إلى الزمن القبلي الأول حين كانت قصيدة شاعر تثير حرباً للعديد من السنين، والآن في ظل ما يجري من انتشار عدوى التجزئة والذبح على الهوية والمذهب نحتاج إلى مراجعة تربوية وثقافية وفهم سياسي يراجع عقلية الراعي والقطيع، في وقت ندرك أن العالم يفكر بعقل مختلف بتكتلاته ووحداته السياسية والاقتصادية، بينما عدنا إلى بدايات عصرنا ولكن بثياب زمن العلم والفكر وانتشار ثقافة السباق نحو المنجزات العظمى.. *نقلاً عن "الرياض" السعودية

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل