المحتوى الرئيسى

تشريح تقرير للجزيرة عن مجزرة بقلم: محمد ناصر

05/10 22:12

تشريح تقرير للجزيرة عن مجزرة ياسين ضيف الله في تقرير لقناة الجزيرة بقلم مراسلها كال بيري، والذي نشر في 24 أبريل 2011 على موقع القناة الإنجليزي، يصف الكاتب بالتفصيل ما ادّعى أنه قد شهده في 23 أبريل : مذبحة للمدنيين الأبرياء في سوريا ، 1 كلم من بلدة ازرع الجنوبية. بعد القراءة الأولى للتقرير، شعرت بحزن شديد للغاية ، وبالغضب على مرتكبي مثل هذه الجريمة الشنيعة، والذي هو في نهاية المطاف النظام السوري بحسب التقرير. ومع ذلك ، اضطررت الى قراءة التقرير للمرة الثانية بعين ناقدة. سأشرح السبب في خاتمة هذا المقال. في القراءة الثانية ، لاحظت أن التقرير يتضمن تناقضات وعدم دقة ، التي يمكن أن نعزوها إلى الحالة العاطفية للكاتب بعد أن شهد مذبحة ، ولكن ملاحظاتي كانت كافية للقيام بقراءة ثالثة ، هذه المرة مع تحليل كل عبارة بعمق. استخدمت في تحليلي مقالتي بيري المذكورتين أدناه ، وجوجل الأرض (Google Earth) للبحث في موقع المجزرة كما ورد تقرير بيري المنشور في نيسان / أبريل 24. وفيما يلي تحليلي المفصل لهذا التقرير http://blogs.aljazeera.net/middle-ea...y-left-syria-0 بعد مقدمة موجزة وقابلة للتصديق يروي السيد بيري كيف انه كان على وشك أن يصل إلى موقع المجزرة التي ستحصل، يهيأ السيد بيري عقولنا بالتذكير بنقطة تفتيش للجيش كانت قد منعته من المرور منذ حوالي أربعة أسابيع ، وفقاً لما كتب : "أتذكر مصادفة تلك نقطة التفتيش للجيش ومربضين لمدفعين رشاشين كانا قد ’نُظّرا مسبقاً‘" بمعنى أن الرشاشين كانا قد حُضّرا سلفاً ليغطيا منطقة معينة بدون جهد للتصويب من قبل الرامي. ولأن معظم القراء لم يعملوا كصحافيين ملتصقين بجنود مشاة البحرية الامريكية في العراق ، كما فعل السيد بيري[1]، لذا نراه يتبرع للقارئ بشرح سريع لمفهوم الرشاش "المُنظّر مسبقاً" وكيفية إعداده لخلق ’منطقة قتل‘ ، في سياق شرحه مهنئا مشاة البحرية الامريكية على"تسمية الأشياء بأسماء تصف بالضبط ما هي عليه في الواقع." ، وإن كان ذلك التصريح جاهلاً، ف’مناطق القتل‘ قد عُرفت منذ زمن الرومان، وتسميتها هذه ربما منذ فترة الحرب العالمية الأولى. ولكن نحن الآن في سوريا ، على مشارف درعا ، حيث يدعي السيد بيري أنه قد شاهد منطقة القتل والرشاشين المُنظّرين مسبقاً أقل من أربعة أسابيع قبل 23 أبريل 2011. في الواقع ، في تقريره المؤرخ 31 مارس / أذار 2001، http://blogs.aljazeera.net/middle-ea...ned-back-daraa ، كتب ما يلي: " اثنان من المدافع الرشاشة الثقيلة، محميان بأكياس الرمل، وضعا في منتصف الطريق: مُنظّران مسبقاً، مع علامات مرسومة على الطريق: دلالة واضحة بأن الجيش كان يأخذ أمنه الخاص على محمل الجد". حتى الآن جيد جدا! ما لدينا هو نقطة تفتيش للجيش مع منطقة قتل مُنظّرة مسبقاً. تقرير السيد بيري الأول، في 31 مارس / أذار، أعطى الإنطباع بأن موقع ’منظقة القتل‘ كان على مدخل درعا أو داخلها، ولم يحدد الموقع الدقيق للمنطقة. ولكن ، كما سنرى أدناه ، تقريره المنشور في 24 أبريل / نيسان لا يترك أي شك في موقع هذه المنطقة : هي على بعد 1 كلم من مدينة إزرع السورية. لماذا "منطقة قتل"؟ تستخدم هذه المناطق عادة في المواجهات العسكرية ، ولا سيما في الكمائن ، وليس لها فائدة تذكر بالنسبة لأية قوة عسكرية عند مواجهة حشد من المدنيين. والواقع أن البحث باستخدام جوجل يكشف عن أن هذه على الارجح هي أول إشارة من أي وقت مضى لهكذا منطقة في سياق الاضطرابات المدنية. بغضّ النظر ، يقدم السيد بيري في 31 مارس/أذار بعض المبررات : "دلالة واضحة بأن الجيش كان يأخذ أمنه الخاص على محمل الجد " ، وفي 24 نيسان / أبريل يكتب ما يلي : "عرفت ذلك اليوم ، عند رؤية ’منطقة القتل‘ تلك ، أن الحكومة تأخذ هذه المظاهرات الصغيرة (في ذلك الوقت) على محمل الجد." كلا المبرران يمكن أن يكونا محقين لو أفترضنا أن الجيش السوري كان يعتبر المدنيين خصوما عسكريين ، أو لو أنه قد فقد عقله منذ 31 أذار/ مارس. ولكن ، كما سنرى أدناه ، استخدام السيد بيري لمصطلح "منطقة قتل" في مقاله لا علاقة له بالحقيقة. أخيراً وصلنا بعد 780 كلمة ، يبدأ السيد بيري أخيرا بتقديم سرد للمجزرة نفسها. كما أوضح سابقاً، كان متجها جنوبا، مسافراً من دمشق باتجاه عمان (الأردن) ولتحديد مسرح المجزرة بالضبط، سأقتبس من كلام السيد بيري: "أنا، ومزاجي المعكر، وعبد [السائق] كنا نقترب من مدينة إزرع عندما اتّضح أن أمراً رهيبا كان يحدث في تلك اللحظة على الطريق أمامنا مباشرة. أناس، معظمهم من سائقي الشاحنات، كانوا واقفين على الطريق السريع... يصرخون لينبهوا السيارات المقتربة لكي تصفّ إلى جانب الطريق. كانوا يصرخون ويلوّحون بأذرعهم بجنون. رأيت أحدهم يشير بيديه في محاكاة لحركة مدفع رشاش يطلق نيرانه. تمالكت نفسي ، ولاحظت على الفور علامتا طريق : واحدة تشير إلى اليمين وعليها "إزرع: 1 كلم" وثانية تشير الى اليسار وعليها "درعا"." حسناً، الطريق الوحيد من دمشق في اتجاه عمان ، والذي يمر على بعد 1 كلم من إزرع ، هو الطريق السريع M5. الصورة 1 أدناه هي صورة من برنامج ’جوجل الأرض‘ ، وفيها نرى إزرع والطريق السريع الذي لا بد أن يكون الطريق المذكور في التقرير واتجاه السفر. ولأن السيد بيري استخدم يساره ويمينه للدلالة على اتجاه الإشارات، قررنا عرض الخريطة بحيث يكون وجه القارىء في نفس اتجاه سفر السيد بيري، مما يسهّل على القارئ متابعة التحليل. الصورة 1 - صورة "جوجل الأرض" تبيّن إزرع إلى اليسار من الطريق السريع عندما تتجه جنوبا والآن دعونا نلقي نظرة ثانية على ما قاله السيد بيري عن علامتي الطريق : " واحدة تشير إلى اليمين وكُتب عليها "إزرع : 1 كلم" وثانية تشير الى اليسار وقد كُتب عليها "درعا"." بناءً على الخريطة ، إزرع على يسار الشخص المسافر جنوبا على هذا الطريق ، وليس على يمينه كما قال السيد بيري (ودرعا إلى يمينه ، وليس إلى يساره كما قال...) حسنا ، ربما اختلط اليمين مع اليسار عند السيد بيري في هذه الحالة. لذا دعونا نواصل القراءة. يقول بيري: "اتضح لي في تلك اللحظة أنني كنت هن من قبل. هذه هي " منطقة القتل" التي كنت قد شهدتها منذ أسابيع على مشارف درعا. على بعد 50 مترا تقريباً من حيث أوقفنا السيارة، كان هنالك جسراً يربط درعا بإزرع. رأيت بوضوح حشدا من الناس يسيرون على الجسر من اليسار إلى اليمين [بالنسبة له]". لنلقي الآن نظرة على الصورة 2 لنفس الموقع مع شيء من التكبير وذلك لإعطاء بعض التفاصيل الإضافية : موقع سيارة السيد بيري ، في اللحظة التي رأى الناس تصرخ ولاحظ وجود علامتا الطريق ، نسميه "موقع 1" على الصورة 2، وبعده عن الجسر في تلك النقطة ، بناءً على قياسها باستخدام برنامج "جوجل الأرض" ، هو حوالي 500 متر (علامتا الطريق لا بد أن تكونا قبل المخرج بقليل) . ولكن سيارة السيد بيري وقفت قبل الجسر بحوالي 50 متر حسب كلامه، وهذا يعني ان السائق واصل قيادة السيارة لمسافة 450 م ، متجاهلاً الناس الذين كانوا يصرخون ويلوحون بجنون ، "وأحدهم يشير بيديه في محاكاة لحركة مدفع رشاش". لا بد أن السائق عبد أراد أن يعطي السيد بيري موقعا ممتازا لمراقبة المجزرة التي كانت على وشك أن تحدث في "منطقة القتل". الصورة 2 - موقع 1 لسيارة بيري (عندما لاحظ علامتا الطريق) وموقع 2 ، على بعد 50 مترا من الجسر في الوقت المناسب يقف السيد بيري على بعد 50 مترا فقط من الجسر ، حيث يمكن أن يرى ال ’أكشن‘ في الوقت المناسب تماما. يكتب بيري : "فجأة انهمرت النيران على الحشد. رمى سائقو الشاحنات بأنفسهم على الأرض. وللحظات بدت بلا نهاية، جلست هناك في السيارة ، مصدوما ومجمدا من هول اللحظة. ما بدا لي أنه مزيج من نيران أسلحة رشاشة وأخرى فردية كان يحصد الناس التي تساقطت فوق بعضها البعض كأعشاب يتم قطعها في حقل ما. رأيت طفلين على الاقل يسقطان صرعى على الفور. كانت الناس تصرخ وأصوات الأعيرة النارية تدوي. " يا له من مشهد! "منطقة قتل" جرى إعدادها بشكل ممتاز قبل أسابيع لقتل المدنيين: الجيش اختار أن يجعل من الجسر منطقة قتل ، لكي لا يستطيع العدو – الناس أن تهرب! يقول السيد بيري " رأيت بوضوح حشدا من الناس يسيرون على الجسر من اليسار إلى اليمين" أين كان هؤلاء الناس ذاهبون؟ إذا كانوا قادمين من "اليسار" فلا بد أنهم قادمون من طرف إزرع ، وذاهبون الى... أقرب بلدة ، الشيخ مسكين ، تقع على بعد 7 كلم ويفصلها عن إزرع أراض زراعية. درعا ، حيث القمع وبعض المواجهات الخطيرة التي وقعت في وقت سابق ، بعيدة أكثر[2] من 30 كلم. ولكن إصرار الناس على التضامن مع أخوتهم لا يعرف المسافات، ومن نكن نحن لنطرح مثل هذه التساؤلات؟! لذا فلنكمل مع بيري. "لقد أعدت المشهد في مخيلتي مرارا وتكرارا خلال ال16 ساعة الماضية ولا زلت لا أعلم من أين كانت النيران تأتي. على ما يبدو كانت تأتي من حقل إلى يميني، من طرف إزرع. رأيت ومضات إطلاق النار من فوهات الأسلحة." يرجى قراءة المقتطف أعلاه مرتين. ماذا علينا أن نصدق؟ "لا أعلم من أين كانت النيران تأتي" أم "رأيت ومضات إطلاق النار من فوهات الأسلحة"، من الحقل؟ هل يعلم أم لا يعلم؟ مرة أخرى ، بإمكاننا أن نعطف تشوش الكاتب على حالته العاطفية ، أو حريّ بنا أن نقول ، على جهده البائس لوضع القارىء في حالة عاطفية معينة عند قراءة قصته عن المجزرة! ولكن مهلا ، أين ذهبت الرشاشات "المُنظَرة مسبقاً"؟؟؟ الرشاشان اللذان حسب تقريره في 31 آذار "اثنان من المدافع الرشاشة الثقيلة، محميان بأكياس الرمل، وضعا في منتصف الطريق"؟؟؟ هذان الرشاشان كانا حاضرين ولا بد عندما تعرّف على "منطقة القتل" عندما صفّت سيارته على بعد 50 متر من الجسر : " هذه هي " منطقة القتل" التي كنت قد شهدتها منذ أسابيع على مشارف درعا." إذن النيران لم تأتي من " حقل إلى يميني"، لأن الرشاشان كانا في منتصف الطريق، حسب السيد بيري نفسه. ماذا فهمنا من كل هذا؟ هل كان هنالك " منطقة قتل" أم لا؟ هل كانت إزرع إلى يمينه أم إلى يساره؟ هل كانت الرشاشات "المُنظَرة مسبقاً" في منتصف الطريق، أم في الحقل حيث " رأيت ومضات إطلاق النار من فوهات الأسلحة."؟ أم هل نشر الجيش السوري منذ أسابيع كتيبة كاملة عند هذا الجسر لمواجهة حشد من المدنيين الذاهبين إلى عزاء يوم 23 نيسان، بحيث لم نعد ندرك من أين تأتي النيران؟ مرة أخرى ، من حيث توقفت سيارة السيد بيري ، إزرع تقع إلى يساره ، وليس إلى يمينه كما قال، إلا إذا كان متجها إلى الشمال، الأمر الذي يقوض قصته من البداية. أو إذا كان يستخدم برنامج ’جوجل الأرض‘ مثلي، ولكن نسي أن يدير الصورة وهكذا انعكس عنده اليمين مع اليسار! يستفيض السيد بيري بما يلي : " آخر شيء أتذكر رؤيته بوضوح هو منظر الناس وهم منبطحين على الطريق، يحتمون خلف أولئك الذين سقطوا قتلى أو جرحى… منبطحين في برك من الدم بلا شك، ليتفادوا حمما جهنمية طائرة." تخيل نفسك جالسا في سيارة السيد بيري ، على بعد 50 مترا من الجسر الذي لا يقل ارتفاعه عن 5 أمتار، بالإضافة إلى المانع. هل يمكنك أن تنطق بعبارة من مثل "... أتذكر رؤية الناس بوضوح وهم منبطحين على الطريق "؟؟ الطريق الذي يجب أن يكون على الجسر ، لأنه لا يمكن للسيد بيري أن يكون قد أهمل في تقريره مشهد الناس يقفزون من فوق الجسر ، والناس الذين كانوا على الجسر سقطوا عليه في وابل من اطلاق النار على أية حال. مثل هذه العبارة تصلح لأن تكون خيالا لا علمياً، اللهم إلاّا إذا كان بمقدورك الرؤية حول الزوايا بدون مساعدة من مرايا. نظرة سريعة على الشكل أدناه تكفي لتوضيح هذه النقطة. هل يمكن للمرء في السيارة أن يرى بوضوح الناس وهم منبطحين على الطريق فوق الجسر؟ بقية القصة الخيالية وددت لو أن السيد بيري توقف بعد نهاية المجزرة التي حدثت في رأسه. إلا انه يصرعلى مزيد من الكذب. معلوم أن بعض أفلام السينما والقصص تنجح في جعل المشاهد أو القارئ ينسى أن ما يشاهده أو يقرأه هو نتاج مخيلة المخرج أو الكاتب، وليس توثيقا لأحداث وقعت، قبل الكتابة مثلا. والأمر لا بد أن يكون أسهل بكثير إذا سُميت القصة "تقريرا". ولكن إذا لم يهتم الكاتب بالتفاصيل ، فسيفشل فشلا ذريعا بغض النظر عن الأسم الذي يختاره للقصة. بعد وصفه للمجزرة، يروي السيد بيري كيف أدار السائق (عبد) السيارة عائدا إلى دمشق، ثم يكتب قائلا: "بشكل غريزي، اتصلت بمكتب أخبار شركتي في الدوحة (الجزيرة). لا أذكر ما قلته في البداية ، ولكن يبدو أنه كان كافيا للمحررين لوصلي حالا مع المذيع من أجل تسجيل مقابلة عبر الهاتف ،... " ويتابع: "وبينما كانت المقابلة على وشك الإنتهاء، صادفنا نقطة تفتيش كبيرة تابعة للجيش." ثم ينهي المقطع: "بينما كنا نمر عبر نقطة التفتيش، كان الجنود يدخنون ويضحكون... لا يمكنني وصف ما رأيت إلاّ كما شعرت به: كان على وجوههم هناك تعبير شرير عن الاستمتاع. كنا على بعد لا يزيد عن 3 كلم من المكان حيث شاهدت لتوي الناس يُحصدون حصداً والرصاص يمزق أجسادهم إربا." أرجو أن تغفروا لي طول الاقتباس. ولكن إما أن السيد بيري كان يقدم تقريره "على الهواء" قرب إزرع، وفي هذه الحالة لا يعقل أن يكون قد أجرى المكالمة واختتم المقابلة ، التي استمرت 3:31 دقيقة ، خلال أقل من الدقائق الثلاث[3] التي يستغرقها سفر ما "لا يزيد عن 3 كلم" من موقع المذبحة، أو أنه يكتب قصة خيالية، وأن المقابلة الهاتفية مع المذيع جرت في مكان وزمان آخرين بناء على خياله، كاملة مع مؤثرات صوتية، وفي هذه الحال، كان ينبغي على الجزيرة أن تشير بوضوح إلى ذلك. ولكنها محطة إعلامية وليست محطة أفلام درامية، أليس كذلك؟ ولكن السؤال الأهم: هل كان هناك أي حاجز للجيش على بعد 3 كلم من موقع المذبحة؟ بطبيعة الحال ، في قصة السيد بيري ، هناك "نقطة تفتيش كبيرة" ، ولكن ماذا عن الواقع على الأرض، خارج روايته؟ لنرى. على الهواء مع المذيع توني هاريس يمكنني أن أشير إلى عدة جمل التي تُظهر جهدا واضحا لإضفاء مؤثرات مستوحات من فن المؤثرات السينمائية الخاصة على القصة الخيالية التي قدمتها الجزيرة كتقرير للسيد بيري. سأذكر فقط عبارة "رذاذ وردي دقيق مُوجع للقلب يتناثر في الهواء"، والتي تستحضر صورة قوية حقاً. رذاذ وردي شهده السيد بيري من على مسافة 50 م، غير ملوث بالغبار المتصاعد من اصطدام الرصاص بأي شيء ما عدا أجساد الضحايا. والقصد من هذه العبارة، كما هو من قصة "منطقة القتل"، هو خداع القارئ ليعتقد بأن الكاتب قد شهد الحدث فعلا ، بكل التفاصيل ، وبالتالي التلاعب بالقارئ عاطفيا ليكون له رد فعل أقوى حتى من المراسل ذاته، هو الذي بدا صوته هادئا خلال المقابلة. الصورة ليست حقيقية! الضباب أو الرذاذ الوردي في القصة ما هو إلاّ استعارة من المؤثرات الخاصة التي نراها في الأفلام ، أو من صورة حقيقية للدم الذي لا بد أن السيد بيري قد شهده ينفر من أجساد المدنيين العراقيين بفعل رصاص المارينز. بعبارة أخرى ، هذه كذبة أخرى في القصة. ولكن أكبر كذبة هي المقابلة التليفونية مع المذيع توني هاريس: من المستحيل أن تكون قد جرت كما عُرضت لنا! وإليكم الأسباب: (تجدون رابط المقابلة على صفحة التقرير ذاتها، مع صورة وقورة للمذيع. يرجى الاستماع إلى المقابلة على جهاز الكمبيوتر، فالأمر لا يحتاج إلى فهم اللغة الإنجليزية) تذكرون أن المذيع (توني) والمراسل (بيري) أجريا المقابلة ، كما زعما ، خلال الوقت الذي سافر فيه الأخير "ما لا يزيد عن 3 كلم" من موقع المجزرة الوهمية إلى نقطة التفتيش التي يذكرها في التقرير وفي المقابلة. في الدقيقة 2:50 من المقابلة ، نسمع إطلاق نار كثيف حتى 3:20 ومن ثم أصوات حشد من أناس يصرخون كما لو أنهم في خطب. هذا التسجيل يتناقض بشكل صارخ مع ما كتبه السيد بيري في تقريره: " بينما كنا نمر عبر نقطة التفتيش، كان الجنود يدخنون ويضحكون... ينظرون إلى بعضهم البعض ، مبتسمين ، مشيرين لنا لنمر من خلال حواجز نقطة التفتيش". والأدهى من هذا هو حقيقة أنه لا يوجد شيء على بعد 3 كيلومترات من الجسر! لا يوجد شيء عدا الأراضي الزراعية على امتداد الطريق السريع لمسافة 10 كلم من الجسر باتجاه دمشق! من غير الممكن تصديق رواية بيري بدون مغادرة أرض الواقع إلى عالمه الخيالي. على هذه الأرض وفي الموقع المذكور لا يمكن أن تكون هناك حشود ، ولا إطلاق نار ، ولا نقطة تفتيش. ليس هنالك حتى مخرج إلى قرية أو بلدة ما. بإمكانكم زيارة الموقع أو استخدام "جوجل الأرض" لتحكموا بنفسكم! لماذا الكذب؟ الحكومة السورية تقول أن قناة الجزيرة وغيرها من المؤسسات الإعلامية تشن حملة من الأكاذيب ، جنبا إلى جنب مع التدخل الخارجي بأشكال مختلفة في حملة منسقة لزعزعة استقرار البلاد. وتقول الحكومة انها تعترف بالمطالب العادلة للطبقات الشعبية السورية من أجل الإصلاح السياسي والاقتصادي، وأنها قد أصدرت قرارات تستجيب لهذه المطالب ووعدت بالمزيد. لكنها تصر على أن أعداء سوريا استغلوا الاحتجاجات الشعبية لشن حملتهم. ليست هذه هي المرة الأولى التي ينكشف فيها كذب "التقارير" في الجزيرة. لقد رأيت صوراً على موقع الجزيرة تم تغييرها لاظهار لافتات يحملها الناس في حين لم تكن هذه اللافتات موجودة في الواقع. لا تحتاج إلى خبير لمعرفة أن رجلا يحمل لافتة بكلتا يديه ينبغي له أن يستخدم بعض أصابعه على الأقل بحيث تظهر على الجزء الأمامي من اللافتة. السيد بيري كذب ، وكذب بشكل مخطط له مسبقا (مُنظّر مسبقا!!). التقرير الوارد في 31 آذار 2011 قدّم لنا كذبة الرشاشات المُنظّرة مسبقا ، ووسع عليها بكومة من الأكاذيب في تقرير24 نيسان / أبريل. كذبه وكذب الجزيرة هو من النوع الذي يكلف أرواحا ، العديد من الأرواح. عندما يختتم قصته بعبارة "لم يعد هناك إنسانية " في سوريا ، بعد أن يصف مذبحة وهمية ، هو يعد القارئ عاطفيا لمذبحة حقيقية. "لم يعد هناك إنسانية" قد تصبح نقطة انطلاق بالنسبة لبعض القراء في سوريا للمشاركة في مذابح حقيقية كقتلة ، في حين أن بعض الصحفيين والسياسيين ، بمجرد ما يكتبون ويتحدثون ، هم حقاً من مرتكبي مثل هذه الجرائم. كذبة "لم يعد هناك إنسانية " يمكن استخدامها بإجرامية أكبر كذريعة لمجازر حقيقية من خلال "القصف الإنساني" للبلاد من قبل قوات حلف الناتو. لماذا إذن؟ لماذا تكذب الجزيرة؟ هل يمكن العثور على الجواب في تفسير الحكومة السورية؟ خاتمة حتى قراءتي قصة "لم يعد هناك إنسانية" لهذا الكاذب ، كنت متمسكاً بموقف مفاده أن هناك حاجة ماسة لإصلاحات عميقة وواسعة النطاق في سوريا ، إصلاحات من شأنها أن تشكل أساسا لثورة ديمقراطية بمشاركة عناصر مهمة من النظام الحالي، كونها إصلاحات، وبالتالي من شأنها أن تتم سلميا. بعد قراءتي الأولى لقصة بيري، فقدت صوابي لبرهة : رميت بعيدا كل ما عندي من منطق وقررت ، في لحظة غضب ، أن الاطاحة بالنظام هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة! للحظة ، لم أعد أفكر أو أهتم بما يمكن أن يأتي بعد إسقاط النظام : الحرب الأهلية ، عرائس تحركها الولايات المتحدة ، لا يهم! رد فعلي القوي عند قراءتي لهذا المقال هو ما أثار أجراس الإنذار في ذهني. أكاذيب الجزيرة التي رأيتها من قبل لم تكن بهذا الحجم (مجزرة وهمية) وصادرة في الوقت ذاته عن مراسل للجزيرة. لذا قررت قراءته مرة أخرى ، باحثا عن المتاعب. شعب سوريا لديه كل الحق في الاحتجاج والنضال لنيل حقوقه السياسية والاقتصادية التي سلبت لمئة عام وأكثر، ولسوف يحققها. وفي الوقت نفسه ، أرى أن شعب سوريا والدولة السورية تتعرض للهجوم من قبل ثورة مضادة. الثورة العربية هي في طريق التشكل في جميع أنحاء الوطن العربي وكذلك الثورة المضادة التي قد تبادر بالهجوم استباقيا، حسب الساحة. أطراف هذا الصراع ومواقعهم الحقيقية من قضايا الشعب قد لا تكون واضحة لغالبية الناس حتى الآن ، وهذا هو دور وسائل إعلام الثورة المضادة، وقناة الجزيرة خير مثال على ذلك: الحفاظ على "ضباب الحرب " في وعي هذه الغالبية ، لأنه مع زوال الضباب ، تُهزم الثورة المضادة -------------------------------------------- [1] http://www.sais-jhu.edu/bin/s/g/Cove...eWarInIraq.pdf [2] "منطقة القتل" المزعومة إذن ليست على مشارف درعا كما كتب في تقريره السابق. [3] على فرض أن عبد يقود السيارة بسرعة 60 كلم على الطريق السريع وليس 100+ كلم كحال السائقين السوريين بشكل عام. ولكن لا بأس من إعطاء السيد بيري والجزيرة بعض الوقت الإضافي...! منقول.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل