المحتوى الرئيسى

تونس بعد الثورة.. احتقان وانفلات أمني وتساؤلات مستقبلية

05/10 13:07

تونس - منذر بالضيافي يوجد شبه إجماع في تونس، السلطة والمعارضة، على أن المشهد السياسي والاجتماعي والأمني يعيش حالة من الاحتقان والانفلات. وأن هناك مراوحة بين الاستقرار وعدمه، "فما إن تستقر الأوضاع وتعود الحياة لنسقها العادي، حتى تنفجر من جديد". مثلما أشار إلى ذلك بوضوح الباجي قائد السبسي الوزير الاول في الحكومة المؤقتة، في اللقاء التلفزيوني الذي عقده ليلة الاحد مع ممثلي القنوات التلفزية المحلية. واعتُبر هذا الموقف لرئيس الحكومة بمثابة رد على التصريحات الأخيرة لوزير الداخلية السابق فرحات الراجحي، التي يرى العديد من الجهات، ومنها الحكومة، أنها وراء الاضطرابات التي شهدتها البلاد نهاية الأسبوع المنقضي، ولاتزال تداعياتها تخيم على الوضع العام في البلاد. من يقف وراء الانفلات الأمني؟ كما حمّل الوزير الأول أيضاً، وفي نفس اللقاء، المسؤولية لأطراف حزبية لم يسمّها، لكن استثنى منها حركة النهضة الإسلامية، وقال إنها لا تريد وتسعى لعدم عقد الانتخابات في موعدها، وأنها تعطل مسار الانتقال الديمقراطي الذي تعمل الحكومة على تنفيذه، في الآجال التي سبق وأن حددتها ولا تريد التراجع عنها. وفي المقابل يحمّل قطاع واسع من المجتمع المدني والسياسي، ومن الشارع التونسي، الحكومة مسؤولية الانفلات الأمني بسبب ما يعتبرونه "بطء الحكومة في تصفية تركة النظام السابق وعدم تعجيلها بمحاكمة رموزه والقطع مع عهد بن علي بالكامل". وتتمسك الهيئات الحقوقية وأهمها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بما سمته "عدم مقايضة الأمن بالحرية". وفي هذا الإطار صرّح رئيس الرابطة السيد مختار الطريفي لـ"العربية.نت" بأنه "لا يمكن أبداً وبأي حال من الأحوال وضع الأمن والحرية كنقيضين، ومقايضة هذا بالآخر، وأن البلد في حاجة إلى الأمن الذي يحترم حقوق الإنسان والحريات". وفي ذات السياق، فإن جميع المكونات السياسية و الجمعياتية تدعو إلى تجاوز الانفلات الأمني، والتأسيس لعلاقة جديدة بين المواطن والأمن، من خلال استعادة الثقة بين الطرفين، وعدم "شيطنة رجل الأمن، ومراعاة الضغوط النفسية التي شهدها هذا الجهاز أثناء وبعد الثورة". تساؤلات حول المستقبل وبعد مرور قرابة أربعة أشهر على إنجاز الثورة وهروب الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، يشير المحللون إلى تواصل وجود حالة من الضبابية، بل انعدام الرؤية حول ما سوف تؤول إليه البلاد في المستقبل، خصوصاً أن الوضع الراهن يبدو وأنه مفتوح على كل الاحتمالات والسيناريوهات، من أكثرها تفاؤلاً إلى أشدها خوفاً وتشاؤماً. ومن سيمات المشهد الحالي، تواصل وجود ما يطلق عليه "حالة الانفلات الأمني"، برغم تسلح حكومة السبسي، التي ورثت تركة حكومة الغنوشي الثقيلة، بإرادة قوية في استعادة هيبة الدولة، وفرض سلطانها على الجميع. وضعية تقلق الجميع، إذ لا يمكن تصور حياة سياسية وتنمية اقتصادية واجتماعية في ظل غياب مناخ الاستقرار، فمثلما قال ابن خلدون في كتاب المقدمة إن "العدل أساس العمران"، فإن الأمن هو أيضاً أساس الحضارة والعمران. ويرى مختصون في العلوم الاجتماعية والسياسية أن مطلب عودة الأمن، والتنبيه إلى ضرورة تجنيب البلاد الانزلاق نحو المجهول، على أهميته، لا يجب أن يغفل حقيقة جوهرية بأن البلاد تعيش أو تمر بـ"حالة ثورية"، وبالتالي يجب "تفهم" العديد من المظاهر التي يريد أصحابها التنفيس عن مكبوتات نفسية، وعن احتقان مركب تراكم طيلة سنوات دولة الاستبداد. وأن وجود بعض المظاهر الدالة على فقدان الاستقرار لا يجب تهويلها والنفخ فيها، بل لابد من التعاطي معها بكل حكمة، خاصة من قبل السياسيين والإعلاميين الذين يتحملون مسؤولية كبرى في هذه المرحلة. أداء الأحزاب في الميزان تفاعلت الأحداث والمواقف بعد 14 يناير 2011، وفق نسق سريع، لم تكن البلاد مهيأة له، وضع باغت الجميع وأدخل البلاد والعباد في حالة من "الحيرة والضبابية". تمثلت أبرز ملامحها في حالة الارتباك والتردد التي طبعت المشهد السياسي بكل مكوناته لا الحكومة فقط. وفي مقابلة مع "العربية.نت" أكد الأمين العام لحزب الإصلاح والتنمية محمد القوماني أن "أداء بعض الاحزاب يذكرنا بأدائها قبل ثورة 14 يناير بيوم واحد"، وأضاف "المشهد السياسي الحالي تغلب عليه مظاهر الهشاشة السياسية، وغلبة التشنج في علاقة الأطراف الوطنية، وضعف روح التسامح، وطغيان منهج الاستقطاب وخطابات التخويف والإقصاء المتبادل، وتعطيل اجتماعات الأحزاب، ما يشكل خطراً على مستقبل الحياة السياسية في هذه المرحلة الانتقالية". ودعا الى "أهمية تخفيف التوتر السياسي، وإزالة المخاوف المتبادلة بين الفاعلين السياسيين بمختلف مواقعهم. لن يكون ذلك إلا باستحضار الحاجة إلى الصيغ التوافقية بين مكونات الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي من ناحية، وبين هذه المكونات وبين الحكومة المؤقتة من ناحية أخرى، وبين سائر الفاعلين السياسيين والاجتماعيين عامة". وشدد على "أهمية الاشتغال على ما تحتاجه البلاد من مصالحة وطنية قوامها تسويات سياسية تحقق العدالة وتقطع مع منظومة الفساد والاستبداد بعيداً عن نزعات الأحقاد والتشفي والاجتثاث وبعيداً عن مسارات الهيمنة أو الإقصاء أو الارتداد". الإعلام في دائرة الاتهام وينتقد المتابعون للحياة السياسية التونسية، وكذلك الرأي العام أداء الإعلام في مرحلة ما بعد. فيعتبر الإعلامي والمحلل السياسي سفيان بن فرحات "أنه برغم هامش الحرية المهم فإن الكثير مما يبث في الإذاعات، وما يشاهد في القنوات التلفزية العمومية والخاصة، وكذلك ما يقرأ في الصحافة المكتوبة لم يرتق إلى متطلبات المرحلة ودقتها في تحديد مستقبل تونس". ويضيف "لقد بقي الإعلام مراوحاً في مكانه واقتصر دوره على تأبيد الوضع الذي كان سائداً قبل الثورة. واللافت للانتباه ان كل الحكومات التي جاءت بعد الثورة لم تبادر للترخيص ببعث قنوات تلفزيونية برغم عديد المطالب، وبقي المشهد التلفزيوني محتكراً من قبل ثلاث قنوات، وتسوده القتامة والروتينية وغياب الابداع والتجديد". ويطالب الرأي العام الحكومة "بمزيد من الشفافية، واطلاع التونسيين بصفة منتظمة على عملها خاصة ما يتصل بمقاضاة رموز النظام السابق". وهو ما استجاب له الوزير الاول حينما أعلن "عن بعث خلية للإعلام في الوزارة الأولى"، في إشارة دالة على الإرادة في تطوير الخطة الاتصالية للحكومة، وجعلها أكثر قرباً من الناس.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل