المحتوى الرئيسى

وداعًا أيها البطل كمال حنفي

05/10 18:18

بقلم: سيد معروف الحمد لله المحمودِ بجميع المحامد تعظيمًا وثناءً، المتصفِ بصفات الكمال عزّة وكبرياءً، الواحدِ بلا شريك، القويِّ بلا نصير، العزيزِ بلا ظهير، الذي رفع منازل الشهداء في دار البقاء، وحثَّ عباده على البذل والفداء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأئمةِ الكرام النجباء، وسلم تسليمًا كثيرًا.   أما بعد، أيها الإخوة والأخوات، يطول الطريق على السالكين، وتكثر هوامه وعقباته، ويتكالب الأعداء، ويعظم البلاء، ويقل الناصر، ويتمكَّن الفاجر، وتضعف الهمم، وتخور القوى، وفي كل يوم يولد همٌ كبير، وقضية ثكلى، ويتساقط قتلى، ويموت جرحى، ويبرز خلال الطريق أبطال، اختاروا لأنفسهم طريقًا حُفت بالمكاره، وصبغت بالدماء، وفرشت بالأشلاء، وأحيطت بالبلاء، أبطال لهم غاية عظمى، يسيرون إليها ولا يلتفتون وراءهم، هممهم عالية، وغاياتهم غالية، باعوا نفوسهم لله، والله اشترى، يعلمون أن وعدَ الله حق، وأن نصره صدق، وإن تأخَّر، (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ (51)) (غافر).    د. كمال الدين حنفي  فنحن اليوم نتحدث عن واحد من أولئك الأبطال الذي حملوا همَّ الدين، شعارهم (فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ) (آل عمران: من الآية 175)، وسلاحهم (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمْ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ) (التوبة: من الآية 14)، وميدانهم (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ) (الأنفال: 17)، لا يخافون إلا ممن بيده أسباب الخوف والأمن، كانوا يتسابقون إلى الموت، أخذوا بنواصي الأكاسرة، وهامات القياصرة.. (متى كانوا، وأين كانوا)، وذروا التراب على وجوه الطغاة.   يعلمون أن أمر المسلمين قد يعلو تارةً، ويهبط أخرى، فإذا علا شقوا طريقه بالغالي والرخيص، وإذا هبط سحقوا لأجل رفعه النفس وما تملك.   فمن هم أولئك الأبطال؟!!.. إنهم قوم صالحون بين قوم سوء كثير، إنهم رجال ونساء صدقوا ما عاهدوا الله عليه، إنهم الذين إذا رأيتهم رأيت في أرجلهم غبار الجهاد، ورأيت في وجوههم أنوار العُباد، يقبضون على الجمر، ويمشون على الصخر، ويبيتون على الرماد، ويهربون من الفساد، صادقةٌ ألسنتهم، عفيفةٌ فروجهم، محفوظةٌ أبصارهم، كلماتهم عفيفة، وجلساتهم شريفة، إنهم الذين أحبهم الله واصطفاهم، وقربهم وأدناهم، الذين ابتلوا فصبروا، وأعطوا فشكروا، إنهم رءوس الأولياء، وقدوات الأتقياء، الذين ما يقلب مؤمن سيرتهم، إلا ويشتاق إليهم.   إنهم السابقون إلى الجنات، المتقلبون في الخيرات، إنهم الذين ما نظروا إلى لذة أجسادهم، ولا متعة أبدانهم، وإنما أشغلتهم خدمة الدين، ورضا رب العالمين، ولا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسًا يستعملهم في طاعته. **** نعم، فنحن اليوم نتحدث، عن أولئك الأبطال، الذين لم يكونوا أبطالاً في الجهاد، ولا في دعوة العباد، ولا أبطالاً في الكرم، ولا في شكر النعم، ولا أبطالا في الذكر والعبادة، ولا في الصبر والزهادة، كلا، ولم يكونوا أبطالاً في نصرة الدين ومجاهدة المشركين فقط، وإنما كانوا أبطالاً في ذلك كله.   نعم، كأنما البطولة صيغت رجلاً، فكانت أولئك، ومن أولئك الأبطال: أخي الحبيب كمال الدين حنفي، لكن اليقين عندنا الذي لا يخالطه شك، أنه وضع في أعناقنا همنا، وهو أننا لا بد أن نملأ الفراغ الذي تركه بموته.   نعم، فراغًا حقيقيًّا في حقل الدعوة. لقد علمنا، أن القوة ليست دائمًا بدبابات وطائرات، ولا مدافع وغواصات، وإنما العقل قوة، والإيمان قوة، والحيلة قوة، بل والله يمد بقوة، فالملائكة الأشداء، والصخور الصماء، والرياح العاتية، والأمراض القاضية، والكيد بالكافرين، بإرعاب قلوبهم، واختلاف كلمتهم، وإبطال مكرهم، كلها قوى تسقط الطائرات، وتغرق السفن والغواصات، وما يعلم جنود ربك إلا هو، وما هي إلا ذكرى للبشر.   وعلمنا أن هذا الدين عزيز، تسكب لأجل عزه الدماء، وتسحق الأشلاء، فيقوم هذا الدين على أشلاء أنبيائه، وجماجم أوليائه، وتوقد مصابيح الهداية بدم الشهداء الأبرار، الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة.   علمنا أن ركب الإسلام سائر بإذن الله، وأن الله سيُبلِغُ هذا الدين ما بلغ الليل والنهار، ولن يدع الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزًّا يعز به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر. (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)) (البقرة)، إنها سنة الله في هذا الكون لا تتبدل ولا تتغير، إن النصر لا يتنزل كما ينزل المطر، ولا يُمكن المؤمنون وهم قاعدون، ومع أن الله قادرٌ على نصر عباده بكن فيكون، إلا أنه جل جلاله، يبتليهم ويجعل طريق النصر صعباً وشائكاً، ليُميِّز الصادق من الكاذب، ويَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ، (ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ) (محمد: من الآية 4)، وليتخذ الشهداء الأبرار، (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ) (محمد: 4)، ولأن سلعته غالية، ولا تُشترى إلا بثمن غال، بأرواح تُزهق، وأموال تنفق، ودماء تسكب، ألا فليعلم الكسالى، والذين يحبون الراحة والدعة، أنه لا مكانَ لهم في صف الأبطال، فليتنحوا عنه من الآن، وإلا فإن الأحداث كفيلة بتطهير الصف منهم، ولكن ما زال في العمر بقية فهل من لاحقٍ بركب الأبطال ليذكرنا بالحبيب كمال.   وفي الختام: أولئك الأبطال، ينسكب الدمع عند ذكرهم، ويتسابق الدمع عند تذاكر أخبارهم، وأمتنا أغنى الأمم بالرجال العظماء، ولهم في النفوس مكانةٌ عاليةٌ، ومنزلةٌ شامخةٌ، فوجودهم رحمة، وذهابهم مصيبة، أصنافهم متعددة، وأعمارهم مختلفة، فمنهم العالم الجليل، والداعية النبيل، ومنهم العابد الرباني، المجاهد الصادق.   أبطال تبكي السماء لفقدهم، وتحزن الأرض لفراقهم، بل ولا يزال الإسلام ينتظر اليوم مثلهم.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل