المحتوى الرئيسى

متوسط عمر الأميركي في القرن التاسع عشر 45 عاما.. وبعد 130 سنة أصبح 72 عاما

05/10 09:38

ظل روبرت فوغيل، عالم الاقتصاد الحائز على جائزة نوبل، ومجموعة صغيرة من زملائه يبحثون بجد في حجم وشكل الجسم البشري وعلاقته بالتغيرات الاقتصادية والاجتماعية على مدى التاريخ لما يقرب من ثلاثة عقود. ولم يتناول بحثهما فرعا جديدا في دراسة التاريخ فحسب، بل نظرية مثيرة تقول إن التكنولوجيا قد حفزت التطور الإنساني على نحو غير مسبوق خلال القرن الماضي. وقد طرحت دار نشر «كامبريدج يونيفرسيتي بريس» هذا البحث، الشهر الحالي، تحت عنوان «الجسد المتغير: الصحة والتغذية والتطور البشري في العالم الغربي منذ عام 1700». ويأتي ذلك قبل بضعة أسابيع من عيد ميلاد فوغيل الخامس والثمانين. من المؤكد أن الكتاب، الذي يلخص عمل مجموعة من الباحثين على أكثر المشاريع طموحا في التاريخ الاقتصادي، سيثير من جديد نقاشات حول نظريات فوغيل الثورية عما يسميه الناس أهم تطور في تاريخ البشرية. ويرى فوغيل ورودريك فلاود وبرنارد هاريس وسوك تشول هونغ ممن شاركوه في الدراسة أن «حجم وشكل وطول الجسد البشري تغير في أكثر أماكن العالم، إن لم يكن كلها، خلال الثلاثة قرون الماضية بشكل أكبر وأسرع من الألف عام التي سبقتها». ويوضحون أن هذا التغيير قد حدث في إطار زمني «قصير بمقاييس نظرية الارتقاء لداروين». وقال فوغيل، في مقابلة تمت خلال لقاء هاتفي من شيكاغو: «إن معدل التغير التكنولوجي والتغير النفسي البشري، في القرن العشرين، مذهل. ويعد الترابط بين التكنولوجيا الحديثة والفسيولوجيا أكثر من مجرد إضافة بسيطة من الاثنين». ويعمل فوغيل في شيكاغو مدير مركز اقتصاديات السكان بكلية الأعمال في جامعة شيكاغو. وتجاوز «التطور التكنوفسيولوجي» الذي دعمه الإنتاج الغذائي والصحة العامة التطور التقليدي على حد قول المؤلفين، بحيث بلغت درجة تميز البشر عن المخلوقات الأخرى، بل والأجيال السابقة من الإنسان العاقل، مبلغا كبيرا. ويقول صامويل بريستون، أحد أبرز خبراء السكان وعلماء الاجتماع بجامعة بنسلفانيا: «لا أعلم أن هناك قصة في تاريخ البشرية أهم من التحسن في صحة الإنسان، التي تشمل الطول والوزن والعجز وطول العمر». ولولا تحسن وضع الغذاء والنظافة والطب خلال القرن العشرين، لأصبح عدد سكان أميركا الذين لا يزالون على قيد الحياة نصف العدد الحالي، فعلى سبيل المثال كان يبلغ متوسط طول الرجل البالغ عام 1850 في أميركا 5 أقدام و7 بوصات، ومتوسط وزنه نحو 146 رطلا ومتوسط عمره 45 عاما. وكان يبلغ متوسط طول الرجل في الثلاثين من العمر في فترة الثمانينات 5 أقدام و10 بوصات، ومتوسط وزنه 174 رطلا ومتوسط عمره 75 عاما. وعبر المحيط الأطلسي أثناء الثورة الفرنسية، كان يبلغ وزن الرجل الفرنسي في الثلاثين من العمر نحو 170 رطلا، وفي النرويج كان متوسط طول الرجل البالغ من العمر 22 عاما في القرن العشرين (5 أقدام و10.7 بوصات) أي أكبر من نظيره في القرن الثامن عشر بنحو 5 ونصف بوصة (5 أقدام و5.2 بوصة). كان إنجاز فوغيل ورفاقه يتمثل في اكتشاف طريقة لقياس هذه الزيادة في حجم الجسم، على حد قول بريستون. كان هناك أدلة كثيرة متوفرة، مثل نمو الأطفال ومتوسط العمر ومستوى المعيشة وإنتاجية العمل والمخرج من المنتجات الغذائية والصناعية، لكن لم يربطها أحد ببعضها بهذه الطريقة من قبل. على مدى سنوات عمل فوغيل وزملاؤه على كمية ضخمة من البيانات حتى يتمكنوا من الربط بين السجلات الطبية لآلاف من الناس في مختلف البلاد. وعندما حصل فوغيل على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 1993، قالت اللجنة السويدية: «إنها مُنحت له عن بحثه المتجدد في التاريخ الاقتصادي، من خلال تطبيق النظرية الاقتصادية والطرق الكمّية لتفسير التغير الاقتصادي والمؤسسي». يحتوي الكتاب «الجسد المتغير» على الكثير من الجداول الإحصائية والرسوم البيانية التي تشمل طول فتيات من كرواتيا وألمانيا، والسعرات الحرارية في البطاطس والسمك والنبيذ، ومتوسط العلاوة السنوية من الحبوب واللحمة التي كانت تمنح للأرامل في مقاطعة ميديلسيكس بولاية ماساتشوستس الأميركية، منذ عام 1654 إلى 1799، وهو ما يدل على التراكم المذهل للمعلومات والطبيعة التعاونية التي يتسم بها المشروع. لكن الأطروحة الرئيسية أبسط من ذلك، وهي أن صحة المرأة الحامل وأطفالها والتغذية التي يحصلون عليها تسهم في زيادة قوة ومتوسط عمر الجيل المقبل. إذا حُرم الأطفال من الحصول على التغذية السليمة في رحم الأم وخلال المرحلة المبكرة من حياتهم، فسيكونون أكثر عرضة للإصابة بالأمراض في المراحل اللاحقة من حياتهم، وسينجب هؤلاء الضعفاء بدورهم أطفالا أضعف في إطار سلسلة ذاتية العمل. ويقول فوغيل إن التكنولوجيا أنقذت الجنس البشري من قرون من الأمراض العضوية وسوء التغذية. وكان أكثر الناس قبل القرن التاسع عشر يعيشون في حلقة مفرغة من الزراعة، فمثلا المزارع خلال الحقبة الاستعمارية كان يعمل 78 ساعة، خمسة أيام ونصف في الأسبوع. وكي ينمو الناس ويزدادوا قوة، هم بحاجة إلى المزيد من الطعام، لكنهم لم يتمكنوا من إنتاج المزيد من الغذاء نظرا لضعفهم. لم يُطرح الكتاب الجديد في الأسواق بعد، لكن يقول الخبراء الذين لديهم فكرة عن عمل فوغيل إن الكثيرين اختلفوا على تفسيره لتحسن الصحة في الغرب. ويتفق بريستون على دور التكنولوجيا في دعم التطور البشري على مدى المائة عام الماضية، لكنه يرى أنه تم تجاهل دور الوقاية من الأمراض المعدية إلى حد ما. وقال: «لم يكن التقدم في الطب في كثير من الأماكن في العالم، ومنها الولايات المتحدة، خلال القرن العشرين، أقل أهمية من تحسن التغذية». وأشار بريستون إلى بعض ممارسات الصحة العامة التي ظهرت في المدن الأميركية في تسعينات القرن التاسع عشر، مثل الحفاظ على موارد المياه والصرف الصحي وغسيل الأيدي والحجر الصحي في المستشفيات. فعلى سبيل المثال لن يكون لموارد الغذاء غير المحدودة أي تأثير إذا لم تتوفر للطفل الوقاية من الإسهال المزمن. والجدير بالذكر أن متوسط الطول تراجع في نهاية القرن الثامن عشر بسبب قلة النظافة وانتشار الأمراض المعدية في المدن الجديدة المزدحمة. يقول إنغوس دياتون، أحد علماء الاقتصاد بجامعة برينستون، وباحث في مجال الصحة في الدول الغنية والفقيرة، إنه معجب بعمل فوغيل، لكنه يتشكك في أهمية التغذية، وفي بعض الاستنتاجات التي توصل إليها الباحثون استنادا إلى الطول. وقال: «لا نفهم حقا لماذا يكون سكان أفريقيا من الأطفال والبالغين أطول من سكان الهند من الأطفال والبالغين. لكن لا يمكن أن يكون السبب هو دخلهم، لأن الهنود أكثر ثراء». ويبلغ نصيب الفرد من الدخل في الهند ضعف نصيب الفرد من الدخل في كينيا وثلاثة أمثال نصيب الفرد من الدخل في تنزانيا. يمكن لعمل فوغيل أن يفضي إلى نتائج مهمة خاصة بتحديد سياسات العالم النامي. وفي الأسبوع الماضي نشر باحثون بكلية الصحة العامة في جامعة هارفارد ورقة بحثية استخدموا فيها طول السيدات في 54 دولة، مستوى الدخل في بعضهما منخفض وفي بعضها الآخر متوسط، كمؤشر لأداء الأطفال في أفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا والشرق الأوسط. لم تكن الإجابة سارّة، فقد وُجد أن الطول ظل كما هو أو انخفض، خاصة في أفريقيا، مما يشير إلى تدهور الظروف المعيشية والقدرة على الحد من الأمراض التي يصاب بها الأطفال. تعتمد أفضل طريقة لمعالجة هذا التدهور على العلاقة المنطقية القائمة على السبب والمسبب بين النمو الاقتصادي والتغذية والصحة على حد قول دياتون. إذا كان إنتاج الغذاء هو العامل الأهم، فالتركيز على النمو الاقتصادي قد يكون السياسة المثلى، لكن إذا كانت الأمراض المعدية هي السبب الرئيسي للإصابة بالأمراض المزمنة والوفاة المبكرة، فسيكون هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة خاصة بالصحة العامة. والمشكلة التي تواجهها كارول شاماس، خبيرة التاريخ الاقتصادي الاجتماعي بجامعة جنوب كاليفورنيا، في هذا المجال، هي عدم التفات المؤرخين كثيرا إلى أن التغيرات في طول البشر تصلح لأن تكون مؤشرا جيدا للتغذية والأمراض أو متوسط العمر. وتشتكي من تجاهل كتب التاريخ لهذا الأمر تماما. لكن ما لم يتوقعه فوغيل عندما بدأ بحثه هو أن «المبالغة في التغذية» سوف تصبح المشكلة الرئيسية في الولايات المتحدة ودول غربية أخرى، حيث تمثل البدانة التي تزيد من احتمالات الإصابة بأمراض القلب والجلطة وارتفاع ضغط الدم وبعض الأنواع من السرطان، تهديدا للرابط بين زيادة الحجم وارتفاع مستوى الصحة وزيادة متوسط العمر، وهو ما ظل هو وزملاؤه يعملون عليه لفترة طويلة من الزمن. لكن يقول فوغيل إنه لا يزال متفائلا، حيث يرى أن الجسد البشري يتسم بمرونة كبيرة وقدرة على الاستجابة، وهو ما يملأه بالثقة في استمرار «الاتجاه نحو زيادة حجم الجسد وطول العمر في المستقبل». * خدمة «نيويورك تايمز»

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل