المحتوى الرئيسى

غسل العار في المجتمع العراقي حفاظاً على الشرف

05/10 02:16

غزة - دنيا الوطن على الرغم من أن جرائم الشرف في العراق، مثلها مثل دول عربية عديدة، تعدّ حوادث مروّعة لما يتخللها من سفك دماء، باستعمال الأسلحة النارية أو خنق الضحية أو إنهاء حياتها بآلة جارحة حادة مثل السكاكين والسيوف، لكنها لا تلقى ردًا مجتمعيًا حادًا يستنكرها، بل إن هناك من يحاول شرعنتها اجتماعيًا على أقل تقدير. ويقول المحقق الجنائي أحمد الفيصل إن غالبية هذه الجرائم تحدث في السرّ من دون أن يسمع عنها المجتمع إلا القليل. ومعظم ضحايا جرائم الشرف في العراق من النساء، لكن هناك من ينتقم أيضًا من رجال أقاموا علاقات جنسية غير شرعية. ففي مدينة الحلة، عثر على شاب مقتول، بعدما قطع عضوه التناسلي، لترمى جثته على قارعة الطريق العام في منتصف الليل. وفي منطقة المحاويل، حيث العرف العشائري هو السائد، قتلت فتاة على يد أقربائها تحت ذريعة "الدفاع عن الشرف". ويقول احمد الجبوري، حيث يسكن في قرية غزالية على الطريق الدولي بين بغداد والديوانية، ان فتاتين قتلتا بدم بارد بعد اتهامات لهما بعلاقات جنسية محرّمة. واضاف.. أن قرائن وأدلة، من بينها ان الفتاة كانت حاملاً، جعلها تستحق الموت من قبل أخوتها. وفي مدينة طويريج، أفاد تقرير للشرطة أن زينب، وهي أرملة قد انتحرت. لكن أهل المدينة يعرفون من يقف وراء قتلها. وأطلق سراح كامل حسن، بعد سجن دام عشرة أعوام، لقتله أخته، لكن كامل لا يشعر بالندم من جراء فعلته، ويرى أنها كانت إنقاذًا لشرف العائلة. ولا يتردد صديقه مزاحم من وصفه بالبطل الشهم. القانون لا يردع يرجع خبراء اجتماع تكرار جرائم القتل بحجة غسل العار الى العلاقات الاجتماعية والعشائرية السائدة، التي تحول دون معالجة علمية لهذه الظاهرة، بل إن التشريعات القانونية لا تردع بصورة كافية مرتكبي هذه الجرائم، على العكس فإنها في أوقات كثيرة توفر غطاء يمنح نوعًا من الشرعنة لهذه الجرائم. وبحسب المحامي اسماعيل حقي، فإن القانون العراقي يصدر أحكامًا خفيفة على الرجال الذين يرتكبون هذه الجرائم. لكن رجل الدين عمر عبد القادر يرد على الذين يرون التباسًا بين العرف والدين في التعامل مع جرائم الشرف. ويقول "ان الالتباس يكمن في التفسير الخاطئ، فمثلاً ان الرجل الذي يجد زوجته متلبسة بالزنا ويقتلها، فليس عليه دية، ولا قصاص، ولا غيره، وحادثة الرجل الذي قدم على الخليفة عمر بن الخطاب، وقد قتل زوجته لأنها زنت، حيث اجابه عمر إن عادوا فعُد، هي حالة يقتل فيها الزاني المحصن". يتابع عبد القادر "هناك ثلاث حالات يحلل فيها القتل، وفق الشرع الاسلامي : الزاني أو الزانية أو الزانية المحصنة. لكنه يرى أن الانفتاح المجتمعي يحثّ على التمرّد على القيم والتقاليد، وأن هناك أفكارًا هدّامة تؤثر في السلوكيات". لا تتوافر في العراق إحصائيات عن حجم جرائم الشرف، لكنها بحسب خبراء تظل أقل من مثيلاتها في الدول المجاورة. ويعتقد المحقق الجنائي أحمد أن هناك عقوبات مخففة على مرتكبي جرائم الشرف بشكل عام، إذ يستفيد المتهم من "العذر المخفّف" للعقوبة. لا يخلو اقليم كردستان من حوادث الشرف، بل إن الانفتاح الاجتماعي ساهم في نقل تفاصيل الحوادث الى الملأ عبر نشرها في وسائل الإعلام من صحافة وتلفزيون. ولعل أشهر حادثة نقلها الإعلام، رجم الفتاة (دعاء خليل أسود) حتّى الموت في بلدة بعشيقة، في كردستان العراق، على يد خالها وعمّها وحشد من أقاربها وأهل البلدة. ودعاء كانت من أبناء الطائفة اليزيدية، وهي أقلية دينية، معتقداتها مأخوذة من ديانات عدّة، ويتكلم أبناؤها الكردية. وتبلغ القسوة الاجتماعية مديات أبعد حين تقتل فتاة لمجرد أنها أقامت علاقة عاطفية مع شاب، حين تسعى العائلة إلى التخلص منها. ويتحدث كامل حسين كيف فرّت ابنة الجيران من أهلها لأنهم اكتشفوا علاقتها العاطفية مع شاب آخر، ولم يعد يسمع لها أي خبر منذ العام 2009. ويعتقد كامل أنها نجت من براثن قاتلها بأعجوبة. لكن المشكلة الأكبر، بحسب حسين، هي أن هروب الفتاة لم يغير من الأمر شيئًا، فقد كثرت الشائعات حول مغزى هروبها، بل إن هناك من يظن أنها قتلت فعلاً، وأخفيت جثتها. ووفق الأعراف الاجتماعية السائدة، تقتل الفتاة التي تتعرض للاغتصاب، وفي الحالات التي تنجو فيها الفتاة من الموت، فإنها تقتل رمزيًا، حيث يعزلها المجتمع، وتتبرأ العائلة منها، وتصبح حكاية شائعة تلوكها الألسن. وأخيرًا، شاعت قصة "روناك"، التي هربت إلى ملجأ للنساء في السليمانية، بعدما اتهمها زوجها بالخيانة، إلا أنها لم تسلم، إذ أطلقت عليها النار من أعلى أحد الأبنية، وأصيبت في عنقها، قبل أن تجرى لها عملية جراحية أنقذت حياتها. يؤكد سوران قادر أن ظاهرة جرائم الشرف في كردستان تفوق في مستوياتها عن المعلن عنه، بل إن الأسباب المعروفة لا تكون في الغالب هي الفعلية، فهناك أسباب لها علاقة بطبيعة العلاقات العشائرية والنظم الاقتصادية والمحددات الدينية وكلها تنتج أنظمة تقليدية، توفر بيئة صالحة لزيادة قتل الشرف، التي تقلّ في المدن الكبيرة، لكن وتيرتها تتصاعد في القرى والمناطق النائية. لمياء سبتي في منطقة الوزيرية في بغداد قتلت بعدما صورت بكاميرا الموبايل وهي في أحضان رجل، حيث قرر أهلها التخلص منها. ولمياء ضحية بالتأكيد لـ"القتل بالشك"، بحسب الباحث الاجتماعي عزام فارس، ذلك أن شريط فيديو على موبايل لن يكون سببًا في كل الأحوال لإنهاء حياة شخص. ويرى عزام أن الجاني الحقيقي هو من وزّع شريط الفيديو أو صوّره، وأن هذا من يستحق العقاب، حتى لا يزدهر النفاق داخل المجتمع. وغالبًا ما تستخدم الأسلحة النارية بالدرجة الأولى للتخلص من نساء متهمات بالخيانة أو باستخدام الآلة الحادة. وفي بعض الأحيان، يتم إشعال النار في جسد الفتاة، ثم تبلغ السلطات بانتحار الفتاة. ويتفق الخبراء مع الذين عايشوا جرائم الشرف أو اشتركوا فيها بأن نشر الوعي المجتمعي وإجراء تعديلات على القوانين والارتقاء بمستوى النظرة إلى المرأة ككيان مستقل، حر الإرادة، غير تابع، إضافة إلى نشر التعليم، لاسيما في القرى والأرياف، كلها عوامل تساهم في تقليص أعداد جرائم غسل العار. *ايلاف

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل