المحتوى الرئيسى

أبعاد زيارة بان كي مون إلى صوفيا بقلم: خيري حمدان

05/09 23:19

أبعاد زيارة بان كي مون إلى صوفيا تصادفت زيارة بان كي مون السكرتير العام لهيئة الأمم المتحدة إلى صوفيا مع أعمال المؤتمر الدولي تحت عنوان "تجربة أوروبا الشرقية وأوروبا الوسطى والتعييرات في شمال أفريقيا والشرق الأوسط". هنا لا بدّ من التوضيح بأنّ جلّ ما تعانيه دول أوروبا الشرقية خاصة بلغاريا هو فساد نظام القضاء وتمكن زعماء الجريمة المنظمة من الخلاص من قبضة القانون دون عقاب بفضل نفوذهم وثرواتهم، وقد كان هذا جزء من كلمة الافتتاح التي ألقاها رئيس الوزراء بويكو بوريسوف أمام المؤتمرين. في هذا السياق ذكرت وسائل الإعلام خلال أيام انعقاد المؤتمر إلى ((تقرير اليوروبول الأخير)) الذي تطرق إلى ازدياد معدلات تهريب المخدرات بالأخص الكوكايين والمخدرات المصنعة في المختبرات البلغارية إضافة إلى براعة تزوير العملة الصعبة، وزير الداخلية البلغاري تسفيتان تسفيتانوف علّق على التقرير بأن السلطة التنفيذية قادرة على مكافحة الجريمة المنظمة، لكن قطاع القضاء المستقل في البلاد يعتبر حجر عثر في هذه التوجهات. من جهة أخرى أشار السفير الأمريكي في صوفيا جيمس وورليك إلى أن القضاء البلغاري يتعامل بمعيارين، الأول للأثرياء والآخر للفقراء الذين يذهبون ضحية لأحكام البراءة التي يحصل عليها الطرف الأول دون عناء! نصيحة رئيس الوزراء بتطهير قطاع القضاء والبدء بإصلاحه تعتبر نصيحة ذهبية، لكن المشوار الذي يجب أن تقطعه الدول العربية المقبلة على التغييرات الديمقراطية "لا محالة" ما يزال طويلاً للغاية. أوروبا الشرقية "بلغاريا مثالاً" دفعت ثمنًا باهظًا للتحول من النظام الاستبدادي الشمولي إلى نظام اقتصاد السوق وتوطيد أسس الديمقراطية في كافة أوجه ومجالات الحياة، كان هناك دون شكّ سوء تقدير في العديد من الشؤون والقضايا الحياتية، كنهب معظم مخلفات البقرة الحلوب "جمهورية بلغاريا الشعبية" بكلّ مقدراتها من قبل كافة الأحزاب السياسية، وبدأت عملية خصخصة هشة صورية للمصانع والممتلكات الحكومية العامة، حتى أن شركة الخطوط الجوية "البلقان" بيعت بمبلغ 100 ألف دولار لشركة إسرائيلية، علمًا بأن أصول الشركة الخارجية فقط تبلغ أضعاف هذا المبلغ، وسرعان ما بيعت شركة الطيران الوطنية بعد إعلان إفلاسها، كما بيع المجمع الصناعي العملاق "كريميكوفسكي" الذي كان يضم في أقسامه الصناعية 20 ألف موظف وعامل وخبير بدولار واحد إضافة لديونه التي قدرت بمئات الملايين لرجل أعمال هندي. هذه المقدمة بالطبع لا تعني بأي شكلٍ من الأشكال بأن بلغاريا تراجعت على الصعيد السياسي والاقتصادي خلال المرحلة الانتقالية، لكنها دفعت ثمن انعدام مؤسسات المجتمع المدني ومضت في نفق طويل باهت الإضاءة على أمل الوصول إلى برّ الأمان في نهاية المطاف، وكان الانضمام للاتحاد الأوروبي الخطوة الأولى في هذا المسار. هناك الكثير مما يمكن أن تقدمه تجربة جمهورية بلغاريا لمجتمعات الدول العربية التي تعاني من وطأة التحول وجحيم أدوات السلطات المتحكمة بمقدرات الشعوب الشرق أوسطية. بان كي مون كان الأكثر حضورًا وتركت كلمته أثرًا واضحًا لدى العديد من وسائل الإعلام المختلفة. تطرق وير خارجية كوريا الجنوبية السابق إلى تجربة بلاده، التي عانت الأمرين لتحقيق الديمقراطية، تحدث مطولا عن المشاعر التي انتابته مع الملايين من الكوريين خلال تسعينيات القرن الماضي حين تمكنت شعوب أوروبا الشرقية من الحصول على حريتها وتحقيق الديمقراطية كمبدأ في التعامل المؤسساتي الرسمي والمدني، وهي المشاعر نفسها التي انتابته خلال مراقبته للأحداث الأخيرة في الدول العربية التي تشهد مظاهرات واحتجاجات وتمرد شعبي ضدّ السلطات والحكومات الشمولية في الوقت الراهن، وخصّ بالذكر ليبيا وسوريا. بان كي مون قال بأن الهيئة الدولية سارعت بإصدار القرار الأممي رقم 1973 المطالب بمحاكمة الزعيم الليبي معمر القذافي في محكمة العدل الدولية في هاغا. أضاف بان كي مون بأن فترة التعامل الرحيم مع الزعماء الاستبداديين قد ولت. قال بأن المنظمة لن تقف مكتوفة الأيدي والاكتفاء بتوجيه الملاحظات الخجلة للدكتاتوريين القساة. أضاف كذلك بأنه يجب على المنظمة الدولية عدم محاباة أحد الأطراف، لكن هذا لا يعني أن تقف في الحياد ولا يعني كذلك التدخل الفاعل في السياسة الداخلية لدولة بعينها. لكن لا بد من هذا التدخل إذا كانت الدولة المعنية تقوم بما لا يقبل الشكّ بسحق حقوق الإنسان وحريات مواطنيها. أضاف مون قائلاً: كيف يمكننا أن نبقى محايدين ونلتزم الصمت حيال ما يحدث من هدر لحقوق الإنسان في الوقت الراهن في ليبيا وسوريا؟ السكرتير العام أخبر ممثلي المجموعة الأوروبية والدول العربية المجتمعين بأنه قد تحدث قبل ساعات إلى الرئيس السوري بشار الأسد، وتجادل الاثنان بحدة حول ما يحدث في سوريا من قتل وقمع للمظاهرات. أضاف قائلاً: انتهت مرحلة التهرب من العقاب، وذكّر مون بالحروب الأهلية المدنية التي حدثت خلال تسعينيات القرن الماضي في البوسنة ورواندا. طرح الصحفي سفيتوسلاف إيفانوف (الذي اعتقل على متن إحدى سفن أسطول الحرية الذي كان متوجهًا إلى قطاع غزة) في مقر قناة التلفزة الوطنية BTV لدى استقباله السكرتير العام لهيئة الأمم المتحدة سؤالاً بدا ماكرًا للسكرتير العام، ألمح فيه إلا أن السكرتير العام حصل على لقب "الأفعى اللزجة" من قبل وسائل الإعلام الكورية، وما إذا كان لزجًا في حواره مع وسائل الإعلام. بان كي مون ردّ بدبلوماسيته المألوفة بأنه حصل على هذا اللقب نتيجة لتعامله المنفتح مع وسائل الإعلام واعتبارها الجسر الدائم ما بين الهيئة الدولية والحكومات والمجتمعات، أضاف بأنه يتوخى الحذر حين الإجابة على الأسئلة شديدة الحساسية وهذا لا يعني بأنه أفعى. في هذا السياق يبقى التساؤل قائمًا عن الدور التنفيذي الذي يمكن للأمم المتحدة أن تتخذه؟ وهل من الممكن أن تكون مهمة بان كي مون مستحيلة أحيانًا كما جاء في أسئلة أخرى عبر وسائل الإعلام البلغارية؟. بان كي مون أوضح بأن قدرة الهيئة الدولية على إثبات حضورها على الساحة السياسية الدولية يعتمد إلى حدّ كبير على الدول الأعضاء وتوجهها في حل نزاعاتها إلى أروقة هيئة الأمم المتحدة. وهذا تملّص دبلوماسي ماهر من الردّ على بعض النقد الموجه للهيئة الدولية. بان كي مون أكد بأنه لم يناقش مسألة ترشحه لولاية ثانية كسكرتير عام للأمم المتحدة بالرغم من رغبته بالقيام بذلك، لانشغاله بقضايا أهم بكثير من هذه المسألة الشخصية. إدارة الهيئة الدولية منشغلة حاليًا بدراسة إمكانيات إصلاح نظم استخدام الطاقة النووية وأورد ما حدث في اليابان كمثالٍ على ذلك. مون أكد بأنه لا يمكن الاستغناء عن الطاقة النووية لكن هناك فارق كبير ما بين أمن الطاقة والطاقة الآمنة. بهذا الشأن سيدعو بان كي مون الجمعية العمومية للأمم المتحدة خلال شهر سبتمبر المقبل لعقد مؤتمر لدراسة القضايا المتعلقة بالطاقة النووية. القضايا الأخرى التي تشغل الهيئة تتمثل في إطعام الملايين في الدول الفقيرة وتأمين الماء العذب خاصة في أفريقيا. كما أن قضية الديمقراطية أمرٌ ملحّ للغاية ولن تكرر هيئة الأمم خطأها بتأخير التدخل لوقف المذابح الجماعية في ليبيا وسوريا كما حدث في رواندا وسريبيرنيتسا. أجرت صحيفة دنيفنيك البلغارية على هامش المؤتمر حوارًا مع السيد سعيد صادق أستاذ العلوم السياسية والاجتماعية المحاضر في الجامعة الأمريكية في القاهرة ورئيس المعهد الفنلندي في الشرق الأوسط، أوضح فيه الأستاذ سعيد صادق بأن الثورات لا تصنع في يوم وليلة، كما لا تصنع في مطابخ مركز وكالة الاستخبارات الأمريكية، وأوضح بأن ما حدث في جمهورية مصر هو تراكم لأحداث استمرت لسنوات طويلة، ورغبة الشعب المصري بالتغيير والحصول على الحرية والديمقراطية. سعيد صادق قال بأن المرحلة الاشتراكية شهدت تبادلاً غنيًا مع دول منطقة الشرق الأوسط، خلافًا للحقبة التي تلت التغييرات الديمقراطية في أوروبا الشرقية. بشأن الثورة المصرية قال بأن الشعب المصري كان محظوظًا وتمّ كلّ شيء بسرعة بسبب كبر سنّ الرئيس وغبائه، قال بأن المعارضة كانت تعيش في القرن الحادي والعشرين في الوقت الذي لم يكن موقع الرئيس الالكتروني الخاص قد انطلق في فضاء الانترنت. وأضاف بأن العالم العربي غير راض عن الحكم والسلطة الدينية كما هو الحال في مصر والسعودية وغيرها من الدول، لهذا لا بدّ من إجراء التغييرات والإصلاحات المناسبة، ولا يعتقد بأن تنظيم الإخوان المسلمين قادر على الحصول على ما يزيد عن 10% من أصوات الشعب المصري في صناديق الانتخابات، كما أن 10% من سكان مصر مسيحيون ولن يوافقوا على المضي في حكم الشريعة ولا بدّ من وضع أسس الحكم العلماني لتكون الدولة للجميع. أنهى السيد صادق حديثه بأن الفئة الشبابية ترغب في تأسيس مؤسسات علمانية ديمقراطية جديدة وسيكون المؤتمر مناسبة للاستفادة من تجربة دول أوروبا الشرقية خلال المرحلة الانتقالية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل