مهمة خاصة: مملكة الجبال

بيانات البرنامج: اسم البرنامج: مهمة خاصة تقديم: أحمد الصالح تاريخ الحلقة: الخميس 9/4/2008 مملكة الجبال أحمد الصالح: ست ساعات فقط هي المسافة بالسيارة إلى معقل حزب العمال الكردستاني، وأكثر من 14 ساعة استغرقنا لدخول المنطقة، بدأنا نسلك الطرق الرسمية حتى منعتنا الجهات الأمنية من الدخول إلى جبال قنديل، فالمنطقة مغلقة بشكل كامل منذ بدء العمليات العسكرية التركية الواسعة قبل نحو عامين. - مرحباً أريد الذهاب إلى منطقة درزا. - لماذا تريد الذهاب إلى هناك؟ - نحن فريق قناة العربية. - هل تريد الذهاب إلى قلعة درزا أم الحدود؟ دقيقة واحدة.. صف على جانب الطريق انتظر. أحمد الصالح: حاولنا أخذ موافقات من المراجع الأمنية في قضاء إيرانية الذي يبعد قرابة عشرين كيلو متراً فقط عن آخر سيطرة لحكومة كردستان، ولكنهم رفضوا مرةً بحجة الخوف علينا في المنطقة الخطرة، ومرةً بسبب قرارات صادرة من جهات عليا كما يقولون، أسباب وحجج متعددة والنتيجة أن المنطقة مغلقة بشكل كامل على الإعلام منذ بدء الهجوم التركي، فلم تتمكن وسيلة إعلام واحدة من الدخول إلى قنديل، ميزة هذه المناطق الجبلية إنها تعج بالمهربين، والذين يطلق عليهم اسم الخشاقة لهم تاريخ طويل في كسر الموانع على الحدود، يتواجدون أينما تسد الطرق الاعتيادية وتكثر قرارات ضبط الحدود. اتفقنا مع أحد الخشاقة رتبنا معه لقاء على الشارع العام في قضاء إيرانية، جاءنا بروح مرحة وبعض الشروط، لا أتحمل أي مسؤولية في حال فشلنا بالدخول إلى قنديل، يجب أن تستعدوا لسير طويل على الأقدام تحملون فيه أمتعتكم بأنفسكم، كم ستدفعون؟ - شخص واحد فقط يمكنني أن أمرره على نقطة التفتيش بسيارتكم. أحمد الصالح: اتفقنا وبدأنا باجتياز الجبال أصبحت طرقاتها غير صالحة لسير المركبات وتحولت من طرق رئيسة في الثمانينات إلى طرق ملغاة في التسعينات وفي الوقت الحالي بطبيعة الحال. خلف هذا الجبل علينا أن ننتظر مع كل معداتنا وأرزاقنا كما أمرنا صاحبنا، على أن يقوم هو باصطحاب سائقنا عبر النقطة الحدودية الرسمية، وهو لديه ترتيب لشخص واحد على أن يكون كردياً كما يقول. انتظار يجر انتظاراً حتى جاء صوت صاحبنا من أعلى الجبل، ويعني ذلك أنه نجح بعبور الحدود وبالتالي عرفنا أنه نجح أيضاً بتمكين سائقنا من اجتياز نقطة التفتيش الرسمية، أخيراً دخلنا منطقة البكتة أرض ممسوكة من قبل الهابال أو الكدلة كما يطلق على مقاتلي الحزب، والسماء محكوم من قبل الطائرات التركية المقاتلة، والجبال تشهد سقوط قذائف المدفعية الإيرانية العشوائية في أي مكان وأي زمان يحدده الرسد الإيراني. إن أمس حزب العمال الكردستاني المعروف بالباكاكا بعد سنتين من بدء العمليات العسكرية التركية الواسعة ضده بل تم القضاء على فكر عبد الله أورجلان الذي أسس الجماعة منذ 25 عاماً لتصنف بعد ذلك ضمن الجماعات المسلحة الإرهابية في العالم، من يحكم الجبال بين العراق وإيران وتركيا؟ كل ذلك معي أنا أحمد الصالح في مهمة خاصة. القرى المتناثرة في المنطقة ما تزال مسكونة بأهلها، وبالنسبة للهابال كل البيوت في مناطقهم لهم ولأهلهم حسب عقيدتهم طبعاً، والأهالي كذلك يحبون ويحترمون الهافال كأولاد لهم، وربما كأرباب لأسرهم وإن كانوا غرباء من جنسيات مختلفة من ألمانيا وسوريا وتركيا وإيران والعراق وغيرها. - يا أهل البيت.. يا أهل البيت. - أهلاً وسهلاً.. أهلاً وسهلاً. - كيف حالك؟ - تفضل تفضل نحن بخير. - أمي كيف حالك؟ - بخير الحمد لله تفضلوا كيف حالكم؟ أحمد الصالح: فرحة الأهالي كبيرة بقدوم مقاتلي الحزب، وفوراً تبدأ إجراءات الضيافة فهم يعلمون أن الهافال لا يحملون معهم أي عملة نقدية كونهم لا يتقاضون أجراً من تنظيماتهم، الملبس والطعام والذخيرة مسؤولية التنظيم، والعائلة هي العائلة الكردية، والحبيب هو كردستان. فالزواج ممنوع والتواصل مع ذويعهم غير محظور لكنه عيب من وجهة نظرهم ومنافٍ لأخلاق الجماعة. أحمد دنيز (الناطق باسم حزب العمال الكردستاني): انضمام الشباب إلى حزب العمال الكردستاني كان يعني لهم بمثابة ميلاد جديد في حياتهم، هنا الشباب والنساء يعيشون حياة مشتركة لهم خصوصياتهم المستقلة وتعلمون بأن النساء في كردستان والشرق الأوسط بشكل عام ليس لهم تأثير ولا يعلمون بشكل فعال ولا يستطيعون التعبير عن مشاعرهم بشكل حر أما هنا فلديهم تدريباتهم الخاصة يعني مستقلين ويتلقون تدريباتهم الخاصة لكي يستطيعوا أن يعبروا عن مشاعرهم وإرادتهم الخاصة بهم. أحمد الصالح: لا أحد يعلم متى يتواجدون وأين يبقون ومتى يختفون، فواحد من أسس عملهم هو عدم إقامة نقاط ثابتة لتواجدهم، والاعتماد على معسكرات متحركة وتجمعات متنقلة، تزداد وتنقص حسب الحاجة، ومهماتهم تسمى رحلات، فلكل رحلة عدد من المقاتلين وتجهيزات قتالية بحسب المهمة، فبعض الرحلات يستغرق أسابيع لكون أكثرها تنفذ من دون وسائل نقل، فوسيلة النقل الأولى والأخيرة لدى الغرلة هي الأقدام. نسرين امد (قائدة مجموعة قتالية): نحن نقوم بحماية الشعب الكردي وهذه الحركة ستبقى موجودة دائماً سواء تم حل القضية الكردية أم لم تحل، سيكون هناك قوة لحماية الشعب الكردي سواء كانت ضمن المناطق التي يعيش الشعب دائماً ستكون هناك، قوات لحماية الشعب وأنا أمنيتي دائماً أن آخذ مكان ضمن القوات التي تحمي الشعب. مغريات الحياة خلف الجبال أحمد الصالح: مخطط حياة الغرلة كما يطلقون على المجاميع القتالية يبدأ يومياً بالتخطيط للأمن والتغذية الفكرية عبر الاستماع إلى محاضرات مستقاة من أفكار عبد الله أوجلان، عبد الله أوجلان القائد المؤسس والزعيم الروحي للجماعة، ومن ثم التدريب وتنفيذ مهمات قتالية أو تأدية واجبات مراقبة وتمشيط، لينتهي اليوم أملاً بيومٍ جديد لا يختلف كثيراً عن سابقه وحلم بتحرير كردستان كما يقولون يبقى المحفز وربما المتجدد الوحيد، فما هو الفرق بين مصطلحي الموت والحياة بالنسبة للهابال، وكم يأبهون لمغريات الحياة المتقدمة التي تقع خلف الجبال. بوزان تكيين (عضو الهيئة الرئاسية لمنظومة كردستان): نقول أن الحزب هو الشعب والشعب هو الحزب، شعبنا يقول لن نترك أوجلان ولن نترك قواتنا وأنصاره لوحدهم، لن نتنازل عن حريتنا ولن نقبل أن نستسلم للعدو سواء كان دولة الاحتلال التركي أو الإيراني أو السوري، لن نتنازل عن أي من حقوقنا. أحمد الصالح: الهيئة الرئاسية لمنظومات مجتمع كردستان هي بمثابة قيادة عليا تضم حزب العمال الكردستاني والباجات الحزب الرديف للعمال والمختص بإيران فقط، والأحزاب السياسية الكردية المناهضة للحكومات التركية والسورية والإيرانية، وقد شكلت الهيئة مؤخراً بأمر من عبد الله أوجلان وهو في السجن حيث طرح أفكاراً جديدة يطالب فيها بكنفدرالية لإجزاء كردستان، كل جزء مع الدولة التي هو فيها، وكنفدرالية بين الأجزاء الأربعة. أحمد دنيز (الناطق باسم حزب العمال الكردستاني): الكنفدرالية تبدأ من الأسفل وتأسيس النظام من الأسفل إلى الأعلى، هناك أربعة أجزاء من كردستان كل جزء من الأجزاء له خصوصيته والمجتمع الكردي هناك العديد من الشرائح من النساء والرجال والشباب والمعلمين وأمثال ذلك عليهم جميعاً تنظيم أنفسهم بأنفسهم وإدارة أنفسهم وضمن هذه الإدارة يختار من يمثل له إرادته، وعلى هذا الأساس يتم تسيير هذا النظام. أحمد الصالح: كيف يتسللون إلى عدوهم؟ تدريبات مكثفة وممارسات طويلة تستمر أحياناً لأشهر، فالوقت هو الوحيد الذي يمتلكونه بوفرة، والمعركة التي تستمر لساعات يخطط لها لأسابيع وأحياناً لأشهر حتى يشق صوت الرصاص هدوء الجبال، ويذكر بقسوة لمن تعود السيطرة على هذه المناطق. [فاصل إعلاني] أحمد الصالح: صباح آخر يبزغ على فريق العربية الذي عاش ليلةً فريدةً مع حزب العمال، فالطبيعة تنسي الجميع خطورة المكان حيث أصوات الطيور وهدير شلالات المياه وجمال المناظر، كل شيء هو من إنتاج الطبيعة، فالزرع لا يعرف التعديلات الوراثية واللبن والطعام جاهز متى أرادوا من مزارعهم والجبال كفيلة بتحصين المنطقة. الطبيعة الصديق الوفي لحزب العمال الكردستاني فهي توفر له كل شيء الطعام والمأوى والحماية وحتى الكهرباء. المياه هنا لا تنقطع طيلة السنة وما صادف مطلقاً انقطعت على مر العقود الماضية، حتى في الثلوج فهناك ينابيع باردة في الصيف دافئة في الشتاء، الأمر الذي دفع بالباكا إلى ابتكار رؤوس لتوليد الكهرباء تنصب أسفل أي جبل يريدون، وما عليهم سوى مد أنابيب لتحويل جزء من المياه النازلة من الجبال إلى محطتهم الكهربائية المصغرة، حيث تتولد الطاقة الكهربائية وبسبب وجود بديل آخر يستخدمونه فمناطق الباكاكا تكون الوحيدة في العراق التي تنعم بالطاقة الكهربائية لـ 24 ساعة يومياً من دون انقطاع، إذن فكر ومؤمنون بالفكر ومنطقة محصنة وقساوتها لا يتكيف معها مطلقاً الغرباء واكتفاء ذاتي ومشاريع ممولة من الطبيعة، وبالتالي اتصالات وشبكة إنترنت وتواصل مع العالم، كل ذلك يطرح علامات استفهام حول سهولة وصعوبة القضاء على الباكاكا. بوزان تكيين (عضو الهيئة الرئاسية لمنظومة كردستان): حزب العمال الكردستاني يريد الآن بين صفوف الشعب الكردي أن يجد اتحاد ويعقد اجتماع وطني ولكن حزب العمال يريد الأحزاب الكريدة في الأجزاء الأربعة أن يجلسوا على طاولة واحدة وأن ينظموا إلى هذا الاجتماع وفيه يتخذون القرارات، لأجل قوميتهم سواء كان الحرب أو السلم، وما هي حقوقه؟ وماذا يحتاج الشعب الكردي؟ ولكن مع الأسف السيد الطالباني في الإعلام التركي قام بلقاء يعطي تصريحات بصدد حزب العمال الكردستاني لهذا السبب نقول أن ما صرح به الطالباني غير صحيح وما يقوله هو من ذاته ولا يمثلنا وهي تمثله شخصياً ولا تخصنا هذه التصريحات، ولا تخدم الشعب الكردي. هل سيتم نزع سلاح حزب العمال الكردستاني؟ أحمد الصالح: والحديث الجاري عن نزع سلاح الحزب يبدو في وادٍ بعيدٍ عن وادي حزب العمال الكردستاني. بوزان تكيين (عضو الهيئة الرئاسية لمنظومة كردستان): الآن طالباني يقول إذا حصل عفو عن حزب العمال فالحزب سيلقي سلاحه وهذا كذب لن نقبل بذلك بل على العكس، الأنصار والشعب سيقوم بحماية نفسه، كل وردة أيضاً لها أشواكها تقوم بحماية نفسها. أحمد الصالح: صحيح أن حزب العمال مصنف ضمن الجماعات المسلحة المسجلة على لوائح الإرهاب العالمية، ولكن ما هو خطرهم وهم يحكمون مناطق جبلية وعرة بعيدةً عن المدن تمثل الخط الفاصل بين العراق وتركيا وإيران من جهة الشمال، الحقيقة هي أن معقل حزب العمال ما هو إلا مقر قيادة ومحطة استراحة ومركز إعادة تنظيم ومنطلق للعمليات العسكرية، والأخطر بالنسبة لتركيا وإيران اليوم وغداً لسوريا هو تأييد الشعب الكردي الموجود في تلك الدول لحزب العمال الكردستاني الذي يشكل القلعة الحقيقية للباكاكا ما يجعل الحكم في المناطق الحدودية في إيران وتركيا للسلطات نهاراً وللبكاكا في الليل، والافتقار إلى بيانات حقيقية عن مقاتلي الحزب يسهل على الباكاكا الذوبان بين الناس، وولائهم المحسوم لقوميتهم وعدم ثقتهم بالغرباء وانغلاقهم على أنفسهم وتبنيهم في الغالب للعناصر الشابة منذ نعومة أظافرهم يجعل من أساطير الأجهزة الاستخباراتية موضع مراجعة لخرق أجهزة الباكاكا التي صقلت تجاربها مدة 25 عاماً. نسرين امد (قائدة مجموعة قتالية): دائماً نضع تحركات العدو في الحسبان وهذا التدريب يختص بجميع المجالات سواء حياتنا أو مخططات العدو لدينا، مخططات قصيرة المحدى وعلى هذا الشكل نقوم بتنظيم حياتنا ومن ضمنها أيضاً هناك أعمال يومية من خلال التمركز، نقوم بتسوية هذه الأعمال التخندق في مواقعنا حسب الحاجة وحسب المرحلة. أحمد الصالح: حزب العمال الذي بدأ في ديار بكر جنوب تركيا عام 1984 حافظ على هيكلية تنظيمية تجعل من الجميع قادة، والأقدمية فقط هي التي تميز بين موقف قيادي وآخر، والانتخابات الداخلية هي التي تفرز القيادات المتقدمة في المعسكرات، النساء والرجال سواسية فلا تزين ولا تبرج ولا زي يختلف عن آخر، فالاختلاف الوحيد بين المقاتلين هو شدتهم في المعارك، أكثر من 40 عملية تمشيط قام بها الجيش التركي خلال العامين المنصرمين، من دون أن يسجل للأتراك موطئ قدم في مناطق الباكاكا، وأي تواجد على الأرض يصبح فريسةً سهلة لقوات الغرلة التي تمتاز بدرايتها العالية بجغرافيا المنطقة وميزان المعركة قد يحسم بفضل سلاح الجو التركي، ولكن غالباً ما تكون الموازين موقتة، فالطيران لا بد له من العودة لتعود الأرض إلى سيطرة الغرلة، وهكذا تدور رحى المعارك في هذه الجبال. - انظروا أيها القطعات التركية هذه المعدات عائلة لكم، نحن أسقطنا هذه الطائرة، وإذا استمرت الهجمات ستلاقون نفس المصير. أحمد الصالح: النار ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالعلمانيين، فهي الدفء وهي الحياة وهي الثورة التي تذكر دائماً بأسطورة والحداد، الذي انتصر على الحاكم الطاغية وأشعل ناره الشهيرة التي تحولت إلى رمز الاحتفالات بعيد نوروز، هذه هي حكاية مملكة الجبال التي بدأت منذ عقدين ونصف وما زالت تحكى على أنغام مسالك وعرة ومقامات قاسية كقساوة الصخر وألحان شجية كشجن قصة قاتل ومقتول تذابحوا على حق يعتقدونه لهم وهو في الحقيقة مفقود.