المحتوى الرئيسى

تثور أم تكتب‏:‏قطف الكتابة قبل الأوان

05/09 01:01

البهاء حسين: اعتقدت‏,‏ ومازلت اعتقد‏,‏ ان القرب يزغلل العين‏.‏ الرؤية‏,‏ عن قرب‏,‏ قد تعطيك صورة فورية لما تراه‏,‏ لكنها ستكون مشوشة‏,‏ لانك تلتقطها علي عجل‏.‏ في ميدان التحرير كانت هناك آلاف العيون, آلاف الاقلام وآلاف الحناجر, وكنت اشفق علي الشعر من الشعراء, إذ يعتلون منصة الميدان ويقولون القصائد لشواشي النخل بالجامعة الأمريكية! الفضاء المزحوم لايتسع للشعر, كنت أتمتم بذلك ثم أمضي لحال سبيلي, راضيا عن الحصة التي دفعتها من اليوم للثورة, وساخطا اكثر, فالسؤال القديم مازال كما هو.. هل يمكن ليد الشاعر أن تحتمل الجمر وتكتبه! والآن سأنحي جانبا أية افكار مسبقة, وانا اقرأ ديوان قنابل مسيلة للدموع لـ كريم عبد السلام, الصادر عن دار الكتابة الأخري وكتاب مائة خطوة من الثورة للروائي أحمد زغلول الشيطي. الديوان هو الثامن في مسيرة صاحبه, الذي آثر, هنا, أن يجرد كلماته من أية ثياب تستر عورة التقريرية المتفشية منذ القصيدة الأولي إلي آخر قصيدة. يقول كريم عبد السلام: الذين أطلقوا الرصاص المطاطي في العيون/ القناصة الذين صوبوا بغل رصاص21 ملي علي الرأس/ والقلب/ وسائقو المدرعات الذين تعمدوا دهس الثوار تحت العجلات/ اختفوا جميعهم فجأة/ واختبأوا في المجهول/ بينما ظل الشهداء شهداء/ والجرحي جرحي/ وأصبح المنافقون مؤيدين للثورة/ هؤلاء القتلة والمنافقون/ أين يختبئون من أنفسهم؟! (علامة الاستفهام من عند كريم, أما علامة التعجب فهي من عندي), هل أراد كريم أن يحيل الميدان, وقصيدة النثر, إلي يوميات مرسلة? أفهم أن ينفعل الواحد بحدث جليل كهذا, أفهم أن ينشد أحدهم ما يجيش بصدره ثم ينساه, إذا لم يكن يليق به, لكن أن ينفعل ويشارك في الثورة, التي لم تنته بعد, ويكتب عنها ديوانا كاملا في أقل من شهرين, ثم يريد منا أن نقرأ ذلك علي أنه شعر, فهذا ما لا أفهمه! وأظن أن كريم لن يغضب إذا تعجبنا, فالديوان أقرب إلي التعليق السياسي.. مباشر ولا يحتمل أي تأويل, والقصائد التي تحمل بذرة الشعر, وتحتاج لوقت لتنضج, استعجل الرجل وقطفها قبل الأوان, أظن أن العيب ليس في شاعريته, بل في استراتيجيته.. أنه كتب عن المعمعة وهو واقف فيها. بقي أن نقرأ خطوات الشيطي, وهي تقرأ في سياق مختلف, لأنها عمل توثيقي لايحتاج كثيرا إلي الإلهام, فقط اعمال العين وتنبيه الحواس, المهم أن هذه الخطوات المائة ترصد, في تراتب متقطع زمنيا, وقائع ما جري منذ52 يناير إلي11 فبراير, يوم تنحي الرئيس, هي ليست يوميات, كما جاء في العنوان الجانبي للكتاب, وكما يؤكد صاحبه, فكتابة اليوميات, يقول تتضمن التعامل مع مادة ملتهبة في طور التشكل وهو أي الشيطي يفضل الانتظار, لاعتقاده أن الانتظار مدعاة لصفاء المادة من الشوائب. السؤال: هل خلصت له خطواته, أم علقت بها أكياس البلاستيك والأوراق المتطايرة! ثمة حرارة في الكتاب لايمكن التملص منها, قلت إن الشيطي روائي, وهو هنا يستخدم كل أصابعه ليحكي, لكن خطواته لاتكاد تلامس رقعة حتي تفارقها إلي رقعة أخري, هو يصحب معه القلم. يري الشيطي ويعرف أنه, حين يعود للبيت, سيكتب ما يري, وفي موقف كهذا, إما أن تصنع الحدث أو تكتبه, ثم انه يكتب عن الجموع, عن الكتلة الصماء, دون ان يستفرد, هو الروائي, بقصص جانبية القصص الهائمة في مجري النهر عن أشخاص كان لديهم وقت للحب والسرقة والانقلاب علي الذات والانشقاق وخيانة المبادئ والخوف.. الخ شعرت وأنا أقرأ انني اتابع من جديد شريط الاخبار بإحدي القنوات, لم يتورط الشيطي في المبيت ليلة في الميدان, بعيدا عن شقته بشارع قصر النيل, ليسمع ويري شريحة أخري من الثورة تحدث في الليل, مركز الخوف كله. علي أن الشيطي قد عبر عني, فأنا, أيضا, في كل مرة ذهبت فيها إلي الميدان كنت أغار من هؤلاء الشباب الذين كسروا حاجز الخوف المستحيل, أغار من قدرتهم علي تصور عالم آخر, ومن قدرتهم علي البدء في تنفيذه, وهو ما لم يكن متاحا لي. ومثله كنت أذهب إلي الميدان كأنني ذاهب إلي صلاة جماعية, لكنني, بخلافه, قاومت الكتابة, وحين طلبت مني شهادة عما رأيت, فضلت أن أتذكر الميدان وأنتظر.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل