المحتوى الرئيسى

الشاعر محمد الريشة (ذكرى البدايات واستمرار النشيد الجميل)بقلم: داعس ابو كشك

05/08 23:35

بقلم: داعس أبوكشك في لحظة وفاء وافتخار ومن اجل تع ريف طلاب مدارس كلية الروضة في نابلس على الشاعر الكبير محمد حلمي الريشة ابن نابلس ابن فلسطين لانه واجب علينا كتربويين ان نقدم لطلابنا من اثروا المكتبة الفلسطينية بمؤلفات قيمة تكشف بما احتوته بين ثنايا اوراقها عن شاعر مبدع يشبه طائر الفينيق في تحديه وارادته لا يعرف المستحيلا وانما دائم الاصرار نحو امتطاء صهوة الريح .لقد سعد الطلاب في تعرفهم على هذه القامة الشاعرية واستمعوا اليه بشغف واهتمام وهو يسرد عليهم قصته مع الشعر وعاد بالذكريات الى السنوات الخوالي الى عام 1980 عندما تعرف الشاعر الريشة على الكاتب داعس ابو كشك صاحب دار منشورات الوحدة التي تأسست في نابلس والتي كانت ملتقى للكتاب والادباء امثال الاديب الكبير علي الخليلي ,الذي كتبت عنه في مقالة ادبية انه مؤسس الحركة الثقافية في الاراضي المحتلة والان اقول عنه انه يستحق لقب عميد الادب الفلسطيني وانا عندما اقول ذلك ليس مجاملة لعلي الخليلي انما يأتي ذلك في الاعتراف بهذه الشخصية التي فرضت بصماتها وبقوة في مسيرة الحركة الادبية ومهما قدمنا من اعتراف بهذا الدور نبقى مقصرين اتجاه من قدم الشيئ الكثير لهذه الحركة , وهذا يسجل في سفر من نور للاديب الشمولي علي الخليلي فهو الذي احتضننا وارشدنا فكان المعلم والاخ والرفيق والاديب تتلمذنا عليه وخرجنا من معطفه الادبي وصار لنا صوت يسمع في الجهات الاربع، ,وكان من بين من نلتقي معه الناقد الكبير الدكتور عادل الاسطه الذي اسس الحركة نقدية فلسطينية في الاراضي المحتلة ,وكذلك الشاعر عبد الناصر صالح ومحمد كمال جبر والمرحوم الدكتور زكي العيلة ابن قطاع غزة الذي كان يحضر الى نابلس وكذلك الاديب غريب عسقلاني وعبد الله تايه والشاعر فاروق مواسي من باقة الغربية في ارض 1948 ومازن دويكات والاديب عفيف سالم والاديب والمحلل السياسي انطوان شلحت والشاعرة سهام داود والشاعر المرحوم الدكتور عبد الاطيف عقل وغيرهم الكثير ,وقد تحدث الريشة بأسهاب عن تلك الحقبة من الزمن الجميل رغم قمع سلطات الاحتلال للحركة الثقافية الا ان مواجهة التحدي اوجد ابداعا في الحركة الثقافية وكنا نعمل سويا من اجل اصدار نشرة او كتاب على حساب قوتنا اليومي، لاننا كنا نؤمن بضرورة ان نسمع صوتنا دون ان يكون في انفسنا اي شيئ له بعد شخصي او منفعة ذاتية بعكس اليوم فهناك من يتسلق على اكتاف الحركة الثقافية في سبيل مصالح شخصية ، واستطرد الشاعر في لقائه عن تجربته الشعرية وبمن تاثر من الشعراء وبين الى الطلاب كيفية ان يصبح الانسان شاعرا .ان هذا القاء المتميز ومع شاعر متميز له مدلولاته في نفوس الطلبة الذين اعطوا اللقاء جوا بهيجا من خلال ما طرحوه من اسئلة على الشاعر كانت في مضمونها تكشف عن ميولهم الادبية والمعيقات التي تعرقل تنمية مواهبهم , ولعلني اعود بالذاكرة الى الثلث الاخير من القرن الماضي وفي عام 1980 عندما قام الشاعر الريشة بأصدار ديوانه الاول بعنوان الخيل والانثى الذي اهداني اياه وقمت وقتها بالكتابة عنه في الملحق الادبي لصحيفة الشعب واتذكر كيف كنا نهّرب المقالة لكي ننشرها في مجلة الجديد وصحيفة الاتحاد اللتان تصدران في حيفا لانه لم تكن تتوفر وسيلة اتصال مثلما يحدث اليوم فكنا نحمل ما نكتبه داخل معاطفنا الى جريدة الفجر الادبي بالقدس او الى حيفا كما ذكرت انفا , انها معركة اثبات الوجود وكم صودرت مقالات ودراسات من قبل سلطات الاحتلال التي كانت وما زالت تحارب الكلمة وتحارب الحرف فكم من اديب تعرض للاعتقال والنفي والابعاد ومنع من السفر والتنقل وفرض الاقامة الجبرية ولكن ذلك لم يفتت الحس الثقافي عند الادباء والمثقفين. ان من حق شعبنا ان يفتخر بأدبائه ومثقفيه اسوة بشعوب العالم الذين قدسوا الكلمة واحترموا ادبائهم واشتروا كتبهم من اجل ان يبقى اديبهم في طليعة صفوفهم . لقد استطاعت الحركة الادبية في فلسطين ان تتوهج بنضالات شعبها وان تسجل الابداع تلو الابداع وان تربط الجيل بجذوره ورموزه الادبية والثقافية التي ما زالت تعطي وتناضل وان افقدنا الموت عددا منهم الا ان بصماتهم خالدة في موروثنا الثقافي . سيرته الذاتية - مواليد نابلس – فلسطين سنة (1958). - نال درجة البكالوريوس في الاقتصاد والعلوم الإدارية (محاسبة وإدارة أعمال) من جامعة النجاح الوطنية / نابلس سنة (1982)، وعمل في عدة وظائف في مجال تخصصه حتى سنة (2000). - عمل محرراً ثقافياً في صحيفة "الحياة الجديدة". - شارك ويشارك في عديد من الندوات والمؤتمرات المحلية والعربية والدولية. - ترجمت له عديد من النصوص الشعرية والنثرية إلى اللغات الإنجليزية والفرنسية والبلغارية والإيطالية والإسبانية. - يعمل منذ العام (2000) رئيس تحرير السلاسل الثقافية في المؤسسة الفلسطينية للإرشاد القومي - مستشار تحرير مجلة "الشعراء" ومجلة "أقواس" اللتين تصدران عن بيت الشعر في فلسطين. الأعمال الشعرية : - الخيل والأنثى (1980). - حالات في اتساع الروح (1992). - الوميض الأخير بعد التقاط الصورة (1994). - أنتِ وأنا والأبيض السيئ الذكر (1995). - ثلاثية القلق 86-90 (1995). - لظلالها الأشجار ترفع شمسها (1996). - كلام مرايا على شرفتين (1997). - كتاب المنادَى (1998). - خلف قميص نافر (1999) - هاويات مخصبة(2003). - أطلس الغبار(2004). - معجم بيك(2007). - الأعمال الشعرية، 3 مجلدات (2008). - كأعمى تقودني قصبة النأي (2008). - بالاضافة الى عدة أعمال نثرية وأخرى مترجمة وعشرات المقالات الأدبية والثقافية. ويقول في القصيدة التالية:- هَايْكُو شُبِّهَ لِي فِي انْتِظَارِ أَحْفَادِ “غُودُو” وَأَيْتَامِ الـ”بَرَابِرَةِ” أَشُمُّ – حَتَّى عُلْبَةَ لَفَائِفِهَا أَلْحَسُ – حَتَّى إِنَاءَ قَهْوَتِهَا أَشْعُرُ – قَصِيدَةً أَكَادُهَا. 1 أَنْهَضُ كُلَّ لَيْلَةٍ بَحْثًا عَنْ صَبَاحٍ بَيْنَ جَنَاحَيْ غُرَابٍ. 2 أَبْتَلِعُ الأَسَى نَحْلَةً مَرِيضَةً، وَأَصْرُخُ مِنْ شَبَعِي. 3 أَصْعَدُ شَجَرَةَ الحَيَاةِ لأَلْتَقِطَ ثَمَرَةً سَقَطَتْ فِي القَبْرِ. 4 أَرَى بُومَةً لاَ تَرَانِي؛ يَبْدُو أَنَّ عَيْنَيْهَا مُعَارَةٌ لِلْعَتْمَةِ. 5 أَبْحَثُ عَنْ ظِلِّي تَحْتَ شَمْسٍ عَمُودِيَّةٍ عَلَى بُقْعَةِ اسْتِوَائِي. 6 أَزْرَعُ زَهْرَةَ أَمَلٍ سَيُرْدِيهَا خَرِيفُ العُمْرِ بَيْنَ فَكَّيْ دُودَةٍ. 7 أَحُطُّ عَلَى دُوَارِي نَازِفًا عَرَقًا فِي جَفَافِ سُكْرِي. 8 أُدَاوِلُ الحَنِينَ بَيْنَ جَسَدٍ وَقَلْبٍ لآكُلَ الثَّمَرَةَ مَرَّتَيْنِ. 9 أَقْرَأُ الجَسَدَ العُضَالَ؛ قُوَّةُ الغَرِيزَةِ أَقْوَى مِنَ الغَثَيَانِ. 10 أَنَا مَرِيضٌ بِهَا حَتَّى اكْتِمَالِ العَافِيَةِ. كَيْفَ صَدَّقْتُ طَبِيبَ العُقَابِ؟ 11 أَبْكِي مِنْهَا أَبْكِي عَلَيْهَا خَشْيَةً مِنْ بُكَائِي. 12 أَرْتَجِفُ فِيهِ حَتَّى وَإِنْ لَمْ يَزَلْ بَعْدُ دَافِئًا فَرَاغُ لَحْدِي. 13 أَعْمَى بِرُؤْيَةِ عَمْيَاءٍ نَنِزُّ وَمِيضَ عَتْمٍ عَمَايَ وَأَنَا. 14 أَثْدَاءُ نَحْلَةٍ؟ حَلَمَاتُ فَرَاشَةٍ؟ رَائِحَةُ حَلِيبٍ فِي فَمِ صَمْتِي. 15 أَظَلُّ أَشْتَهِيهَا أَلَذُّ مِنْ ثِمَارِهَا التَنْتَهِي؛ نَبْتَةُ عَبَّادِ الأَمْسِ. 16 أُغَطِّي الثَّمَرَةَ المَرِيضَةَ بِمِعْطَفِ شَفَقَتِي، وَأَبْتَدِعُ مَذَاقًا آخَرَ. 17 أَخْطُو بِقَدَمَيْ قَشٍّ وَنَارٍ لاَ أُبَاعِدُ بَيْنَهُمَا لِسُوءِ احْتِرَاسِي. 18 أَهُشُّ حَتَّى اخْتِبَاءَ خَيَالِي لِتَكُونَ كُلُّ مَرَّةٍ أَوَّلَ مَرَّةٍ. 19 أَصْنَعُ إِلهَ هَبَلٍ إِنْ جَاعَ غَدًا أَكَلْتُهُ أَمْسِ. 20 أَسْخَفُ مِنْ حَرْثِ بَحْرٍ أَجَنُّ مِنْ زِرَاعَةِ ثَلْجٍ فِيهِ؛ تَاءُ تَذْكِيرِهَا. 21 أُطْلَقْتُ ذِئْبِي فِي بَرِّيَّةِ اسْتِسْلاَمِهَا؛ عَادَ عَاطِفَةً. 22 أَنْسَى؟ لِسَانُ زَهْرَةِ اللَّيْمُونِ يَهْتَزُّ مِنْ لُعَابِي. 23 أُبْعِدُ حِصَانَ قُرْبِي عَنْ يُنْبُوعِ أَرْبَعَتِهَا؛ وَيَشْرَبُ! 24 أَنْحَنِيهَا قَوْسَ قُزَحٍ بِلَوْنٍ وَاحِدٍ؛ مَائِي. 25 أَقْطِفُ كَرَزَتَيْهَا تَنْبِتُ ثَانِيَةً؛ شَفَتَايَ. 26 أَخْتَفِي فِي إِبْطِ ظِلِّي؛ شَيْطَانُ شَمْسِهَا يَبْحَثُ عَنْ صُدَاعِي. 27 أَنْزَعُ قُبَّعَةَ الأَلَمِ أَضْحَكُ عَلَى نَفْسِي كَحَاوٍ مِنْ كَثْرَةِ قُبَّعَاتِهِ. 28 أَتَأَوَّهُ تَتَصَارَخُ؛ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ لِصَلاَةِ النَّرْجِسِ. 29 أَخُونُ قَلْبِي؛ أَجْعَلُ اسْمَهَا رَذَاذًا بَيْنَ أَصَابِعِي. 30 أَحْسِدُهُ؛ دُورِيٌّ يَشِيخُ فِي بَيْضَتِهِ. 31 أَعْزِفُ أَوْتَارَ قَهْرِي مُوسِيقَى مَلاَكٍ بِآلَةِ شَيْطَانٍ. 32 أُرِيدُكِ لَيْسَ كَمَنْ يَعْتَنِقُنِي بَلْ يَعْتِقُنِي. 33 أُعَانِقُ اللِّقَاءَ وَالوَدَاعَ بِصَدْرِي الوَاحِدِ نَفْسِهِ. 34 أَغِيظُنِي بِالغَيْرَةِ؛ بَيَاضُ القُبَّرَةِ يَرْقُصُ بِعُرْيِي. 35 أَحْتَرِقُ؛ لَحْمُ المَسَاءِ وفَحْمُ اللَّيْلِ فَوْقَ حُمَّى ذَاكِرَتِي. 36 أَخْدِشُ صُورَتِي لِعَيْنَيْهَا؛ أَزِيزُ رَحْمَتِي أَصَابَ صَدَايَ. 37 أُرَاقِبُ أُمُومَةَ ظِلِّي تَشُدُّنِي كَطِفْلٍ إِلَى البَيْتِ. 38 أَخْفِقُ؛ كَنَارِي نِيسَانَ يَخْتَفِي أَوَّلَ أَيَّارَ. 39 أَنْتَظِرُ أَحْفَادَ “غُودُو”، وَأَيْتَامَ الـ”بَرَابِرَةِ” لأَطْرُدَ رُؤْيَايَ. 40 آخُذُهُ فَأَتْعَبُ أَتْرُكُهَ فَيَتْعَبُ؛ الحُبُّ. 41 أَحْتَاجُهَا أَكْثَرَ ثَمَرَةُ العُزْلَةِ؛ قَصِيدَتِي. 42 أَخْشَى انْتِهَائِي رَغْمَ أَنَّهُ لِي. 43 أُشْفِقُ عَلَيَّ؛ مَا لِهذِهِ القَصِيدَةِ لاَ تَنْتَهِي وفي حوار صحفي رد الشاعر على اسئلة الصحفي حول القصيدة الضيف قائلا:- القصيدةُ الضَّيفُ * من المحو نكتشف مجهول الكتابة، وعمق المخاطرة مع ضيافة القصيدة، من الذي يكون ضيفًا على الآخر القصيدة أم الشاعر؟ أم كلاهما في ضيافة متعة تفتك بتكهنات عرّافة؟ - هيَ مَن تأْتِي لِتحلَّ ضيفةً على الشَّاعرِ، وعليهِ أَن يكونَ حاضرًا وجاهزًا لها، لأَنَّها لا تحبُّ أَن تحضرَ دونَ أَن يكونَ شاعرُها في اسْتقبالِها، وعليهِ أَن يُحسنَ اسْتقبالَها، ويُتقِنَ ضيافتَها كي تقبلَ المكوثَ. بعدَ هذَا، يتماهيانِ معًا في حالةٍ منَ اللاَّشعورِ/ واللاَّوعي، حتَّى يَصِلا إِلى سؤالِ الشَّاعرِ (وليم بتلر ييتس) المُدهشِ/ المُذهلِ: "كيفَ نعرِفُ الرَّقصَ منَ الرَّاقصِ؟!" المرورُ بينَ الشَّيءِ وضدِّهِ * الكتابة الشعرية انخراط عنيف في الإنصات لعوالم الداخل المشبعة بالجرح والحلم، تعرية لتضاعيف الذاكرة بِشعلة القصيدة. هل تؤمن بأن الشعر قادر على تغيير العالم إلى ما هو أنقى وأصفى في ظل السلم والسلام بعيدًا عن الحروب وقتل الأبرياء والشيوخ والنساء والأطفال؟ - لا شِعر دونَ فكرةٍ/ أَفكارٍ، حتَّى "الفانتازيا" الشِّعريَّةِ، أَو الشِّعرِ "الفانتازيِّ"، لا بدَّ وأَن يحملَ فكرةً ما، ذلكَ أَنَّ الشِّعرَ لا يولدُ من فراغٍ، أَو عدمٍ، ولا يَحيا في اللاَّشيءِ، أَو يكونُ لِلاَشيءٍ. الوطنُ، مثلاً، فكرةٌ جماليَّةٌ عُليَا/ سماويَّةٌ، وهو غيرُ قابلٍ للقسمةِ إِلاَّ على واحدٍ، والاحتلالُ فكرةٌ دونيَّةٌ، لِما فيها من بشاعةٍ، وحقدٍ، ودمٍ مباحٍ دونَ وجهِ حقٍّ، وإِنسانيَّةٍ مهدورةٍ من لا إِنسانيَّةٍ حقيرةٍ، لذَا فهو إِلى زوالٍ، مهما عمَّرَ من خرابٍ. الشِّعرُ يحاولُ المرورَ بينَ متعاركاتِ الشَّيءِ وضدِّهِ منتصرًا للحريَّةِ والجمالِ والحبِّ وإِنسانيَّةِ الإِنسانِ، لهذا أَجدُني شاعرًا أَقسو على قصيدتِي بما أَستطيعهُ من حنانٍ، كي تُطلَّ من شرفةِ القلبِ بأَبهى ما يمكنُ، مهمَا كانت موضوعتُها. إِنَّني لا أَعتقدُ أَنَّ القصيدةَ تستطيعُ، وعمومَ الكتابةِ، مهما بلغتْ من بلاغةٍ، أَن تجمعَ أَشلاءَ طفلٍ تناثرتْ في حضنِ أُمِّهِ وهي تُرضِعهُ، ولا تستطيعُ حتَّى محوَ دمعةٍ حارقةٍ عن خدِّها المُتصدِّعِ. لستُ أَشكو عجزَ الشِّعرِ، لأَنَّ الحواسَّ، وهيَ الأَساسُ في الكتابةِ الإِبداعيَّةِ، لا تستطيعُ أَن تمسكَ قلمًا وهيَ تُشوَى في أَتونِ الحربِ. للأَسفِ الشَّديدِ، فإِنَّ الشِّعرَ لا يستطيعُ أَن يُرجعَ فوَّهةَ دبَّابةٍ مترًا واحدًا إِلى الخلفِ وقد احتفلت الأسرة التربوية في تربية نابلس بلقائها مع الشاعر وذلك:- انطلاقاً من حرصها على الرقي باللغة العربية، ومتابعة الشعر الفلسطيني، ورغبتها في التواصل مع المؤسسات الثقافية في الوطن، عقدت لجنة مبحث اللغة العربية في مديرية التربية والتعليم في محافظة نابلس ندوة أدبية حول الشعر الفلسطيني الحديث، حيث استضافت الشاعر والباحث والمترجم محمد حلمي الريشة من وزارة الثقافة- بيت الشعر الفلسطيني، بحضور مشرفي اللغة العربية ومعلميها في المحافظة، إضافة إلى جمهور غفير من المدعوين والمهتمين باللغة العربية والشأن الأدبي- الشعري الفلسطيني. بداية، تحدث مُسيِّر الندوة د. خليل قطناني عن أهمية هذا اللقاء الأدبي والثقافي في آن، من حيث أنه تواصل عن قرب مع شخصية أدبية تتابع مسيرة الشعر الفلسطيني على وجه الخصوص؛ شخصياً وبحكم عملها، وبحث فيما وصلت إليه الشعرية الفلسطينية الحديثة- المعاصرة، ثم قدم الشاعر المحاضر، ذاكراً مختصراً لسيرته ومنجزه الإبداعي في الشعر والبحث والترجمة، حيث وصل منجزه في الشعر والبحث والترجمة إلى أربعة وعشرين كتاباً. استعرض الشاعر محمد حلمي الريشة في محاضرته مسيرة الشعر الفلسطيني، حيث قسمه، لضرورة الدراسة، إلى مراحل طبقاً للوضع السياسي الفلسطيني، بدءاً من العام (1917) وحتى الآن، مشيراً إلى أنه اكتشف أثناء بحثه عن الشعراء الفلسطينيين منذ ذلك العام وحتى ما قبل العام (1948)، وجود أكثر من ثلاثين شاعراً، لم نعرف منهم سوى عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، وأنه بصدد دراسة أساب عدم ظهورهم وانتشارهم فلسطينياً وعربياً، ثم ركز على الفترات من العام (1967) حيث نكسة حزيران إلى العام (1987) حيث انتفاضة الحجر، ثم منها إلى العام (1993) حيث اتفاقية أوسلو، ثم منها إلى العام (2000) حيث انتفاضة الأقصى، وإلى الآن، مبرزاً بنقاط مكثفة أهم ما تميز به الشعر الفلسطيني من حيث المضمون والخصائص في كل مرحلة تاريخية تتعلق بالقضية الفلسطينية، إضافة إلى ذكر معظم الشعراء الذين ظهروا في كل مرحلة. بعد ذلك، قرأ الشاعر عدداً من قصائده التي كانت أيضاً مثار نقاش ثوي ومتباين ضمن النقاش الذي دار حول محتوى المحاضرة، حيث طرح عدد من الحضور أسئلة ومداخلات لما للموضوع من أهمية كبيرة، وقد تباينت وجهات النظر والآراء بين الشاعر والحضور وبين الحضور أنفسهم ما جعل الندوة، والتي امتدت قرابة الساعتين، ثرية في مختلف جوانبها. في نهاية الندوة، قام الشاعر محمد حلمي الريشة وأعضاء من اللجنة بتوزيع سبعين نسخة من كتابه (مرايا الصهيل الأزرق؛ رؤية. قراءات. حوارت) على الحضور هدية لهم. وحول رأيه في الصحافة الأدبية قال :- سأَقذفُ بالماءِ الَّذي أَبقيتُ، بإِرادتي، فِي فَمي، بعدَ أَن صبرتُ صبرًا "جميلاً"، وسأُخرجُ لسَاني "حصَاني" مِن عزلتِنا الإِراديَّةِ معًا؛ فقدْ طالَ أَمدُ "الشَّيطانِ الأَخرس" فِيَّ، ولاَ أَلومُ إِلاَّ نَفْسي، ومَعي غَدي، ويَومي، وأَمسِي! لَم يَعدْ مقبولاً، ولاَ معقولاً، أَن تظلَّ "حياتُنا الأَدبيَّةُ الفلسطينيَّةُ" عمياءَ، وصمَّاءَ، وبكماءَ، بإِرادتِنا، أَكثرَ ممَّا هيَ عليهِ الآنَ! أَليسَ كذلكَ؟ ومَن الَّذي، مِن الأُدباءِ ومَسؤولي "الأَبراجِ الأَدبيَّةِ"، علَى اختلافِ أَشكالِها وبُنيتِها، سوفَ يظلُّ راضيًا، بلْ وفاعلاً، بحَذقٍ، بِهذا "المواتِ/ التَّماوتِ الأَدبيِّ"، والَّذي كادَ أَن يكونَ طبعًا، وسلوكًا، ومنهجًا؟! كيفَ كانتْ "فلسطينُ الأَدبيَّةُ"، فِي "عزِّ" أَزماتِها المختلفةِ القاسيةِ والمُستنزِفةِ لكلِّ شيءٍ، قادرةً علَى طباعةِ الكتبِ، وإِصدارِ الملاحقِ، وتَبنِّي المواهبِ، وعقدِ الأُمسياتِ والنَّدواتِ والحواراتِ، والكتاباتِ النَّقديَّة، والاحتفاءِ بظواهرِ الأَدبِ الإِبداعيِّ كلِّهِ؟! كانَ هذا أَواخرَ السَّبعينيَّاتِ مِن القرنِ الماضيِّ، واستمرَّ ردحًا لاَ بأْسَ بهِ مِن الزَّمنِ، إلى أَن وصَلْنا إِلى حالةِ التَّشتُّتِ الأَدبيِّ، بقَلقِها، ويأْسِها، ووأْدِها، وتماوتِها، وشبهِ موتِها، بِفعلِ فاعلينَ، وهمْ كثرٌ! أَمِنَ المعقولِ، فِي "حياتِنا الأَدبيَّةِ الفلسطينيَّةِ" أَن لاَ يجدُ أَديبٌ مبدعٌ جهةً تصدرُ لهُ كتابًا؟ وإِن وجِدتْ، وهذهِ نادرةٌ جدًّا، فإِن لَها مَا لَها مِن المعاييرِ المشبوهةِ، والمضلِّلةِ، مَا يشوِّهُ روحَ الأَدبِ والأَديبٍ معًا! أَمِنَ المعقولِ أَن لاَ تكونَ فِي "حياتِنا الأَدبيَّةِ الفلسطينيَّةِ" الآنيَّةُ مجلَّةٌ شهريَّةٌ علَى الأَقلِّ (والضَّرورةُ أُسبوعيَّةٌ)، كمَا كانَ لدَينا، وقدْ كانَ لدَينا أَكثرَ مِن مجلَّةٍ إِبداعيَّةٍ متميِّزةٍ؟! وكذلكَ صحيفةٌ أَدبيَّةٌ أُسبوعيَّةٌ؟! أَمِنَ المعقولِ أَن لاَ تكونَ فِي صُحفِنا اليوميَّةِ صفحةٌ أَدبيَّةٌ وأَكثرُ يوميَّةٌ، علَى غرارِ الصَّفحاتِ الرِّياضيَّةِ، وغيرِها مِن الصَّفحاتِ الَّتي تملأُ الصُّحفَ ولاَ يقرؤها إِلاَّ أَقلَّ القليلِ؟! إِنَّني، وغَيري مِن الغَيورينَ، حينَ أُلقي نظرةً خصوصيَّةً فاحصةً، أَو عموميَّةً عابرةً، علَى حياتِنا الأَدبيَّةِ، أَرى حالاتٍ أَدبيَّةً مشتَّتةً، تهيمُ علَى وجوهِها الإِبداعيَّةِ، والَّتي كثيرًا مَا تتوقَّفُ، فَتنكسرُ وهيَ أَعوادُ النِّدِّ الَّتي تعطِّرُ الحياةَ مَا استطاعتْ إِلى هذَا سبيلاً! فلماذَا وصلتْ تلكَ الحالاتُ الجميلةُ إِلى الحالةِ المقيتةِ/ المشبوهةِ/ المشوَّهةِ؟ وإِلى مَن تُحالُ الإِحالاتُ الأَعلى إِلى مَن هُم لاَ يزالونَ في الأَدنى؟! إِنَّ المبدعَ الفلسطينيَّ لاَ يزالُ أَسيرَ حاجاتهِ الضَّرورية، ولاَ يزالُ غيرَ قادرٍ علَى امتلاكِ حقَّهِ مِن الحرِّيَّةِ الإِبداعيَّةِ، ولاَ يزالُ حيِّزُ الطِّباعةِ ضيِّقٌ جدًّا وهوَ في الأَغلبِ علَى حسابهِ الشَّخصيِّ، ولاَ يزالُ غيرَ قادرٍ على العيشِ مِن إِبداعهِ للتَّفرُّغِ لهُ، ولاَ يزالُ يُعاني منَ المؤسَّساتِ الرَّسميةِ وغيرِ الرَّسميَّةِ إِنْ لمْ يَقبلْ بِشروطِها المُهِينةِ، والَّتي يجلِسُ علَى (عروشِها) ذوو (الفكهِ) الَّذينَ لاَ يعرفونَ مِن واجباتهمْ/ أَدائهمْ سِوى الرَّاتبِ أَوَّلَ كلِّ شهرٍ، والسَّعيِ وراءَ الامتيازاتِ الشَّخصيَّةِ، ولاَ يزالُ المبدعُ يُذهِبُ ببصرهِ وصحَّتهِ وحصَّتهِ منَ الحياةِ (دونَ انتظارِ كلمةِ شكرٍ أَو تقديرٍ) من أَجلِ استمرارِ حركيَّةِ الإِبداعِ الفلسطينيِّ مُساهمًا فِيها، ولاَ يزالُ ...، ولاَ يزالُ ...، جاءَني وجعُ رأْسٍ الآنَ! "لَم يَعدْ أَحدٌ يُنادي علَى أَحدٍ". هكذَا قالَ لِي، ذاتَ يومٍ، الصَّديقُ المفكِّرُ والأَديبُ د. أَفنان القاسم، خلالَ حوارٍ أَدبيِّ وثقافيٍّ، بعدَ أَنِ انهزمَ الجمعُ وولَّوا الأَدبارَ. ولكنْ؛ إِلى متَى ستظلُّ "حياتُنا الأَدبيَّةُ الفلسطينيَّةُ" مثلَ كثبانِ الصَّحراءِ في يومٍ عاصفٍ؛ مَا أَن تقفُ على واحدةٍ مِنها إِلاَّ وتجدُ قدميكَ معلَّقةً في الدُّوارِ، فيكونُ لزامًا عليكَ أَن تتحدَّى الجاذبيَّةَ، فطُوبى لمَن لمْ يزلْ ثابتًا/ نافخًا تحتَ جناحَيْهِ هواءَ إِبداعهِ ومن هنا فان تجربة الشاعر الريشة تجربة غنية بمّآثرها الأدبية والفنية التي انتفضت من رحم الابداع في مسيرة متواصلة والتي حفرت اسم هذا الشاعر في مضامين الحركة الثقافية الفلسطينية ومفرداتها، وأي مؤرخ لتاريخ الحركة الأدبية الفلسطينية لا بد وأن يتطرق الى دور هذا الشاعر.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل