المحتوى الرئيسى

> الشعب يريد «علم وتكنولوجيا»

05/08 21:15

كتب - ياسر المرسييتحدث الكثيرون، سواء بعد نجاح الموجة الأولي للثورة المصرية أو حتي قبل ذلك، عن العلم والتكنولوجيا باعتبارهما الدافع الرئيس للتقدم، ويتسابق الجميع في تأكيد أن مشروعهم الفكري أو السياسي أو الديني يعلي من قيمة العلم والعلماء. ويبدو أننا لو أردنا أن نجد شيئا واحدا يتفق عليه الجميع في أيام التخندق هذه فلن نجد سواه. "الشعب يريد علم وتكنولوجيا". في ظل هذا الاتفاق (الذي لن تجده حول أي شيء آخر) يبدو من الصعب أن نميز بين الاتجاهات التي تدعم العلم حقا، والاتجاهات التي علي الأقل لا تساعد علي نموه، أو تظن أنه مجرد أداة لتحقيق أهداف اقتصادية أو سياسية، وأنه لا دور له في تشكيل ثقافة المجتمع. لهذا، كان من الواجب أن نناقش هذا الموضوع اليوم بحثا عن اتفاق حقيقي وفهم أعمق لطبيعة العلم وعلاقته بكل جوانب الحياة. ما يختفي تحت هذا الإجماع الظاهري هو أن لكل منا تعريفه للعلم، والذي ربما لا يعرفه العلم نفسه، فربما نتفق جميعا علي أن نظرية الانفجار الكبير من العلم، وأن صناعة الصواريخ من التكنولوجيا، لكن الأمور ستصبح أكثر صعوبة إن سألنا أسئلة من نوع: هل يمكن دراسة الجن دراسة علمية؟ هل نظرية التطور هي من العلم رأسا برأس نظرية الانفجار الكبير؟ أم أنها علم "ناقص حتة"؟ أم مجرد مؤامرة علي الدين؟ ما الفارق بين علمية الفيزياء وعلمية التاريخ أم أنه لا فارق؟ عادة، لا يهتم العلماء أنفسهم بتعريف العلم؛ لأن هذا التعريف يقع في مجال بحث فلسفة العلم، ونحن اليوم لن نحاول أن نلخص ما وصل إليه الباحثون في هذا المجال، ولكننا سنهتم بعرض نظرية واحدة في تعريف العلم بصورة مبسطة - لا تخلو من تسطيح - من أجل تحديد ما يمكن أن نطلق عليه ثقافة العلم. النظرية التي أتحدث عنها هي النظرية التكذيبية لكارل بوبر (1902-1994) "بلاش نقول النقدية العقلانية ". ويمكن تلخيص تعريف بوبر للعلم في أن النظرية العلمية هي قول عن الواقع يمكن تكذيبه، وأن دور العالم هو حل المشكلات من خلال اقتراح النظريات وإيجاد الأخطاء بها؛ مما يولد مشكلات جديدة تحتاج إلي نظريات جديدة، وهكذا. إذن فبوبر يقول إن "القول" لا يكون علما إن لم يكن من الممكن تكذيبه. يعني النسبية ممكن تطلع غلط؟ ليس هذا فقط ما يقول بوبر (وما أوافقه عليه) بل هو يزيدك من الشعر بيتا ويقول إنه إن لم يكن من الممكن من حيث المبدأ إيجاد تجربة يمكنها أن تثبت خطأ هذه النظرية، فهي ليست علما ولا يشفع لها أينشتاين ولا غيره، ولا أن ملايين التجارب الأخري قد سبق لها أن اتفقت في نتائجها مع هذه النظرية. وما يعنيني اليوم هو الدلالة الثقافية لهذا التعريف الذي قدمه بوبر للعلم. لهذا التعريف عدة دلالات مهمة من وجهة نظري، سأركز اليوم فقط علي دلالتين منها. أول هذه الدلالات أن العلم بالضرورة،تعريفا، يقبل الخطأ وبالتالي فهو لا يرتقي إلي مقام اليقين أبدا (ولهذا تحديدا لا أظن أن للعلم أي قول فاصل في أي أمر ديني رئيسي لكن لهذا وقفة أخري) والدرس الثقافي هنا هو الاستعداد الدائم للتخلي عن النظرية (الرأي) إذا ثبت أنه يخالف ما يمكننا قياسه. ثاني هذه الدلالات هو أن أي نظرية علمية لا يمكنها أبدا أن تحتكر الحقيقة لأنها لا يمكنها أن تثبت أن نظرية أخري علي خطأ بل فقط يمكنها أن توضح اختلافها مع هذه النظرية ويبقي للواقع الحق الأخير في الحكم. والدرس هنا واضح ولا يمكن أن تخالفني فيه وهو أن من حقك أن تخالفني في كل ما قلته اليوم دون أن يحتكر أي منا الحق في أن يكون علي حق لمجرد أن نظريته تبدو محكمة البناء من وجهة نظره. عدم احتكار الحقيقة والاستعداد لمناقشة وتعديل أي فكرة هما إذن من الأسس الرئيسية للثقافة التي تتسم بالعلمية والتي لا ينمو العلم إلا في وجودها ولعل الدافع الأكبر للتقدم التقني الغربي والشرقي (والجنوبي والشمالي وفي أي حتة إلا هنا) هو انتشار الثقافة العلمية والتي ينتج عنها تقدم العلم (وليس العكس) وينتج عنها الانفتاح علي الأفكار الأخري في السياسة الاقتصاد وكل ما يخص المجتمع. إذن، يمكننا الآن أن ننتقي الغث من الثمين فليس كل مدعي الإيمان بالعلم متساوين؛ لأن تشجيع الثقافة العلمية التي تقوم علي نفي اليقين في كل ما هو دنيوي وعدم احتكار الحقيقة هو المحدد الرئيسي في موقف أي تيار أو فكر من العلم بغض النظر عما يعلنه. بقيت نقطة وهي أنني أتفق إلي حد ما مع بعض النظريات الأحدث التي اعتبرت أن نظرية بوبر هي عن العلم كما يجب أن يكون لا كما هو كائن لكننا اليوم في محاولتنا لتمييز الثقافة العلمية ربما كنا أكثر احتياجا إلي العلم كما يجب أن يكون. باحث في علم وتكنولوجيا الذكاء

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل