المحتوى الرئيسى

د.نادر فرجاني يكتب:الدستور قبل المجلس والرئيس، سبيل الانتقال الأكيد إلى الحكم الديمقراطي

05/08 16:30

أثناء مناقشات مؤتمر مصر الأول، تبلور توافق على أن السبيل الأسلم لانتقال مصر الثورة إلى الحكم الديمقراطي الصالح يمر أولا عبر التوصل لدستور يجسد آمال المصريين في بنية قانونية تضمن نيل غايات الثورة في الحرية والعدل والكرامة الإنسانية للجميع على أرض مصر. ويجد هذا التصور قبولا متزايدا في دوائر النخب المصرية باستثناء تلك المستفيدة سياسيا من المسار الذي رسمته لجنة المستشار البشري للمجلس العسكري الحاكم، وأكدته بقانون للأحزاب يحرم المستضعفين والأجيال الشابة رقيقة الحال من فرصة متكافئة لإنشاء أحزابها حتى تتمكن من دخول حلبة التنافس على الحكم في مصر.والأساس المنطقي لهذا التسلسل واضح وبسيط. فالدستور هو، في الأساس، تعاقد بين المواطنين ينظم شئون الاجتماع البشري في البلد، ومن بينها العلاقة بين المواطنين والحكم باعتباره تكليفا من الشعب لبعضه، أفرادا وعلى صورة مؤسسات، بالسهر على المصلحة العامة والخضوع للمراقبة والمساءلة إبان تولي المنصب العام وبعده.ومن ثم، فإن الدستور يتعين أن ينظم، على وجه الخصوص، شئونا تتعلق بانتخاب أعضاء المجلس النيابي ورئيس الدولة وباقي المناصب العامة، ومراقبتهم ومساءلتهم. وقد قفزت لجنة المستشار البشري والمجلس على هذا الترتيب المنطقي بما يحقق مزايا غير عادلة لتيار الإسلام السياسي المتمثل أساسا في جماعة الإخوان ولأصحاب المال الكبير، ليس فقط في المجلس التشريعي القادم ولكن في مستقبل البنية القانونية والمؤسسية للحكم في مصر بوجه عام التي سيقوم مجلس الشعب القادم على صياغتها.لقد قام هذا المسار الذي يقل الاتنفاق عليه باطراد إما عن حسن نية وطوية محافظة ونتيجة لرغبة المجلس المحمودة في التخلي عن الحكم بسرعة أو عن تواطؤ مبطن مع هذين التيارين. وحتى مع افتراض حس النية، فإن النتيجة الفعلية لا تصب في مصلحة الانتقال الآمن نحو الحكم الديمقراطي الصالح في مصر الثورة، وقد يتمخض عن نكسة خطيرة له.ولا يصح هنا التعلل بأن هذا المسار المعيب قد خضع للاستفتاء الشعبي ونال موافقة. فالجميع يعلم الآن، ولو بفضيلة التدبر فيما مضى، أن هذا الاستفتاء قد شابته عيوب كثيرة منها الاستفتاء على مجمل تعديلات متعددة، كما أنه كان محل معركة تكسير عظم بين تياري الإسلام السياسي والمال الكبير المرشحين للغلبة في مجلس الشعب القادم، ما إن نفذ مسار البشري- المجلس. والرجوع عن الخطأ فضيلة محمودة  على النقيض من الإصرار المعاند عليه.والأمل أن يتم وضع دستور مصر الحرية والعدل بما يحمي ثورة شعب مصر الفل العظيمة، بناء على توافق شعبي واسع من خلال جمعية تأسيسية تمثل جميع أطياف الشعب العظيم ولا تستثني أي من فئاته، وهي الميزة الكبرى التي ينتظر ألا تتحقق في لجنة يختارها مجلس الشعب القادم بتشكيله المتوقع، أو المحتم.ولا يجب ان يتعلل أحد بصعوبة تكوين مثل هذه الجمعية التأسيسية، فهناك الآن بداية، مجرد بداية، في المجلس الوطني الذي تمخض عنه مؤتمر مصر الأول، يمكن تنقيحها وتطويرها من خلال التشاور الشفاف، في رحابة المجتمع، وليس داخل غرف مغلقة تحت سقف المجلس ولجانه وحكومته، ويمكن أن يفيد توظيف تقانات المعلوماتية والاتصال الحديثة في الحوار الشعبي المطلوب، خلال فترة زمنية قصيرة نسبيا.وفي المنظور العملي، فإن إعادة الترتيب الزمنى هذه لن تتطلب إطالة المرحلة الانتقالية كثيرا، ربما ثلاثة شهور على أكثر تقدير، تتيح للشعب المصري فسحة من الحوار الشعبي الواسع والعميق للتوصل لتوافق على دستوره قبل تشكيل الجمعية التأسيسية التي ثصوغ هذا التوافق، وقد تنطوي على تكلفة مالية أقل من المسار المعيب القائم إن أحسن وضع الدستور الجديد. ولا شك عندي في أن الحس الوطني للسلطة الانتقالية سيساعد على تحمل هذه التكلفة الإضافية البسيطة لضمان انتقال مصر الثورة إلى الحكم الديمقراطي الصالح عبر مسار آمن وناجع.وحتى إن سبّب اتباع هذا المسار المنطقي والسلم تأخيرا لا يطيقه المجلس الأعلى للقوات المسلحة، فيبقى دائما خيار تسليم السلطة لمجلس مدني يشرف على هذا الانتقال الكفء والآمن.والحق أولى بأن يتبع!

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل