المحتوى الرئيسى

"صول" جراح غائرة وبصيص من الأمل!

05/08 12:20

 "صول" ـ كما هي مصرـ تبحث  عن قدوة وأصحاب فكر صائب وزعامات حالمة تستطيع أن تأخذ بيد الناس للمستقبل، بينما تمشي في مرحلة متخبطة لأن الأرض مازالت تحت أقدامها خرابا بفعل عقود السواد التي حطت علي مصر بأثرها.شاءت الأقدار أن أتوجه إلي " صول" تلك القرية التي ملأت أخبارها سمع وشاشات العالم، عقب ثورة 25 يناير، وكانت عنوانا للفتنة بين المسلمين والأقباط. جاءت الزيارة وسط أسبوع الآلام التي أعيشها عقب فراق صديق العمر عادل القاضي، رئيس تحرير بوابة الوفد الالكترونية، لاصراري علي التعرف علي أهل القرية عن قرب وشكرهم علي التكريم الذي حرصوا علي إظهاره لصديقي عادل و دور بوابة الوفد في وأد الفتنة الطائفية. خلال ساعات من الزيارة المتأخرة كثيرا عن موعدها، وساعة العسرة التي مرت بها، وجدت أن "صول" زادتني هما فوق همي. " صول" تلك القرية التي تشابه آلاف القري، المنتشرة في شمال البلاد وجنوبها، في زحامها، وتخلف المرافق وندرة الخدمات، في رغب من ألا يكون الغد أفضل من الأمس الذي ذاقته مرارته سنينا. فالقرية التي تضم آلاف البشر من المسلمين والمسيحيين تكابد معيشة صعبة للغاية، البطالة تنخر في عظام شبابها، والمحسوبية تخطف أرزاق ووظائف الناس. وأهم ما في "صول" أن الابتسامة تكاد تختفي من علي الوجوه، فالمعركة التي خلفتها الفتنة الطائفية والمشاكل المتراكمة في قلوب البشر، خطفت الفرحة من قلوبهم.ربما كان الخوف من المستقبل هو الدافع وراء كثرة الشباب الذين حضروا المؤتمر الشعبي الذي نظمته الزميلة العزيزة نرمين نور منسق برنامج شارك للتنمية والاصلاح،والمهندس علاء بحيري، أحد أبناء القرية والذي دعينا إليه مع المهندس القدير أبو العلا ماضي رئيس حزب الوسط، والسياسي المخضرم أمين اسكندر زعيم حزب الكرامة. وربما كان الأمل في غد أفضل هو الذي جعل الشيوخ والشباب والصغار يتزاحمون فوق المقاعد، وتحت لهيب الشمس وهجير القيلولة، لكن المؤكد أن الكل غير راض عما يعيش فيه. الناس في " صول"  وغيرها من القري يبحثون عن التغيير، ولكنهم كالغرقي الذين يتعلقون بقشة وسط الأمواج الهائجة. فقد اختلط الحابل بالنابل والغث بالسمين، والصالح بالطالح، ويقف الشريف علي مسافة قريبة من البلطجي، فلا يدري المرء بأيهما يتحصن بالشريف الضعيف أم قوة البلطجي، ولا يعرف إلي أين المسير؟!.مخاوف أهل "صول" هي نفس المخاوف التي تعيشها مصر، فما نراه من انهيار للمرافق العامة وتسيب أمني نكاد نجزم بأنه يقع مع سبق الاصرار والترصد، حتي نحلم بعودة ماضي تولي، يحدث في صول ويتكرر في كل ركن بالبلاد. حتي في وأد الفتنة الطائفية، نري النار وقد اندحرت، بينما الدخان مازال تحت الرماد. فالعلاقة بين المسلمين والأقباط أفسدها لصوص سرقوا مدخرات ومنازل العباد، ومع بناء البيوت والكنيسة الجديدة أقيمت جدران نفسية عازلة بين الطرفين، ترعاها عناصر متشددة من المسلمين والأقباط، وأموال سائبة تأتي من الخارج والداخل، لأفراد يريدون أن تصبح" صول" وغيرها لحما شهيا علي مائدة اللئام.جاءت الوقفة الشعبية في مؤتمر"شارك" بصول، لتظهر أن المخاوف تدفع الناس إلي بعضها دفعا، تماما كما يحدث لأي جماعة عند مواجهة الخطر، يريدون التحصن ضد الوباء المحيط بهم من كل صوب، فمنهم الباحث عن دور سياسي يخدم به الناس، بعد أن كانت المقاعد النيابية مصدرا للنهب والسلب وتشريفا وليست تكليفا،. ومن الناس من يأمر بمعروف وينهي عن منكر، بفضح الفسادين والمرتشين وفلول النظام البائد الذين مازالوا يتحكمون في مصائر الوظائف والخدمات الحكومية. وكثير من الشباب يرغبون في وضع خطط المستقبل لصول وغيرها، ولكنهم يبحثون عن مصدر ضوء يهديهم إلي الطريق القويم، فتارة ينشدون حزبا لا يجدون عناصره، أو تيارا لا يعرفون قائده، أو جماعية لا يعرفون زعيمها.إن حال"صول" ـ كما هي مصرـ تبحث عن قدوة وأصحاب فكر صائب وزعامات حالمة تستطيع أن تأخذ بيد الناس للمستقبل، بينما تمشي في مرحلة متخبطة لأن الأرض مازالت تحت أقدامها خرابا بفعل عقود السواد التي حطت علي مصر بأثرها. الناس تتخبط بغير هدي، فبعضهم وجد في الطائفية ملاذا والعائلية حصنا، ولكن الأغلبية الساحقة مازالت تنتظر أن تسفر حرب البطون عن هالة ضوء في نهاية النفق المظلم. الناس في" صول" تعلم أن الوقت عنصر ضاغط، وتخشي أن يأتي يوم الامتحان وهم غير جاهزين بعدة أو رجال يجنبوهم شر التناحر والتنافر، لذلك هم في جدال مستمر. يحتاج أهل صول ومصر بأسرها إلي هذه النوعية من الحوارات، فلن تجتمع أمة أبدا علي باطل، ولكن أين أهل الرشد الذين يعملون لوجه الله في القري والحضر في الشوارع والمساجد والكنائس. علي هؤلاء أن يخرجوا ويشاركوا بالفعل والرأي قبل أن يلتف أهل الباطل علي الناس فيحكمون قبضبتهم علي مقادير البلد.أسبوع الآلام الذي كادت أيامه تنتهي في صول زاد أياما وإيلاما بعد أن علمت بعد مغادرتي أهلها، بفقدان أحد شبابها النابهين، حيث اختطف الموت فجأة أحمد البحيري، ذلك الشاب الذي اصطحبنا إلي المؤتمر من القاهرة إلي صول حيث صلينا في مساجدها وزرنا كنيستها الجديدة. موت أحمد زاد من همي وحزني علي شاب في ريعان الصبا، وشعلة أمل متحركة، ولم يخرجني من هذا الهم إلا حسن صبر أهله ومحبة ذويه، الذين أصروا علي مواصلة مشوار الإصلاح الذي يتمنونه لبلدهم. خرجت من" صول" وأمامي بصيص أمل في المستقبل، بعد أن رأيت أناسا يتغيرون من الداخل بعمق، ويريدون فرض إرادتهم علي المستقبل، بأن يكون الغد ملكا للأصلح والأفضل منهم، ويصبح الماضي البغيض ذكري سوداء تكتب في ملفات التاريخ الأكثر سوادا. صحيح أن الراغبين في الاصلاح قلة، بينما ما تزال الأغلبية الساحقة لاهية في السعي وراء لقمة العيش أو متربصة لما يحدث من تطورات، ولكنها سنة الحياة فدوما حفنة من البشر هي التي تشخذ الهمم وتقود الأمم وتتلقي عن طيب خاطر شظايا المعارك، التي نأمل أن تنتهي لخير صول ومصر كلها[email protected] 

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل