المحتوى الرئيسى

سراييفو: متحف لفن «السفداء» يؤرخ لنمط مبهر من الغناء الشعبي

05/08 09:08

تعرف البوسنة والهرسك، خاصة، وشرق أوروبا عامة، أنواعا مختلفة من الفنون الشعبية، من بينها فن «السفداء» الذي دخل البوسنة مع الفتح العثماني، (1463) واستمر في جميع الحقب التي تلته. ومنذ عدة سنوات، تم إقامة متحف لهذا الفن الشعبي الراقي، الخالي من الابتذال، ومن التلوث السمعي، الذي تنطوي عليه الكثير من الأغاني قديمها وحديثها لدى مختلف الشعوب. وقد اختلف البوسنيون في تعريف فن «السفدا» أو «السفداء» وأصلها العربي. فقيل إن امرأة سوداء هي أول من أدخل هذا الفن، إلى البوسنة، وبذلك سمي هذا النمط باسمها، ولعجمة اللسان، أصبحت السوداء، سفداء. وقيل إن هذا الفن دشنه الرجال، وظل لفترة زمنية حكرا عليهم، حتى دخلت فنانات لهذا المضمار وأبدعن فيه. وسمي فن السفداء، لأن كلماته وطريقة أدائه «خارجة من سويداء القلب». وربما يكون التعريف الأخير، هو الأقرب لأصل التسمية المشتقة من اللغة العربية، التي كانت تستهوي الشعوب المسلمة في مشارق الأرض ومغاربها، ولا تزال، لا لشيء سوى أنها اللغة التي نزل بها القرآن الكريم. عن المتحف، قال مديره ورئيس جمعية الفن الشعبي، أمير تشهدييتش لـ«الشرق الأوسط»» «هذا المبنى التاريخي يعود للحقبة العثمانية، وقد بني عام 1776، وكان يطلق عليه الدائرة، لأنه كان يحيط بالسوق، ويضم مخازن يتزود منها التجار، ولم يكن له سوى مدخل واحد تحيط به الأسوار»، وتابع «المبنى من الحجر المصقول، وقد تم اختياره، لحماية المواد الغذائية وغيرها من أخطار الحرائق، وهو دائرة من 5 دوائر موجودة في سراييفو». وأردف «تم إعادة ترميم هذا البناء في سنة 1958 وكان يستخدم كمطعم، وأثناء العدوان الصربي على سراييفو بين 1992 و1995 تمت إعادة ترميمه وتأهيله ثانية، لكنه لم يتحول إلى متحف سوى في عام 1997 بتمويل من الحكومة المحلية في سراييفو، عندما كان الفنان أمير حاجي حافيظوفيتش (ممثل) وزيرا محليا للثقافة». وأشار تشهدييتش، إلى أن «المواطنين تطوعوا بالمال والعمل إلى جانب عدد من الفنانين ولا سيما فناني السفداء، لاستكمال تهيئة المكان ليصبح متحفا للأغاني الشعبية، ولجانب آخر من الإرث التاريخي لسكان سراييفو». وعن عمل المتحف في الوقت الحالي، ذكر تشهدييتش أن «المشروع أصبح يمول نفسه ذاتيا، من خلال الوقف المرتبط به والواقع في نفس البناء»، والمتمثل في «مقهى سفداء»، الذي يمثل في حد ذاته متحفا لديكوره العجيب، وألبسة نادليه التراثية، وطريقة إعداد القهوة وتقديمها التي لا تخلو أبدا من راحة الحلقوم، وطريقة تناول السكر مع القهوة، حيث يغمس فيها، ثم يوضع في الفم، ويلحق برشفة من قهوة معتقة. وإذا كان المرء جالسا بالقرب من بعض كبار السن، فإنه يسمع صوت ارتشافهم ومط شفاههم بعد كل رشفة، كما لو كانت وصلة من معزوفة تعبر عن انتشاء وتلذذ لا يوصف. وإلى جانب المقهى، يتم الدخول إلى المتحف بدفع رسوم بسيطة، وهي، يورو واحد عن كل زائر. وتدخل تلك الأموال في حساب المتحف. يحتوي المتحف على أدوات تراثية عديدة، تتعلق بالموسيقى، وبأشكال الحياة في البوسنة منذ القرن الرابع عشر، ومن بينها أثاث البيت البوسني عبر العصور ولا سيما منذ النصف الثاني من القرن الخامس عشر، ألواح المصاحف، ودواليب، ودلات نحاسية لصنع القهوة، وفناجين، وأباريق، وطرابيش، وطواق، وقبعات، وقباقب، وأسلحة قديمة، ومكاو كانت تعمل بالجمر، بدل الكهرباء في وقتنا الحاضر، وأجهزة راديو، ومسجلات الأسطوانات التي انقرضت أو كادت. إلى جانب الملابس القديمة، وصناديق وضع الثياب. أما الغرف السبع الأخرى، فقد خصصت لأساطين فن السفداء، منهم، حمزة بولوفينا، (1927 – 1987) وهو من مدينة موستار (120 كيلومتر جنوب سراييفو) ويعد من رواد فن السفداء، واشتهر بأغنيته «أمينة». كان إلى جانب امتهانه للفن يعمل طبيبا نفسيا، وهو أول من أدخل العلاج بالموسيقى في يوغسلافيا السابقة. كذلك زعيم إماموفيتش، (1920 – 1994) أول من أدخل فن السفداء للإذاعة، وذلك مع بداية الحرب العالمية الثانية سنة 1939. ومن أساطين السفداء أيضا، صافت عيسوفياتش، (1936 - 2007) ويعد من أشهر فناني السفداء. ومن أول من عرف بهذا الفن في العالم، حيث أقام حفلات في برلين، ولندن، وباريس، وسالسبورغ، ونيويورك، وصوفيا، وبغداد، وإسطنبول، وتورونتو، وغيرها. ولم يمنعه اهتمامه بالفن من الاشتغال بالسياسة، حيث يعد من مؤسسي حزب العمل الديمقراطي، بزعامة الرئيس البوسني الراحل، علي عزت بيغوفيتش. وصافت كفتيجيا، الذي حطم الرقم القياسي في عدد أغاني السفداء، التي تجاوزت خمسمائة أغنية وهو من أكثر من ألف في فن السفداء، ومن أغانيه «يا عيوني لا تلوموني»، وعمر بوبريتش (1945 - 2010) أنشأ مركزا لفن السفداء، وترك إرثا كبيرا من الأغاني. وإيدين باندور، (1942 – 2001) فقد بصره في الحرب العالمية الثانية، وتخرج في مدرسة للمكفوفين، وهناك تعلم العزف على البيانو، لكنه تخصص في السفداء، ويعد من أهم الممثلين لفن السفداء في يوغسلافيا السابقة. وإلى جانب هؤلاء الرواد، يوجد الكثير ممن ملأوا مكانهم في المتحف، ولا سيما أولئك الذين طوروا في فن السفداء، سواء باستخدام آلات موسيقية جديدة، بدل الساز، أو غيروا في طريقة الأداء. ومن هؤلاء، بيبا ساليموفيتش، وعبدو بوزار، وزهرة ديوفيتش، ومهمد كينوفيتش، وحسين كورتاغيتش، ومحمود نيشانوفيتش، ومحمد مويكانوفيتش، وميهو بوزيتش، ونجاد سالكوفيتش، ومصطفى تشانتيتش، وسالم تريبو، ومهمد فاريشانوفيتش، وأمينة زيتشاي وغيرهم. وقد استهوت السفداء، غير البوشناق، من الصرب والكروات فتخصص الكثير منهم في فن السفداء، منهم يوفيتسا بيتروفيتش، وجوزو بينافا، وهانكا بالدوم، ونادا مامولا، ورادي يوفانوفيتش، وزورا دوبليفيتش، وليوبيتسا بيراك، وزوجها باس باسوليي وغيرهم. ومن أسباب تعلق غير البوشناق بفن السفداء، كونهم عاشوا بين أظهرهم، وأعجبوا بطريقتهم في الحياة، وطريقة تعبيرهم عن المشاعر. بل تجاوز ذلك إلى أوروبا حيث نقل الموسيقار الألماني، هنريك هايني، فن السفداء إلى العالم، لكنه كان يغني بالألمانية. وعلى الرغم من ما قيل عن السفداء، التي تعبر عن المكابدة، والصبر، والمعاناة، والحنان، والعطف، والشفقة، والرجاء، والاستعطاف، واللوعة، والصبابة، وحتى الحب العذري، تبقى كما قال عنها أمير تشهدييتش «غناء الموهوبين للترويح عن المهمومين». ومن بين من زاروا المتحف الرئيس البوسني باكر علي عزت بيغوفيتش، وعدد كبير من الوزراء، وسفراء المملكة العربية السعودية، والكويت، عيد بن محمد الثقفي، ومحمد فاضل خلف، وبعض الوفود السياسية من الكويت والسعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وقطر، وغيرهم من السفراء الأجانب، كالسفير الألماني والفرنسي والإيطالي. كما زار المتحف رئيس الوزراء الماليزي الأسبق، مهاتير محمد، والفنان الأميركي مورغن فريمن، ولاعب مانشستر سيتي، إدين دجيكو. وفي مقهى السفداء، تزوج لاعب هوفن هاين، وداد أبشيروفيتش.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل