المحتوى الرئيسى

الانتفاضة الثالثة..لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟... رُؤيةٌ أخرى

05/08 08:35

عطية الويشيعلى الرغم من كثرة المتضررين بالثورة المصرية... بيد أنَّه لم يَكُنْ ثَمَّةَ مُتَضَرِّرٌ ولا خاسِرٌ أكبر من الكيان الصهيوني!.. فغيرُ خافٍ على أحَدٍ مدى الانتكاسَةِ المريرة التي مُنِيَ الصهاينةُ بها في أصداء الحراك الثوري العربي الذي أرْبَكَ كُلَّ الحسابات الاستراتيجية وَمَلأ أوراقهم بعلامات الشطب والمحو والتقديم والتأخير بما لم يكُنْ لهم بحسبان!... حتى بات المحللون ينحازون بشكلٍ كاملٍ إلى تلك المقولات التي ترى « نتانياهو مُحِقًّا في تقييمه: أنَّ أميركا وإسرائيل في حالة تراجع استراتيجي في أعقاب خلع حليفهما الرئيس المصري السابق حسني مبارك».لقد أدْرَكَت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية فداحَةَ خسارتها أكبر حليف استراتيجي على الإطلاق... وبعد فَشَلِها الذريع في تَوَقُّعِ اتفاق المصالحة الفلسطيني، الذي وُقِّعَ في القاهرة مُؤَخَّرًا بين فتح وحماس، والذي يقضي بتشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية- لحين إجراء انتخابات جديدة في الضفة وغزّة؛ ولَعَلّ ما أظهرته القاهرة من قدرةٍ على استعادة زمام الفعل القومي العربي من جديد : قد زاد من حِدَّةِ القلق الصهيوني تجاه تطورات الأحداث... وهو الأمر الذي جعل الأجهزة الصهيونية تُحاوِلُ أنْ تلعب أدوارًا استباقيةً في المنطقة لأجْلِ خلق حالةٍ ما من التوتُّرِ الذي يؤثِّرُ بِشَكْلٍ سلبيٍّ على وتيرةِ الحراك الثوري المصري فيعوقه عن أداء مهامِّه بصورةٍ طبيعية... ويأتي في سياق هذه الإعاقات- حسب تقديري: إيجاد نوعٍ من الإحساس بعدم الاستقرار في الجبهة الداخلية المصرية- حتى ولو كانت تدعو إلى انتفاضة ثالثة!. وعند هذه النقطةِ تحديدًا: لا بُدَّ من إثارة اسئلةٍ عِدَّةٍ : هذه الانتفاضة : لماذا؟ وكيف ؟ ومتى؟!الثورة المصرية وتطورات الموقف العربي من الصهيونية:لعلنا لاحظنا حَجْمَ التَّحَدِّي الذي واجه المشروعَ الصهيوني في أعقاب الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي فازت بها حركة حماس؛ وما سبقهُ من قرار « فَكِّ الارتباط» والانسحاب من قطاع غزة وأجزاء من شمال الضفة الغربية... حيث ترتّب عليه تغيير كافّةِ الخُطَطِ الأمنية والحسابات السياسية والعسكرية التي جعلت الصهاينة يفقدون صوابهم ويضربون في كُلِّ اتجاهٍ...وبينما الأمرُ كذلك، فإذا بأصداء الثورات العربية تطرق أسماع الصهاينةِ بِكُلِّ قوّةٍ- وباللغة التي يفهمونها جَيّدًا، فليس ثَمَّةَ أقْدَرُ منهم على فَهْمِ لغة تطورات الأحداث وتحليل وتيرتها على نحو أَدَقِّ وأعمق، لأنهم المعنيون بها أوّلاً وأخيرًا، فقد ارتَجَّتْ بالثورة تل أبيب كما ارتَّجت بها وزيادة عروشُ الطغاة العرب!؛فما بالنا، وَلأوّلِ مرةٍ يَجِدُ الصهاينةُ أنفسهم إزاء جماهير عربيةٍ ذات إرادة حرةٍ: صنعت ثورةً شعبيةً أصيلة لم يَكُنْ بِحُسبانِ أحَدٍ أن يتكهَّنَ بمسارها ومآلاتها وآثارها على الصعد المحلية والعربية والإقليمية والدولية ... قد أفرزت نِظامًا سياسِيًّا وحكومةً مُختارةً وخلقت أوضاعًا جديدةً وفريدةً!...ولعلّ هذا ما يُؤَكَّدُ على الحقائق التي تفيد بأنَّ إرادةَ الشعوب تأتي دائمًا بما لم يَكُنْ بوسع أحَدٍ أنْ يتكَهَّنَ به... وهو ما يؤكّدُ على أنَّ النزعة الشعبية الخالصة: هي الورقةُ الرابحة في أيَّةِ حَراكٍ نهضوي. حيث يصل هذا الحراكُ في أحَدِ قياساتِهِ حَدَّ ما يُعْرَفُ بِـ« الشعبوية»، وهو تعبير عن قمة الشعور العملي بالذات الشعبية!.ولعل هذه « الحالة» العربية قد عَمَّقَت الشعور بالذات الأصيلةِ، فأنتجت كَمِّيَّةً من الشجاعة والإقدام... وأثبتت بما لا يَدَعُ مجالاً أنها جديرةٌ بتخليق معطيات القدرة على الفعل السياسي الملائم لمصالحها والمُناسب لماضيها وحاضرها ومستقبلها...تداعيات الثقافة الثورية... لحظاتٌ فارِقَةٌفلقد تجاوزت تلك الثورة كافة المقولات التي كانت تُراهن على صحوة الشعوب بهذه الطريقةِ من التألُّقِ والتَّوَهُّجِ بحيث أغرت بمزيدٍ من الطموح إلى الحراك نحو استثمار هذه اللحظة التاريخية الفارقة الفريدة بجَنْي وإنجاز وتحقيق أكبر قدرٍ من المكاسب لقضايانا الضائعة والمُضَيَّعَةِ منذ خمسٍ وسبعين سنةٍ تقريبًا...وقد كان مُناسبًا أن تتصاعَدُ وتيرةُ الحديث حول فلسطين والأقصى... وعن تلك المُعاناةِ المريرة التي طال أَمَدُها بشعبٍ عربي مسلمٍ لدرجةٍ لم تَعُدْ تحتمل صبرًا!.. فقد آن أوانُ الخلاص ودَقَّتْ ساعَةُ الصفر للعمل من أجل فلسطين السليبة!..وكان طبيعِيًّا أن تبادِرَ الأُمَّةُ وفي مقدمتها الشبابُ: مضطلعين بدورهم المأمول في ملحمة الخلاص والنهوض لاستشراف مرحلةٍ جديدةٍ لإنتاج فعل حضاري جديدٍ يردم تلك الفجوة التاريخية، ويصل تلك القطيعة بالسيرورة الحضارية العربية والإسلامية فتتحقق ذاتيتنا الأصيلة وتكتمل ملامِحُنا الجليلة...الانتفاضة الثالثة وتأثيراتها الإقليمية:على وَلعلنا نعي جَيِّدًا ما يتَرَدَّدُ عبر الأثير من أفكارٍ حولَ واحِدَةٍ من أهَمِّ محاولاتِ توظيف ذلك الزخم الثوري البريء في تعزيز الأمن القومي العربي- من خلال الدعوة إلى انتفاضة نوعية ثالثة من أجلِ فلسطين عبر شبكات التواصُلِ الاجتماعي، حيث أعلنَ روّادُها أنهم بصدد تجميع أكبر حشد عربي للزحف نحو الحدود مع فلسطين مِنْ قِبَلِ كُلِّ دولةٍ مِنْ دِوَلِ الطُّوقِ.فسورية من جهتها ليست بحاجةٍ إلى مزيدٍ من فتح الجبهات عليها، بل إنَّها تسعى إلى التَّخَلِّي عن دورها في توفير الإقامة والحماية لحركةِ حماس ممثلةً في قائد جناحها السياسي خالد مشعل.. وذلك حتى تتخفف من ضغط أمريكا والغرب عليها في خِضَمِّ معمعتها الثورية وانتفاضة الشعب على نظامها السياسي. والقيادة السورية لا يُعْقَلُ أن تُضَحِّي بوجودها من أجل حماس. ولعلّ هذا هو الذي دفع قادة حماس إلى إبداء روحًا أكثر إيجابية في ملف المصالحة من أجل إيجاد آفاق بديلةً جديدةٍ لاحتضان القيادة الحمساوية. إذْ ليس ثَمَّةَ أنسبُ – في تقديري- من أجواء الحُضْنِ الأُمُومي التقليدي « مصر»!. وهذا يفرض نوعًا من توازن الأداء المصري في الملعب الاستراتيجي الإقليمي بعيدًا عن مزيدٍ من الإحراجات مع الخارج- فضلاً عن طبيعة المخاض الداخلي الذي يتطلّبُ فُسحةً مجالية يتحرك فيها بأريحية تُمَكِّنُه من تجاوز التحدياتِ التي يزخم بها المخاض الثوري. وقد تكون الدعوة إلى بلوغ الحدود نوعًا من الإرباك المركّب والإحراج الذي قد يعوق القيادة المصرية الحالية عن التهيّؤ لمباشرة مهامها وفقًا لما تقتضيه طبيعة ظرفها السياسي وطبيعة المرحلة التي تتطلب ترتيب أولوياتنا بشكلٍ يخدم ويدعم القرار الاستراتيجي المصري بأبعاده القومية وروافده الإقليمية والتِزاماته المتعددة في مرحلة ليست طبيعية!...ولعل هذه النقطة الأخيرة: هي التي قد تذهب بنا نحو التأمُّلِ فيما يُثارُ من مقولات تُشيرُ إلى ضلوع أجهزة مُخابراتٍ غربية في إثارة موضوع الانتفاضة على هذا النحو!، إذ إنَّ المستفيد الأكبر منه: مَنْ لهم مصلحة في إطالةِ حالةِ عدم الاستقرار بعد المخاض الثوري المجيد!...فَفِي حالةٍ فَسِّرَتْ على أنها: خُطْوةٌ جديدة من تصاعد القلق الإسرائيلي الحادّ على مصير اتفاق السلام بين كل من القاهرة وتل أبيب وخاصة عقب نجاح ثورة الخامس والعشرين يناير، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إنه « قلق من الدعوات الأخيرة المتصاعدة في مصر التي تطالب بإلغاء اتفاقية السلام مع إسرائيل، داعيا إلى ممارسة ضغوط على القاهرة لمواصلة احترام الاتفاقية».ونقلت صحيفة «يديعوت أحرنوت» الصهيونية عن نتنياهو خلال لقائه الأربعاء 27/4/2011م وفدًا من مجلس الشيوخ الأمريكي بالقدس المحتلة قوله : « إنني قلق من الأصوات التي تتعالى في مصر وتدعو إلى إلغاء اتفاقية السلام مع إسرائيل». وغير خافٍ ما تُمَثِّلُ تلك المخاوف من ترتيب خطط واستراتيجياتٍ للحركة مدعومةٍ من الغرب من أجْلِ الحَدِّ من تداعيات الثورة المصرية وتأثيراتها الإقليمية- التي ينظر إليها الصهاينة باعتبارها الخطر الأكبر الذي يهدد دولتهم. وهذه أمورٌ ينبغي ألاّ نعزلها عن سياق تفكيرنا وتدبيرنا، ولا أن نستبعدها من معادلة الحراك المزمع تدشينه يوم الخامس عشر من آيار مايو المقبل!.الانتفاضة الثالثة عودٌ على بدء :ويواصل الشباب حسب موقع التواصل الاجتماعي « فيس بوك» دعوتهم إلى مسيرة مليونية عالمية يوم 15 مايو المقبل من خلال صفحة « الانتفاضة الفلسطينية الثالثة.. فلسطين تتحرر ونحن مَنْ سيحررها»، ووضعوا خطة للتحرك في جميع دول العالم تبدأ يوم 13 حتى 15 مايو، وتم وضع الخطة على الصفحة.فَيِ اليوم الأول- يوم تجمع الجماهير- الذي أطلقوا عليه « جمعة النفير»، واليوم الثاني: الانطلاق إلى الحدود، وأطلقوا عليه « سبت الزبير» أما اليوم الثالث: فهو يوم الزحف المقدس وإشعال الانتفاضة، وأطلقوا عليه « أحَد التحرير»، وقالوا: في هذا اليوم : « سوف تزحف جموع العائدين وتنطلق الانتفاضة الفلسطينية الثالثة وسط دعم أحرار العالم في كل مكان... والذين تُشَكِّلُ أغلبيتهم من فلسطينيّ الضفة وقطاع غزة وأراضي 48، وفلسطينيِّ الشتات فضلاً عن الأحرار في لبنان ومصر وسوريا والدول العربية وتركيا وأوروبا وأمريكا وباقي دول العالم وأنْ تكون ساعة الصفر بعد صلاة ظهر الخامس عشر من مايو 2011م.وِمنْ ثَمَّ، فمن غير المعقول أنَّ دولة العدو الصهيوني تسمع وتبصر هذا الحراك الثوري المتنامي صوبها من كُلِّ حَدْبٍ وصوبٍ... وتقف مكتوفة الأيدي!. قد يكون الأمْرُ مُبَرِّرًا بالنسبةِ لِفِلِسطِينِيِّ الداخِلِ، لكنَّ الأمر بالنسبة لأحرار العالم- الذين لن يكون بوسعهم التحرك عبر مَمَرّاتٍ غيرِ مِصريةٍ... فإنَّ سيزيد من أعباء القيادة المصرية وقد يُهَدِّدُ لا سمح الله بانتكاسة الثورة واغتيالِ إنجازها التاريخي في غَمْرَةِ الدخول على مسارٍ لم يَكُنْ أولوية حاليةٍ- على الرغم من أهميتِهِ السياسية والحضارية في خِضَمِّ الثورة احتمالات زيادة الضغط على مصر بما يخرج عن طاقتها...فعلى الرغم من أهمية وقف إمداد الغاز الذي يُمَثِّلُ- بالنسبة للصهيونية الغاصبة لبلادنا- شُريانًا للحياة ينبغي أن نتحَيَّنَ الفرصةَ لِقَطْعِهِ... بيد أنَّنا ينبغي كذلك ألاّ ننساق وراء الحماس غير المنضبط بحكمةٍ وتأنٍّ ونظرٍ في عواقِبِ الأمور وَمآلاتِها...قد يكون مُناسبًا: أن نقدِمَ على أيَّةِ خطوةٍ- وحتى ولو كانت إلغاء اتفاقية كامب ديفيد وترتيب الأوضاع على نحو ما يتسق مع الإرادة الحرة للجماهير... فقط يكونُ كُلُّ ذلك مدروسًا ومبنيًّا على عمل مؤسسي منظّم وَمُرَتَّبٍ.. ومن خلال مؤسسات الدولة بكافةِ اختصاصاتها...حقائق ومفاهيم ينبغي ألاّ تغيب :ومع تقديرنا لما يُتَداوَلُ بين المُدونات من تبريرٍ للمظاهرات التي جاءت رَدًّا على تصريحات الرئيس الإسرائيلي، شيمون بيريز- الذى طالب الشباب المصري بالتطبيع مع إسرائيل... لكن ينبغي التريُّثُ في رَدِّ الفعل ولا سيما أنَّ بعضَ شبابنا النُبلاء المخلصين.. يُعَلِّقُ أحدُهم من خلالِ مُدَوَّنَتِهِ على حرق أنبوب الغاز الواصِلِ من مصر إلى الكيان الصهيوني الغاصب :« إن لم تقم الحكومة بقطع الغاز عن إسرائيل فسنقوم بذلك»... فنحن نتقاسم مشاعر الغضب ونتشاطر الإحساس برغبة الخلاص البدي من السرطان الصهيوني.. ولكن لكل مقامٍ مقال ولكل مقال مجال.نحن على أيَّةِ حالٍ، نُقَدِّرُ كذلك لِهؤلاء شعُورَهم بمدى إحساسهم الراقي بالمسئولية الحضارية والالتِزامِ الأدَبِيِّ والأخلاقي والموقِفِيِّ تُجاهَ فلسطين السليبة، ونُثَمِّنُ حِسَّهُم القومي النبيل... وليس بوسعِ عاقِلٍ أن يُنكرَ عليهم مطالبهم بحقوقهم المشروعة في التحرك الإيجابي مِنْ أجْلِ فِعْلِ شيءٍ من شأنِهِ أن يُحَرِّكَ الركود الثقيل الذي يعوق مسيرة التحرير والخلاص الفلسطيني من دَوّامات القوادة السياسية التفاوُضيةِ العقيمة... والخروج بالقضية من أنفاق الخِداعِ التي أدخلتنا فيها حكوماتٌ عربيةٌ وفي مُقَدِّمَتها حكومة الرئيس المخلوع حسني مُبارك وحكومة السلطة في رام الله- اللتان قدَّمتا للكيان الصهيوني الغاصب من التنازُلاتِ ما لم يكن في مستوى أحلامه الأمر الذي أثار دهشةَ المُفاوِضِ الصهيوني!وإزاءَ تلك الحالة من التداعيات... من الطبيعي أنْ نتفهّم حالة التعاطُّفِ الشعبي العربي- ولاسيّما المصري تُجاهَ القضية الفلسطينية لاعتباراتٍ عديدةٍ، إذْ إنَّ أمْنَ فلسطين وسيادتها جُزءٌ لا يَتَجَزّأ من الأمن القومي المصري وسيادَتِهِ- وذلك لاعتبارات تاريخية ودينية وقومية واستراتيجية... وهو ما يجعلنا أكْثَرَ تَفَهُّمًا لذلك التوافق الشبابي العربي العريض على استعادَةِ أرْضِ فلسطين والتمكين لإخوانهم المُشَرَّدِينَ في بقاع الأرضِ وأصقاعها من حَقِّ العودة وإعلانِ الدَّوْلَةِ...كذلك، بوسعنا أنْ نَتَفَهَّمَ حركة الانتفاضة في إطارٍ فلسطيني داخِلِيٍّ مدعومًا بصورةٍ أو بأخرى من الخارِجِ... تلك التي لا تتسق مع منطق العقل فحسب، بل تتسق مع نبض المحللين داخل الشارع الصهيوني ذاته، حيث كتب المحلل السياسي في صحيفة «هآرتس» ألوف بن عامس28/4/2011م: « إنَّ الانتفاضة الثالثة حتمية، وأنّها ستندلِعُ في حال اعترفت الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية؛ لأنَّ القرار حينئذٍ لن يُنَفَّذَ مِنْ تلقاءِ نفسه!، وَسَيَشُنُّ الفلسطينيون حربًا للمطالبة بحقوقهم السيادية، وَطَرْدِ الجيش الإسرائيلي من أراضيهم». مضيفاً: أنه حتى لو « ارتدت الأمم المتحدة عن الاعتراف باستقلال فلسطين أو تتحفظ في قرارها من أجل إرضاء إسرائيل، ففي هذه الحالة سينتفض الفلسطينيون بسبب إحباطهم من فقدان التأييد الدولي».لكن الذي لا نستطيع استيعابُهُ كيفيةُ تَحَرُّكِ هذه المجموعات التي توافقت كُلٌّ من بَلَدِهِ- مصر ولبنان وسورية وغيرها... على التوافُدِ باتِّجاهِ الحدود مع الكيان الصهيوني الغاصب؟!.... كيف وبأيِّ منطق أو رؤيةٍ أو طريقةٍ؟!!وبالمناسبة، أجد مُقتضيات السياق تستدعي- رغمًا عَنّا بعضًا من المقولات الخالدة لأهل الحكمة، والتي تُشير إلى أنَّ « ميدان القول غير ميدان الخيال، وميدان العمل غير ميدان القول، وإن كثيرين يستطيعون أن يقولوا ولكنَّ قليلاً من هذا الكثير يثبت عند العمل، وكثير من هذا القليل يستطيع أن يعمل، ولكن قليلاً منهم يقدر على حمل أعباء الجهاد الشاق والعمل المُضْنِي، وهؤلاء المجاهدون وهم الصفوة القلائل من الأنصار، قد يخطئون الطريق ولا يصيبون الهدف إنْ لم تتداركهم عناية الله»!...ولا يعني هذا بطبيعة الحال أنَّ كافَّةَ منسوبي هذه المجموعات يدركون أبعاد خطورة الموقف، فقد لا يحركهم إلا الإخلاص والحماس والرغبة الصادقة في وضعِ حَدٍّ لِمُعاناةِ شعبٍ عربِيٍّ استمرت قرابةَ قرنٍ من الزمان؛ وقد أثبتت التجارب الواقعية أنَّ خلاص هذا الشعب من ذلك الكيان الصهيوني الأميبي ليس بالصعوبة التي كانت تُصَوََّرُ لنا وَتُسَوَّقُ عبر وسائل الإعلام العربية وغير العربية!...وفي تقديري، أنَّ أحَدَ أهَمِّ دوافِعَ حِرْصِ المصريين على المُصالَحةِ: هو النظر في إمكانية استيعاب المصريين لخالد مشعل بعد تضاؤل فُرَصِ وجوده بسورية في ظِلِّ الأحداث الجارية هناك. أقول هذا بالنَّظَرِ إلى تَطَوُّرِ أداء القيادة السياسية المصرية بصورةٍ إيجابية تُجاه القضية الفلسطينية رغم الظروفِ الداخِلية الصعبة التي تعمل في خِضَمِّها... وَمِنْ ثَمَّ، فإنَّ كُلَّ هذا الحراك المُزمع حدوثه من الأراضي مصر باتجاه فلسطين: قد لا يكون ذا أولوية بالنسبة لصانع القرار المصري.. بل قد يُثيـرُ مزيدًا من علامات الاستفهام حول طبيعة تلك المجموعات والقوى التي تدفعها من طرفٍ خَفِيٍّ.. مع كون هذه المجموعات « الفيسبوكية» لا ينقصها الإخلاص وسلامة النية بقد ما ينقصها الخبرة والحكمة والوعي بتقديرات المواقف داخِلِيًّا وخارِجِيًّا... وتأثير ذلك كله على الحالة المصرية باعتبارها عصب الأمن القومي العربي، وكأداةٍ مُحَرِّكَةً للتوافق الفلسطيني وتسوية القضية بِشفافيةٍ وكُلِّ نزاهةٍ!.نحتـاج إلى وقفةِ تأمُّلٍ وتأنٍّ:وقفة وبنظرة سريعةٍ لحيثيات هذا الحراك ودوافعه المعلنة... وانطلاقًا مِنْ ضرورةِ ترشيد هذا الحراك حتى يستوفي كافة مقومات وشروط الفاعلية والنجاح، والحرص على استمراريته أقترح الآتي :1.     التعريف الحقيقي بأنفسهم... إذْ لاحَ لي من خلال مُشاهَدَتِي فيلمًا قصيرًا حول هذه المجموعة: أنَّ فيهم رجالاً فوق سن الخمسين يهتفون ويستخدمون بعضَ مُفردَاتِ الخِطابِ الإسلامي.. كما وجدت « لوجو» حزب الوفد على الفيلم... فهل هذه المجموعة من الشباب أم من كل الفئات العمرية؟... وهل ينتمون إلى تيارٍ أو حزبٍ أو حركةٍ معينة أم إلى كُلِّ الأحزاب والتيارات الموجودة بالساحة المصرية؟... وهل لهم قيادة تجيدُ التنسيق والعمل السياسي أم أنهم جسدٌ بلا رأس أو رأسٌ بلا جسد؟!... وَهل هُمْ مُختَرَقُونَ مِنْ قِبَلِ أيَّةِ أجْهِزَةٍ استِخباراتية أو مجموعاتٍ مُعَيَّنَةٍ ذات مَصالِحَ أم بقايا الحرس القديم التي ترى في استغلال المشاعر القومية الإيجابية نحو فلسطين لتحقيق غاياتٍ خاصَّةٍ؟... لابُدَّ من توضيح ذلك كله ولا سِيّما في صَدى مَقولاتٍ تَتَرَدَّدُ وتحليلات تُشير إلى أنَّ أجهزةٍ استخباراتية خارجية معنية بهذا الملف.. تحاول استغلال هذه المجموعات بطريقةٍ ما...2.   تحديد مضمون وموضوع الخطاب. وأنا أنصح الشباب بتصنيف هذه المطالب إلى حِزَمٍ موضوعيةٍ.... وذلك من أجْلِ التَّدْلِيلِ على عُمْقِ الطَّرْحِ وجِدِّيَّةِ الموقف وصوابية التوجُّهِ وعقلانية الحركة... لأنَّني في الحقيقة ألاحِظُ عدم تجانس في النقاط واختلاطٌ في المفاهيم...3. تعيين المعني بالخطاب.. هل هو المجلس العسكري؟ أم المجتمع الدولي؟ أم الاتحاد الأوروبي؟ أم الكيان الصهيوني الغاصب؟.. وأقترح في هذا السياق ضرورة مخاطبة تركيا كشريك حضاري له تأثيرُه وقوة يُعمَلُ لها ألفُ حساب... كذلك: الصين واليابان وكوريا كقوة باتت مؤثّرة في المجتمع الدولي.. وباتت متعاطفة مع المغتصبين وموالية للغرب بشكلٍ أو بآخر....4.   تقدير ظروف ومُلابَساتِ وطبيعة الواقع السياسي والاقتصادي والحضاري الذي تتحركون فيه.. مع مُراعاةِ قابلية طرحكم إلى التطبيق في المجال العملي، بمعنى أننا لو أردنا أن نتجاوز حالة الشعارات إلى التطبيق العملي، فلا بد من وضع استراتيجية جادة للحركة والتنسيق مع مراكز التأثير وأصحاب النفوذ داخل الأنساق السياسية المعنية... ومعرفة اللاعبين الأقوياءِ الفاعلين في الملعب وكيفية التعامل معهم...5.  لابدَّ من تحديد وضعيتهم القانونية حتى لا يُواجَهُون بأيَّةِ مُشكلاتٍ أو مَتاعِبَ في الطريق... ولكي يتسنَّى لهم تحقيق أكبر قدر من تعاطف القطاعات الرسمية والشعبية معهم.. ومن ثَمَّ يتجنبون أيَّةَ مُزايدةٍ إعلامية وتشويه لنواياهم وجهودهم وتقزيم كيانهم الغَضِّ الطامِحِ مِمَّنْ لا يتقون الله من ذوي النوايا الخبيثة والغايات النفعية والولاءات المتلونة... وهناك أيضًا هناك منافسون غير شرفاء.. وهناك الطابور الخامس الذي لم يزل يعمل جاهدًا ضِدَّ قضايانا وإغلاق كثير من ملفّاتنا على غِشٍّ وزيفٍ...6. لا بُدَّ من التواصُلِ مع الحُكماء وأهْلِ الخبرة وأصحاب التجارب، فبمشورتهم يحصل الرشد الأُنْسُ وتكتسب جهود المجموعة الداعية الى الانتفاضة زخمًا أرسخَ واقوى وأفعل...7. ومن المُهِمِّ ان نتعرّف على طبيعة البيئة الحاضنة لأيَّةِ فكرة- سواءً البيئة الداخلية أو الخارجية- لأنها ببساطَةٍ شديدةٍ من الناحية العملية: هي الضمانة الحقيقية لنمو المشروعِ واكْتِمالِ ملامِحِهِ ونُضْجِهِ... وبغير ذلك يمكن لا سمح الله أن نَتَسَبَّبَ نحن في قتل مشروعاتنا النهضوية حين لا نعمل على توفير المناخ والبيئة المناسبة لاستمراريةِ فِعْلِنا الحضاري أو النضالي...وقبل كُلِّ ذلك وبعده لا بدّ من توثيق علاقتهم بالله تعالى وحده لا شريك له.. لأنَّ التجربة التاريخية تُنبئنا : أنَّ كثيرًا من التيارات المناضلة من أجل فلسطين... تساقطت على الطريق.. وتخطّفتها الأهواء والأضواء وحادَ بها الإغواء عن أهدافها الأولى فَفَتُرَ حماسُها وانْحَطَّتْ هِمَّتُها وانْفَتَّ عزمُها.. حتى أصبحت في مرحلة لا أقول توقَّفَتْ فحسبُ، بل أصبحَ تعمل ضدّ القضية من حيث تدري أو لا تدري!...ولكي يمثل هؤلاء الشباب إضافةً حقيقية لمناضلي ومجاهدي الداخل الأوفياء... ومن ثمَّ فإنَّ التوكُّل على الله والإخلاص له من أهَمِّ مقومات المناضل الحقيقي عن القضية الفلسطينية...نقطةٌ أخيــرة :ثَمَّةَ نُقطةٌ أخيرةٌ، تتعلق بضرورة أن يكون لفلسطِينِيِّ الداخلِ موقف إيجابِيٌّ تجاه انتفاضة الخارج؛ حيث يمكن توجيه كلمة من قادة حماس والجهاد وغيرهم من وجهاء الداخل الفلسطيني بتوجيه الشكر لأحرار العالم العربي والإسلامي والإنساني.. تتضمّن شكرًا وتقديرًا لهذه المشاعر المحترمة، ولكنّنا لسنا بحاجةٍ إليها الآن. كما تتضمن الكلمة وَعدًا بالاستعداد لاستقبال هؤلاء الأحرار الشرفاء حينما تكون البيئة الفلسطينية الداخلية أكثر تهيُؤًا لاستقبالهم في ظروفٍ أفضلَ.ذلك، بأنَّ شيئًا من هذا القبيل يمكن أن يحدث الآن، قد يترتب عليه أولاً أمورٌ عِدَّةٌ، منها:1-  انهيار اتفاق المُصالحَة الفلسطيني- الفلسطيني؛ حيث يتعوّل على هذا الاتفاق أملٌ كبير في استرداد الجبهة الفلسطيني بعض عافيتها الوطنية المفقودة منذ تشكيل حماس حكومتها عقب فوزها بالانتخابات.. وهي الحالة التي ألقت بظلالها الكئيبة على الشارع الفلسطيني فبات أكثر تشاؤمًا من الإصلاح وأكثر استعدادًا للثورة على كُلِّ شيءٍ حتى على ذاته الفلسطينية- وهو ما يمكن أن نعبّرَ عنه بنوعٍ من الفوضى الإرادية.2- اتِّجاه السلطة لممارسة بعض صلاحيتها التقليدية على يد المجموعة الأكثر ميلاً لرؤية مصالحها بالتعاون مع الجانب الصهيوني تحت أيِّ ذريعة، وهو ما سيخلق حالة من فوضى حرب أهلية- وعلى حَدِّ تعبير « توماس هوبز» « حرب الكُلِّ ضِدّ الكُلِّ»!. وسيكون من السهل اصطيادُ هؤلاء المناضلين من أحرار العالم.3- عودة فتن الانقسام إلى الشارع الفلسطيني بصورةٍ أكثر حِدّةً وضراوة...4-  إيجاد مسوغات للانقلاب على أيَّةِ شرعيةٍ يمكن أن يتمخّض عنها أيُّ اتّفاقٍ أو مُصالَحَةٍ... وتهيئةُ الأجواء لعودة غرابيب البين لتنكيس راية الوحدة وتغييب أمل الخلاص عن الآفاق.5-  خسارةُ الأنصار في الخارج، وتعظيم قدرة الصهاينة على التمكن من الرقبة الفلسطينية إلى الأبد.6-  توافُر مُسَوّغاتٍ الانقلاب على أيَّةِ شرعيةٍ فلسطينية، وتداول ثقافة التخوين والتخريج بصورةٍ انتحارية للمشروع الوطني والقومي.7-  إضفاء مسوح المصداقية على الطرح التكفيري داخل الشارع الفلسطيني، وما قتل المناضل الإيطالي مُؤَخَّرًا عَنّا ببعيد، حيث إنَّ الذين قتلوه: هم من أصحاب ذلك التيار الانقلابي على كُلِّ شيء!...وقبل أنْ أختم هذا المقال، أؤكِّدُ على أنَّه من غير المعقول أنْ ستنتفي مبررات وجود مجموعة نضالية بانتهاء الانتفاضة، إذْ إنَّ أمَدَ الصراعِ طويلٌ طويـل.. ويحتاجُ بطبيعة الحال إلى نَفَسٍ طويلٍ وإلى حِكْمَةٍ وحِنْكَةٍ وخبرةٍ وَمهارةٍ في ممارسة شعائرنا الحضاريَّةِ.. تلك التي لا تَقِلُّ عند الله قدرًا من الشعائر العبادية المجردة!.... « فأعدوا أنفسكم وأقبلوا عليها بالتربية الصحيحة والاختبار الدقيق، وامتحنوها بالعمل، العمل القوي البغيض لديها الشاق عليها ، وافطموها عن شهواتها ومألوفاتها وعاداتها».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل