المحتوى الرئيسى

أمن مصر وعروبة الخليج

05/08 03:22

جلال عارف ليس أمن الخليج فقط، وإنما عروبته أيضاً هي خط ثابت في سياسة مصر مهما تغيرت العهود أو تبدلت الأحوال. ولم يكن جمال عبدالناصر يخــترع شيئاً جــديداً حين تحدث منذ اللحظــة الأولى لثــورة يوليــو ‬52 عن موقع مصر في دائرتها العربية، وإنما كان فقط يكشف عن حكم التاريخ والجغرافيا والثقافة والهوية التي لا يستطيع أحد ان يهرب منها. وكان يدرك أن ذلك سيكسبه عداء دول كبرى وقوى إقليمية عديدة، ولكــنه كان يدرك ان هذا هــو قدر مصر وقدر أمتها العربية، وكان يثق في ان الملايين في مصــر وفي طول الوطن العربي من المحيط إلى الخليج الذي كان وسيظل عربياً هي صاحبة الحق الأصيل في أن تقرر مصيرها وأن تحرر أرضها من كل استعمار وأن تؤكد هويتها علي كل شبر من أرضها. وكم كانت الرحــلة صعبة والمعركــة قاســية والتضحــيات جسيمة. وربمــا كان الخليج العربي أحد أهم ميادينها على الإطلاق. حيث الاستعمار الأجنبي والأطماع الإقليمية والثروة البترولية التي كانت تكتسب أهميتها يوماً بعد يوم، لكــن حــركة التحــرر العربي كانت أقــوى، وكــان على الاســتعمار أن يحمــل عصــاه على كاهله ويرحل، وكان على القوى الإقليمية الطامعة أن تكف يدها عن دول الخليج العربية. ولقد جرت أمور كثيرة بعد ذلك، وشهدت السياسة العربية خلال أربعة عقود الكثير من التحولات، ولكن بقي جوهر المعركة هو نفسه، امة عربية تريد الحرية والوحدة والتقدم، وأعداء يرون أن «العروبة» هي الخطر الأساس على مصالحهم. وقد كانت حرب ‬73 محطة مهمة على الطريق حين تحالف البترول العربي مع السلاح العربي في مواجهة إسرائيل. ولن ينسى التاريخ موقف المغفــور له الشيخ زايد رحمه الله وهو يضع كل إمكانات الإمارات في خدمة المعركة، ثم وهو يؤكد أن البترول لن يكون أغلى من الدم العربي. ومع انتصار أكتوبر انفتحت الأبواب لعصر عربي جديد، لكن التآمر لإجهاض نتائج النصر نجح في النهاية في فك «حلف أكتوبر» وبعد كامب ديفيد انقسم العالم العربي. وهنا أيضاً نذكر موقفاً آخر للشيخ زايد رحمه الله، حين نبه لضرورة حصر الخلاف في إطاره الرسمي وعدم المساس بعلاقات الشعوب، وحين أكد أن مصر ستبقى هي مصر، وأنه لا أحد من الحالمين بوراثة دورها سيستطيع ذلك. وحين بذل الجهد بعد رحيل السادات لإنهاء القطيعة العربية وجمع الصف في مواجهة أخطار كان الخليج العربي أكثر من يحس وطأتها. لكن العمل العربي المشترك تلقى بعد ذلك طعنات دامية بدأت بكارثة غزو الكويت، ثم بعد ذلك كانت جريمة تدمير العراق والاحتلال الأميركي لهذا القطر العربي المهم الذي تمت استباحته من القوى الخارجية وإلقاؤه في جحيم الطائفية والتقسيم والحروب الأهلية. ومع ذلك كله كان الانقسام العربي والاقتتال الفلسطيني في ظل تراجع الدور المصري الذي ترك فراغاً سارعت قوى دولية وإقليمية تحاول استغلاله في تثبيت مناطق نفوذ لها على الأرض العربية. ثم كانت ثورة ‬25 يناير وسقوط النظام المصري السابق. ولم يكن الترحيب العــربي الكبير بالثــورة إلا تعبيراً عن افتقاد العرب لمصر ودورها المركزي في المنطقة. ومع ذلك فقد راهن الكثيرون على أن الأوضاع الداخلية والمشاكل التي تواجهها مصــر بعد الثــورة سوف تقود إلى انكفاء القاهرة على نفسها واستمرار غيابها العربي، وهذا - بلاشك رهان خائب. فمصر حــين تعــود لنفسها لن تكــون إلا مصــر التي تعرف مكانها وتقدر مسؤولياتها في عالمها العربي. وأظــن أن انجاز المصالحة الوطنية الفلسطينية يعني الكثير في هذا الشأن، وبلا أدنى شك فإن أي مراجعات لسياسة مصر بعد الثورة لن تكون إلا في اتجــاه انتمائها العــربي والإســلامي وعمقها الافريقي، وفي اتجاه التأكيد على اســتقلالية القــرار وإنهاء الغياب واستعادة العرب لزمام المبادرة في قضاياهم. وعودة مصر لا تسعد الكثيرين في المنطقة أو من خارجها، ومن هنا فإن محاولات وضع العراقيل ستتواصل، سواء بخلق المشاكل الداخلية وممارسة الضغوط الاقتصادية، أو بمحاولة زرع الخلافات بينها وبين الأشقاء العرب، والتركيز الآن من جانب الأعداء هو على علاقة مصر بدول الخليج العربي التي كانت أول مقصد لرئيس وزراء مصر الدكتور شرف بعد السودان. وقد تكون هناك اختلافات في وجهات النظر حيال هذه القضية أو تلك، ولكن الأساس الذي لا يتغير هو ما أعلنته مصر بان الخليج خط احمر بالنسبة لها، ليس فقط أمن الخليج، بل وعروبته، وهنا فصل المقال كما يقولون. * نقلا عن "البيان" الإماراتية

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل