المحتوى الرئيسى

د.إيمان يحيى : معضلة انتقال السلطة..المحاذير و المخاطر

05/07 21:25

السؤال الذي يشغل أذهان المصريين الآن هو: ما الذي ستنتهي إليه الفترة الانتقالية الحالية؟ و إلى من ستنتقل السلطة بعدها؟شهدت مصر أربع ثورات فى تاريخها الحديث: الثورة العرابية،و ثورة 1919،و ثورة يوليو 1952 و أخيراً ثورة 25 يناير عام 2011. كان للجيش دور مؤثر فى ثلاث منها، فقد كان بمثابة الطليعة الثورية فى ثورتى عرابى و يوليو، و فى ثورة 2011 وقفت القوات المسلحة على الحياد فى بادئ الأمر ثم أصبح دورها فاعلاً على الساحة السياسية بتبوأها دور الضامن لفترة انتقال السلطة.لم تكن صدفة أن كل ثورة من تلك الثورات،كان لها دستورها الخاص. أصدرت الثورة العرابية دستور 81 الذى أعدته جمعية حلوان، و جاءت ثورة 19 بدستور 1923. و تعددت دساتير ثورة يوليو مابين دستورى 1956 و 1958 المؤقتين و دستور 1964 الدائم. و مازالت ثورة يناير 1911 تبحث عن دستورها.ومن عجب أن إشكالية السلطة و القوى الثورية تقع فى صُلب تلك الثورات الأربع، فمن بين تلك الثورات جميعاً لم يستول على السلطة الثوار بشكل كامل و مطلق سوى ثوار يوليو 52. تقاسم العرابيون مع الخديوى و قوى الثورة المضادة السلطة حتى استولت عليها، بعد تسعة أشهر فقط، الثورة المضادة مدعومة بقوى الاحتلال البريطانى. بينما لم يكن الاستيلاء على السلطة هدفاً معلناً لثورة 1919، بل و لم يكن حتى الدستور ماثلاً فى مخيلة قائدها سعد زغلول، كان الهدف هو الاستقلال و انهاء الاحتلال. و عندما أنتجت تلك الثورة دستور 1923، تقاسم السلطة الاحتلال البريطانى و القصر و أحزاب الأقلية. كانت السلطة أشبه بكرسى للبيانو قائم على ثلاثة ركائز. و فى الفترة مابين 1924 و 1952 لم يتول الوفد “حزب الأغلبية الشعبية” الوزارة سوى  سبع سنوات.وهاهم ثوار يناير خارج السلطة بكل المقاييس، لا يتقاسمونها و لا يشاركون فيها و لا يحكمون سواعدهم على مقودها! مازالت السلطة فى أيدى بقايا نظام مبارك و معهم قيادة الجيش. فى تقديرات حديثة يمثل الوزراء المتعاطفون مع الثورة ثُلث العدد من الوزراء على أقصى تقدير. هكذا يبدو الوضع الانتقالى الحالى و كأنه تحت لافتة “دولة مباركية دون مبارك و رجاله المقربين”.لقد صنعت الثورة قوى غير تقليدية بالمرة، فالثوار لم يكونوا من أحزاب المعارضة الرسمية و لا هم من بُنى المعارضة التقليدية. هم شباب راكمته الحركات الاحتجاجية و نضال القوى المطالبة التغيير منذ عام 2004. و لعل المأزق الذى وقعت فيه الثورة أن أغلب مطالبها تعلق بخطط هدم النظام القائم، بينما انزوت مطالب البناء فى قدر قليل منها، و غابت رؤية المستقبل. حتى هذا القدر القليل من مطالب البناء سرعان ما اندثر بعد ان اختلفت القوى التى التحقت بالثورة و شاركت فيها. لعل المقارنة بين أهداف ثورة يوليو 52 على سبيل المثال و ثورة يناير 2011 تبين ذلك التناقض. من بين 6 أهداف ليوليو كان ثلاثة يتعلقون ببناء مجتمع جديد. فى الوقت نفسه ضاع هدف الدولة الديمقراطية البرلمانية، و بدا التخلى عن حلم دستور جديد ديمقراطى من الوهلة الأولى حين ضحى به الاخوان و السلفيون فى الاستفتاء الأخير.السؤال الذى نحتاج الى اجابته، حتى لا تروغ منا الرؤية هو: ما هو جوهر ثورة يناير؟ أدرك مفجرو الثورة من الشباب أن مصر و أنهم يستحقون الحياة كما تعيش بقية الأمم فى العالم فى حرية و ديمقراطية و فى اطار دولة تحترم حقوق الانسان الأساسية (السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية). من هنا، تبدو مفارقة أن القوى التى التحقت بالثورة فى منتصفها تقود الأن حملة لحرف مسارها الأصيل نحو مأزق الطائفية و المتاجرة بالشريعة و التلويح بالدولة الدينية. من المؤكد أن الملمح الرئيس فى الموقف الراهن هو غياب اتفاق وطنى جامع على أهداف و شكل الدولة المصرية فى المستقبل. هذا الاتفاق الوطنى الجامع لا يمكن الوصول اليه دون حوار مجتمعى شامل، حوار علنى يشهده الشعب المصرى و تشارك فيه قوى الثورة الحالية.لا نستطيع ان نتغافل عن المصاعب و العقبات التى تعترض انتقال السلطة فى مصر، التى مازالت فى قبضة النظام المباركى. و لعل أولى تلك المعضلات هى معضلة غياب الأمن فى مصر. بدون استتباب لأمن لن نستطيع اصدار دستور جديد و لا اجراء أى انتخابات. من هنا يصبح واجبا أن ترفع قوى الثورة شعار “الأمن أولاً و ثانياً و ثالثاً”.العقبة الثانية هى أنه لم يتم التخلص من الدولة المباركية و آلياتها بعد، ولعل من المفيد التأكيد على ان الاقتصاد مازال فى أيدى رجال الأعمال القريبين من دائرة مبارك و أن الادارة الحكومية و المحليات كمجالس و ادارات مازالت فى أيدى النظام، و مازالت تسير وفق آلياته.الصعوبة الثالثة تتمثل فى وجود عامل ضغط خارجى يكبح انتقال السلطة الى الثوار.هذا العامل المتمثل فى السعودية و دول الخليج المحافظة و التى ارتبط نظام مبارك بها وظيفيا لا يقف مكتوف الأيدى أمام مايحدث فى مصر. هو يضغط بكل قوته عبر الضغط الاقتصادى للمحافظة على الدولة المباركية الخادمة لمصالحه و يرفض محاكمة مبارك و أسرته. من جهة أخرى يدعم قوى التخلف و الرجعية و السلفيين لحرف مسار الثورة و تسييد نموذج دولته.العقبة الرابعة هى استخدام الثورة المضادة لقوى تيار الاسلام السياسى (السلفيين و الاخوان المسلمين) التى التحقت بالثورة فى منتصفها ليحولوا مسارها الديمقراطى عبر تفجير خلافات و صراعات حول تطبيق حدود الشريعة و حول طبيعة الدولة و محاولة اضفاء طابع دينى و طائفى عليها.ثم يأتى أخيراً  دور الجيش الذى يكتنفه الغموض. بلا شك جيش2011 غيره غير جيش الثورة العرابية و جيش يوليو. كما أن المجلس العسكرى الأعلى لا يمكن فصمه عن آليات الدولة المباركية. شتان بين صغار الضباط فى 1881و1952 و بين كبار الجنرالات و ارتباطاتهم فى 2011. فى الحالتين الأولتين لا مجال لغموض فى ارتباط تلك القوى بالثورة، و فى الحالة الأخيرة تتكاثر الغيوم و السحب و الاشارات المقلقة حول دور المؤسسة العسكرية.لا يمكننا الا التوقف أمام اشارات بالغة الأهمية لتصرفات المجلس الأعلى. تم تشكيل لجنة التعديلات الدستوري من قبل المجلس العسكرى، و تم تمثيل قوة سياسية وحيدة فيه و هى الاخوان المسلمين عبر محامٍ لا يرقى لرتبه فقيه دستورى كبقية أعضاء اللجنة. تلك اشارة لافته لم تكن لتغيب عن المتابعين للمشهد السياسى. ثم تأتى الاستعانة بقادة و زعماء السلفيين فى فتنة كنيسة أطفيح و قنا، ينفتح المجال واسعاً بمباركة المجلس لأكثر قوى الاسلام السياسى تخلفاً فى قنوات الاعلام الرسمى المصرى.و لعل الاصرار على احاطة عمل لجنة التعديلات الدستورية بالسرية و امتداد عملها الى اصدار تشريعات أساسية  مثل قانون الأحزاب ، و الذى بحق هو قانون لمنع الاحزاب، و قانون تجريم التظاهر و التجمهر يبرز طبيعة تلك اللجنة. تلك التعديلات و القوانين الهامة قد تم اصدارها دون مشاركة و تشاور حقيقى مع المجتمع المصرى و عبر لجنة لا تمثل سوى قوة سياسية وحيدة هى الاخوان، مما جعل البعض يطلق على تلك اللجنة”لجنة سارقى ثورة يناير”، و هو لقب متسامح للغاية يتواضع أمام ما أطلقه سعد زغلول عن “لجنة الأشقياء” التى أعدت دستور 23. فى عام 1923 كانت تداولات تلك اللجنة مفتوحة و منشورة على الملأ ،بل ان محاضر اجتماعاتها قد نشرت كمكمل للدستور و شارح لأبعاده، أما لجنة 2011 فتبدو مريبة وتدور اجتماعاتها بليل دون شفافية أو أى مشاركة سياسية أو اجتماعية.هكذا بدت أمام المصريين خارطتين لطريق انتقال السلطة فى المرحلة الانتقالية:خارطة أولى تفرضها قوى شباب الثورة و تتمثل فى اختيار مجلس رئاسى مؤقت من مدنيين و احد العسكريين و وضع دستور جديد مع فترة انتقالية قد تمتد لعامين، تمكن قوى الثورة من تنظيمنفسها فى المعترك السياسى. تلك الخارطة تضع انتخاب الرئيس قبل انتخابات البرلمان فى ظل عدم تبلور قوى الثورة السياسية فى أحزاب.وخارطة ثانية تدعمها فلول الحزب الوطنى و جماعات الاسلام السياسى، تبدأ باستفتاء على تعديل الدستور، ذلك الاستفتاء الذى اتضح بعد تنفيذه انه لا محل لهمن الاعراب !. تلك الخارطة تعجل بانتخابات برلمانية تأتى بقوى تقليدية يدعمها رأس المال السياسى و الخليجى، و تعدنا بأربعة انتخابات و استفتاء (انتخابات برلمانية و استفتاء على دستور جديد و انتخابات رئاسية ثم انتخابات للبرلمان و الشورى من جديد). ولعل تلك الخارطة تبدو معطلة للحياة الاقتصادية و السياسية فى مصر بعكس ما تم ترويجه، و لعل كان المقصود منها اصابة الشعب المصرى بالتسمم الانتخابى كعقاب له على قيامه بالثورة.واذا كان هناك انحياز للخارطة الثانية التى حذرت منها قوى الثورة المدنية ، فاننا نعود لنؤكد ان الوصفة الحقيقية لانتقال سلس و حقيقى للسلطة الى أيدى قوى الثورة لابد أن تتضمن:- قوانين مشاركة سياسية تمنع تغول رأس المال السياسى و تلاعبه بارادة الناخبين.- اصلاح النظام الانتخابى ليكون بالقائمة النسبية غير المشروطة و المفتوحة، و التى من الممكن أن تجعل مصر دائرة واحدة أو عدة دوائر كبيرة محدودة. فقط عبر هذا النظام نستطيع القضاء على القبلية و نفوذ العصبيات العائلية و الجهوية و الطائفية. و عبر القائمة النسبية سيعود البرلمان لممارسة مهامه التشريعية و الرقابية و سيتوقف عن القيام بدور المجالس المحلية و الخدمات الاقليمية التى انهت بالفعل دوره السياسى و التشريعى فى الغقود الأخيرة من السنوات.- قانون حازم لمنع استغلال دور العبادة (كنائس و مساجد) فى الدعاية السياسية و الحزبية و فى الترويج الانتخابى للمرشحين.- قوانين تدعم الدولة المدنية و دولة المواطنة و المساواة، منها قانون موحد لبناء دور العبادة و قانون جرم التمييز على أساس طائفى او عرقى.- ذلك الاطار التشريعى يجب ان يتم وضعه على الفور و دون ابطاء بمراسيم صادرة عن السلطة المؤقتة و قبل البدء فى أى انتخابات، لأن أى انتخابات ستتم فى الاطار المباركى سوف تؤدى الى نظام مباركى جديد دون وجه مبارك ، حتى و لو كان بلحية مستعارة.يبقى سؤال حول دور الجيش فى الفترة المقبلة و فى انتقال السلطة. أمامنا 4 سيناريوهات ثلاث منها لا نريده و واحد منها نأمله. أما السيناريو المأمول فهو قيام الجيش بدوره المأمول و تحوله الى حامٍ للدستور و يمكن ذلك عبر تشكيل مجلس لحماية الدستوريضم مدنيين و عسكريين و يقوم بمراقبة و حظر أى اختراق للدستور و روح الديمقراطية، وحتى لا تكون الانتخابات القادمة هى آخر انتخابات تجرى فى مصر.الثلاث سيناريوهات التى لا نريدها تعنى تورط الجيش بوجه أو بآخر فى الحكم:1.   أن  يقوم تحالف بين المؤسسة العسكرية و تيارات الاسلام السياسى لحكم البلاد. قد يساعد فى تحقق مثل هذا السيناريو اختراق صفوف المجلس الأعلى من قبل بعض تلك التيارات2.   السيناريو الباكستانى :أن يحكم الاسلاميون فى الواجهة بينما يتحكم الجيش فى مقاليد الأمور من وراء ستار، و قد يظهر بين حين و أخر فى الواجهة لحسم خلافاتهم. قد يساهم فى ترويج هذا السيناريو ما يُشاع عن ارتكان المؤسسة العسكرية للتعامل مع تنظيمات وتيارات الاسلام السياسى و السلفييين بحجة أنهم القوى الوحيدة المنظمة المؤهلة للتأثير فى المجتمع المصرى3.   تقديم المؤسسة العسكرية أحد ممثليها لحكم البلاد، و هو احتمال وارد فى ظل تكالب قوى سياسية عديدة لنفاق أعضاء المجلس الأعلى العسكرى. قد يدعم ذلك السيناريو ضعف القوى المدنية و بروز أكثر من “سليمان حافظ” يعرض خدماته على قادة المؤسسة العسكرية و يقدم تبريراته و صياغاته القانونية لمراسيم و قوانين تُعد بمعزل عن أى مشالركة شعبية.هذه هى الأخطار و الأنواء التى تحيط بالفترة الانتقالية الحالية فى مصر. قد تذهب السلطة لمن لا يستحقها و قد يصل الى مقاليد الحكم من لا يعبر اطلاقا عن ثورة 25 يناير و مفاهيمها. قد يتكرر ما حدث فى عام 1805 عندما انتهت ثورة المصريين على الوالى العثمانى بتولية محمد على الحكم و نفى قيادة الثورة الشعبية الممثلة فى السيد عمر مكرم. قد تصل قوى الثورة الحقيقية و مشروعها للحكم ،لتصبح أول ثورة مدنية تصل بممثليها لسدة الحكم فى مصر. العامل الحاسم فى تطور الوضع الانتقالى يتوقف على خارطة الطريق التى نتبعها و على وصفة الانتقال السلس للسلطة.مواضيع ذات صلة

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل