المحتوى الرئيسى

التوازن الجديد

05/07 11:04

فهد ابراهيم الششري تلعب إنتاجية المواطن دورا كبيرا في تحفيز النمو الاقتصادي، والذي بدوره يعزز مستويات الناتج المحلي الإجمالي ومتوسط الدخل الفردي. فالإنتاجية هي المرتكز الأساسي الذي يعزز تنافسية الاقتصاد بقطاعاته المختلفة، وبالتالي يساهم في جذب الاستثمارات إليه وزيادة التكوين الرأسمالي فيه، ومن ثم زيادة إنتاجيته ونموه بشكل مطرد. والكثير من الدول التي حققت نموا اقتصاديا كبيرا كالصين وكوريا الجنوبية وماليزيا واليابان، لم تعتمد على موارد طبيعية، كالنفط أو الغاز والمعادن الثمينة، ولكنها اعتمدت بشكل كبير على تعزيز إنتاجية المواطن لديها، مما وضعها في مصاف الدول المتقدمة. وتعزيز الإنتاجية يمكن تحقيقه من عدة جوانب، أولها إتاحة فرصة التعليم والتأهيل الجيد للمواطن. كوريا الجنوبية كانت مثالا واضحا على الاستثمار في التعليم لتحقيق التقدم التنموي المطلوب. ماليزيا كذلك لديها إحدى التجارب الرائدة في الاستثمار في مجال التعليم والتي قادها في ذلك الوقت مهاتير محمد. والجانب الآخر والمهم هو توفير الحوافز الاقتصادية التي تساهم في تحفيز الإنتاجية للمواطن والحصول على أفضل إنتاج ممكن. ولست هنا أعني بالحوافز المادية فقط والتي تمثل بالطبع عنصرا رئيسيا من عناصر التحفيز، ولكن أيضا مجموعة الأنظمة والتشريعات التي تنظم علاقة الموظف برب العمل، من خلال تحديد واضح ودقيق للواجبات والحقوق، ومتابعة تطبيق ذلك على أرض الواقع من خلال آلية واضحة للرقابة والمحاسبة. هنا يبرز تساؤل مهم حول واقع الإنتاجية في القطاع الحكومي، وكيف يمكن تعزيزها. هناك واقع مؤلم في القطاع الحكومي يشهد على تدني إنتاجية المواطن بشكل كبير، ليس بسبب أن الموظف السعودي غير منتج.، ولكن بسبب وجود عدد كبير من العاملين الذين يفوقون حاجة الكثير من القطاعات الحكومية، في حين تعاني بعض القطاعات الحكومية الخدمية الأخرى نقصا كبيرا في عدد العاملين الذي يستطيعون تلبية حاجات المواطن، هذا من جانب. ومن جانب آخر، بسبب عدم وجود البيئة الإدارية والتنظيمية والتشريعية المبنية على مبدأ تعزيز الكفاءة وزيادة الإنتاجية، والتي يرتكز فيها التقدم في السلم الوظيفي على هذا المبدأ. الحوافز التصحيحية الجديدة المتمثلة في استيعاب المزيد من المواطنين في القطاع الحكومي، وزيادة الحوافز المادية للمواطنين، فرضت توازنا جديدا، لكنه غير مختلف عن سابقه إلا في مستواه. فالزيادة الكبيرة في عدد العاملين، إن لم يتم توزيعها على القطاعات الحكومية التي تعاني فعلا نقصا في العاملين فيها، فستؤدي إلى مستوى توازني أقل من سابقه لإنتاجية المواطن، وبالتالي لجودة الخدمات والسياسات الحكومية في المستقبل. لذلك، لست متفائلا كثيرا بالمستوى الذي ستكون عليه الخدمات العامة في المستقبل؛ لأنه بناءً على قانون اقتصادي بسيط، فإن زيادة عدد العاملين عن حد معين يؤدي إلى تناقص الإنتاجية الحدية (الإضافية) لكل عامل، بالتالي تراجع مستوى الإنتاجية بشكل عام. هناك جانب آخر يتعلق بدور القطاع الحكومي كمصدر لخلق الوظائف في الاقتصاد في مقابل دور القطاع الخاص. فالاقتصادات الديناميكية والصاعدة يلعب القطاع الخاص فيها الدور الرئيسي في خلق الوظائف، وبالتالي دورا أكبر في زيادة الإنتاجية وتحفيز النمو الاقتصادي. استشراف المستقبل يقودني إلى نتيجة مفادها أن القطاع الحكومي سيظل على المدى المتوسط والبعيد هو الموظف الرئيسي في الدولة، وهذا يعني بالطبع معدلات متواضعة للإنتاجية والنمو الاقتصادي. وهذا أيضا تتبعه نتيجة أهم وأكثر إيلاما، وهي أن مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي ستتراجع أو على الأقل ستتباطأ إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه. التوازن الجديد الأكثر إيلاما يتعلق بالأعباء المالية التي تتزايد مع تزايد حجم القطاع الحكومي. فاليوم لا تمثل هذه الزيادة قلقا كبيرا، نظرا للوفرة المالية، وتوفر الحيز المالي القادر على استيعاب هذه الزيادات، سواء في العدد أو في التكلفة المترتبة على ذلك. لكن المشكلة أن هذه الأعباء قد لا يتحملها الجيل الحالي، لكن بالتأكيد سيتحمل عبئها ونتائجها الجيل القادم. أبسط مثال على ذلك أعباء المنافع التقاعدية، فالجيل الحالي من خلال الاستقطاعات التقاعدية منه هو المسؤول عن تحمل تبعات وأعباء المنافع التقاعدية للجيل السابق، وبالمثل فإن زيادة هذه المنافع إجمالا بسبب زيادة حجم القطاع الحكومي سيتحملها الجيل القادم وليس الجيل الحالي. خلاصة القول، أنه يجب النظر بشكل جدي إلى مسائل أساسية تتعلق بالكفاءة والإنتاجية في القطاع الحكومي. فزيادة حجم القطاع الحكومي لا تمثل مشكلة في حد ذاتها إذا كان ذلك انعكاسا لحاجات اقتصادية حقيقية. لكن المشكلة تكمن في النظرة إلى القطاع الحكومي كموظف اجتماعي وكملجأ لحل مشاكل لقطاعات أخرى، كمشكلة السعودة في القطاع الخاص. كون الدولة وفرت فرصا ومزايا وظيفية جديدة يجب أن يكون حافزا للجميع، سواء المسؤولين في القطاعات الحكومية المختلفة، أو المواطنين، إلى التفكير فعليا في كيفية استدامة هذه الفرص وهذه المزايا. هذا لن يتحقق بالطبع إلا إذا وضعنا كل هذه الأمور في نصابها الصحيح. كل زيادة في المزايا تتطلب زيادة في الموارد من جهة، ومن جهة أخرى زيادة في المسؤوليات المترتبة على هذه المزايا. *عن صيحفة" الاقتصادية" السعودية

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل