المحتوى الرئيسى

«المصرى اليوم» تعايش تجربة الشباب الليبى فى تجميل شوارع بنغازى

05/06 19:32

24 عاماً هى سنوات عمره لم يعرف خلالها سوى الذهاب إلى الدراسة والالتحاق بفريق الكشافة التابع لجامعته، فالكشافة بالنسبة له كانت وقتاً يسمح له بلقاء أصدقائه من بعض الدول العربية من مصر وتونس ولبنان وفلسطين والجزائر، يجلس بجوارهم يتناولون آخر الأوضاع السياسية التى تمر بها بلادهم. كان يصمت أثناء هذه اللقاءات وينظر إلى أقرانه بعلامات غلبت عليها الدهشة، فهو لا يعرف ما المقصود بالدستور أو استقلال القضاء أو احترام حقوق الإنسان أو حتى الأعمال التطوعية أو مجال التنمية البشرية. عماد محمد مخلوف، الطالب بكلية الاقتصاد، نموذج لقطاع كبير من الشباب الليبى، الذين قضوا حياتهم بعيداً عن الممارسة التطوعية ليس بإرادته، وإنما رغماً عنه. يقول مخلوف: «الشباب الليبى من المستحيل أن يلتقى فى مجموعات للقيام بأى أنشطة توعية أو سياسية، فأى تجمع لهؤلاء الشباب كان محكوماً عليه بالفشل والقمع من قبل جهاز الأمن الداخلى بالبلاد». مخلوف وقف ضاحكاً وسط ما يقرب من 90 شاباً وفتاة فى جزيرة تتوسط أحد الأماكن الحيوية فى بنغازى بهدف تجميلها فى إطار الدعوة التى أطلقها مركز «الرواق» للتنمية البشرية، قائلاً: «كان من المستحيل أن يتجمع هذا العدد من الشباب من قبل ليقوموا بخدمة بلدهم، فالتجمعات كانت مقصورة فقط على أسماء بعينها وتتم داخل المراكز بعد الحصول على مئات الموافقات من الأمن الداخلى واللجان الثورية». يصمت مخلوف قليلاً، ثم يعاود كلامه، مسترجعاً حواراً دار بينه وبين والده فى إحدى المرات ليدلل به على مدى التعتيم السياسى الذى كانت تشهده ليبيا، قائلاً: «عندما كنت أقابل زملائى من مصر وتونس أسمع عن أعمال تطوعية وسياسية لا أفهم منها شيئاً وأخذت وقتاً كثيراً لكى أحاول تخيلها حتى جاءت دعوة مركز الرواق للتنمية البشرية وقمنا بتطبيق هذه الأعمال على أرض الواقع دون أن يقمعنا الأمن الداخلى». وأضاف: «قبل قيام ثورة 17 فبراير كان بدى أترك البلد وأسافر إلى مصر أو تونس بصفتيهما الجارتين الأقرب، أما الآن فلن أستطيع أن أترك بلدى، فهذه هى المرة الأولى التى أشعر فيها بكلمة (ليبيا)». لم يجد مخلوف خلال حديثه معنا مثالاً يعبر عن مدى الفزع، بحسب وصفه، الذى كان يعيشه الشعب سوى الحوار الذى دار بينه وبين والده عندما سأله يوماً ما الذى يرمز له علم الملك السنوسى أو ما يطلق عليه الشباب الليبى «علم الاستقلال»، ويجد والده يتهرب من الإجابة ليس لجهله، وإنما خوفاً من أن يعلم أحد أن والده يتحدث فى أمور السياسة. يعاود مخلوف كلامه: «اليوم عرفت ما المقصود بعلم الاستقلال، ولكن بعد قيام الثورة، فاللون الأحمر يرمز لدماء الشهداء والأسود دليل على الحقبة الاستعمارية الإيطالية والأخضر رمز للأرض والحياة وبعد مجيئ القذافى أصبح العلم كله أخضر»، مردداً بسخرية: «كان ناقص الشعب يقولوا يا سيدى حط صورتك على العلم». أما أسماء فتحى، عضو هيئة تدريس بالمعهد العالى للكمبيوتر، فكانت أكثر الشباب المتطوعين شعوراً بالألم من قبل نظام القذافى، فكل ما كانت تحلم به الفتاة العشرينية هو تأسيس جمعية أهلية لكفالة المحتاجين من جيرانها وأصدقائها، وبالفعل قدمت أوراقها لكى تحصل على موافقة رغم علمها بصعوبة الإجراءات كتجميع توقيعات من مائة شخص للحصول على تصريح بالجمعية. تتذكر «أسماء» الرد الذى حصلت عليه عندما أقدمت على هذه الخطوة قائلة: «عندما قدمت أوراقى كان الرد كالتالى لايوجد شىء يسمى العمل التطوعى أنت لست فى دولة محتاجة للعمل التطوعى، أنت فى دولة المواطن هو الذى يملك فيها السلطة، فكيف تقومين بإنشاء جمعية تطوعية». اليوم تقف «أسماء» وتقدم شكراً للشباب الذين خرجوا لتحرير بنغازى وتحريرهم، بحسب قولها، وترى أنها لابد أن تخرج هى وفتيات المدينة للمشاركة فى تنميتها وإعادة بنائها، مرددة: «كفاية أننا لم نشارك مع الشباب فى تحرير المدينة وجاء الدور علينا لكى نساعدهم فى بنائها، فمكان الثوار الجبهة ومكاننا هو تنمية ما حرروه». أضافت «أسماء»: «هذه هى المرة الأولى فى حياتى التى أتعلم فيها ما المقصود بالعمل التطوعى والقيادى، فبعد الدورة التى دعا لها عبدالحميد القطبى، أستاذ التنمية البشرية، من خلال إذاعتنا ليبيا الحرة، خاصة فى إعداد القادة شعرنا باختلاف»، وتتهكم: «ماكانش فيه حاجة اسمها إعداد القادة، فليبيا كان لا يوجد بها سوى قائد واحد هو معمر القذافى». مفهوم الجمعيات والمراكز الحقوقية كغيره من المفاهيم التى غابت عن ليبيا طوال الـ 42 عاماً الماضية وهى فترة حكم الرئيس القذافى، ورغم أن هذه المراكز منتشرة فى عدد من الدول العربية فإنها شكلية، فليبيا لم تعرف يوماً مؤسسة حقوقية مدنية، بحسب تأكيد «أسماء» وغيرها من عشرات الشباب، لافتة إلى أن الجمعية الوحيدة التى تعمل فى جميع الخدمات التطوعية والأهلية وأحياناً تتطرق إلى مفهوم حقوق الإنسان على استحياء هى جمعية «واعتصموا» التى ترأسها عائشة، ابنة القذافى، أو كما يطلق عليها الليبيون جمعية «المصباح السحرى» التى تفركها تطلع لك كل حاجة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل