المحتوى الرئيسى

حاجتنا إلى كبير

05/05 16:54

 أدين بربع ثقافتي إن كانت لي ثقافة للإذاعة. فهي المؤدِّب الذي عودني فضيلة الإنصات، ونشط عندي آلة التخزين والتركيز.في ليلة من ليالي رمضان الماضي استضاف مذيع ومذيعة في البرنامج العام باحثا في الجيولوجيا الفيزيائية، وكان مدرسا أي أنه كان نائلا للدكتوراه. كان الحديث كما تعودنا عما في مصر من مواهب مدفونة وطاقات مجهولة، وقدم الباحث مشروع بحثه، وكان عن إزالة الألغام. لم أتعود أن أسمع شيئا لا طاقة لي بفهمه لكن إزالة الألغام كانت تتصل بما ترجمته عن جهود الأمم المتحدة لإزالة الألغام تحت الماء تحديدا فقلت لعل الله يفتح لي بابا من الفهم. تكلم الباحث وأطنب، وكان بدهيا ألا يعترض مقدما البرنامج فهما غير متخصصين لكن المشكلة التي ألفت نظركم إليها هي انطباعي الذي كان كالعادة: يا لها من حكومة مجرمة! بالطبع كان كلامه يكرس مباشرة لهذا الانطباع الذي أصبح من عادتنا نحن المصريين، فكأننا مفطورون على كره الحاكم ولو كان نبيا.كنت أصبر نفسي لعل شيئا يعلق بذهني المكدود، ولم يشأ الله سبحانه أن يضيع وقتي فاتصل أستاذ(Full professor) في هذه المادة، وكان رجلا دمث الأخلاق قدم نفسه بأدب فصرت مدهوشا لهذا الكم من التكريم والشهادات والإنجازات، وطلب مناقشة الباحث فيما قال. لا يحضرني الآن سوى تعبيرنا الشبابي العامي أنه "غسله ونشره"، وأثبت بل وباعتراف الباحث الذي صار كالكتكوت إذ يقع في المسقاة أن الباحث لص خطير قد سطا على فكرة أحد الأساتذة الكبار الذين ماتوا ولم يسمع بهم أحد، فوجد هذا الأستاذ من الوفاء أن ينسب العلم إلى أهله.لقد كان هذا درسا عظيما في قيمة أن يكون هناك كبير يراجعنا ويعلمنا ويحكم فيما اختلفنا فيه، ويكون كالصيرفي الحاذق يحسن فصل المغشوش عن الصحيح في عالم لا أجد له من تسمية إلا عالم الريبة.في المشهد الثاني كان الأستاذ هذه المرة هو الحبيب الغالي د. أحمد مستجير ابن بلدي (دكرنس) عليه وعلى أبي وعلى الأستاذ عادل القاضي وكل أمواتنا سحائب الرحمة والنور والرضوان. في برنامج "حوار على نار هادئة" بالمحور مع المحاور الثعلب محمود فوزي كان سؤال الأخير للعالم الجليل: ما تقول في يوسف والي الذي سرطن الشعب؟ كانت إجابة العالم هي: لا أدري. مارس المحاور فن الكر والفر وقال: أليس هذا بتخصصك؟ رد مستجير: بلى لكني لم تتوفر لي أدلة تكفي للحكم على منهجه والمدرسة التي يتبعها؟ قال فوزي: هل له مدرسة؟ أليس بفاسد؟ أجاب مستجير: كلا أما عن وصفه بالفاسد فهذا ما أنفيه بقوة، بل وعلمياً لا بأس من استخدام المبيدات فهي إجراء عالمي بل ويزيد في إنتاجية المحصول وكفاءته، والرجل هنا ليس بفاسد بل ولا مخطيء لكن له مدرسة واتجاها معينا قد يكون خلاف الأولى، بل كان هذا الرجل من العلماء الكبار.كانت تلك هي الومضة التي أنارت عقلي إذ كيف لعوام الناس الحكم على يوسف والي بكل هذه الأحكام ثم يأتي عالم جليل متخصص قد بلغ القمة في مجاله فيجيب بكل هذه الدقة التي تؤكد ألم يكن الرجل فاسدا. لا يهمني هنا لو كان والي فاسدا أو غير فاسد، الذي يهمني هو ضبط زوايا العقل، وقيمة أن يكون هناك كبير يزيل الريبة، ويكشف اللبس، ويحكم بين الناس بالعلم والعدل والحق.الفقرتان السابقتان استهلال لما يلي:بعد أن فُتحت الجامعات للتيارات الدينية، وصارت نهبا لمرشحي الرئاسة وفيهم المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة، وإذا كنت أرى كل هذا النفاق لشباب الثورة، وأسمع من الشيخ صفوت حجازي في المحور قوله: عندي شاب والله لديه حل لكل مشكلات مصر المالية والاقتصادية في أربع وعشرين ساعة، فليدلني أحد على عنوانه وأنا أجلس تحت قدميه أتعلم منه. في أربع وعشرين ساعة يا للهول!أين أنت أيها الكبير (ليس أحمد مكي بالطبع).بل ما سبق هين إن أنت قارنته بما سأفجعك به الآن:في المدينة الجامعية كان صديقي وزميل غرفتي ومن سريره بجوار سريري وطعامه طعامي قطبيا متشددا يكفر المجتمع، وما يزال يحمل بعض هذا الفكر البغيض، بل وهو من الإخوان سابقا وساعده الإخوان في أعضاء هيئة التدريس على أن يكون معيدا في الكلية تخيل ماذا أصبح في هذا الهرج والمرج الثوري ذي النكهة المصرية: رأيته مرارا في كل الفضائيات تقريبا يتحدث عن الثورة بوصفه رئيس حكومة الظل!آه يا ثورتنا كل الناس أبطال ما عداي[email protected] 

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل