المحتوى الرئيسى

د. أحمد الخميسي يكتب: لست ممن أسعدهم مقتل بن لادن

05/05 14:05

الموضوع باختصار هو الموقف من " قتل بن لادن " . وربما لا يكون موقفي من الإرهاب بحاجة لتوضيح ، لكني أوضحه مع ذلك : أنا ضد الإرهاب خاصة المقنع منه بكسوة دينية . لكني أيضا وبوضوح ضد الإرهاب الأمريكي الاستعماري خاصة المقنع منه بكسوة الديمقراطية وحقوق الإنسان . أما عن مقتل بن لادن ، فإنني أقول إني أستغرب أن يهلل الكثيرون لذلك الحدث بصفته " انتصارا " . أفهم أن يدعي الغرب الاستعماري ( واشنطن ، ولندن ، وباريس ، وغيرها ) أن ذلك " انتصار " . لكن لماذا نتصور نحن ذلك ؟ سيجيب البعض : لأن بن لادن إرهابي . وأقول لهم : نعم بن لادن إرهابي ، وإذن أنتم فرحون باستئصال " ذلك الإرهاب " ؟ . سيجيبون : نعم . فرحون باستئصال ذلك الإرهاب . وأقول : مقتل بن لادن عملية ذات طابع مزدوج ، إذ أنها تشتمل على استئصال " إرهاب " بإرهاب آخر أكبر. وبالنسبة لي ، فإني لا أستطيع أن أبارك لمئة جنيه مزورة ، حين تبتلع جنيها مزورا . ولا أستطيع أن أبارك لمدفع كبير حين يقصف مدفعا صغيرا . و لا أستطيع أن أبارك لسكين مشحوذة طويلة وهي تكسر سكينا أخرى أصغر . لأنني في الحقيقة – حين أسعد بمقتل بن لادن - أكون قد وقفت " ضد الإرهاب ومع الإرهاب" في الوقت ذاته . الذين سرهم مقتل بن لادن ، فاتهم أن أمريكا هي التي صنعته ، وأن " صناع الإرهاب الكبار " خاضوا معركتهم ضد أنفسهم . كنت سأسعد كثيرا ، لو أن المجتمع الأفغاني ، أو الباكستاني ، كان قد تطور وملأت أنوار العلم والثقافة سماءه بحيث يعزل بن لادن عن أي تأثير . أما أن يقوم " المجرم الكبير " بتصفية " مجرم صغير " ، فليس في ذلك ما يسعدني ،  لأن تلك الحقيقة لا تنطوي على عناصر تقدم المجتمعات ، بل على حقيقة انتصار الشر الأكبر على شرور صغيرة ، والإعجاب بذلك الانتصار إعجاب بالشر الأكبر في نهاية المطاف . لا . لست سعيدا بمقتل بن لادن . وأظن أن المطلوب ، كان ، ومازال هو إجبار أمريكا وغيرها على التخلي عن سياستها الاستعمارية ، وعلى الخروج من أفغانستان والعراق وفلسطين ، وعلى الكف عن عمليات اغتيال القادة في العراق وليبيا وغيرها ، بحيث تتمكن تلك المجتمعات من مواجهة واستئصال شأفة الإرهاب بكل أنواعه . . لا ، لا أستطيع أن أبتهج بمساحة ضخمة من الحرائق تنتشر فتبتلع في طريقها حريقا صغيرا !  إنك لا تستطيع في وقت واحد أن تدين منهج الإرهاب وأن تؤيده في نفس الوقت . أقول : لا ،  لست ممن أسعدهم مقتل الإرهابي بن لادن بأيدي الإرهاب الأمريكي . لا أجد نفسي في ذلك . ولن يقودني أحد إلي الوقوف كتفا بكتف إلي جوار الإرهاب الأكبر لأحتفل بمصرع ارهاب صغير . فما الذي يمكن أن يسعدني حينما تعدم أمريكا بضاعتها التي صنعتها ؟ ثم تواصل طريقها لتقدم لنا المزيد  من  الإرهابيين، والطغاة المحليين ، وترسخ الاحتلال والتدمير بحثا عن النفط ؟

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل