المحتوى الرئيسى

مذكرات عاشقة

05/05 08:04

كنتُ هناك أتنزه فى الحديقة، أستعيد ذكرى خلت منذ عشرين عاما. غارقةً فى الوجد والحيرة. اختلط الأمس باليوم والماضى بالحاضر. وندمتُ أننى فى الصباح لم أبتع جريدة، وندمت أننى لم أنظر للتقويم. كنت بحاجة لأن أعرف أين أنا؟! وإلى أى زمن أنتمى؟! هل حملنى الحنين إلى ماض أعشقه؟! ماض أعتبره زمنى الوحيد؟! لماذا نفقد وجوهنا القديمة فى غفلة منا؟ ملامحنا التى تحمل براءة مُحببة، وغفلة عما ستفاجئنا به الأيام. لماذا لا نحتفظ بوجوهنا القديمة الطيبة؟ ألسنا أولى بها من العدم؟! ■ ■ ■ هذه كانت طقوس يومى زمان. أستيقظ فى الصباح الباكر موفورة النشاط. لم أكن قد عرفت الأرق بعد، ولا الاستيقاظ المتكرر طيلة الليل، ولا البكاء أثناء النوم. أستيقظ فأشعر فورا بالابتهاج. كنت صغيرة وكنت غريرة، وكنت أكتشف شيئا جديدا كل يوم. هل هى صحوة الروح التى تصاحب فورة الشباب، أم كيمياء غامضة تلهم أرواحنا بحب الحياة، أم لأننى كنت أعرف أننى حتما سأشاهدك حتما فى طريقى للمدرسة كالعادة تنتظرنى عند انحناء الدروب؟! ■ ■ ■ دعنى أشرح لك. المرأة والرجل، السالب والموجب، هكذا تُقدح شرارة الحب وتكتمل دورة الحياة. تبرع النحلة فى غزل الزهور، وتنقل دون أن تدرى حبوب اللقاح. تقيم الكائنات مواسم للحب، وتحتفل الطبيعة بديمومة الحياة. لهذا كان قلبى يدق بقوة حين أراك! كيف لم أفطن وقتها أنك صغير مثلى! غرير مثلى! ومثلى أيضا تكتشف الحياة. نظراتنا المشحونة بعواطف رعدية وكهرباء لذيذة كانت تُرجف أوصالى حين أراك. ■ ■ ■ وفجأة، دعنى أستعد الذكرى، كنت قد خرجت من المدرسة مبكرا، وكنت أعرف أنك تتبعنى. لا أدرى كيف واتتنى الجرأة لدخول الحديقة العامة. كان قلبى يدق بسرعة ووجهى محتقناً بالدماء. كنتُ صغيرة وكنتُ غريرة وكنت أريد أن أجرب روعة اللقاء. ولجت باب الحديقة. تبعتنى. بعد خطوتين فقط كنت قد ندمت. عند شجرة السرو توقفت. كان الجو صامتا فيما عدا طير يُغرّد. وراودنى شعور بأن الزهور بنات، والأشجار أمهات يباركن الحب. كنتُ صغيرة وكنتُ غريرة وكنتُ عاشقة أيضا! حالك لم يكن أفضل من حالى. كنتَ مرتبكاً مثلى وأكثر. تبعتنى فلم ألتفت، كلمتنى فلم أرد. لكنك حينما منحتنى الزهرة ابتسمت. حينما عدت إلى بيتى خبأت الزهرة فى كتابى وزرعتها فى قلبى، فأنبتت شجرات ورد. ■ ■ ■ واليوم عدتُ. بعد عشرين عاما رجعتُ. أمسكت الوردة المحنطة فى يدى ودخلتُ. سألتنى شجرة السرو: «أين غبت ولماذا عدت؟!». قلت وأنا ألوّح بالوردة القديمة: «يا أمّ غيّبتنى الأيام. عدتُ أبحث عن نفسى القديمة، عن الوردة التى ذبلت، عن الحب الذى يعيدنى للحياة». وفجأة لا أدرى ما حدث. مالت الشجرة ولثمت وجهى بغصونها كأى أم. عادت الزهرة فواحة فى يدى، وعاد قلبى يدق بقوة. عدتُ صغيرة وغريرة. وعاد وجهى القديم. وعاد الماضى يحمل أزاهيره! يغنى بمزاميره! شعرت بك تأتى من خلفى، وعاد قلبى يخفق للحياة. [email protected]  

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل