المحتوى الرئيسى

كارم يحيى : انسحاب من “ائتلاف حرية الإعلام”

05/04 19:13

هل نبنى الديمقراطية بدون ديمقراطيين ؟شاركت في تأسيس ” ائتلاف حرية الإعلام ” منذ اجتماعه الأول في 13 مارس 2011. قبلها بأيام تلقيت دعوة كريمة ومكالمة هاتفية أكرم من الصديق الأستاذ “جمال عيد” مدير الشبكة العربية لحقوق الإنسان تدعوني للمشاركة. وفي الدعوة والمكالمة تحذير وتوضيح وعهد بـ “وقف إغداق المؤسسات الدولية الأموال على وسائل الإعلام والمؤسسات المدنية الذي قد ينتج عنها إفساد لهذه المؤسسات ” ( وفق ما جاء بنص الرسالة الالكترونية بتاريخ 9 مارس) .واتخذت قرارا ليس بالسهل بالمشاركة.فقد اعتذرت في أكثر من مناسبة سابقة عن قبول عروض كريمة من “الشبكة العربية ” من بينها الإشراف التحريري على مطبوعتها “وصلة ” و إعادة نشر كتابي الصادر في عام 2005 ” حرية على الهامش : في نقد أحوال الصحافة المصرية “. وفي كل منها كان لدي وجهة نظر  خاصة احتفظت بها .. وهذا لا يعنى أن لدي “فوبيا ” ضد المنظمات الحقوقية المتهمة بتلقي تمويل خارجي . أبدا فقد شاركت بجهد تطوعي في كل ما اعتقدت أنه عمل جاد مخلص يخدم حرية التعبير والصحافة والناس في مصر . وتحديدا مع ” الشبكة العربية” شرفت بالإشراف على الكتاب التذكاري بمناسبة مئوية مظاهرات حرية الصحافة مارس 1909 . و ألقيت محاضرة في مقرها القديم بضاحية ” المعادي ” عن حقوق الصحفيين في الانضمام إلى عضوية النقابة المصرية . وفي الحالتين كما في غيرهما رفضت تلقى أي مقابل مادي . ولم أتقاض “مليما واحدا”. بل أنني كنت ممتنا للشبكة ” العربية ” والصديق “جمال” لشعوري الطاغي سعادة ورضا بالمساهمة في عمل مفيد وجاد.أما بالنسبة للتمويل الأجنبي فقد شاءت الأقدر أن تضعني في اختبارين . الأول عام 1997 عندما ساهمت في قيادة رفض عرض  دانماركي بتمويل ورعاية نشرة ” صحفيو الغد” التي صدرت إبان أزمة قانون تشديد عقوبات الحبس في قضايا النشر رقم 93 سنة 1995 . وهي النشرة التي تولى رئاسة تحريرها الصديق الزميل “هشام فؤاد”وكنت أحد مؤسسيها . وفي المرة الثانية عندما امتنعت حين تشرفت بمسئولية منسق حركة ” صحفيون من أجل التغيير ” لقاء وفد أمريكي زار القاهرة في نوفمبر 2005 بهدف ” استقصاء أحوال الصحافة المصرية و البحث عن شركاء لمشاريع تعتزم مؤسستهم رعايتها “، وذلك بعدما بحثت على شبكة ” الإنترنت ” عن هوية مؤسسة الوفد ،واكتشفت أنها نشطت في كل من أفغانستان و العراق في ظروف وتوقيت غير بريئين . وبالطبع حرصت على أن يكون الرفض بإرادة جماعية وديمقراطية من الزملاء في الحركة .وهذا لا يعنى مطلقا أنني أعاني “كراهية الأجانب ” أو أرفض الاستفادة من الخبرات الدولية. بل إنني لا ألوم منظمات أهلية وحقوقية في تلقي تمويل لمشروعات بعينها ،على أن يجرى ذلك في إطار من الشفافية والقواعد و الحسابات المعلنة المنضبطة التي تمنع الفساد أو التورط مع جهات تمويل تتناقض مع أسس الوطنية المصرية وثوابتها.تغلبت على ترددي في المشاركة في تأسيس ائتلاف حرية الإعلام بعد ثورة 25 يناير . وأعترف هنا أنه كان لهذا التردد مبعثا ذاتيا إضافة إلى ما أشرت إليه سابقا. فقد تجاهل الصديق ” جمال ” وشبكته ما لفت إليه نظره من سلسلة مقالات ودراسات في نقد أحوال الصحافة المصرية شرعت في كتابتها ونشرها منذ نوفمبر 2010 في وسائل محدودة الانتشار . وهي التي بدأت بمقال ” رسالة من صحفي بالأهرام إلى الدكتور عبد المنعم سعيد: استقل من الوطني “. وحقيقة اندهشت قليلا لهذا التجاهل رغم أنني أتعامل مع نفسي بوصفي كاتبا صحفيا هامشيا في عهد ” مبارك ” وما أزال . فلم أكن يوما من أصحاب سلطة النشر في هذه الصحيفة أو تلك ولم أسع لحجز عامود أو مساحة نشر بصورة فوتوغرافية لشخصي أو بدونها . و بالأصل لم يكن ممكنا لمن هم على شاكلتي أن يحصلوا على أي من هذه الامتيازات الفعلية والمظهرية على مدى ثلاثين عاما .  أكان أصحاب هذه الامتيازات من نجوم إعلام وصحافة النظام أو معارضته المنتقاة بعناية . وغاية ما انتهيت إليه من تجاهل الصديق ” جمال ” و شبكته أنه مجرد تفصيلة صغيرة تضاف إلى كومة قش . لعل من بينها تجاهل الزميلة “عبير سعدي ” مقررة لجنة تطوير المهنة بالنقابة لاقتراحي في ديسمبر الماضي عقد ندوة تناقش علاقة الصحافة القومية بالحزب الوطني الحاكم ، وذلك انطلاقا من كتابات نقدية متلاحقة لأحد الصحفيين في هذه الصحف ( أقصد الهامشي كارم يحيى ). وهي كلها كما غيرها من كتاباتي النقدية في السياسة والصحافة لم أتلق مليما واحدا مقابل نشرها.وعلى أية حال ، حضرت بقلب مفتوح وبرغبة مخلصة في التعاون الاجتماع الأول للتحضير للائتلاف يوم 13 مارس  2011 .ولقد كان على أن أقتطع وقتا للذهاب إلى فندق ” فلامنكو ” في الزمالك تاركا خلفي لوم زملاء أعزاء في ” الأهرام ” ونحن في أوج محاولات تغييره ومصارعة قيادته حينها. وإن لم أتوقف كثيرا عن سؤال شرد في الذهن : لماذا فندق وقاعة فسيحة .. فيما كان بالإمكان عقد الاجتماع في مقر “الشبكة” أو في أي قاعة صغيرة بنقابة الصحفيين بوسط البلد؟.ومع ذلك ، شعرت بالاطمئنان لأن مندوبا لمنظمة دولية محترمة كـ ” اليونسكو ” بين الحضور . ومنيت نفسي بنقل خبرات للمصريين تفيد في إعادة تشكيل نظام إعلامي جديد بعد الثورة . وهذا للأسف لم يحدث إلى حينه على حد علمي . وما أعلمه جيدا أن مطالباتي المتكررة بإمدادي والمشاركين في التأسيس بأحدث وثائق “اليونسكو” أو غيرها بشأن معايير حرية الإعلام والصحافة و تجارب مراحل الانتقال إلى الديمقراطية لم تلب أبدا، وذلك مع أن مكتب إعلام ومطبوعات اليونسكو في القاهرة يقع قريبا في “جاردن سيتي”.إلا أنني ألاحظ هنا أنه لا الاجتماع الأول أو ما لحقه من اجتماعات تطرق أبدا إلى ما نصت عليه دعوة المشاركة الكريمة بشأن”وقف إغداق المؤسسات الدولية لأموال على وسائل الإعلام والمؤسسات المدنية الذي قد ينتج عنها إفساد لهذه المؤسسات “. بل تبين للمشاركين قائمة منظمات دولية على أهبة التمويل لنشاط الائتلاف من دون فرصة لمناقشة ضوابط أو محددات . وكل ما فعلته إزاء ذلك أنني تساءلت عن اسم أو اسمين لم أجد معلومات واضحة عنها في شبكة ” الإنترنت ” . كما أنني ظللت دوما حريصا ومنذ الجلسة الأولى على تأكيد الطابع التطوعي لمشاركتي وعلى أهمية تشجيع المشاركات التطوعية في هذا العمل وفي مجال حقوق الإنسان عموما . بل أقنعت الزملاء بتضمين نص دعوة الانضمام للائتلاف الإشارة إلى الجهود التطوعية . إلا أن الكتيب الصادر بمناسبة ” إعلان حرية الإعلام ” في 3 مايو 2011 تجاهل هذه الإشارة .(!) بل إنني أيضا فوجئت باختياري من بين أربعة للعمل كسكرتارية مؤقتة لإدارة العمل ، ومن دون التشاور معي  وهي بالأصل سكرتارية تعمل بأجر. فاستغربت و اعتذرت .وعلى أية حال لم يكن في هذا أو ذاك أو غيره من ملاحظات نقدية توصلت إليها خلال الجلسات التي حضرتها للإعداد لإعلان حرية الإعلام مشكلة كبرى . فكل شئ قابل للحوار على قاعدة ” الوحدة والصراع ” . لكن المسألة الحاسمة بالنسبة لي كانت مع المؤتمر الصحفي ظهر 3 مايو بمقر “الشبكة “.  وقد تناوب الحديث من فوق المنصة الزملاء الأساتذة رجائي الميرغني و جمال عيد و خالد السرجاني فضلا عن حسين عبد الغني الذي تفضل بإدارة المؤتمر . كما توالى بعدها متحدثون من القاعة بعضهم طرح أسئلة والآخر تقدم بآراء. وكان أكثرها تميزا ما قاله شاب وفتاة عن التواطؤ الإعلامي  والصحفي الواسع إزاء محاكمة المدنيين و تعذيبهم على أيدي أجهزة في الجيش منذ 28 يناير 2011 . وبعدها طلبت الكلمة وحيث إنني كنت قد سجلت ملاحظات على نص إعلان حرية الإعلام الذي طالعته هذه المرة مطبوعا في الكتيب . وقلت ما مفاده أن هذا الإعلان ليس نصا مقدسا ويتعين مراجعته بالتعديل والحذف والإضافة ، ونظرا لأن الائتلاف الذي يتبناه في طور التشكل وتوسيع عضويته . وبعدما امتدحت المجهود المبذول في صياغة الإعلان ودور الأستاذ ” الميرغني ” في وضع مسودته ، انتقدت بكل حب و إخلاص غياب أي إشارة في الإعلان إلى الدور السلبي لرجال الأعمال وسلبيات صحافتهم وقنواتهم المسماة بالخاصة وزورا بالمستقلة . وانتقدت إجمالا ما وصفته بلغة ومصطلحات مستعارة على خلفية موجة ثورات أوروبا الشرقية في نهاية عقد الثمانييات وجل عقد التسعينيات . و نبهت إلى أن الثورة المصرية جاءت ضمن موجة جديدة مختلفة نظرا لأنها تأتي الآن  بعد انكشاف عورات وسوءات ” الليبرالية الجديدة ” ( أقصد هذا النوع من الرأسمالية المتوحشة ) . وهي قضية سأعود إلى مناقشتها في مقال مستقل إذا سنحت الظروف مستقبلا. و بالتالي فإننافي حاجة لمصطلحات وخطاب ورؤية مختلفة في الإصلاح الاقتصادي والسياسي وبالطبع الإعلامي هنا .وخصوصا أن التجربة المصرية في الصحافة والإعلام قبل الثورة وفي الأثناء تحمل إدانة لا لبس فيها لدور الرأسمال ورجال الأعمال المرتبطين بمصالح مع الحزب الحاكم وأجهزة الأمن فضلا عن الشركات والقوى الأجنبية . وعلى ذلك أشرت إلى علاقات العمل الاستبدادية الفاسدة في صحافتنا بما في ذلك صحف رجال الأعمال.كما لفت الانتباه إلى تجاهل نص الإعلان لضرورة فتح ملفات الفساد السياسي الإعلامي الصحفي ومعالجتها و كذا غياب الديمقراطية الداخلية في الصحف ووسائل الإعلام و ما بدا من انفصال ” إعلان حرية الإعلام ” عن خبرة ومتطلباتالنضالات الجارية في المؤسسات الإعلامية مع الثورة من أجل المهنية والديمقراطية واختيار قيادات هذه المؤسسات عن طريق الانتخاب وفق معايير تضمن الكفاءة والنزاهة والاستقلالية . وانتقلت إلى مخاطر تقديس المجلس العسكري الحاكم و تحصينه من النقد إعلاميا . و أشرت هنا إلى ملاحظات قلتهافي اجتماع مناقشة مسودة الإعلان .وأنه بلغ بي الحال طلب التصويت على تضمين الإعلان نصا يقدر الدور الوطني للجيش مع المطالبة بإزالة كل ما يعوق ممارسة النقد للأداء السياسي للمجلس العسكري و تناول انتهاكات حقوق المواطن المدني على يد أجهزة الجيش. إلا أن زملائي المشاركين في صياغة الإعلان رفضوا التصويت .وواقع الحال أن كل ما قلته من ملاحظات سابقة كنت قد نبهت إليه في جلسات العمل السابقة .لذا فإنني فجعت فيما انتهى إليه نص الإعلان المطروح للإعلام . ومع ذلك فإنني كنت على استعداد للاستمرار و قد جهزت مقترحات لتفعيل الإعلان حتى بصيغته الحالية غير المرضية بالنسبة لي . لكن المفاجأة هنا أننيتعرضت للمقاطعة من المنصة . وتناوب الجالسون عليها الرد على ما قلته دون أن يسمحوا لي بمواصلة قول ما أعتقد .ومع إنني نبهت مرارا أنني لم أكمل ، إلا إنني آثرت الإصغاء لهم جميعا حتى انتهوا . و ما أثار دهشتي قول الأستاذ ” رجائي ” أنه هناك ما يقال في الاجتماعات المغلقة وهناك ما يقال في مؤتمر صحفي  وهناك ما لا يصح فيها (!) و قول الأستاذ ” عبد الغني ” أن الإعلان تضمن إشارة كافية لما نبهت إليه من سلبيات ومخاطر إعلام رجال الإعلام والليبرالية الجديدة حين نص على ” استبعاد مصادر الهيمنة والاحتواء السياسي والاقتصادي ” . لكن أشد ما أدهشني و آلمني أن يتفضل الأستاذ خالد السرجاني زميلي في الأهرام ومدير تحرير جريدة “الدستور” بتكذيبي بشأن واقعة طلب التصويت على النص الخاص بنقد المجلس العسكري وشفافية المعلومات بشأن الانتهاكات العسكرية لحقوق المواطنين المدنيين . وقد زعم أن التصويت كان مقترحا في مراجعة نص الإعلان في اجتماع تال لم أحضره . ولذا لم يجر التطرق إلى هذه النقطة بالأصل . لكنني أذكره لو كان تكذيبه لي وليد نسيان ـ وإن كنت أشك في ذلك ـ بأنني عندما اكتشفت ضيق الصدر إزاء اقتراحي و محاولة استبعاد مناقشته طلبت التصويت ورفعت يدي علامة الموافقة فصاح الأستاذ رجائي :” لا مش معقول .. ما ينفعش حكاية التصويت دي”. وعلي أي حال سامح الله الزميل الأستاذ ” خالد ” فيما أدعاه على خلاف الحقيقة وعلى مشاركته في قمع رأي اختار صاحبه أن يجلس في القاعة وطلب منه مع بداية الاجتماع التقدم إلى المنصة.وحقيقة كان المشهد في هذه اللحظة من المؤتمر عنوانا لقمع حرية الرأي .و اكتملت فصوله العبثية بإعطاء الكلمة للزميلة الأستاذة ” خيرية شعلان ” الجالسة إلى جانبي تماما . فبادرت بدون أن ترعي حقوق زميلها في استكمال رأيه إلى الحديث مباشرة وكأنني بالأصل غير موجود .هنا كان يجب أن أغادر . خرجت دون الصياح بكلمة احتجاج أو التفاته إلى الخلف. وسألت نفسي: هل يمكن بناء ديمقراطية وحرية تعبير وإعلام من دون ديمقراطيين ؟. وعندما توصلت إلى إجابة مقنعة ، انتهيت إلى أن أعلن هنا والآن الانسحاب من ائتلاف حرية الإعلام و المطالبة بحذف اسمي من قائمة مؤسسيه . وينسحب ذلك إلى الاعتذار عن مسئولية المجموعة المكلفة بإعداد ورقة إصلاح المؤسسات الصحفية القومية و إتحاد الإذاعة والتليفزيون وهيئة الاستعلامات . على أنني مستعد لأن أوفر لمن يتصل بي من الائتلاف أسماء وهواتف الزملاء الأكفاء المحترمين الذين رحبوا بالتعاون معي . وقد خيرتهم بين تقاضي مكافآت يوفرها الائتلاف أو العمل تطوعا مثلي . وقد اختاروا جميعا مشكورين اختياري. ويبدو هنا أن “الطيور على أشكالها تقع “.وكما قلت ممهدا في المؤتمر الصحفي ممارستي النقد الذاتي لنص الإعلان فإنمن يحب ينتقد من وما يحب . أما من يتجاهل فهو لا يحب . ولذا أتمني أن يتفهم الأصدقاء والزملاء قرار الانسحاب متمنيا دوام المحبة ولهم كل توفيق .أما ما تحملته من همز ولمز على مدى أسابيع من زملاء مهنة ونقابة جراء المشاركة في هذا الائتلاف و ما يظنوه من أنه ينازع النقابة دورها أو ما تقولوا به عن ” سبوبة التمويل الأجنبي ” فإن أجري على الله .ويبقي السؤال الأهم :هل يمكننا بناء ديمقراطية من دون ديمقراطيين ؟.لا أظن.في 4 مايو 2011مواضيع ذات صلة

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل