المحتوى الرئيسى

محمد فاروق أبوفرحة يكتب:عندما يتكلم الصامتون

05/04 14:34

لقد زاد معدل آلام البشر الساكتين عن التعبير عن مشاكلهم، فدائما يحدث كبت وانزواء لمن يتألم ولا يعبر عما أصابه، أو يقول لأحد عن مشكلته، أنه الصمت المؤلم الذى يصيب البشر غير القادرين على إبراز مشاكلهم وهناك حالات كثيرة يظهر هذا جليا و واضحا. هناك حالة من الفقر الذى يلازم الإنسان الشريف فترة طويلة و لا يبوح عن فقره لأحد، لأنه عفيف اليد واللسان، وكرامته لا تهان وإن نام (جوعان)، وقد قال الله تعالى عنهم (والذين لا يطلبون الناس إلحافا ولو كان بهم خصاصة) وهنا السكوت رد فعل للحفاظ على كرامته ولكن هل يظل ساكتا أمام آلام ومعاناة عائلته؟ عندما يرى الدموع تنهال من أعين أولاده لعدم مقدرتهم على شراء طعام أو ملبس مثل باقى الأقارب، فهل يظل ساكتا ويتحمل؟ نعم من الممكن أن يتحمل ولكن قد يمرض الفقير دون داء أو دواء، فالفقر فى حد ذاته قد يؤدى إلى المرض إن رافقته الكرامة والعزة بالنفس دون الإفصاح عنها. هناك أيضا من يسكت ويتألم دون أن يبوح عن مكنون نفسه، مثل من يحب ولا يبوح عن حبه لأحد وقد يكون وصل من الحب أرذله ولكن الخوف من معرفة رأى الآخر قد يؤدى إلى السكوت القاتل والمرض الشديد، علة الإنسان قلبه الطيب وسكوت عقله ولسانه، ولكن دائما تجد من يحب من طرف واحد يعيش فى عالم خاص به، وعندما يرى من يحبه قد يلملم شتات نفسه ويتجرأ لقول (إنى أحبك) ولكن حياءه قد يقف فجأة أمام مكنون صدره وعقله، ويعجز اللسان عن النطق، فيمرض الجسد نتيجة للسكوت المفاجئ، يا لها من سكتة أصابت البدن والعقل، وقد يعجز الأطباء عن إيجاد الدواء. و هناك الساكت عن الحق، فهناك من يرى المعاصى والأخطاء ترتكب أمامه ويقف عاجزا عن الكلام، يرى الحرام بعينيه فيغلق العقل عما رأى، ويظهر هذا جليا فى طبقات كثيرة من المجتمع، انحرف بعضها عن الحق وسكت البعض الآخر عن التكلم، فزاد الفساد وانتشر فكان مقدرا أن تثور الحقيقة وتنتفض، وهذه نهاية طبيعية لكثرة السكوت عن الفساد، فلكم تألم الشرفاء لسكوتهم، و زادت العلل بهم والسبب أمامهم فى مصالحهم وأعمالهم وفى حياتهم وأهلهم، وكان لا بد من إسعافهم. وهناك من يسكت عن حاله ولا يتقدم للأمام ومهما فعلت معه، لا يقدم ولا يؤخر ذلك من حاله شيئا، فقد تعود على حاله هكذا، وإن أعطيته مالا لكى يعمل، يقوم بصرف المال على الطعام و لا يعمل، فهو يريد من يأخذ بيده ولا يتركه و يذهب، ويرافقه فيكون معه خطوة بخطوة، فهناك من يحب عمل الجماعة وإن أتى بالقليل فهو راض، وإن زاد المال زاد النشاط والكلام ولم يعد للسكوت فى حياته معنى ويصبح مثل البلبل المغرد يتنقل بين الأغصان مغردا. وهناك من يسكت عن حق الله ولا يؤدى لله حقوقه، ويشعر بالتقصير الشديد، ولكن لأن قلوبهم حجر صوان فمن يرد الله به خيرا جعل الشعور بالتقصير يزداد وكلما ازداد هذا الشعور، فيبدأ القلب فى اللين حتى يعود لصوابه، فما أشد ألم السكوت عن حق الله و تهون كل آلام السكوت أمام سكوت الإنسان عن حق الله. و هناك من يسكت عن مرضه ولا يتحدث لأحد عما أصابه، بالرغم من قول الله تعالى (لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا)17 الفتح، لكن هناك كثيرون يعانون من المرض ولا يتكلمون قد يكون مرضا عارضا أو ملازما ولكن هناك ساكتا، لا يتلكم عن مرضه فالبعض لا يحب أن يعلم أحد أنه مريض حتى لا ينظرون له نظرة شفقة أو حسرة أو عطفا، وهناك من يسكت عن مرضه مثل أغلب أمهاتنا حتى لا ترى الحزن فى أعيننا، فكم هى غالية علينا دمعة طفل على مرض أمه، وهناك من يتكلم عن مرضه ويحدث الجميع به لعله يجد تعاطفا ومحبة افتقدهما فجمعهم المرض. من أحب السكوت فمن حقه، و قد يكون لسكوته معنى إن تكلم. أيها الساكتون ، كثر سكوتكم وزادت أحزانكم فدعوها لله يفرج همكم.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل