المحتوى الرئيسى

البلطجة .. من المهد إلى اللحد!

05/04 14:18

لم يكن أحدٌ من المصريين قبل ثورة يناير 2011م يتوقع أن يصبح المصطلح المحلي " البَلْطَجَة " مصطلحًا تردده وسائل الإعلام الدولية بصورة متكررة في أخبارها وتعليقاتها على الأحداث، فالمصريون اعتادوا على تداوله محليًّا، ذلك أن وسائل الإعلام المصرية كانت تذكره على استحياء بين الحين والآخر، كلما اقترفت يد " البَلْطَجِيَّة " أمرًا جللا يصلُح أن يكون مادةً إعلاميةً، شريطة ألا يمس ذِكْرُهُ أسلوبَ السياسة المصرية الداخلية .وتُعَدُّ موقعة "الجَمَل والحصان" الشهيرة التي دارت رَحَاها في ميدان التحرير بوسط القاهرة أثناء ثورة يناير حدًّا فاصلا بين محلية المصطلح وعالميته، ففي هذا اليوم الذي شهد غروبُه ميلادَ فجور بلطجيٍّ جديد في دوافعه وأسلوبه وأدواته ومظهره، طار ذِكر المصطلح في الآفاق، وذاع صيته، وتساءل الكثيرون عن دِلالته، وإنْ فهمها البعض من خلال مشاهدتهم لأحداث الهجوم الغاشم على المتظاهرين. والآن صار هذا المصطلح يتردد كثيرًا في عدد من وسائلَ الإعلاميةٍ الدوليةٍ؛  للتعبير عن أعمال اعتداء وحشية من بعض الجماعات الموالية لحاكم ما، أو التي قبضت الثمن من حاشيته ومعاونيه ورجاله للهجوم المسلح على المتظاهرين السلميين .والحقيقة أنني لم أعثر - فيما اطلعت عليه- على أحد تناول ظاهرة "البَلْطَجَة" من الناحية اللغوية لبيان أصل هذا المصطلح، ودلالته،  وتطوره، وهل له أصول في المعاجم العربية أو لا ؟، كما لم أجد مَن تناوله مِن الناحية الاجتماعية تناولا يبحث بعمق في جذوره وأسبابه ودوافعه ومظاهره وآثاره السلبية.ولعل هذه الموضوع يفتح أبوابًا أمام الباحثين والدارسين يَلِجُون منها إلى غمار ظاهرة طفت بشكل قبيح على سطح المجتمع المصري، وباتت تهدد ثوابتَ قِيَمِهِ وأعْرَافِهِ وتقاليده الأصيلة التي اشتهر بها، ولعلهم يرون في الموضوع ما يجذب نظرهم، ويشحذ هممهم، ويبري أقلامهم ليشرعوا في دراسة القضية من كافة جوانبها، ووضع الحلول المثلى لعلاجها من أجل مستقبل آمن مزدهر .وسأتناول الموضوع في عدد من النقاط بإيجاز :أولا : تعريف البلطجة :بالنظر في مادة " بَلَطَ " بالمعاجم العربية تبيَّن أن بعض تصريفات هذا الجِذْر تدل على القسوة، والنِّزَال، والشدة، والصلابة، والإفلاس، والاعتداء على الآمنين، والهاربين من العسكر، والتَّسَكُّع، والحركة والإيذاء، ومعاونة العسكر في تنفيذ مهامهم بقطع الأشجار وإقامة المحاصن ... الخ. وقد جاء في معاجم لسان العرب، وتاج العروس، والمحيط المحيط() وغيرِهَا كثيرٌ من هذه المعاني، فيقال: بَالَطْنَاهُم: أي نازلناهم، وأبْلَطَ فلان: إذا قلَّ مالُه أو أفلس، وأبْلَطَهُم اللص: لم يدع لهم شيئا، والبُلُط: الفارُّون من العسكر، واعترض اللصُ القوم فأبْلَطَهُم: أي تركهم ولم يُبْقِ لهم شيئا، وتَبَلَّط الولدُ: أي تشيطن وتسكَّع، وولدٌ بُلُط: أي كثير الحركة والإيذاء، والعامة تقول " بِلِط" بكسر الباء واللام دلالة على سماجة طبعه وقلة حيائه، والبُلْطِيُّ: من يسير مع العسكر لأجل تسهيل الطريق بقطع الأشجار وإقامة التحصينات، والبَلْطُ: الحديدة التي يخرط بها الخرّاط، والعامة تقول "بَلْطَة" وهي فأس يُقْطَع بها الخشب، يكون حدُّها موازيًا لقضيب الخشب الذي تدخل فيه الحديدة، ويُمسَك به، وهي في اللغة التركية "بَلْتَة" بالتاء، ويضيفون المقطع "جِي" إليها فتصبح "بَلْتَجِي" أي: صاحب الفأس(). واستعير المقطع " جي " من التركية لبعض الكلمات المستعملة في العامية مثل: "عَرْضِحَالْجِي" للقائم بعرض الحالات على المسئولين، و"بُوسْطَجِي" لرجل البريد، و"عَرْبَجِي" لصاحب العربة التي كانت تجرها الدواب، و"بَلْطَجِيّ" لصاحب البلطة، والذي كان يستخدمها في قطع الأشجار والأخشاب، ثم استعملت للترويع والتخويف والإيذاء، ثم أُطلق المصطلح على كل من يستخدم أداة من الأدوات للإيذاء، أوالتخويف، أوالترويع .ومن الدِلالات اللغوية يمكننا أن نقول: إن البلطجة هي استعمال القوة أو السلاح لترهيب الناس أو إيذائهم، أو لاستغلالهم، أو للاعتداء على أموالهم وأعراضهم وممتلكاتهم لتحقيق مصلحة. و"البَلْطَجِيّ": هو الخارج على القانون الذي يمارس ذلك لحساب نفسه أو لمصلحة غيره، و"البَلْطَجِيَّة " أو " البَلاطِجَة" : جمع "بَلْطَجِيّ".  ويمكننا استعارة مصطلح " البلطجة " الدال على الكثير من مواقف القهر الحسية لكثير من مواقف القهر المعنوية والسلوكية الآنيَّة، اعتمادًا على علاقة المشابهة بين السلوكينفيمكن القول بأن كل موظف يتمتع بنفوذ وظيفي يقوم باستغلال نفوذه في إلحاق الضرر المادي أو المعنوي بأحد من الموظفين أو ممن أُوكل إليه أمرهم فهو "بلطجي" .وكل صاحب رأي يحاول أن يفرض رأيه على الأخرين بالقهر والعنف، ولا يحترم أراءهم فهو "بلطجي" .و كل دولة تستخدم قوتها العسكرية أو الاقتصادية أو العلمية للاستيلاء أو لنهب وسلب أرض أو موارد أو ثروات أو عقول علماء دولة أخرى فهي تمارس "البلطجة" .وهذا المصطلح لم يكن شائعًا في اللهجة المصرية في كثير من عقود القرن العشرين، وإن بدأ يتردد ويستعمل منذ منتصفه مرادفَا لمصطلح "الفُتُوَّة"()، فما "الفُتُوَّة"، وما الصلة بينها وبين " البَلْطَجًة "ثانيا : " الفُتُوَّة والفتونة".استُعْمِلَ مصطلح "الفُتُوَّة" بضم الفاء، قديمًا في معاني الكرم والسخاء وسمو الأخلاق، واستحسنه الصوفية فاستعملوه في معاني الفضيلة. وصَاحِب "الفُتُوَّة" يقال له: الفَتَى، ومنه قولهم: " لا فتىً إلا عليٌّ" أي لا شبيه له في كرمه ونبله وشجاعته وسخائه، ثم استعمل مصطلح "فُتُوَّة" في معنىً مغايرٍ، فاستعمل في قطع الطريق، وحمل السلاح والسرقة، وتهديد الناس في أموالهم وأنفسهم(). وصحَّف العوام ضبط الكلمة، وأبدلوا ضمة الفاء والتاء كسرةً ونطقوها "فِتِوَّة" واشتُقَّت منها كلمة "فَتْوَنَة" للدلالة على مهنة "الفِتِوَّة". وشاع استعمال هذا المصطلح المصري في أغلب عقود القرن العشرين.و"الفِتِوَّة" في البيئة الشعبية المصرية قديمًا كان رجلا ذا سطوة وهيبة ونفوذ، يعتبر نفسه مسئولا عن الحيِّ الذي يسكن فيه، مدعومًا في هذه الممارسة باعتراف أهل حَيِّه له بهذه المكانة، وانعدام الرقابة الحكومية. وكان "الفِتِوَّةُ" رمزَ الحي، فعزة أهل الحيِّ من عزته، وذلتهم من خسارته وإهانته،  وانتصاره في منازلته لفتوات الأحياء الأخرى انتصار لهم جميعا يقيمون من أجله الأفراح، ويتلقون فيه التهاني من الأحياء الأخرى، ويتباهون به، و كان "الفِتِوَّة" يرى أن من حقه أن يعاقب من لم يَحْتَمِ به، ولا يحقُّ لزَفَّةِ عُرْس أو ختان صبي في الحي أن تتحرك إلا بإذنه وتحت حمايته .وقد مرت "الفَتْوَنَة" بمرحلتين :الأولى: مرحلة ما قبل الاستعمار البريطاني، التي حمل " الفِتِوَّات " فيها ألقابا عديدة مثل "الجُعَيْدِيَّة، والبُدُورَة، وحشرات الحسينية وغيرها()" وفيها اتسم "الفِتِوَّات" بكثير من السمات الحسنة، كنُصرة المظلومين، وحماية الضعفاء، ونجدة الملهوفين، والدفاع عن الحي وأهله عند أي اعتداء()، وقد كان لهؤلاء "الفِتِوَّات" مواقفُ وطنيةٌ شجاعةٌ تجسدت فيها الكرامة، وحب الوطن، والتضحية من أجله؛ فعندما هاجم الفرنسيون مصر، وتخاذل المماليك في الدفاع عنها، وهموا بالهروب من القاهرة لعجزهم عن المقاومة، تجمع زُعَّر() الحسينية "الفِتِوَّات" وحالوا دون هروب أبناء البلد مع المماليك، وذهبوا وأحضروا المدافع من المطرية وغيرها، وزادوا عن حِمَى الوطن وأرضه وعرضه() .ولما فرض الفرنسيون ضرائب باهظة على الشعب المصري تجمع حشرات الحسينية "فِتِوَّاتُها" وزُعَّر الحارات البرانية "فِتِوَّات الأطراف" عازمين على الجهاد، وأبرزوا ما كان عندهم من السلاح وآلات الحرب، ولهم صياح عظيم: " نَصَرَ اللهُ دينَ الإسلام" وضربوا القائد الفرنسي " دبوي" وقتلوا من عسكره جماعة، واستولوا على أبواب القاهرة، وهمَّ نابليون بقصف القاهرة، لولا تدخل الشيوخ والأعيان(). ومرة أخرى أعملوا القتل في الجند الفرنسية، وسلبوهم ما معهم ، وأوشك نابليون على تأديب أهل القاهرة، ولكنه تراجع في أخر لحظة موافقًا على اقتراح العلماء بأن يُكتب منشورٌ يتضمن صفحه وعفوه، وفيه جاء "نعْلِمُكم معاشر أهل مصر أن حضرة ساري عسكر بونابرتة، أمير الجيوش الفرنساوية صفح الصفح الكلي عن كل الناس والرعية بسبب ما حصل من أراذل أهل البلد والجعيدية من الفتنة مع العساكر الفرنساوية ()".وقد أعجب الشعراء بهؤلاء "الفِتِوَّات" وأفعالهم الحميدة، ومواقفهم المشرفة، يقول الشاعر شفيق سلوم من قصيدة له " بالعامية المصرية" :أهُو دَا تاريخك يا وَلَدأهُو دُوْل فِتِوَّات البلدبَذَرُوا بُذُورً المَجْدَعةمن غير َمَياصَة وشَخْلَعةقالوا لها قُوْلَه بسْ إيه !مَا تشدِّي حِيْلِك يا بلدكانْ الفِتِوَّة له حدودوكانْ عَلى الْغلبان يِجُودوكان على حَيّه يزُودفي السيِّدة وشبرا البلدأهُو دُول فِتِوَّات البلد()المرحلة الثانية: بعد الاحتلال البريطاني؛ وفيها فطن المحتل البريطاني لسطوة "الفِتِوَّات" وتعلموا الدرس من تاريخهم مع الفرنسيين، فعملوا على ترغيبهم حينًا وترهيبهم أحيانًا، فاستقطبوا بعضهم، ويسَّروا لهم سُبُل الحياة وملذاتها، وأغدقوا عليهم، وغضَّوا الطرْف عن تجاوزاتهم الشعبية، وسلطوا عليهم الحشيش والخمر حتى ذهب بأسُهم، وتخلوا عن كثير من مبادئهم، وكريم خصالهم، وزاد اعتداؤهم على الضعفاء، وفرضوا الإتاوات على الناس والتجار، واشتغلوا بحراسة أماكن اللهو حتى انسلخوا تماما من تقاليدهم وأعرافهم، وكانت هذه التصرفات هي بذور "البلطجة" التي بُذرت بيد الاستعمار في أرض مصر تنتظر الظروف الملائمة للإنبات. ومن لم ينضوِ تحت جناح البريطانيين، وأظهر لهم العداوة، وناهضهم، قلَّموا ظفره، وصادروا سلاحه، حتى أضعفوا شوكتهم().ثالثا : الفرق بين الفتونة والبلطجة :يتبين مما سبق أن "الفَتْوَنَة" الحقيقية التي عرفها المجتمع المصري قبل الاحتلال البريطاني لا علاقة لها "البَلْطَجَة"، فهل يستوى من وقف في وجه المستعمر والحكام الفاسدين من أجل وطنه وأهله بمن يعتدي على متظاهرين سلميين عُزّل من أي سلاح ؟، وهل يستوي من يموت دفاعًا عن نساء حَيِّه عند التحرش بهن بمن يخطف الإناث ويغتصبهن، وقد يجهز عليهن بعد الاعتداء ؟. "فالبلطجي" لا خُلُق عنده، ولا ذِمَّة له ولا عهد، لا يفرق بين أبناء حَيِّه والأحياء الأخرى، يعتدي على الناس ولا يحميهم، يسلب الأموال ، يخطف ويغتصب ويهتك الأعراض، يدمر ويحرق البيوت والمنشآت، ويهدد ويروع الآمنين. وهذا السلوك هو ثمرة البذور التي استنبتها المستعمر البريطاني في المجتمع المصري، والتي احتضنتها عوامل عديدة ساهمت في وصولها إلى ما وصلت إليه اليوم، ومن أبرز هذه العوامل :1 – ضعف الوازع الديني عند الكثيرين، فصاروا لا يلتفون لوعد ولا يبالون بوعيد .2 – قبضة بعض رجال الأمن الرخوة التي يسرت السبيل أمام "البلطجية" ليهربوا من تنفيذ أحكام ضدهم، ومنحتهم ما يشبه الضوء الأخضر للعبث بأمن وأمان المجتمع، كي يستعان بهم لتأديب المنادين بالحرية والعدالة الاجتماعية، أو للحيلولة دون إبداء الناس بأصواتهم في الانتخابات، وغير ذلك، أو يستفاد منهم في الإرشاد عن مجرمين آخرين يحقق إلقاء القبض عليهم لبعض الضباط ترقية أو ميزة وظيفية.3 – الأحكام القضائية غير الرادعة، التي لم تكفل للمجتمع الأمن، ولم تقضِ على هذه الظاهرة .4 – تمزق الصلات والعلاقات الاجتماعية إلى حد بعيد بين أفراد المجتمع، الذين كانوا يسارعون لنجدة المستغيث، ويتكاتفون ضد من يروعهم أو يهدد أمنهم وسلامتهم، وصار كلٌّ يفكر في سلامته هو غير عابئ بغيره، فتباعدَ الناسُ وأكلت الذئابُ من الغنم القاصية .5 – الفراغ الذي يسيطر على فئة كبيرة من أفراد الشعب جعل كثيرًا ممن فقدوا الإحساس بالانتماء يمارسون هذه الرذيلة .6 – الجهل ومحدودية الثقافة، وعدم القدرة على التمييز بين ما يصح فعله ومالا يصح.7 – الظروف الاجتماعية والاقتصادية المتردية التي تعيش فيها فئة كبيرة من المجتمع.كل هذه الأسباب وغيرها ساهم في نمو هذه الظاهرة، التي لم يخل منها مجتمع من المجتمعات في كل الأزمنة، وإن اختلفت أسماؤها وألقابها.لقد جاء الإسلام وأمثال هؤلاء موجودون، فسمَّاهم الإسلام "محاربون" وما يفعلونه يسمَّى "حِرَابة" ووضع لها حدًّا رادعًا من شأنه أن يعيد للمجتمع هدوءه واستقراره.رابعا : البلطجة والحِرَابة :الحِرَابة في اللغة إما أن تكون مأخوذة من الحَرْب فتكون نقيض السِّلم، أو من الحَرَب فتدل على السَّلب. وعند الفقهاء : الحِرابة مرادفة لقطع الطريق، وهي: الخروج مجاهرة مكابرة لأخذ مال، أو لقتلٍ، أو لإرعابٍ؛ اعتمادًا على القوة، في مكان بعيد عن الغوث والنجدة().وما يفعله "البَلْطَجِيَّة " الآن غير بعيد عن الحرابة، "فالبَلْطَجِيّ" يخرج حاملا سلاحه في مكان ناءٍ قليل الورود والمرور، يستوقف المارةَ، فيرعبهم ويهددهم، ويعتدي عليهم بسلب أموالهم؛ اعتمادًا على قوته أو سلاحه أو عدد أفراد عصابته، وعدم وجود من يردعه. فبَيْنَ "الحِرَابَةِ" و "البلطجة" عموم وخصوص، فكل حِرَابة " بلطجة" وليست كل "بلطجة: حرابة؛ "فالبلطجي" الذي يقف في الشارع جهارا نهارًا مهددًا مرعبًا سالبًا الناس أموالهم لا يُعَدُّ محاربًا؛ لإمكانية الغوث والنجدة، و"البلطجي" الذي يتخفَّي ويطلق الرصاص على ضحية لا يعد محاربًا؛ لأنه لم يخرج مجاهرة. والإسلام جرَّم الحِرابة، وعدَّها من الكبائر، وتوعَّد مرتكبيها بحدود رادعة، قال تعالى : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتَّلوا أو يصلَّبوا أو تقطَّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الأخرة عذاب عظيم  [ المائدة : 33] ، وقال  : " من حمل علينا السلاح فليس منا " فهم محاربون لأنهم يحاولون إلغاء سلطان الله في الأرض، وفرضَ قانونهم الجائر وتعطيل قانون السماء، هؤلاء الذين سعوا في الأرض فسادًا بإزهاق الأرواح، وسلب الأموال، وهتك الأعراض، وإرهاب الآمنين جعل سبحانه عقوبة من قتل منهم وأخذ مالا أن يُقتل ويُصلب، ومن أخذ مالا فقط تُقطَع يده اليمنى ورجله اليسرى، ومن أخاف الناس ولم يقتل ولم يأخذ مالا ينفى من مكان إقامة الناس إلى مكان بعيد يحيا فيه وحيدًا يعاني آلام الوحشة والغربة. ومن لم ينطبق عليه وصف "محارب" من البلطجية فأمر عقابه متروك للحاكم يقرره بما يحقق المصلحة للجماعة. وتبديل العقوبة السماوية بعقوبة أرضية لن يحقق للمجتمع ما يصبو إليه من أمن وأمان واستقرار. فالقوانين التي استبدلت حَدَّ الحرابة بالسجن لم تفلح عقوبتها في كبح جماح "البَلْطَجَة"، ولم تحقق الأمان للمجتمع؛ "فالبَلْطَجِيّ" الذي يُحكَم عليه بالسجن غالبًا لا يتخلى عن "بَلْطَجَتِهِ" داخل السجن، بل يمارسها بصورة أخرى، فهو يفرض الإتاوات على الضعفاء من المساجين. وهو في سجنه يفرِّخ "بلطجية" جددًا أتقنوا فن الإجرام على يده، واكتسبوا منه خبرة وقسوة وعتوًّا. وهو عالة على المجتمع المجني عليه الذي ينفق على الجاني من أموال الضرائب التي يدفعها. كما أنه يترك أسرته عبئًا على المجتمع. وحين يخرج من سجنه يكون أشد نهمًا وشراهة للبلطجة.إن البلطجي إذا قطعت يده ورجله لن يستطيع أن يمارس "البلطجة" ثانية، وسيحيا بقية حياته  بين أفراد المجتمع عبرة لأمثاله، ومن هُم على شاكلته، وأمِنَ المجتمع شرَّ تفريخه وتعليمه بلطجية جددا، وتكون أسرته تحت سمعه وبصره يرعاهم ويحول دون انزلاقهم إلى هاوية الجريمة والرذيلة، ووفَّر على المجتمع نفقات بناء السجون ونزلائها من "البلطجية"، وقد يتوب ويصبح عضوًا فاعلا في المجتمع فيقتدي به بعض أمثاله. وبذلك يتأكد لنا أن العقوبة التي حددها القانون لمعاقبة البلطجية لن تردعهم ولن تحقق الأمان للمجتمع.خامسا : آثار البلطجة :تظل "البلطجة" مصدر خوف وقلق لأفراد المجتمع؛ وتأثيرها السلبي يمكن أن يمتد لينال من مسيرة النهضة في كافة المجالات، ومن آثارها السلبية:1- التأثير السلبي في مسيرة التعليم؛ فالبلطجة إذا استشرت سيحجم أولياء الأمور عن إرسال أولادهم إلى المدارس؛ وبذلك يقل تحصيلهم، ويتدنى مستواهم العلمي، وينهار صرح التعليم .2- المساهمة في تفشي ظاهرة الدروس الخصوصية، عند محاولة الكثير من أولياء استبدال المدارس بالدروس الخصوصية .3 – إرهاق ميزانيات الأسر بمصاريف إضافية تُدْفَع للمدرسين، ومحاولة بعض الأُسَر تدبير هذه المصاريف عن طريق غير مشروعة كالاختلاس أو الرشوة أو التهرب من العمل الحكومي إلى عمل خاص.4 – تدهور الاقتصاد بإحجام المستثمرين عن إقامة المشاريع المنتجة والمستوعبة للأيدي العاملة، فتزداد البطالة، ويقل الانتاج، ويرتفع عدد الفقراء.5 – تهديد أمن الوطن وسلامته؛ فالبلطجي الباحث عن المال والملذات يمكن للعدو شراءه بالمال، وتجنيده وتدريبه على جمع معلومات يمد بها العدو، ويكون من شأنها الإضرار بالأمن العام للدولة .6 – الحيلولة دون الإفادة من توزيع السكان توزيعًا جغرافيًّا مفيدًا على المدن الجديدة، لهجرة السكان المدن الجديدة التي أنفق على إنشائها الملايين لعدم شعورهم بالأمان .7 – تعميق الإحساس بعدم الانتماء للوطن الذي لم تكفل له أجهزته الأمن والحماية وصيانة الأعراض، ولم تردع قوانينه البلطجية.8 – تفشي ظاهرة عدم احترام القانون، وتعدد جماعات البلطجة التي يمكن أن تتنافس على أماكن النفوذ، فتظهر تشكيلات عصابية تتنافس وتتقاتل،  ويصبح أمن المجتمع ضحية البلطجة.حلول للقضاء على ظاهرة البلطجة :1 – وضع العقوبات الرادعة السريعة .2 – عدم استعانة رجال الأمن بأيٍّ من البلطجية في أيِّ عمل من الأعمال .3 – محو أمية هؤلاء الشباب من خلال برامج تعليم حقيقة تجعل كل منهم يحس بذاته .4 – إنشاء مراكز لتدريب الشباب تدريبًا نموذجيًّا على المهن اليدوية المختلفة كميكانيكا السيارات والنجارة والسباكة، وأعمال البناء والدهانات وصيانة الحاسوب وأجهزة التليفون المحمول وغيرها، لفتح أبواب عمل أمام  الآلاف من الشباب العاطلين.5 – تشجيع المستثمرين على فتح مصانع تستفيد من هذه الأيدي المدربة، وتصدير العمالة الفائضة إلى الأسواق الخارجية التي تحتاجها .6 – استقطاب المفرج عنهم من عقوبات " البلطجة " وغيرها التائبين ومساعدتهم على الالتحاق بأعمال تكفل لهم ولأسرهم حياة كريمة، وتقبل المجتمع لهم، ومعاملتهم معاملة حسنة .7 – تشجيع من يرغب منهم في زراعة الأرض بإعطائه قطعة أرض مستصلحة ومده بالتقاوي والأسمدة اللازمة حتى ينتج مشروعه. وتشجيعهم على إقامة المشاريع الإنتاجية الصغيرة في مجالات عديدة كتربية الأرانب و" عش الغراب " والمناحل ... الخ . وفتح أسواق جماهيرية أمامهم .8 – تجديد الخطاب الديني والإعلامي، بتخصيص خطب ونصائح وبرامج توعية سلوكية وقانونية بمضار البلطجة ، والتحذير من ممارستها .9 – ضرورة تفعيل دور الأخصائي الاجتماعي بالمدارس والجامعات، وصقل تخصصه بالدورات والدراسات التي تكفل له التواصل مع التلاميذ والطلبة لعلاج سلوكياتهم الخاطئة .10 – تطوير العشوائيات ومدها بالمرافق الثقافية والرياضية اللازمة .وأخيرا فهذه ومضات تستحق أن يلقى عليها مزيد من الأضواء ، فهل من مشمر عن ساعده ؟

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل