المحتوى الرئيسى

موتٌ وَحَياةْ بقلم: حسين أحمد سليم

05/03 19:04

موتٌ وَحَياةْ بقلم: حسين أحمد سليم العُمرُ امتدَّ بي عِنوةً قدريّةً, لِحِكْمةٍ إلهيّةٍ أجْهَلَها في كُنهي, عدالةً شاءها الله, سُبحانهُ وَتعالى, لهُ الأمرُ فيما قدّرَ وشاءَ... ولَسْتُ إيماناً ثابِتاً وتوكيداً في دواخلي, أعترِضُ ضعيفاً مُحتاجاً على الرّحمةِ والمودّةِ, التي أنزلها الله في صدري وَوِجداني, وَلسْتُ أشُكُّ في عدالةِ ربِّ السّماءِ, فلهُ الأمرُ والنّهيُ في صلاحي... إليكَ ربّي وإلهي وخالقي, أتضَرّعُ باكياً مُنتحِباً وَمُتهجِّداً, راجياً آملاً صفحكَ عنّي, وأنا الفقيرُ لِرحمتِكَ وغفرانِكَ, الحقيرُ في نفسي,الأمّارةُ بالسّوءاتِ وفِعلِ الإجرامِ... ظلمْتُ نفسي مِنْ حيثُ أدري ولا أدري, وَغرِقتُ إغواءً وَإغراءً في المعاصي, وأذلّني شيطاني الخنّاسُ, الذي وسْوسَ لي ويُوسوِسُ, وَحبّبَ الشّهواتَ الفانيةَ لِضعفي الموروثِ, وزيّنَ لي ما زيّنَ مِنَ المُغرياتِ, فغرّني الإستكبارُ والخييْلاءُ في نفسي, وارتحلْتُ في مطاوي متاهاتِ الضّبابِ, لِفِعلَ الكثيرِ مِنَ المُحرّماتِ, وارتكابِ الكثيرِ من الإجرامِ... امتدَّ العُمرُ بي وامتدَّ, ولمْ أرتدِعْ عن طُغياني, وهامَ تفكُّري المحدودِ, وراحَ يُعارَكُ رؤى الأحلامِ بالآمالِ, ضياعاً في متاهاتِ وَمساراتِ العيشِ, يرومُ حرَكةَ فِعلِ الإسْتمرارِ بالتّوالِدِ, وليسَ يفقهُ أسرارَ الوجودِ بالتّفكُّرِ... فتعِبتُ وَهرِمتُ عَتِيّاً في العذاباتِ, وشاخَ جسدي في مُتْعةِ الشّقاءِ, وَوهنَ بَدني في لذّةِ الآلامِ بالجِراحاتِ... شابَ الشّعْرُ في رأسي باكِراً, وابْيضَّ في ذّقني, وَأنا في عُمرِ الشّبابِ, وَكُلُّ شعرةٍ تكْتنِزُ بألمِ الذّكرى عذاباً, تحْكي في صَمْتِها سيرةَ الألمِ والأنينِ... والجِراحاتُ ما زالتْ تنزفُ تاريخها المُضني, والدَّمُ يتنزّى مِنْ شراييني, قهراً تاريخيّاً وجُغرافيّاً في المكانِ والزّمانِ, تعْتصِرهُ العذاباتُ من قهرِ الآلامِ... والعذاباتُ لمْ ولنْ ولا ترتوي مِنْ كينونتي, وما زالتْ تُمعِنُ في اعتصاري, رُغمَ الجفافِ والتّصَحُّرِ في جسدي الرّميمِ... مُرهقٌ النّفسِ غدوتُ في حاضري, ورثتُ الماضيَ الأليمَ لِلغدِ, والتّجارِبُ الكثيرةُ تعاظمتْ, وأثقلتْ كاهلي, الذي ينوءُ رازِحاً تحتَ أثقالِها... أحمِلُ لِلغدِ خُلاصاتَ خُبُراتي, وما طَهّرتْ بهِ التّجارِبُ روحي, وما زادَ في رؤايَ فلسفةً, مِمّا علّمتني فلْسفةَ, مُعتركاتُ الحياةِ... تعلّمتُ من فشلي وأخطائي, واقتبستُ العِلمَ من أخطاءِ الغيرِ, ما لمْ ولنْ ولا علّمتني بهِ مناهِجُ المّدارسِ... أعاني القهرَ مِن عُهرِ الأيّامِ, ألوكُ المرارةَ وتلوكني, أشكو العذابَ ثمِلاً لِلعذابِ, والعذاباتُ السّكرى, تشكو عذاباتي الثّملى لِلعذاباتِ... ليسَ الحُبُّ الذي أتموسقُ بهِ والعِشقُ, شهوةَ فناءِ الجسدِ لِلجسدِ بالشّهواتِ, وليسَ إغواءً وإغراءً وافتتاناً بمفاتنِ الجسدِ لِلجسدِ, وليستْ لذاذاتاً فانيةً آنيةَ التّوقيتِ في المكانِ والزّمانِ... إنّما انتعاشاً وارتعاشاً وهِياماً لِلرّوحِ بالرّوحِ, وحياةً شفيفةً طاهِرةً في نفسٍ مُطمئنّةٍ راضيةٍ بالإيمانِ, تخشعُ قداسةً في رِضى اللهِ, مُتيّمةً ثملى في حُبِّ النّاسِ بحبِّ اللهِ... حبيبتي القدريّةُ في الحُبِّ والعِشقِ, مُعلِّمتي الفلسفةَ والحِكمةَ, ومُلهمتي الخلقَ والإبداعَ والإبتكارَ, ومُفجّرةَ البذلِ والعطاءِ في نفسي, ومُوحيةَ الخواطِرِ نثراً وشِعراً وفنّاً آخرَ لوِجداني, يا منْ أستشعِركِ شفافيّةَ نقاءٍ وصفاءٍ في البعدِ النّائي, وأتواصلُ بكِ خارِجَ المكانِ والزّمانِ, جلاءً فِكريّاً ونفسيّاً وروحيّاً بالحُبِّ والعِشقِ... حبيبتي التي وسمتكِ بنجمةِ الصّبح المُشرِقةِ, تتألّقينَ وهجاً آخرَ في قلبِ هِلالِ مدينةِ الشّمسِ, والهِلالُ يتماهى توامُضاً بكِ في كبِدِ السّماءِ, كأنَّ الإقترانَ قدراً جاءَ قبلَ إشراقةِ الشّمسِ, ويتوالدُ مع كُلِّ فجرٍ صادِقٍ, ويتنامى انتشاءً مع كُلِّ آذانٍ لِصلاةِ الصّبحِ... حبيبتي التي أحياها الحُبُّ وانتشتْ بالعِشقِ, وَوِلدتْ من جديدٍ وِلادةَ الحياةِ بعدَ مواتٍ... لا تقلقي فيما أنتِ فيهِ مِنْ قهرِ الأيّامِ, ولا تحزني لما أصابكِ منَ الجورِ والظّلمِ والحرمانِ, ولا تُحبطي نفساً مِمّا ألمَّ بكِ قدراً بغيرِ حُسبانٍ, ولا تضعفي أو تنْحَني انكِساراً, بلْ ميلي انسياباً لطيفاً طريّاً لِهوجِ العواصِفِ, ولا يُصيبكِ شيئاً مِنْ لوثةِ الذُّلُّ والهوانْ... حبيبتي التي أفخرُ بها وأعتزُّ في مساراتِ رؤاي, كوني بالإيمانِ في الله راسِخةً ثابِتة العقيدةِ, ومارسي في الله التّقوى, فالله يرزُقُ من يشاءَ من دونِ حسابٍ... إنّني وعدتكِ في الحُبِّ الشّفيفِ قداسةً, وعاهدتكِ في العِشقِ الأطهرِ وعداً, وأنا في حُبِّ الله وعِشقهِ, صادقُ الوعدِ والعهدِ, أحيا في قلبِ الحُبِّ أتموسقُ بالحُبِّ في وِجداني, والحُبُّ يحيا مُتموسِقاً يتنامى في قلبي وفي وِجداني... حبيبتي التي أحببتكِ في الله, إيماناً وصِدقاً وتكليفاً, قُربةً لله, وأحْبَبْتِني في الله قُربى, تهمسينَ الحُبَّ والعِشقَ على ذِمّةِ البوحِ الواعِدِ, تتمثّلينَ الجرأةِ الحوّائيّةَ في البوحِ الصّادقِ... أنتِ حوّاءُ التي شاءها الله من ضلعي, حملتُكِ وحملتينني, أنجبتكِ وأنجبتينني, ولدتُكِ وولدتينني, عشِقتكِ وعشقتينني, فتماذجنا إنتشاءً حتّى الذّوبانِ, واقترنّا التصاقاً حتّى الهذيانِ, فكُنتِ لي نِصفاً لا بُدَّ منهُ, وكُنتُ لكِ نِصفكِ المأمولِ... إنّني قلْبنتُ عقلي في دندناتِ تشاغفِ قلبي بالشّوقِ, وعقْلنتُ قلبي بترانيمِ التّفكّرِ في ومضاتِ عقلي بالفلسفةِ, وولجتْ خفايا الوعيِ الباطنيِّ في دواخلي, أهتدي لِلحُبِّ القُدسيِّ والعِشقِ المُطهّرِ, وعياً في وعييِ الذي أكرمني الله بهِ, ودخلتُ أبعادَ العرفانِ الذّاتيِّ رِيادةً, عرفاناً على عرفانٍ في عرفاني الذي مدّني الله بهِ, واستنرتُ بالنّقطةِ الإشراقيّةِ في بصيرتي, تتكوكبُ وضّاءةً, منارةَ هدايةٍ, تُهدي شراعي إلى مرفأ القنديلِ الأزرقِ وتُهديني... فرسوتُ بشراعي عندَ شاطيء الأملِ المأمولِ بالأملِ, أحملُ كِتابَ الحُبِّ والعِشقِ لتشكيلِ خطِّ الخطِّ بالخطِّ الأقومِ, جِئتُ كارِزاً بدينِ الإنسانيّةِ للإنسانيّةِ, سفيرَ الحُبِّ والعِشقِ, أدعو النّاسَ لِدينِ الحُبِّ والعِشقِ... تربّصتْ تجسُّساً بي نواطيرُ العُهرِ, وأنا أبثُّ حبيبتي تشاغفي وأشواقي في الحُبِّ والعِشقِ, راكِعاً أمامها صامِتاً في خشوعٍ, هائماً مُتيّماً أتلقّى بينَ يديها, دُروسَ الحِكمةِ والفلسفةِ... فضبتتني وأوقفتني مخفوراً, أبالِسةُ من أذنابِ زبانيةِ الحُكّامِ الطّواغيتِ, وكبّلتني بسلاسِلَ منَ الحديدِ في يديَّ ورِجليَّ, وساقوني إلى زِنزانةٍ بارِدةٍ في سِجنِ اللؤمِ... وهناكَ رموا بي تأكلني الوساوسُ, وتقتاتُ بي وحشةُ الوحدةِ... حكمَ القدرُ على قدري, بالسّجنِ المؤبّدِ مدى الحياةِ, وزادَ الحُكمُ في الحكمِ مُفارقةً واحدةً... وبِناءً على القوانينِ وِشرائعِ الأمس, والأعرافِ القبليّةِ السّائدةِ في المجتمعِ, وصوْناً لِشرفِ العشائرِ الرّقيقِ, اتّهمني القضاءُ زوراً وظُلماً بالجنونْ, لأنّني تجاوزتُ بنودَ القانونْ, وأحببتُ وعشِقتُ, فنوناً تتفتّقُ من فنونْ, وغدوتُ في الغِوايةِ مفتونْ, يتبعني العُشّاقُ الغاوونْ... فالحُبُّ في الأعرافِ ممنوعٌ, والعِشقُ في العشائرِ ممنوعٌ, والنّثرُ في الحُبِّ ممنوعْ, والشّعرُ في العِشقِ ممنوعْ, والإغواءُ من الشيّطانِ وهوَ ممنوعٌ, والإغراءُ وسواسٌ قهريٌّ وهوَ أيضاً ممنوعٌ, والرّفضُ للتّقاليدِ مُحرّمٌ وممنوعْ, والجنونُ في الحُبِّ فنونٌ, وحتّى الجنونُ في الحُبِّ والعِشقِ, ممنوعٌ, ممنوعٌ وممنوعْ... لقدْ حكمَ القانونُ, أنْ يُحرقَ جُثماني بعدَ الموتِ شنقاً, ويتفحّمَ على نارٍ مُتّقِدةِ اللهبِ, وعلى مرأى من حبيبتي القدريّةِ في البعدِ النّائي, وعلى مرمى نظرٍ منْ كُلُّ العُشّاقِ... ولمْ ولنْ ولا تُجدي نفعاً, مُرافعاتُ الدِّفاعِ عنّي, والإعتراضاتُ مِنْ قِبلِ كُلِّ المُحامياتِ الأحرار... وحتّى حبيبتي, الكاهِنةُ الحكيمةُ, أميرةُ الحُبِّ والعِشقِ, الموسومةُ تيمّناً بنجمةِ الصّبحِ, سقطتْ مُغمى عليها, بلا حِراكٍ عِندّ أقواسِ المحكمةِ... لمّا علّقوا جسدي من رقبتي النّحيلةِ, وشدّوا عليها بحبلٍ غليظٍ بلا رحمةٍ... فتدلّى الحبلُ حانياً رُغمَ قساوتهِ, باكياً مُنتحِباً حزيناً مُكتئباً, يرتجِفُ على أعوادِ المشانِقِ, يرثي حالتي موتاً بالشّنقِ... فبكيتُ الحبلَ مظلوماً بظُلمِ الفِعلِ, وبكى العُشّاقُ وانتحبوا, لِبكاءِ الحبلِ يخنقني, ويشنقني على ذِمّةِ الحُبِّ والعِشقِ... حبيبتي الثّكلى بموتي شنقاً بين يديها, بتهمةِ الحُبِّ والعِشقِ لها في الله, سرقتْ جثماني ليلاً من أعوادِ المشانقِ, وهربتْ بهِ في غفلةٍ مِنَ شيوخِ القبائلِ, وأخفته عن عيونِ النّواطيرِ في محْمياتِ العشائرِ, وولجتْ بهِ بُعداً نائياً في الإمتداداتِ... هناكَ, بعيداً عن فضولِ النّفوسِ الموتورةِ, حفرتْ حبيبتي بأظافرها قبري في التّرابِ, وغسَلتْ جسماني طهارةً بدموعها, وكفّنتني بوِشاحٍ من أوشِحتها, وأوسدتني حُفرةَ قبري كما تراءى لها, وقبّلتني قُبلَ الوِداعِ قبل ردمِ لحدي بالتّرابِ, وقرأتْ عن روحي تبريكاً فاتحةَ الكتابِ, وزادتْ لروحي ما تيسّرَ لها من سورِ القرآنِ... هناكَ, أقامتْ حبيبتي خيمتها فوقَ قبري, فتحوّلتْ صومعةَ عِبادةٍ لها مدى العُمرِ, وتعفّفتْ وتبتّلتْ وفاءً لي وإخلاصاً... لمْ ولنْ ولا تُلهيها عنِ ذِكرِ الله, سِوى صلاةُ الحُبِّ تثملُ بها قربةً لله, ولمْ ولنْ ولا تصرفها عن الخشوعِ لله, سِوى تهجّداتُ العِشقِ تضرُّعاً وذوباناً حتّى الهذيانِ في روحِ الله...

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل