المحتوى الرئيسى

بس بس ميو بقلم:فراس حمد العويد

05/03 18:18

بس بس ميو بقلم / فراس حمد العويد / مدير تحرير صحيفة المنتصف / العراق [email protected] لم يدر في خلدي مطلقاً أن ما سمعته أذناي لا يعد استثناءً أو متفرقات هنا وهناك فما طرقهما شكل صدمة لي بعدما علمت من صديقي الرائع ( ميثم العباد ) ـ وهو صديق قديم لشقيقي قبل أن تجمعني به تلك الليلة الشتائية المفعمة ثقافةً وثراءً معرفياً أخاذاً ـ إذ تحدّث لي هذا الصديق بحكم عمله الأكاديمي بلهجة يلفها الأسى والألم لما حل بأجيال الشباب من تردي معرفي وثقافي يكاد يشمل هذه الشريحة برمتها لتصبح حالة الإستثناء من هذا التردي هي الأعم والأشمل وأوغل ( العباد ) في حديثه المتشائم مستشهداً بما يعيشه ويراه يومياً في حياته الأكاديمية ففاجأني بأن النسبة الأغلب من طلبته بقسم اللغة العربية لم يطّلعوا على كتبٍ معرفيةٍ أو ثقافيةٍ بمختلف أشكالها خارج منهجهم الدراسي ( هذا إن كانوا قد اطلعوا على مناهجهم أصلاً ) في إنحادرٍ أقرب ما يكون إلى حالة طلاقٍ فكريٍ وثقافيٍ مع كل مستلزمات العقل البشري التي إن تخلى عنها أضاع كل أسس التطور والرقي الذي نتوسمه في أجيالٍ للمستقبل ربما ستخذلنا تطلعاتها ورؤاها للأشياء بمنظار يتعكز على كل ما هو غريب عن موروثنا الفكري وهم بذلك يرون أنهم يحسنون صنعاً ويجيدون التخاطب مع حضارة يتوهمون معتقدين أنها قد ألغت ثقافة الكتاب وأصبحت أكثر انفتاحاً من خلال الضغط على أزرارٍ تقدم لهم غثاً وافياً لا يسمن ولا يغني عن الموت في أحضان الجهل والظلام الذي أتقن الغرب كيفية إيصاله إلى العقل العربي دونما الحاجة إلى تسيير الجيوش الجرارة كما كان يحصل في السابق وهم بذلك يستثمرون الثورة الإلكترونية بالشكل الذي يخدمهم أولاً وأخيراً بينما نسير نحن إلى هاوية التقليد الأعمى لكل ما يبعدنا عن تاريخنا الثر وتلك مأساة ربما لم يعد لدينا القدرة على مواجهتها والحد منها بعدما نخرت الجسد العربي من المحيط إلى الخليج ونخشى أن تكون قد أخذت مأخذها من الجسد الإسلامي ولستُ في ذلك بالضد من حالة التطور الهائل التي أشعّت بأنوارها على العالم وزادت من آفاقه العلمية غير أن علينا التمييز والحذر من مطبات ومغريات هذا التطور كي لا ننزلق في محذورات تتنافى مع ما توارثناه من قيم بالغة الجمال والإنسانية ومع ذلك تطالعنا يومياً حالات كانت حتى الأمس القريب شاذة ومستهجنة ولا مكان لها في مجتمعاتنا العربية حتى أصبحت المعادلة مقلوبة رأساً على عقب وأصبح ما كان سائداً في مجتمعاتنا من ثقافة ورقي هما الشواذ بعدما أخذ شبابنا يستلطف ذلك الغريب القادم إلينا من بلاد ( الهب هوب ) ويعطيه جل اهتمامه لتسود موجة ثقافية هابطة لا شك أنها تعنى بشكلٍ كبير على تهشيم ذائقة الشباب العربي في محاولة للقضاء على مرتكزات تطور المجتمع المتمثلة بهذه الشريحة ولكي لا يأخذنا الحديث في هذا الإتجاه منحى روتينياً فأنني أعود إلى ما قاله لي ( العباد ) عن شبابنا الذين ما عاد لهم شغلٌ بشيء اسمه كتاب يمكن أن يغنيهم ويوسع مداركهم لا بل أنهم تعدوا الأمر إلى ما هو أسوأ وأصبحوا يستمعون إلى أغانٍ أقل ما نقول عنها هابطة كتلك التي يقول مطلعها ( بس بس ميو ) وهو عنوان أغنية عصماء جادت بها قريحة أحد المطربين في محاولة منه لاستجداء عطف حبيبته التي لم تعد تستوعب لغة الحب السامية وتعدتها إلى لغة القطط و ( البزازين ) ناسفاً في ذلك إرثا فنياً رائعاً صاغه لنا عمالقة الفن العربي الذين هذبوا أسماعنا بروائع خالدة ما زالت تدغدغ عواطفنا وتحاكي مشاعرنا في لغة إنسانية فريدة تكاد تكون ثقافة قائمة بحد ذاتها, فهل يا ترى قد أضعنا كل ذلك وما عاد لأم كلثوم وعبد الوهاب والعندليب والأطرش متسعاً في زمننا هذا الذي أصبحت فيه ( بس بس ميو ) نغمة موبايل تهز أرجاء قاعات الدرس بين فترة وأخرى رغم تشديد الأستاذ على لزوم وضع الهواتف بحالة صمت كي لا يستشري داء القطط بين جيل الشباب الذي سيرسم لنا طريق الغد المشرق ولكن تعليمات الأستاذ وأوامره ذهبت أدراج الرياح وانطلقت ( الميو ميو ) مجلجلة مدوية معلنة نهاية عصرٍ جميل غنت فيه كوكب الشرق سيمفونيات قائمة إلى يومنا هذا ما زلت أسترق الاستماع إليها سراً كي لا أتهم بالرجعية والتخلف مثل صديقي الذي قال له أحدهم ( انت اشكد قديم ) بعدما أمسكه متلبساً بحالة استماع مشبوهة مع إحدى روائع عبد الحليم ...

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل