المحتوى الرئيسى

عرس الزين " وليم " ..بقلم: تميم منصور

05/02 20:52

عذراً من الكاتب السوداني " الطيب صالح " لأنني اخذت عنوان مقالي من عنوان روايته الشهيرة " عرس الزين " قد يكون الفرق شاسعاً بين " الزين وليم البريطاني و"الزين السوداني" ، لكن التاريخ يقف شاهدا على تورطه في عملية شد وجه الخداع وصنع عمليات تجميلية لأسرة عانت منها الشعوب. الاحتفالات التي اقامتها الاسرة المالكة في بريطانيا بمناسبة زواج الامير " وليم تجمع ما بين الفرح والنفاق ، بالنسبة للشق الاول فانه من حق من يريد ان يعتبر هذا الزواج حدثاً تاريخياً وتراثياً من ابناء الشعب البريطاني فهذا شأنه ، كذلك الأمر بالنسبة للأوروبين الذين يعيشون في حالة من الامان والاسترخاء في دولهم ، فالفرح بهذه المناسبة بالنسبة لهم يبقى خياراً يخصهم وحدهم . اما الشق الثاني وهو النفاق فانه يشير الى الملايين من بني البشر الذين انتظروا هذه المناسبة واعتبروها منعطفاً تاريخياً وحدثاً لامعاً متميزاً لا يتكرر كل يوم ، حتى ان هناك من اصيب بحالة من الجنون واعتبر هذا الزواج وطقوسه نعمة من السماء انعمت بها ملكة بريطانيا اليزابيث جدة العريس وليم على بني البشر . ان المئات من هؤلاء رغم انهم ليسوا بريطانيين قد انتظروا اكثر من اسبوعين وناموا على الارصفة والشوارع التي سوف يمر منها موكب العروسين – مع ان مظاهرات ضد الحروب والفقر والبطالة لاتجد مثل هذا الانتظار - . نسي او تناسى هؤلاء المنافقون ان هذا الزواج قد فتح من جديد ملف ابناء هذه الاسرة الذي تفوح منه روائح الطلاق والفضائح والمراهقة المبتذلة والصراعات حول قضايا جنسية مخزية ، الأمير تشارلز ولي العهد له باع طويل في حقول المغامرات واللهاث وراء عشيقاته ، حتى ان هناك من اطلق عليه لقب " العاهر " لقد اتهم انه كان السبب وراء مقتل زوجته ديانا فقد هجرته بعد ان ضبطته اكثر من مرة في احضان عشيقاته وفي مقدمتهم زوجته الحالية كاميلا . كما ان اصابع الاتهام اشارت الى دور الملكة اليزابيت بتسبب في هذه المأساة ، فقد رفضت منذ البداية زواج ولي العهد تشارلز من ديانا وحاولت طرد الاخيرة من القصر ، وكان الصراع بين اليزابيت وديانا متأججاً وقد انتهى بالقتل التراجيدي للأميرة "ديانا " والذي مازالت علامات السؤال تحيط بالظروف والمكان والزمان ، ولم تخضع مقولة – الكنة والحماة – الى منطق التصرف الملكي الذي يحاول حتى اليوم ابعاد شبح تهمة القتل عن القصر . لقد حاولت الاسرة المالكة خاصة الملكة وولي عهدها تشارلز تجاهل وتغيب المأساة التي حدثت حتى لا يصاب ولديها وليم وهاري بالصدمة النفسية وحتى لا يوجهوا الاتهام الى جدتهم الملكة والى والدهم بانهما المسؤولان عن الذي حدث لوالدتهما . ان جميع المختصين والمرافقين والمتابعين لحياة الاسرة المالكة في بريطانيا يؤكدون بأن الملكة وزوجها فيليب (دوق ادنبره ) فشلا في تربية ابنائهما الاربعة ، لأن ثلاثة منهم قد حملوا القاب الطلاق بعد فضائح من الابنة آن الى تشارلز الى اندرو ، انها اسرة لا تستحق ان تكون مثالاً يحتذى بها ، ان وسائل الاعلام اصبحت تتسلى بقصص وحكايات هذه العائلة وتمضغ الفضائح والصورالمخجلة وتتربص للتصرفات الشاذة . لقد وصلت دوائر نسج النفاق الرسمي والشعبي في العالم الى عشرات الدول في العالم ، اضافة الى الآف القنوات الاعلامية التي نقلت طقوس حفلة الزفاف الذي جاء معاكساً لكل التيارات الحياتية الجارية ، فالشعب الياباني لا يزال يلعق جراحه ولم يستيقظ بعد من مآسي الزلازل التي ضربت الجزر اليابانية ، مع ذلك فان الكثيرين من اليابانيين شاهدوا حفل الزفاف هذا عبر القنوات الفضائية المختلفة ، مع ان مقتل 50 الف ياباني يستحق ان تجعل طقوس الاحتفالات متواضعة بدلاً من البذخ وصرف ملايين الجنيهات من اجل هذا الزفاف الاسطوري . اما اولئك الذين صفقوا ورقصوا على انغام احتفالات الزواج في الدول النامية ، تلك الدول التي كانت تعرف باسم دول العالم الثالث فهؤلاء لم يتحرروا بعد من كابوس العبودية والرضوخ للأقوى بالحواس والتماهي ، هل تستحق هذه الأسرة الملكية البريطانية هذا الاندفاع والرقص والفرح ؟ ان هذه الاسرة ما هي الا امتداد للأسرة المالكة في بريطانيا على مر السنين بملوكها وامرائها وهي التي قادت بريطانيا وحولتها الى اكبر دولة امبريالية عرفها التاريخ منذ القرن السادس عشر حتى اليوم ، ان تاريخ الاسرة الملكية حافل بالجرائم بحق الشعوب والاوطان ، بحق البشرية التي كانت هذه الاسرة تتعامل معها كقطيع تحت الامبرطورية التي لا تغيب عنها الشمس ، ان ثراء هذه الاسرة حصلت عليه من الاموال والثروات التي نهبتها بريطانيا من مستعمراتها على مر السنين ، من قارتي آسيا وافريقيا واستراليا وامريكا الشمالية وغيرها ، لقد اخضعت عشرات الاقطار في القارات المذكورة الى التاج البريطاني بقوة السلاح والقمع والترهيب والخوف ، ولا يزال رمز الخنوع لهذا التاج الاستعماري قائماً ضمن ما يسمى رابطة الشعوب البريطانية " الكمون ويلث " . البريطانيون ابادوا شعوباً كاملة من اجل تثبيت اقدامهم داخل المستعمرات التي سيطروا عليها ، كما انهم لعبوا دوراً بارزاً في تبني سياسة التميز العنصري وتفضيل الرجل الابيض عن غيره من بني البشر ، من ينسى دور هذه الاسرة الذي ادى الى ظهور حالة الفقر والجهل وشرذمة الاقطار العربية اثناء خضوع هذه الاقطار للسيطرة العثمانية ، اذ بعد الحرب العالمية الاولى قامت بتجزئة هذه الاقطار وتحويلها الى مشيخات ودويلات كي تتمكن من التحكم بمصيرها . من ينسى دور هذه الاسرة في فلسطين والذي فعلته في شعبها فقد ساعدت الحركة الصهيونية في تشتيت هذا الشعب وحرمانه حتى اليوم من العيش في دولته فلسطين وعاصمتها القدس . ان هذه اللمحة نقطة في محيط هذه العائلة التي سارعت الفضائيات العربية ووسائل الاعلام العالمية بنقل مهرجان الزفاف الخيالي ، ان هذا الامير الصغير او العريس ما هو الا جزءاً من الاجماع الاحتلالي التوسعي البريطاني واحد فروع اسرة ظلمت الشعوب وما زالت تظلم وتتآمر وتخطط ، من المضحك ان العريس يصر ان يلحق بفرقته التي تحارب في افغانستان بعد انقضاء شهر العسل - فهو التحق بالخدمة العسكرية قبل عدة سنوات - واصراره يدل على معدنه الحربي التوسعي ، مع العلم انه يقود احدى اسراب الطائرات العمودية التي تستخدمها القوات البريطانية المتواجدة على ارض افغانستان ، ولقد صرح اكثر من مرة بانه يفتخر بما يقوم به من الجرائم بقتل اطفال ونساء في المدن والقرى الافغانية ، هذا هو عريس الزين وليم الذي سحر العالم ببراءته المفتعلة وابتسامته البريئة وزفافه الاسطوري .

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل