المحتوى الرئيسى

افراح..نجاتي لا يعني فرصة اخرى للحياة بقلم:نارين شيخ شمو

05/02 18:17

افراح..نجاتي لا يعني فرصة اخرى للحياة كلنا سمع بالفيضانات التي اجتاحت بعض القرى من قضاء شنكال (سنجار) الواقع جنوب مدينة الموصل, تل بنات التابعة لناحية القيروان احدى القرى المتضررة بشكل كبير من سيول يوم الجمعة الموافق 22/نيسان/2011, قررت بعد ايام من الكارثة زيارة قضاء شنكال وعلى وجه الخصوص قرية (تل بنات القديمة) التي تضرر منها (70) منزلاً ,عشرة منها تهدم بشكل تام واحدهم كان منزل (أفراح حسن علي) فتاة 19 سنة, باتت معروفة لدى جميع اهالي المنطقة فقصتها مؤلمة قاسية ,وانا في طريقي للقرية وصولاً لبيتها عينيّ سجلت اتعس ما يمكن تصوره في العراق عبر التأريخ, شوارع كلها وحل على جوانبها النفايات, بيوت من الطين ,اطفال بوجوه تعبة ,الفقر والاهمال ابرز سماتها, قرية تحتوي مايقارب 4250 نسمة لا يتوفر فيها مركز شرطة ولا مركز دفاع مدني ولا مركز اطفاء, فقط مركز صحي صغير مهمل بمعنى الكلمة, عند وصولنا مجلس القرية اشار السائق للدار المجاور للمجلس قائلاً (هذا بيت (الشيخ الياس)) ,رحبوا بنا واشاروا بالدخول, كان هناك الكثير من النساء في احدى الغرف فدخلت الغرفة الثانية التي أوت (افراح), لم اجد غير فتاة في مقتبل العمر, ممددة على فرشة بسيطة ,جلست حال دخولي ,بعد القاء التحية والتعارف طلبت منها ان تقص عليّ ما حدث... اول ما نطقت به (ليتني مُت كوالدي او مت بدلاً عنه) حاولت ان اضخ لقلبها الامل بعبارات تفاؤلية لكن افراح التي تعيش وسط 7 اخوة (3 بنات و4 اولاد) اثنان منهما خرس من الولادة و اخر سمعه ثقيل وام مريضة بقيت ساكتة لدقائق ثم تابعت الحديث عن والدها, كان يعمل بيومياته مع مقاولي البناء في محافظة السليمانية وبحكم عمله كان يتنقل هنا وهناك وكان من المقرر ان يذهب يوم الاثنين(25/نيسان/2011) الى السليمانية لكن الامطار غيرت مخططه(كانت تتحدث بألم وعينان يرفضان الواقع), ففي صباح يوم الجمعة خيمت على المنطقة عاصفة ترابية حولت النهار لظلام عندها بدأت الامطار بالتساقط وبعد اقل من ساعة وصلت صياحات الناس لأذني تاركين منازلهم خوفاً من الغرق, المرحوم والدي اخذ امي واخوتي لبيت جدتي (حيث كان منزلهم في منطقة اعلى من بيتنا) بقيت في المنزل لأحمل ما لنا من مال بالاضافة الى سلاح (رشاش) وضعتهم في حقيبة يدوية وخرجت فعاد والدي والمياه وصلت اعلى ركبتي(ارتفعت خلال دقائق معدودة) , اخذني والدي بيده وحملني لسطح المنزل , شعرنا ان المنزل على وشك السقوط ,فربطني بقوة اعلى العامود الكهربائي وهو يطمئنني ان لا اخاف مؤكداً ان احداً لن يتمكن من فك الرباط غيره ثم ربط جسده اسفلي ,كان يمازحني معظم الوقت كي لا اخاف وليمضي الوقت بسرعة لكن انهار بيتنا وبقينا معلقين بالعامود , وصلت المياه عنق والدي فقام بنذر عجلاً علّنا ننجو قائلا(( ان الله يعلم اننا فقراء وسيشفع لدعائنا )) قاوم لأكثر من ساعتين و لم يتحمل ,المياه كانت تضرب بقوة والدم بدأ يسيل من يداه , اهل القرية كانوا ينظرون الينا من بعيد و لم يتمكن احد من انقاذنا, نعم اغتصب الفيضان ارادة والدي فقال بصوت موجع ((افراح ابنتي اعتقد انني اخطأت بربط نفسي انني راحل اهتمي بأخوتك)) وهو يتحدث وقفت حمامة بيضاء على العمود ,لوح لجيراننا بيده مودعاً الكل مع طيران الحمامة,,,, (شردت لثواني ثم اكملت) رأيته يسقط ورأسه ينزف ولم اشعر بشيء ,غبت عن الوعي تماماً (كانت تتحدث بصعوبة عن الحادث وتحاول جمع قواها لإكمال الحديث) ,بعد بقائي معلقة ومربوطة بالعامود الكهربائي لأكثر من 4 ساعات وبعد انخفاض مستوى المياه ,جيراني و اثنان من البيشمركة قاموا بقطع الحبال بالسكين وانزلوني واحضروا مضمد القرية ليعاينني بإبرة مسكن و بضع الحبوب,, بعد احتساء الشاي أخبرتني افراح أنهم عثروا على جثة والدها بعد 5 ساعات من الحادث بالقرب من تل يسمى (تل البنات) , كانت مستاءة جداً قائلة ان شقيقها الابكم (ديار) يعتقد انها السبب في خسارة والدهم وانه يكرهها, اضافت انها متخوفة من الأتي لأن أخوتها الكبار لم يدخلوا المدرسة لأسباب صحية واقتصادية ,فاثناء الحصار كانوا يعملون في منطقة ربيعة ليحصلوا على لقمة عيشهم وان أخوتها الأربعة صغار والحمد لله يدرسون ألان في المدارس الكردية. سألتها (الحمد لله على سلامتك ,هل لديك ما تقوليه ختاماً لحديثنا؟) اجابتني :أشكرك لكن نجاتي لا يعني إني سأعيش حياة حقيقية , دائماً أتسأل لو لم يكن عمي الياس موجود الى اين كنا سنذهب ,فليس لنا مأوى ولا مصدر للمعيشة ولا جهة نلجأ لها ,حتى قريتي , ستبقى كما هي خالية من مستلزمات العيش والاهتمام , ستبقى مهملة وسأعيش الموت كباقي ابناء قريتي.... هذه قصة (افراح) الفتاة الناجية من الفيضانات, التي لم تلقى عناية صحية وبقيت في المنزل دون دخول المشفى وتلقي العلاج والفحوصات اللازمة. ويبقى السؤال هل ستبقى حياة الفقير رخيصة ,تنبذه الدولة والطبيعة. نارين شيخ شمو

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل