المحتوى الرئيسى

رسالة من سفير الإسلام إلى شباب الدعوة

05/02 14:49

بقلم: حسين رضا الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين وسيد المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومَن اهتدى بهديه واقتفى أثره أفضل الصلاة وأتم التسليم وبعد،، * مصعب بن عمير رجل قلما يجود الزمان بمثله، وتفوز البشرية بمَن على شاكلته، رجل عاش على الكفر في النعيم الدنيوي دهرًا، ثم ما لبث أن أسلم ليرث النعيم أبدًا، عاش رضي الله عنه أربعين سنة، منها سنوات عاشها في نعيم الدنيا أكل وشرب وملبس وعطر ومال، وباقي عمره عاشه في نعيم الدعوة تعب ونصب، وهذا نعيم الرجال، كان رضي الله عنه رجلاً بمعنى الكلمة، وكان من أول يوم أسلم فيه رجلاً؛ فصبر وقت الابتلاء، وصمد أمام المغريات، وتحمَّل الإيذاء مع المؤمنين ما كلَّ وما بدَّل، وهاجر إلى الحبشة فما سخط وما قنط، كان في كل مواقفه رجلاً، شهد بدرًا رجلاً، واستشهد يوم أحد مقبلاً غير مدبر؛ لأنه رجلاً، كانت صورة استشهاده أروع ما تكون، فقد حمل الراية بيمينه فضربه بن قمئة فقطعها فحملها بيساره، فضربه عليها فقطعها ثم حملها بعضديه وضمها إلى صدره، فطعنه في ظهره فسقط، ولم تسقط الراية؛ لأن علي رضي الله عنه أدركه وحملها، ثم نزلت فيه وفي أصحابه يومها (مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23)) (الأحزاب).   * تبدل حال مصعب من عشق الدنيا وبهرجها إلى عشق الرسالة وروعتها، وخرج من مكة بأمر من رسول الله إلى المدينة؛ ليكون أول سفير يعلِّم الناس القرآن ويعرض عليهم الإسلام، فخرج مخلصًا صادقًا، وأتمَّ ما كلفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم على أتم وجه وكانت المفاجآت.. لقد اعترضه هناك بعض الناس في بداية أمره، وليست المفاجأة اعتراض الناس، إنما المفاجأة أن أول مَن اعترضوه كانوا أول من أسلموا وأسلم قومهم على أيديهم.   جاءه أسيد بن حضير موجهًا حربته إليه وهو في مجلس مع أسعد بن زرارة، يعلم بعض أهل المدينة القرآن، وقال له جئت لتفرِّق بيننا، وتسفه أحلامنا وآلهتنا، اخرج من هنا ومن أتى بك، فقال هلا جلست إلينا تسمع منا، فإن كان الخير قبلت، وإن كان الشر فقد كفيت نفسك، فقبل أسيد، وما أن سمع لمصعب حتى انتفض ليعلن إسلامه في التو، ثم ذهب وأرسل سعد بن معاذ، فكان منه ما كان من أسيد، وأعلن إسلامه، ثم تبعه سعد بن عبادة ثم أسلم القوم، ولأن مصعب أخلص في دعوته، فقد أخرج جيلاً رائعًا عاملاً مجاهدًا يدافع عن الإسلام ويحميه وينشره في ربوع الدنيا، ولأنه مخلص، فما اكتفى أن يُخرج رجالاً يعلمون الناس القرآن، بل أخرج رجلاً إذا قرأ استمعت إليه ملائكة السماء؛ إنه أسيد بن حضير رضي الله عنه، ولأنه مخلص لم يكتفِ أن يخرج للدنيا رجالاً، يحيون ويموتون، ولا يسمع بهم أحد، ولا تستفيد منهم الدنيا، بل أخرج سعد بن معاذ يساند الرسول صلى الله عليه وسلم في كل موقف ويدعمه في كل غزوة.   كلماته كانت تطمئن قلب النبي، فهو القائل له: "والله يا رسول الله، إنا لنمنعك مما نمنع منه نساءنا وذرارينا"، وهو القائل له: "والله لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك"، لقد كان يقول لرسول الله ما يحب أن يسمعه وربما زاد، ولما مات رضي الله عنه اهتزَّ لموته عرش الرحمن، إنها بركة الصدق والإخلاص في الدعوة التي جعلت نور مصعب يخرج للدنيا نجمين أضاءا الحياة وأرشدا كثيرًا من البشرية، نجم للقرآن يضيء به الأفئدة والقلوب، ونجم للمواقف يضيء به العقول والصدور.   لقد عاد مصعب إلى مكة في العام التالي على رأس وفدٍ قوامه 70 رجلاً؛ ليبايعوا رسول الله وترك المدينة، وما فيها بيت إلا ودخله الإسلام، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن المدينة اليوم مؤهلة للهجرة وحسن استقباله، هذا الجيل الذي تركه مصعب هدية للإسلام ونبيه كان ثمرة الإخلاص والصدق والطهر القلبي والنفسي والعقلي لمصعب رضي الله عنه، فما حال قلوبنا يا شباب وما دورنا في تجليتها وصلاحها؟   * إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى مصعب مرتين مرة بعد أن أسلم ورآه يومًا، وهو يكاد يسقط مما أصابه من شدة الإعياء والتعب، وعليه ثوب خشن تعف نفس الناس اليوم أن تراه، لا أن تلبسه وجلده يتطاير من شدة الجفاف والخشونة، فأمعن إليه النظر، وبكى صلى الله عليه وسلم وهو يتذكر حال مصعب قبل إسلامه ودعا له بالخير، والثانية يوم أحد، وما أدراك ما يوم أحد، وما كان منه من حزن أصاب قلب رسول الله، بكاه صلى الله عليه وسلم يومها وسبعين من أصحابه كلهم عظماء أبطال، عبروا بالإسلام بحر الفتن وشقوا عبابه، واقتحموا أمواجه الهائجة الثائرة فأنقذوا الدين، وذهبوا تاركين رسول الله لينالوا عظيم جزائهم من الله، ومرَّ الرسول صلى الله عليه وسلم يتفقد الشهداء، فوجد بينهم مصعب، فوقف عنده، وأخذ ينظر إليه ودموعه تسيل على وجهه وهو يتذكر..   يا لله.. مصعب الذي ربما ما ارتدى ثوبًا مرتين من ثراء أهله، واليوم لا يجد له القوم كفنًا، يا لله.. ما هذه الحال، يا لله.. مصعب الذي كان يغمر مكة بطيب عطره اليوم يخضب الأرض ويسقي الرمال من طهر دمه، يا لله.. مصعب الفتى المدلل المنعم اليوم صار صريعًا، لا يحتضنه صدر، ولا يحتويه بيت، وهو من هو قبل الإسلام، دار شريط الذكريات أمام عينيه صلى الله عليه وسلم، ونظر فإذا القوم يجدون لمصعب كفنًا، إنه ثوبه القصير كلما جعلوه على رأسه كُشفت قدماه، وكلما جعلوه على قدميه كشفت رأسه، فبكى صلى الله عليه وسلم، وقال اجعلوه على رأسه، واجعلوا على قدمه الإذخر ثم قرأ (مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23)) (الأحزاب)، تلك يا شباب تضحيات مصعب رضي الله عنه، فما تضحياتنا للدين، تعالوا نراجع أنفسنا في أوقاتنا وأموالنا وأعمالنا، ونرى مستوى تضحياتنا لهذا الدين؟   * مصعب رضي الله عنه ترك الدنيا بما فيها وما عليها من نعيم وشقاء، ليلقى ربه شهيدًا "ومن أراد أن يموت شهيدًا، فليحيا حياة الشهداء"، لقي ربه مقبلاً غير مدبر، وترك للإسلام ميراثًا عظيمًا، فهو فاتح المدينة قبل رسول الله بأمر منه، وممهد أرض المدينة لقيام دولة الإسلام الأولى؛ فماذا فتحنا نحن لهذا الإسلام وعندنا آلاف المدارس والجامعات والمعاهد والقرى والنجوع، تحتاج فقط لمن يعلمها الإسلام، ويرشدها الطريق، ويأخذ بها إلى الخير ويذكرها بالله، ما أسهل المهمة، ولا سيما بعد الثورة المباركة؛ ولكن أين من يتصدى للمهمة؛ فيعمل بجد، إن كل ما يرغبه الناس اليوم أن يجدوا على الخير أعوانًا، فلا تعجزوا أن تكونوا أعوان الناس على الخير، فمصعب بدَّل كفر الناس إيمانًا، وأنتم فقط تمسحون التراب من على القلوب المسلمة.   * إن من يقرأ حياة مصعب، وخاصة قبل الإسلام، يهيم بخياله يا ترى كم كان رصيد مصعب وأهله من الأموال؛ لكن يا شباب هل تخيلنا ما رصيد مصعب اليوم من حسنات، جلست أتخيل ذلك فما استطعت؛ لأن ذلك لا يُحصى، جلست أتخيل ما يُوضع في ميزان مصعب يوم القيامة قلت كفاه من أسلموا وكفاه من تعلموا منه القرآن كفاه من تعلموا ممن علمهم، كفاه جهاده يوم بدر وأحد، كفاه موته وحمله الراية، كفاه أنه فتح المدينة ومهَّد للدولة الإسلامية، وكفاه أن أهل المدينة هم من حملوا الإسلام واستقبلوه وله أجرهم كلهم، يا لله.. هل تتخيلون معي يا شباب أجر مصعب ورصيد حسناته لا يعقل، ولا يتخيل، أترك لك الفرصة تتخيل أنت علّ ذلك ينبهك من رقدتك وغفلتك.   * يا شباب تلك رسائل مختصرة من حياة مصعب رضي الله عنه، فهل رغبنا في التعلم منها، إن الله عنده جنة، فهل رغبنا في جنة الله، أم إننا ننتظر أن يعمل فينا قانون الاستبدال والعياذ بالله؟!..   هيا نستعين بالله ونبدأ العمل ونستغفر عما مضى، والله يغفر ويرحم ويرشد وينعم وإليه المصير.. وإلى لقاء جديد.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل